المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة - مجموع رسائل الحافظ العلائي جـ ١

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌ترجمة الحافظ العلائي

- ‌أولًا: اسمه ونسبه:

- ‌ثانيًا: مولده:

- ‌ثالثًا: شيوخه:

- ‌رابعًا: تلامذته:

- ‌خامسًا: الوظائف التي شغلها

- ‌سادسًا: مصنفاته:

- ‌سابعًا: ثناء العلماء عليه:

- ‌ثامنًا: مذهبه:

- ‌تاسعًا: وفاته:

- ‌منهج تحقيق الرسائل

- ‌جزء في ذكر كليم اللَّه موسى بن عمران صلوات اللَّه وسلامه عليه وما يتعلق بقبره

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌نسخة المؤلف

- ‌النسخة المساعدة

- ‌توثيق الكتاب

- ‌رِسَالَةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا}

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌ثوثيق الكتاب

- ‌رِسَالةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}

- ‌التوصيف العلمى للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌رِسَالَة في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌تَحْرِيرُ الْمَقَالِ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌خَاتِمَةٌ

- ‌آخر تحرير المقال في تحريم الحلال

- ‌مَسْأَلَة فِي مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌تَحْقِيقُ مَنِيفِ الرُّتْبَةِ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ شَرِيفُ الصُّحْبَةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الصُّحْبَةِ حَتَّى يَنْطَلِقَ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ اسْمُ الصَّحَابِيّ

- ‌المسألة الثانية: فيما تثبت به الطرق المتقدمة

- ‌المسألة الثالثة: فى تقرير عدالة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌رَفْعُ الْإِشْكَالِ عَنْ حَدِيثِ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌العُدَّةُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالشِّدَّةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

الفصل: ‌ ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة

‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية فريدة لم أظفر بغير ذلك من النسخ الخطية:

وهي نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية ضمن مجموع تحت رقم (3602) ج.

- اسم الناسخ: يحيى بن أبي النصر بن أحمد بن حامد الأنصاري المالكي.

- تاريخ النسخ: ثامن عشر جمادى الأول سنة تسع عشرة بعد الألف.

- نوع النسخ: نسخ معتاد.

- عدد الأوراق: 10 ورقات.

‌توثيق الكتاب:

الناظر في هذه الرسالة يعلم إن شاء اللَّه تعالى أنها من تصنيف الإمام الحافظ العلائي من خلال أسانيده وشيوخه الذين روى عنهم وأسلوبه في التأليف، وأيضًا: وجد على طرة النسخة الخطية نسبة هذه الرسالة للإمام العلائي.

ص: 146

الورقة الأولى

ص: 147

الورقة الأخيرة

ص: 148

بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَلْتُ

قوله تعالى:

{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (1).

جميع ما تقدم من الآيات من قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} . . (2) إلى هنا إنما هو خطاب مع اليهود، والخطاب في هذه الآية للنصارى، هذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين، وجوز بعض الأئمة أن يكون الخطاب فيها للفريقين جميعًا؛ لأن كلا منهما غلا في حق المسيح عليه الصلاة والسلام، فاليهود غلت في طرف الرد والإنكار حتَّى قالوا فيه ما قالوا وبهتوا أمه بما برأها اللَّه منه، والنصارى غلت في تعظيمه حتى قالوا: هو ابن اللَّه؛ فرد اللَّه تعالى عليهم جميعًا ونهاهم عن ذلك بهذه الآية، وهذا فيه نظر من جهة أن قول اليهود في عيسى عليه السلام ليس غلوًّا وإنما هو بخس لحقه.

والغلو: تجاوز الحد في جانب المدح، ولو قدر أن يكون الغلو في جانب الذم أَيضًا فقوله تعالى في هذه الآية بعد ذلك:{وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} (3) يؤيد قول جمهور المفسرين أن الخطاب بها للنصارى.

وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (4) يعني: لا تصفوه بالحلول في بدن

(1) النساء: الآية 171.

(2)

النساء: الآية 153.

(3)

النساء: الآية 171.

(4)

النساء: الآية 171.

ص: 149

الإنسان والاتحاد بروحه؛ فإن ذلك مح الذي حقه تعالى كما سنقرره بعد هذا إن شاء اللَّه تعالى.

و {الْحَقَّ} مفعول {تَقُولُوا} أي: ولا تقولوا إلا القول الحق؛ لأنه بمعنى لا تذكروا ولا تعتقدوا، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي: القول الحق.

والقول هنا: هو الذي تعبر عنه الجملة في قولك: قلت: زيد منطلق، أي: قلت هذا الكلام، وأصله في اللغة: كل ما تقلقل به اللسان من الأصوات المعتمدة على المقاطع، وقد يطلق على غير ذلك مجازًا، كما في قول أبي النجم:

*قَالت لَهُ الطَّيْرُ تَقَدَّمْ رَاشِدَا*

ويطلق أَيضًا على الآراء والاعتقادات مجازًا فيقال: أنا أقول بقول الشافعي، أي: باعتقاده، ووجه هذا المجاز أن الاعتقاد لا يظهر إلا بالقول فهو سبب لظهوره فسمي به.

ثم لما منعهم اللَّه من الغلو أرشدهم إلى الطريق الحق وهو أن المسيح عيسى ابن مريم رسول اللَّه وعبده.

وَفِي تَسْمِيَةِ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْمَسِيحِ وُجُوهٌ:

قيلَ: هو اسم علم.

وَقِيلَ: هو فعيل بمعنى مفعول كأنه مسح بالدهن أو بالبركة، أو مسحه اللَّه من الذنوب وطهره من الأدناس، وهذا قول مجاهد.

وَقِيلَ: هو فعيل بمعنى فاعل، أي: عليه مسحة جمال كما يقال: فلان جميل، أو يمسح الزمن (1) فيبرأ، أو يمسح الطائر فيحيا بإذن اللَّه، أو يمسح الأرض بالمشي وهو قول مالك.

وَقِيلَ: هو معرب وأصله مشيحًا فعرب كما عرب موسى وأصله موسى، وهذا لائق بمن جعله علمًا، فأما من قال: إنه صفة فلا يتأتى هذا على مذهبه، وقرأ جعفر ابن محمد الصادق "إِنَّما الْمِسِّيحُ" بوزن السكيت.

(1) أي: المبتلى.

