الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُوصَفُ به العبادُ، يوصفُ الله به على ما يليقُ به، ويُوصَفُ العبادُ على ما يَليقُ بهم من ذلك.
[رفض التأويل الكلامي]
7 -
رفض التأويل الكلامي: إِن التأويل عند المتكلمين عامةً يقتضي اتخاذَ العقل أصلًا في التفسير مقدمًا على الشرع، فإِذا ظَهَرَ تعارض بينهما، فينبغي تأويلُ النصوص إِلى ما يُوافِقُ مقتضى العقل، كتأويل أدلة الرؤية، وأدلة العلو، وآيات الصفات، وما إِلى ذلك، والسلفُ يرفُضُون هذا النوع من التأويل، ويُخَطِّئُون القائل به، ويَشْتَدُّونَ في النكير عليه، لأنه يُفْضِي إلى تعطيل النصوص، والتجاوز بها إِلى معانٍ وآراء مدخولة، تستهدفُ هدمَ الشريعة، وإِضلالَ معتَقِدِيها، وبلبلةَ مَا استقرَّ في قلوبهم، وامتَزَجَ بنفوسهم من عقائد واضحة لا لَبْسَ فيها، ولا شائبة من غموضٍ، والتأويل الصحيحَ المقبولُ عندهم هو الذي يُوافق ما دَلَّتْ عليه النصوصُ، وجاءَتْ به السنةُ، وغيرُه هو الفاسدُ.
[تقييد العقل وعدَمُ الاعتداد به في غير مجاله]
8 -
تقييد العقل وعدَمُ الاعتداد به في غير مجاله: إِنَّ العقل وسيلةٌ محدودة من وسائل المعرفة، لا يُدرك غير الأمور المحسوسة على سبيل التّيَقُّن، ويدرك الأمور
الغيبية على سبيل فهم المعنى فقط، دون الكيفية، فالسلف يؤمنون بإِثبات ما أخبر به النص في ما يتعلق بالأمور الغيبية، ويصدقون به، ولا يتعرضون للبحث في كيفيته، لأن ذلك مما يعز على العقل مَرَامُه.
وليس عدم الاعتداد بالعقل فيما لا يدخل في مجاله إلغاء للعقل بالكلية، فقد أجمع المسلمون على أنه لا تكليف على صبيٍّ ولا مجنون، وأنه لا بُدَّ من نظر العقل، ولذلك أمر الله بتدبر كتابه، ولا يمكن أن يتحقق هذا التدبر إِلا بالعقل، وإِنما الممنوع أن يستخدم العقل في غير موضعه، أو أن يخضع في الاستدلال لمنهجِ يخالف المنهج الذي جاء في القرآن والسنة.
فهم لا يُعلُونَ من شأن العقل، ولا يُغالون في أحكامه، ولا يحكمون باستقلاله وكفايته، وإِنما يضعونه في موضعه اللائق به، فَيستَعملونَه في نطاق قُدَرتِه وإِمكاناته في النظر في ملكوت السمَّاوَات والأرَض، وفي الاجتهاد فيَ القضايا العملية، وفي اكتشافِ العلومِ المادِّيَّة، التي تهدفُ إِلى ترقية المجتمع وتطويرِه، وهذا من تمام علمهم، وبُعْد نظرِهم، وسلامةِ تفكيرهم، ولو كان العقل يفسَّرُ بواسطتهَ
كُلّ الأشياء، لما كان هناك حاجةٌ إِلى إِرسال الرسل، وإِنزال الكتب السماوية.
يقول ابن خلدون في " مقدمته "(1) .
" العقلُ ميزان صحيحٌ، فأحكامُه يقينيّةٌ لا كَذِب فيها، غير أنك لا تَطْمُعُ أن تَزِنَ به أمورَ التوحيد، والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائِقَ الصفات الإِلهية، وكلَّ ما وراءَ طًوره، فإنِ ذلك طمعٌ في محال، ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب، فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا يدل على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن العقل قد يقف عنده، ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته، فإِنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه ".
ويقول السرهندي: (2) .
" إِن طور النبوة وراء العقل والتفكير، فالحقائق التي يعجز العقل عن إِدراكها، تأتي النبوة لتثبيتها وتحققها ولو كان العقل كافيًا وحده، لما بعث الأنبياء صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين، ولما ربط عذاب الآخرة ببعثتهم:
(1) الصفحة: (364 - 365) .
(2)
في الرسالة رقم (36) المجموعة الثالثة.
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]
والعقلُ حجةٌ، ولكنه ليس بحجةِ بالغة، وليس في حجته بكامل، وقد تحققت الحجة البَالغة ببعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلوات والتسليم، فقطعت ألسنة المكلفين، وقضت على معاذيرهم، يقول الله تعالى:
ولما ثبت عجز العقل وقصوره في بعض القضايا، فليس من المستحسن أن توزن جميع الأحكام الشرعية في ميزان العقل، وإن محاولة التطبيق بين العقل وبين الأحكام الشرعية بصفة دائمة، والتزام ذلك، والتقيد به، حكم بكفاية العقل وغناه، وإنكارٌ للنبوة. أعاذنا الله تعالى منه ".
ويقول أيضًا:
" إِن إِخضاع أخبار الأنبياء الصادقة للطريقة العقلية للبحث والتأمل، والتحقيق والتوفيق بينهما، إِنكار في الحقيقة للنبوة، فالاعتماد في هذه القضايا التي هي وراء طور العقل على الاتباع الكامل، والإِيمان الصادق بالأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات من غير طلب الدليل والبرهان.