ص: 150

وَفِي قَولِهِ تَعَالَى: {عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} بَعْدَ ذِكْرِهِ المَسِيح وَهُوَ يَكْفِي في التَّعْرِيفِ فَائِدَتَانِ جَلِيلَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: بيان أن عيسى صلوات اللَّه عليه ليس له أبي ولا ينتسب إلا إلى أمه، فكرر اللَّه تعالى نسبته إلى أمه في القرآن كثيرًا لتستشعر النفوس ما يجب عليها من اعتقاد ذلك من تنزيه اللَّه سبحانه عن الولد وتنزيه مريم الطاهرة عما كذبته عليها اليهود لعنهم اللَّه، ولهذا المعنى ينبغي أن يكون {الْمَسِيحُ} في هذه الآية مبتدأ و {عِيسَى} بدل منه، أو عطف بيان و {ابْنُ مَرْيَمَ} هو الخبر للمبتدأ و {رَسُولُ اللَّهِ} صفة له و {وَكَلِمَتُهُ} عطف على الصفة، ويكون فائدة ذلك انحصار وصف عيسى عليه الصلاة والسلام في كونه ابن مريم فقط؛ لكونه رسول اللَّه وكلمته لما تقتضيه {إنَّمَا} من حصر المبتدأ في الخبر.

وجعل أبو البقاء {الْمَسِيحُ} مبتدأ وخبره {رَسُولُ اللَّهِ} ، و {عِيسَى} إما بدل من المبتدأ أو عطف بيان له (1) كما ذكرنا وهو متجه أَيضًا، لكن الأول أقوى؛ للفائدة التي أشرنا إليها من الحصر وإبطال ما ادعته النصارى واليهود في حقه عليه السلام، ويتأيد ذلك بإثبات الألف في ابن مريم هنا في رسم المصحف إجماعًا وذلك يرجح كون "ابْن" خبرًا لا وصفًا، واللَّه أعلم.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن عادة الملوك والأشراف أنهم لا يذكرون حرائرهم في ملأ الناس ولا يصرحون بأسمائهن بل يكنون عنهن بالأهل والعيال ونحو ذلك، فإذا ذكروا الإماء صرحوا باسمائهن ولم يصونوهن عن الابتذال، فلما قالت النصارى لعنهم اللَّه في حق اللَّه ما قالوا من جهة مريم صرح اللَّه تعالى باسمها في نحو ثلاثين موضعًا من القرآن ولم يسم في القرآن امرأة غيرها، بل كنى عن امرأة فرعون وامرأة نوح وامرأة لوط وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن عن مريم تأكيدًا للأموة والعبودية التي هي صفة لها وإجراء للكلام على عادة الرؤساء في ذكر إمائها، وهذا ذكره السهيلي صلى الله عليه وسلم وهو معنى حسن.

(1)"التبيان في إعراب القرآن"(1/ 204).

ص: 151

و"الرَّسُولُ" أصله من الرسل وهو الانبعاث على تؤدة ورفق، يقال: ناقة رسول إذا كانت سهلة السير، ثم يصدر منه الرفق فقط تارة فيقال لمن أمر به: على رسلك وإن لم يكن ثَمَّ سير، وتارة الانبعاث فقط فاشتق منه لفظ الرسول.

وأما في حق رسول اللَّه فلا يخلو عن المعنى الآخر؛ لما أمر به رسل اللَّه من الرفق بأممهم:

قال اللَّه سبحانه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} (1).

وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} . . . الآية (2).

وَفِي وَصْفِ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِأنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَائِدَتَانِ أَيْضًا:

إِحْدَاهُمَا: الرد على اليهود لعنهم اللَّه في إنكارهم نبوة عيسى عليه الصلاة والسلام وطعنهم عليه.

وَالثَّانِيَةُ: الرد على النصارى لعنهم اللَّه تعالى في دعواهم أنه ابن اللَّه؛ إذ لو كان ابنه أو شريكًا له في الإلهية لم يرسله، ويقوى هذا بالإعراب الذي ذكره أبو البقاء (3) رحمه الله من جعله خبر المبتدأ {رَسُولِ اللَّهِ} فيكون مفيدًا انحصار عيسى في هذا الوصف، واللَّه أعلم.

ومعنى كون عيسى ابن مريم كلمة اللَّه: أنه وجد بكلمة اللَّه وأمره لا غير، من غير واسطة أب ولا نطفة.

والمراد بكلمة اللَّه: قوله تعالى: {كُنْ} قال اللَّه سبحانه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (4).

وَقِيلَ: سماه كلمة؛ لأن اللَّه سبحانه بشر به في الكتب السالفة فلما. . . (5).

كما يقول الذي يخبر بشيء أنه سيقع فلما يوجد: قد جاء قولي وكلامي.

(1) طه: الآية 44.

(2)

آل عمران: الآية 159.

(3)

"التبيان في إعراب القرآن"(1/ 204).

(4)

آل عمران: الآية 59.

(5)

قطع في المخطوط أذهب بقية الكلام.

ص: 152

وَقِيلَ: لأن اللَّه يهدي به كما عدي بكلمته، وقيل غير ذلك، والمعنى الأول أظهر.

ومعنى {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} : أوصلها إليها وحصلها فيها.

وذكر العلماء في معنى قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} وجوها:

أَحَدُهَا وهو الذي اختاره صاحب "الكشاف" ما تقدم في جعله كلمة اللَّه ومعنى ذلك أنه ذو روح وجسد وليس جزءًا من ذي روح وجسد كالنطفة المنفصلة من الأب الحي، وإنما اخترع اختراعًا من عند اللَّه بقدرته الخالصة (1)، قال أبي بن كعب رضي الله عنه: خلق اللَّه تعالى أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق، ثم ردها إلى صلب آدم عليه السلام وأمسك عنه روح عيسى عليه السلام فلما أن أراد سبحانه وتعالى خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم فكان عيسى (2).

ومعنى. . . (3)

في نار أمر صاحبه بالنفخ فيها:

فقلت له ارفعها إليك وأحيها

بروحك. . . البيت

روي أن جبريل عليه السلام نفخ في درع مريم فحملت بإذن اللَّه وأمره.

وعلى هذا الوجه معنى قوله {مِّنْهُ} : بأمره؛ لأن نفخ جبريل كان بإذن اللَّه وأمره.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أن معنى الروح هنا: الرحمة، وقد قيل في تفسير قوله تعالى:{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (4) أي: برحمة، وكذلك قيل في قراءة {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} (5) بضم الراء، أي: فرحمة.

(1)"الكشاف"(1/ 298).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره"(4/ 372) بنحوه، وقد قطعت بعض كلمات من الأصل فأتممتها من تفسير القرطبي (3/ 205) لأنه أقرب إلى لفظ المؤلف.

(3)

قطع في المخطوط أذهب بقية الكلام.

(4)

المجادلة: الآية 22.

(5)

الواقعة: الآية 89.

ص: 153

فعيسى صلى الله عليه وسلم كان رحمة من اللَّه لمن اتبعه وأطاعه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَّا رَحْمَةٌ مُهدَاة"(1) وهذا الوجه يلزم منه تسمية النبي صلى الله عليه وسلم روح اللَّه ولم يطلق عليه، والأولان أقوى.

وقيل أيضًا فيه وجه رابع: وهو أن المراد بالروح ها هنا جبريل عليه السلام؛ لأنه يطلق عليه الروح، قال اللَّه تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (2) ويكون "رُوح" هنا معطوفًا على الضمير المستكن في {أَلْقَاهَا} وتأويله: ألقاها اللَّه إلى مريم وجبريل.

ومعنى {مِّنْهُ} أي: بإذنه وأمره، كقولك: قلت لفلان منك قولًا، أي: بإذنك في ذلك، وهذا وجه صحيح أَيضًا، وعلى الأوجه الأول يكون "رُوح" معطوفًا على "رسول" الخبر.

وأما {أَلْقَاهَا} فهو في موضع الحال، و"قَدْ" مقدرة معه، هذا على قول الجمهور، وأما عند سيبويه فإنه يمنع وقوع الماضي المثبت حالًا إلَّا بأن يلفظ بـ "قَدْ" معه، وفي [. . .](3)

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (4) إنما جمع الرسل لأن المراد أن يدخلوا في دين الإِسلام، فلو قيل:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} لتوهم عود الضمير إلى عيسى عليه السلام ولم يكن فيه حمل على الدخول في هذا الدين، وأما الإيمان باللَّه وجميع الرسل فإنه

(1) رواه الدارمي (15) من طريق الأَعمش، عن أبي صالح مرسلًا.

ورواه الحاكم (1/ 91) من طريق مالك بن سعير، عن الأَعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وقال: صحيح على شرطهما.

قال الدارقطني في "العلل"(1897) وقد سئل عنه: يرويه الأَعمش، واختلف عنه: فرواه مالك بن سعير عن الأَعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وخالفه وكيع فرواه عن الأَعمش عن أبي صالح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو الصواب.

(2)

الشعراء: الآية 193.

(3)

قطع في المخطوط بمقدار ثلاثة أسطر، فاللَّه المستعان.

(4)

آل عمران: الآية 179.

ص: 154

من خصائص هذا الدين القويم.

وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} "ثَلَاثَةٌ" خبر مبتدأ محذوف، ويحتمل أن يكون المبتدأ "اللَّه ثَلَاثَةٌ" ويكون ذلك ردًّا على من يقول منهم: الإله جوهر واحد مشتمل على ثلاثة أقانيم (1): أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، ويريدون باقنوم الأب: الذات، وبأقنوم الابن: العلم، وبأقنوم روح القدس: الحياة، وهذا قول اليعقوبية منهم لعنهم اللَّه وهم الذين عناهم اللَّه سبحانه بقوله:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (2).

ويحتمل أن يكون المبتدأ: ولا تقولوا الآلهة ثلاثة، ويكون ردًّا على القائلين منهم بأن اللَّه والمسيح ومريم ثلاثة آلهة تعالى اللَّه عما يقولون علوًّا كبيرًا، وهذا قول الملكية لعنهم اللَّه وهم جمهور النصارى قالوا: إن عيسىى عليه السلام إله تام كله وإنسان تام كله ليس أحدهما غير الآخر، وأن الإنسان منه هو الذي صلب وقتل، وأن الإله منه لم ينله شيء، وأن مريم ولدت الإله والإنسان معًا وأنهما معًا شيء واحد، تعالى اللَّه عن كفرهم وهؤلاء هم الذين عناهم اللَّه سبحانه بقوله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (3).

والنسطورية فرقة من الملكية قالوا: إن مريم لم تلد الإله وإنما ولدت الإنسان،

وأن اللَّه. . . (4).

والجاحدون علوًّا كبيرًا.

واختلف النحاة في الذي انتصب به {خَيْرًا} في قوله تعالى هنا: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} وذلك لأن {انْتَهُوا} لازم لا يجوز أن ينتصب به ولا يجوز نصبه على تقدير إسقاط حرف الجر، أي: انتهوا عن خير لكم؛ لأنه يكون أمرًا بالشر إذ هو

(1) الأقانيم: الأصول "الصحاح": قنم. قال: وأحسبها رومية.

(2)

المائدة: الآية 17.

(3)

المائدة: الآية 73.

(4)

قطع في المخطوط بمقدار ثلاثة أسطر.

ص: 155

انتهاء عن الخير فتعين التقدير، فمذهب سيبويه أنه انتصب بفعل مقدر علم بخصوصيته مع كثرة الاستعمال، وذلك أن القائل إذا قال: انته، فقد أمره بترك شيء، وترك ذلك الشيء: فعل ضده فإنه لما قال: {انْتَهُوا} علم أن المنهي عنه شر؛ فكأنه أمرهم بالكف عن الشر وأن يأتوا الخير لا بالكف عن الشر والإمساك عنه فقط، فتقديره: انتهوا وائتوا خيرًا لكم.

وقال الكسائي: انتصب {خَيْرًا} لأنه خبر "كان" مضمرة فتقديره يكن الانتهاء خيرًا لكم، وجوز الفراء فيه وجهًا آخر وهو أنه منصوب على اتصاله بـ {انْتَهُوا} والتقدير في الأصل: انته هو خير لك، أي: الانتهاء خير لك، فهذا أسقطت "هو" اتصل بما قبله فنصب على الحال من المضمر المعرفة، وقد جوز سيبويه النصب على الحال منه، والوجهان الأولان أقوى؛ لأنه قد جاء مثله فيما ليس بمصدر نحو قولهم: وراءك أوسع لك، فعند سيبويه أن وراءك اسم لـ "ارجع"، وأوسع وصف لموصوف محذوف مع فعله أي: رأيت مكانًا أوسع لك، وعند الكسائي تقديره يكون أوسع لك وربما رجح قول الكسائي بقلة المضمر فيه، ولا يمكن هنا تقدير ما قاله الفراء.

ثم قال سبحانه: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ردًّا على النصارى في التثليث، ونصًّا على الحق أماتنا اللَّه عليه، وقد تقدم في صدر الآية أن اللَّه سبحانه وتعالى بين أن المسيح عليه الصلاة والسلام ولد لمريم. . . (1)

به اتصال الأبناء بالآباء، تعالى اللَّه وتقدس عن ذلك.

قال أبو علي الفارسي: قولهم: "واحد" اسم جرى على وجهين في كلامهم:

أَحَدُهُمَا: أن يكون اسمًا.

وَالآخَرُ: أن يكون وصفًا، فالاسم الذي ليس بصفة قولهم في العدد واحد اثنان، وأما مجيئه صفة فكقولهم: هذا شيء واحد؛ فإذا جرى هذا الاسم على اللَّه سبحانه جاز أن يكون وصفًا كالعالم والقادر، وجاز أن يكون الذي هو اسم كقولنا شيء.

(1) قطع في المخطوط بمقدار ثلاثة أسطر.

ص: 156

قُلْتُ: كل منهما هنا محتمل، فالاسم ينفي أن يكون معه إله آخر سبحانه وتعالي، والوصف ينفي أن يكون متعددًا في ذاته ويجوز أن يراد المعنيان جميعًا.

قال الإِمام فخر الدين رحمه الله: الحق سبحانه وتعالى واحد باعتبارين:

أَحَدُهُمَا: أنه ليست ذاته مركبة من اجتماع أمور كثيرة.

وَالثَّانِي: أنه ليس في الوجود ما يشاركه في كونه واجب الوجود وكونه مبدأ لجميع الكائنات، ثم قرر البرهان على كونه سبحانه واحدًا بالاعتبار الأول بأنه سبحانه لو كان مركبًا لافتقر تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكل مفتقر إلى غيره ممكن لذاته واجب لغيره فكل مركب فهو ممكن لذاته، واللَّه سبحانه واجب الوجود لذاته فليس ممكنًا فثبت أنه ليس مركبًا.

قُلْتُ: ومن وجه آخر يخص النصارى في قولهم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (1) لأنهم إما أن يقولوا بالحلول أو بالاتحاد؛ والحلول باطل؛ لأنه لا يعقل إلا إذا كان الحال مفتقرًا إلى المحل؛ فإن كان حلوله سبحانه في المسيح على وجه الجواز لم يكن الحال مفتقرًا إلى المحل فيستحيل الحلول، وإن كان على وجه الوجوب لزم افتقار الواجب إلى غيره ضرورة افتقار الحال إلى المحل ولزم من ذلك حدوث الرب سبحانه وتعالى أو قدم المحل، وكل من ذلك مستحيل، فالحلول باطل والاتحاد أَيضًا باطل؛ لأن المتحدين إما أن يبقيا عند الاتحاد أو ينعدما ويحصل ثالث أو يبقى أحدهما دون الآخر وعلى القسمين الأولين تنتفي صورة الاتحاد، وكذلك أَيضًا في القسم الثالث لاستحالة كون المعدوم عين الموجود.

وأما كونه سبحانه وتعالي واحدًا بالاعتبار الثاني، وهو أنه ليس في الوجود ما يشاركه في كونه إلهًا واجب الوجود وكونه مبدأ لجميع الكائنات فقال أصحابنا: إنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له.

(1) المائدة: الآية 17.

ص: 157

أما الأول فلأن تلك الذات المخصوصة التي هي المشار إليها بقولنا: هو الحق سبحانه إما أن تكون حاصلة في شخص آخر سواه أولا تكون كذلك، فإن كان الأول كان امتياز ذاته المعينة عن المعين الآخر لا بد وأن يكون بقيد زائد فيكون مركبًا في نفسه مما به الاشتراك وما به الامتياز، وكل مركب فهو مفتقر كما تقدم، وكل مفتقر ممكن لذاته وذلك محال في حقه سبحانه وتعالى، وإن لم يكن ذلك فقد ثبت أنه سبحانه في ذاته لا قسيم له، وأيضًا لو وجد إلهان لكان كل منهما قادرًا على كل المقدورات؛ لأن هذه من خواص الإلهية فهذا قصد كل واحد منهما إلى إيجاد شيء امتنع وقوعه بهما؛ لأن الأثر مع المؤثر التام واجب الوقوع ووجوب وقوعه بذلك يمنع أن يكون مستندًا في وقوعه إلى غير ذلك المؤثر، فلو استند إليهما لانقطع عنهما ولم يقع بواحد منهما ويمتنع أن لا يقع بواحد منهما؛ لأن المانع من وقوعه بأحدهما وقوعه بالآخر فلو لم يقع بهما لوقع بهما ويمتنع وقوعه بأحدهما دون الآخر؛ لأنه لا يكون الآخر قادرًا على كل المقدورات، وإذا بطلت كل هذه الأقسام لزم أن لا يكون الإله إلا واحدًا سبحانه وتعالى.

وأما كونه تعالى واحدًا في صفاته لا شبيه له؛ فلأن صفاته سبحانه أزلية قديمة وصفات غيره حادثة متغيرة، وأيضًا فلأن صفاته سبحانه غير متناهية بحسب التعلقات فإن علمه متعلق بجميع المعلومات وقدرته متعلقة بجميع المقدورات بخلاف صفات غيره.

وأما كونه سبحانه وتعالى واحدًا في أفعاله فظاهر؛ لأن الموجود إما واجب أو ممكن، وبرهان الحصر ما تقدم، فالواجب هو اللَّه سبحانه وتعالى والممكن ما عداه وكل ما كان ممكنًا فإنه لا يوجد ما لم يستند إلى الواجب في إيجاده؛ لأن ماهيته قابلة للوجود والعدم فيمتنع حصول أحدهما إلا بمرجح وذلك المرجح هو اللَّه سبحانه الموجد القادر ولا يختلف هذا الحكم باختلاف أقسام الممكنات سواء كان مالكًا أو مملوكًا أو فعلًا للعباد؛ لأن كل ما عداه سبحانه وتعالى فهو ملكه وتحت قدرته وتصرفه واستيلائه وليس له فيه شريك ولا معين سبحانه وتعالى.

فهذه نبذة مختصرة في تقرير وحدانيته سبحانه وتعالى وبطلان قول فرق النصارى، وبسط ذلك لا يحتمله هذا الموضع، واللَّه سبحانه الموفق بكرمه.

ص: 158

وقوله تعالى: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} فالتسبيح: تنزيه اللَّه عز وجل عن السوء والنقائص وتبعيده من ذلك، هذا مما لا اختلاف فيه عند أهل اللغة.

وأصله من السبح وهو المرُّ السريع، ومنه قوله تعالى:{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (1)، و {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} (2).

وللنحاة اختلاف طويل في {سُبْحَانَهُ} وانتصابه على ماذا يرجع حاصله إلى أنه عند سيبويه والمحققين أنه اسم موضوع موضع المصدر قائم مقامه لا أنه مصدر، وأن انتصابه لقيامه مقام المصدر وليس بعلم إلا إذا أضيف فإنه يتعرف بالإضافة، وشبهه سيبويه بقولهم حجرًا وسلامًا.

وذهب الأخفش إلى أنه علم على التسبيح سواءً استعمل مضافًا أو مقطوعًا عن الإضافة، وأن الإضافة فيه للبيان لا للتعريف نحو زيد الخيل وزيد المعارك، وأنه لا ينصرف لاجتماع الألف والنون الزائدتين فيه مع العلمية.

واحتج على ذلك بقول الأَعمش:

أقول لما جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر

فلم يصرفه مع قطعه عن الإضافة فدل على علميته وهذا هو اختيار المبرد والزمخشري وجماعة، وقد عارضهم الأولون بقول أمية بن أبي الصلت:

سبحانه ثم سبحانًا نعوذ به

وقبلنا سبح الجودي والجمد

وأجاب الفراء عن بيت الأَعمش بأن ترك التنوين فيه على تأويل ترك الإضافة، أي: إنه أراد أن يقول: سبحانك، فحذف المضاف إليه وترك المضاف على حالة نحو قول بعضهم:

إلا علالة أو بدا

هة سابح نهد الجزاره

وقول الفرزدق: *بين ذراعي وجبهة الأسد*

وبسط الكلام في ذلك ليس موضعه هذا.

(1) الأنبياء: الآية 33.

(2)

المزمل: الآية 7.

ص: 159

قال الفراء: يصلح في {سُبْحَانَهُ} (1) هنا من وعن، أي: سبحانه من أن يكون له ولد وعن أن يكون له ولد فيكون أن في موضع نصب عند الجمهور، وعند الكسائي في موضع خفض بإعمال حرف الجر مع تقديره.

ثم أتبع سبحانه وتعالى تنزيهه بقوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (2)، ومعنى ذلك أن من كان مالكًا لكل ما في السماوات وما في الأرض كان مالكًا لعيسى ومريم؛ لأنه إذا كان مالكًا لما هو أعظم منهما وما هو محتو عليهما كان مالكًا لهما بطريق الأولى، وإذا كانا مملوكين له فكيف يعقل كونه ولدًا أو كونها زوجة؛ لأنه لا يكون بعض ملكه جزءًا له فلهذا المعنى أتبع سبحانه وتعالى كل موضع نزه فيه نفسه عن الولد والصاحبة كونه مالكًا لما في السماوات وما في الأرض، ويفيد ذلك نفي الشريك أَيضًا؛ لأنه إذا كان كل ما في السماوات وما في الأرض ملكًا له فكيف يكون ما هو مملوك له شريكًا في ملكه، هذا مستحيل، وهذا المعنى هو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله:{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (3).

ثم قال تعالى ختمًا للآية: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} والمعنى أن اللَّه سبحانه كاف في تدبير المخلوقات وحفظ المحدثات فلا حاجة معه إلى القول بإثبات إله آخر، وإلى هذا أشار المتكلمون بقولهم: لما كان عالمًا بجميع المعلومات قادرًا على كل المقدورات كان كافيًا في الإلهية، فلو فرضنا إلهًا آخر معه سبحانه كان معطلًا لا فائدة فيه، وذلك نقص، والناقص لا يكون إلها، وباللَّه التوفيق.

أخبرنا أبو محمد القاسم بن مظفر بن محمود الدمشقي قراءة عليه، عن أبي الوفاء محمود بن إبراهيم بن منده، أنا أبو عبد اللَّه الحسن بن العباس الرستمي، أنا أبو

(1) حاشية: أي التي في قوله جل ذكره: {سُبْحَانَهُ أَن} .

(2)

البقرة: الآية 255.

(3)

الروم: الآية 28.

ص: 160

عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، أنا أبي الحافظ أبو عبد اللَّه، أنا خيثمة بن سليمان [عن](1) العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي.

(ح) وأخبرنا (محمد بن يعقوب بن يوسف بن أحمد بن علي بن عمرو بن أبي سلمة)(2) قالا: ثنا الأوزاعي، حدثني عمير بن هانئ العبسي، حدثني جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ الجَنَّة عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلِ".

هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم (3) من حديث مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي به.

وأخرجه البخاري (4) ومسلم (5) أَيضًا من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عمير بن هانئ بلفظ آخر نحو هذا.

وبه إلى أبي عبد اللَّه الحافظ قال: أنا محمد بن الحسن أبو طاهر النيسابوري، ثنا عبد الملك بن محمد أبو قلابة، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، أنا شعبة، عن خالد

(1) في الأصل: بن تحريف، والمثبت هو الصواب إن شاء اللَّه.

وخيثمة هو ابن سليمان بن حيدرة الإِمام محدث الشام أبو الحسن، أحد الثقات. ترجمته في "تذكرة الحفاظ"(834).

والعباس هو ابن الوليد بن مزيد البيروتي. ترجمته في "التقريب"(3192).

(2)

كذا في الأصل!! وهو تحريف لا محالة، واللَّه تعالى أعلم.

فمحمد بن يعقوب بن يوسف هو ابن معقل أبو العباس الأصم، ترجمته في "تاريخ دمشق"(56/ 287)، و"تذكرة الحفاظ"(835).

ولعله: محمد بن يعقوب بن يوسف عن أحمد بن علي عن عمرو بن أبي سلمة، إلا أني لم أجد من ذكر أن محمد بن يوسف روى عن أحد اسمه أحمد بن علي؛ فاللَّه المستعان.

(3)

"صحيح مسلم"(28).

(4)

"صحيح البخاري"(3435).

(5)

"صحيح مسلم"(28).

ص: 161

الحذاء، عن الوليد بن مسلم أبي بشر، عن حمران بن أَبان، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَلِمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ".

صحيح أخرجه مسلم (1) بنحو هذا اللفظ.

ورواه معاذ بن جبل (2) وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أَيضًا.

وأخرجه البخاري بغير هذا اللفظ (3).

أخبرنا أبو الفضل سليمان بن حمزة الحاكم وهدية بنت علي بن عسكر وأبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وإسماعيل بن يوسف بن مكتوم، وعبد الأحد بن أبي القاسم الحراني، وأحمد بن أبي طالب المعمر، وعيسى بن عبد الرحمن بن معالي، وزينب ابنة أحمد بن شكر، قال الثلاثة الأولون: أنا الحسن بن المبارك الربعي والأول حاضر، وقال الأولان أَيضًا والباقون: أنا عبد اللَّه بن عمر الخزيمي قالا: أنا عبد الأول بن عيسى الهروي، أنا محمد بن أبي مسعود الفارسي، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، ثنا عبد اللَّه بن محمد البغوي، ثنا العلاء بن موسى الباهلي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو -يعني ابن دينار- عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي الله عنهما قال: أخبرني من شهد معاذًا رضي الله عنه حين حضرته الوفاة يقول: اكشفوا عني سجف القبة فإني سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حديثًا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا، سمعته يقول:"مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُخْلِصًا (وَثبتًا) (4) مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ"(5).

كذا رواه سفيان بن عيينة وسعيد بن زيد وسعيد بن سليمان، عن عمرو بن دينار

(1)"صحيح مسلم"(26).

(2)

رواه أبو داود (3116)، والحاكم (1/ 503) من طريق كثير بن مرة عنه.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(3)

"صحيح البخاري"(2856)، عن معاذ قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال يا معاذ هل تدري حق اللَّه على عبادة. . .

(4)

في مصادر التخريج: "أو يقينا".

(5)

رواه أحمد (5/ 236)، وابن حبان (200).

ص: 162

وغيرهم.

ورواه عبد اللَّه بن بكر، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو، عن جابر قال: سمعت معاذًا.

أخبرنا الرباني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري بمنى شرفها اللَّه، أنا أبو الحسن علي بن هبة اللَّه الشافعي، أنا أبو شاكر يحيى بن يوسف السقلاطوني، أنا ثابت بن بندار البقال، أنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا عبد اللَّه بن بكر، ثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه قال: سمعت معاذًا رضي الله عنه حين حضر قال: ارفعوا عني سجف هذه القبة فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"(1).

رجال هذا الإسناد ثقات.

وكذلك رواه صالح بن عمر، عن حاتم، وخالفهما خالد بن الحارث ومحمد بن عبد اللَّه الأنصاري فروياه عن حاتم بن أبي صغيرة فقالا فيه عن جابر: لما حضر معاذ لم يقل فيه: سمعت معاذًا، وهذا هو الصحيح.

ورواه أنس بن مالك عن معاذ رضي الله عنهما بلفظ آخر:

أخبرناه القاسم بن مظفر الدمشقي بها، أنا علي بن أبي عبد اللَّه البغدادي وأنا في الرابعة، عن نصر بن نصر العكبري ومحمد بن عبيد اللَّه الزاغوني قالا: أنا علي بن أحمد بن البسري، أنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، ثنا يحيى -يعني ابن صاعد- ثنا لوين محمد بن سليمان، ثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَا مُعَاذُ".

قلت: لبيك يا رسول اللَّه.

قال: " بَشِّرَ النَّاسَ -أَوْ أَخْبِرِ النَّاسَ- أَنَّهُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ".

(1) رواه الطبراني (20/ 40) من طريق عبد اللَّه بن بكر، به.

ص: 163

هذا حديث متفق على صحته، أخرجاه في "الصحيحين"(1) من طرق عدة.

ورواه عبد الرحمن بن سمرة، عن معاذ أَيضًا:

أخبرناه عيسى بن عبد الرحمن المطعم بقراءتي عليه، أنا جعفر بن علي الهمداني، أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أنا عبد الرحمن بن عمر السمناني، أنا الحسن بن أحمد بن شاذان، ثنا أحمد بن كامل القاضي، ثنا عبد الملك بن محمد، ثنا قريش بن أنس، ثنا حبيب بن الشهيد، عن حميد بن هلال، عن هصان بن [كاهل](2)، عن عبد الرحمن بن سمرة، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ يَرْجعُ ذَلِكَ إِلَى قَلْبِ مُوقِنٍ دَخَلَ الْجَنَّة"(3).

ورواه أنس بن مالك عن معاذ بلفظ آخر أَيضًا:

أخبرناه أبو محمد بن أبي غالب بن عساكر، عن أبي الوفاء بن أبي إسحاق العبدي، أنا أبو عبد اللَّه الرستمي، أنا أبو عمرو بن منده، أنا أبي، أنا أحمد بن محمد ابن زياد، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا عبد اللَّه بن نمير.

(ح) قال: وأنا محمد بن عمر بن حفص، ثنا إبراهيم بن عبد اللَّه بن الحارث، ثنا يعلي بن عبيد كلاهما، عن الأَعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتينا معاذ بن جبل رضي الله عنه فقلنا: حدثنا من غرائب حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

فقال: كنت ردف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: "يَا مُعَاذُ".

قلت: لبيك يَا رسول اللَّه.

قال: "تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ"؟

(1) رواه البخاري (128)، ومسلم (32).

(2)

في الأصل: كامل. تحريف، والفبت من مصادر التخريج.

وهصان بن كاهن، ويقال: ابن كاهل العدوي، ترجمته في "تهذيب الكمال"(30/ 290).

(3)

رواه النسائي في الكبرى (10977)، وابن ماجه (3796)، وأحمد (5/ 229)، وابن حبان (203)، والحاكم (1/ 50) جميعًا من طريق حميد بن هلال.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح.

ص: 164

قلت: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: "أَن يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشرِكُوا بِهِ شَيْئًا".

ثم قال: "تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ"؟

قلت: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: "فَإنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ".

اتفقا عليه من حديث قتادة عن أنس (1).

وأخرجه مسلم (2) أيضًا من حديث عمرو بن ميمون والأسود بن هلال عن معاذ. أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم القرشي بقراءتي عليه غير مرة، أنا عبد الوهاب بن ظافر الأزدي، أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أنا محمد بن عبد السلام الأنصاري، أنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أنا علي بن عبد الرحمن بن ماتي، ثنا إبراهيم بن عبد اللَّه العبسي، ثنا وكيع بن الجراح، عن الأَعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد رضي الله عنهما شك الأَعمش- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّه، مَن لَقِيَ اللَّه بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ لَمْ يُحْجَبْ عَنِ الجَنَّةِ".

أخرجه مسلم (3) من حديث أبي معاوية، عن الأَعمش، وفيه قصة.

أخبرنا إسماعيل بن يوسف وعيسى بن عبد الرحمن وأحمد بن طالب قالوا: أنبأنا عبد اللَّه بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن المظفر، أنا عبد اللَّه ابن حمويه، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد (4)، حدثني مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام الدستوائي، ثنا أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لَقِيَ اللَّه عز

(1) رواه البخاري (5967)، ومسلم (30).

ورواه أحمد (5/ 228، 236) من طريقين عن الأَعمش واللفظ له.

(2)

"صحيح مسلم"(30).

(3)

"صحيح مسلم"(27).

(4)

"المسند"(1062).

ص: 165

وجل لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا أَدَخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ أَدَخَلَهُ النَّارَ" (1).

رواه محمد بن عبيد، عن الأَعمش، عن أبي سفيان، عن جابر.

وكل من هذين الإسنادين على شرط مسلم.

أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن الشيرازي، أنا جدي القاضي أبو نصر محمد بن هبة اللَّه حضورًا، أنا إبراهيم بن الحسن الحصني والخضر بن شبل الحارثي قالا: أنا محمد بن الحسين الحنائي وعلي بن الحسين المدائني قالا: أنا محمد بن عبد السلام بن سعدان، ثنا محمد بن موسى بن فضالة، أنا الحسين بن محمد بن جمعة، ثنا محمد بن أحمد الصيدلاني، ثنا عيسى بن يونس، عن الأَعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شق ذلك على المسلمين، قالوا: يا رسول اللَّه وأينا لا يظلم نفسه؟!

قال: "لَيْسَ ذَلِكَ عَنى، هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ لُقمَانُ لِابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ".

هذا حديث صحيح (2).

أخبرنا أبو الفضل سليمان بن حمزة ومحمد بن موسى بن خلف وعبد اللَّه بن أحمد بن تمام الصالحيون بها قالوا: أنا يحيى بن أبي السعود الأزجي، أخبرتنا الكاتبة شهدة بنت أحمد الإبري، أنا الحسين بن أحمد بن طلحة، أنا علي بن محمد بن بشران، ثنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عبد الكريم -يعني ابن الهيثم- ثنا أبو توبة -هو الربيع بن نافع- ثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: حدثني الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثهم قال: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا صلى اللَّه عليهما بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ يَعْمَلُ بِهِنَّ، وَيَأْمُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ فَكَانَ يُبطئُ بِهِنَّ، فَقَالَ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنّكَ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ تَعْمَل بهِنَّ وَتَأْمُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَإمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ أَقُومَ فَآمُرَهُمْ بِهِنَّ

(1) رواه مسلم (93) من طريق أبي الزبير عن جابر بتمامه.

(2)

رواه البخاري (3360)، ومسلم (124) من طريق الأعمش.

ص: 166

قَالَ يَحْيَى: إِنَّكَ إِنْ تَسْبِقْنِي بِهِنَّ أَخَافْ أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي، فَجَمَعَ بَنِي إِسرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقدِسِ حَتَّى امْتَلأ الْمَسْجِدُ حَتَّى جَلَسَ النَّاسُ عَلَى الشُّرُفَاتِ، فَوَعَظَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّه تعالى أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَعْمَلُ بِهِنَّ، وَآمُرُكُم أن تَعْمَلُوا بِهِنَّ: أُولاهُنَّ أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، فَإنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَعَمَلِي، فَاعْمَلْ وَأَدِّ عَمَلَكَ، فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي عَمَلَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ فَأَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَبْدٌ كَذَلِكَ يُؤَدِّي عَمَلَهُ لِغَيْرِ سَيِّدِه؟ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَلا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا. . . " وذكر بقية الحديث، وهو صحيح أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1).

أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف المعدل، أنا الإِمام أبو عبد اللَّه محمد بن أبي الفضل المرسي، أنا منصور بن عبد المنعم الفراوي، أنا عبد الجبار بن محمد الخواري، أنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين (2)، أنا علي بن محمد المقرئ، أنا الحسن ابن محمد بن إسحاق [حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا نصر بن علي، حدثنا وهب ابن جرير، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق](3) حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، وعن عروة ابن الزبير -وصلب الحديث عن أبي بكر- عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتن أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة. . . فذكر الحديث بطوله إلى أن قال: فكلمه جعفر رضي الله عنه يعني النجاشي- فقال: كنا على دينهم -يعني دين أهل مكة- حتى بعث اللَّه عز وجل فينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وعفافه فدعا إلى أن نعبد اللَّه وحده لا شريك له ونخلع ما كان يعبد قومنا وغيرهم من دونه، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، وأمرنا بالصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم وكل

(1)"صحيح ابن خزيمة"(930).

(2)

وهو في "شعب الإيمان" له (81).

(3)

سقط من الأصل. ولعله انتقال نظر من الناسخ من إسحاق الأول إلى إسحاق الثاني، وأثبته من "شعب الإيمان".

ص: 167

ما يعرف من الأخلاق الحسنة، وعلمنا تنزيلًا جاءه من اللَّه عز وجل لا يُشبهه شيء غيره فصدقناه وآمنا به وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند اللَّه عز وجل ففارقنا عند ذلك قومنا وآذونا.

فقال النجاشي: هل معكم مما نزل عليه شيء تقرءونه علي؟

قال جعفر رضي الله عنه: نعم، فقرأ {كهيعص} فلما قرأها بكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم.

فقال النجاشي رضي الله عنه: إن هذا والكلام الذي جاء به موسى ليخرجان من مشكاة واحدة (1).

وأخبرنا أبو الربيع بن قدامة القاضي سماعًا عليه، عن إسماعيل بن علي بن باتكين، أنا أبو بكر أحمد بن المقرئ، أنا أبو الطاهر أحمد بن محمد الباقلاني، أنا ضمرة بن الحسن الكوفي، ثنا علي بن محمد الشونيزي، ثنا أحمد بن زنجويه المخرمي، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، فذكر قصة الهجرة إلى الحبشة وبعث قريش إلى النجاشي رضي الله عنه في شأنهم، وذكر نحوًا مما تقدم وزاد فيه أن جعفرًا رضي الله عنه قال للنجاشي:

وأما عيسى بن مريم فهو عبد اللَّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول.

قال: فأخذ -يعني النجاشي- عودًا منها -يعني الأرض- فقال: واللَّه ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود.

فقال عظماء الحبشة: واللَّه لئن سمعت الحبشة بهذا لتخلعنك.

فقال النجاشي: واللَّه لا أقول في عيسى ابن مريم غير هذا أبدًا. . . وذكر بقية القصة بكمالها.

أخبرنا محمد بن أبي العز الدمشقي وأحمد بن أبي طالب الصالحي ووزيرة بنت عمر التنوخي قالوا: أنا الحسين بن المبارك، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا أبو الحسن

(1) رواه أحمد (1/ 201) من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن.

ص: 168

عبد الرحمن بن المظفر، أنا عبد اللَّه بن حمويه، أنا محمد بن يوسف، ثنا الإمام محمد ابن إسماعيل، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، ثنا عمرو، عن ابن أبي هلال، أن أَبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"سَلُوهُ لِأَيِّ شيْءٍ يَصْنعُ ذَلِكَ".

فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه عز وجل يُحِبُّهُ".

كذا رواه البخاري في "صحيحه"(1).

وأخرجه مسلم، عن أحمد بن عبد الرحمن، عن ابن وهب به (2).

أخبرناه عاليًا القاسم بن مظفر بقراءتي، أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب حضورًا، أنبأنا مسعود بن الحسن الثقفي، أنا عبد الوهاب بن محمد بن منده، أنا إبراهيم -يعني ابن محمد القفال- ثنا أبو بكر -هو ابن زياد الإِمام- ثنا أحمد بن عبد الرحمن وعيسى بن إبراهيم الغافقي قالا: ثنا ابن وهب فذكره.

فوقع لنا في هذه الرواية موافقة وبدلًا لهما عاليين.

وزاد بعض الرواة فيه عن ابن وهب قال ابن أبي هلال: فحدثني محمد بن عمرو أنه بلغه أن أهل الكتاب والمشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك حتى نعرفه.

قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} .

قالوا: فما الصمد؟

قال: "الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ".

وهذه الزيادة رويت مسندة من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه (3):

(1)"صحيح البخاري"(7375).

(2)

"صحيح مسلم"(813).

(3)

رواه الترمذي (3364)، وأحمد (5/ 133)، والحاكم (2/ 589).

ص: 169

أخبرناه عبد الرحيم بن يحيى بن سلمة وأحمد بن عبد اللَّه القرشي بدمشق وأحمد ابن إدريس بن مزيز بحلب قال الأولان: أنا أحمد بن علي بن المفرج الأموي، وقال الأول أَيضًا والثالث: أنا مكي بن منصور بن علان قالا: أنا الحافظ أبو القاسم علي ابن عساكر، أنا أحمد بن الحسن بن البنا، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا علي بن محمد بن لؤلؤ، ثنا محمد بن أحمد الشطوي، ثنا أحمد بن منيع، ثنا محمد بن ميسر أبو سعد الصغاني، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل اللَّه تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} .

قال: "الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَث".

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} .

قال: "لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عِدْلٌ وَلَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ".

رواه الترمذي (1) عن أحمد بن منيع، عن الموافقة.

أخبرنا محمد بن يعقوب الجرائدي بقراءتي عليه بدمشق، أنا عبد الرحمن بن علي ابن الحاسب بمصر، أنا جدي الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي بثغر الإسكندرية، أنا أبو القاسم الفضل بن عمر، ومحمد بن أبي القاسم القصار وغيرهما بأصفهان قالوا: أنا محمد بن عبد اللَّه بن ريذة، ثنا سليمان بن أحمد الحافظ، ثنا أحمد ابن رشدين المصري، ثنا عيسى بن حماد، ثنا الليث بن سعد، عن الخليل بن مرة، عن الأزهر بن عبد اللَّه الحمصي، عن تميم الداري رضي الله عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَاحِدًا أَحَدًا صَمَدًا لَمْ يتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ الْفَ حَسَنَةٍ"(2).

الخليل بن مرة تُكلم فيه، وأزهر بن عبد اللَّه لم يدرك تميمًا، واللَّه أعلم.

(1)"جامع الترمذي"(3364).

(2)

رواه الترمذي (3473)، وأحمد (4/ 103).

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والخليل بن مرة ليس بالقوي عند أصحاب الحديث، قال محمد بن إسماعيل: هو منكر الحديث.

ص: 170

قال مؤلفه: آخر الجزء والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.

علقه مخرجه خليل بن العلائي الشافعي في يوم الثلاثاء رابع شهر جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ببيت المقدس.

وعلقه من خطه رحمه اللَّه تعالى محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن حامد غفر اللَّه لهم أجمعين وذلك في عاشر شهر رمضان المعظم قدره سنة ثمان وستين وثمانمائة بالخانقاة الفخرية من المسجد الأقصى الشريف منزل كاتبه.

وعلقته أنا من خط محمد بن أحمد بن حامد وأنا الفقير يحيى بن أبي النصر بن

أحمد بن حامد الأنصاري القدسي المالكي غفر اللَّه لنا ولهم ولجميع المسلمين أجمعين في ثامن عشر جمادى الأول من شهور سنة تسع عشرة بعد الألف أحسن ختامها.

سمع هذا الجزء من لفظه الجماعة السادة: الصدر علاء الدين علي بن فتح الدين أحمد بن عبد الواحد بن عبد اللَّه الأنصاري بن الزملكاني، والفقيه شمس الدين محمد ابن حامد بن أحمد المقدسي، والفقيه ناصر الدين محمد بن الباروقي المقيم بخانقاة الطواوشى، والشيخ محمد بن علاء الدين علي بن أحمد الطواوشي الصدفي، وعثمان إبراهيم خادمًا علاء الدين بن الزملكاني المذكور، وآخرون يوم الثلاثاء خامس شهر شوال سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بكنيسة بيت لحم.

ص: 171