الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصف النسخة الخطية
اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية لم أظفر بغيرها:
وهي النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (135) مجاميع، وهي نسخة جيدة بها بعض التحريف والتصحيف لم أعلق على ما بعضه.
- اسم الناسخ: غير معروف.
- نوع النسخ: نسخ معتاد.
- عدد الأوراق: 13 ورقة.
توثيق الكتاب:
وُجِدَ على طرة النسخة الخطية نسبة هذه الرسالة للإمام العلائي.
نسبها له صاحب "هدية العارفين"(1/ 185).
طرة النسخة الخطية
الورقة الأولى من النسخة الخطية
الورقة الأخيرة من النسخة الخطية
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا باللَّه عليه توكلت
الحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد وقفت على كلام ذكره الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية رحمه الله في كتابه المسمى بـ "العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور" يتضمن الطعن في حديث: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ" بتضعيف طرقه كلها وأنه لا يصح منها شيء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاستعنت باللَّه تعالى وذكرت في هذه الأوراق ما قدر لي ذكره من الكلام على طرق هذا الحديث والجواب عن كلام أبي الخطاب بن دحية رحمه اللَّه تعالى واللَّه تعالى الموفق للصواب.
وقد روي هذا الحديث من رواية أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد، وثوبان مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وشداد بن أوس، وأبي هريرة، وجابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما حديث أبي أيوب فرواه سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، عن عمر بن ثابت الخزرجي، عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".
وهذا الحديث هو أصح ما في الباب، أخرجه مسلم في "صحيحه"(1) من حديث إسماعيل بن جعفر وعبد اللَّه بن المبارك الإمام وعبد اللَّه بن نمير، ثلاثتهم عن سعد بن سعيد به.
وأخرجه الأئمة الأربعة أصحاب السنن من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبي معاوية الضرير، وورقاء بن عمر اليشكري، ومحمد بن
(1)"صحيح مسلم"(1164).
عمرو بن علقمة، كلهم عن سعد بن سعيد به (1).
وكذلك رواه عبد الملك بن جريج (2)، وسفيان الثوري (3) ، وعمرو بن الحارث (4)، ومحاضر بن المورع (5)، وداود بن قيس الفراء (6)، وروح بن القاسم (7)، وقرة بن عبد الرحمن (8)، وعمر بن علي المقدمي (9)، كلهم عن سعد بن سعيد.
فهؤلاء خمسة عشرة نفسًا من الثقات رووه عن سعد بن سعيد.
قال أبو الخطاب بن دحية رحمه الله: هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدور على سعد بن سعيد وهو ضعيف جدًّا تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث وأخذ عن أخويه الإمامين يحيى بن سعيد القاضي وعبد ربه بن سعيد. . . ثم ذكر ما نقل عن مالك في "الموطأ" من ترك العمل بالحديث (10).
وقال الترمذي: تكلموا فيه من قبل حفظه (11).
(1) رواه أبو داود (رقم 2433) من حديث عبد العزيز بن محمد عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد، والترمذي (759) من طريق أبي معاوية، والنسائي في "السنن الكبرى"(رقم 2862) من طريق محمد بن عمرو، (رقم 2863) من طريق الدراوردي عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد، (رقم 2864) من حديث ورقاء، وابن ماجه (1716) من طريق عبد اللَّه بن نمير عن سعد بن سعيد.
(2)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 134 رقم 3902).
(3)
أخرجه الحميدي (380).
(4)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 135 رقم 3908، 3910).
(5)
رواه عبد بن حميد (228).
(6)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 134 رقم 3902).
(7)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 135 رقم 3907).
(8)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 135 رقم 3908، 3910).
(9)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 135 رقم 3909).
(10)
"الموطأ"(1/ 365 - باب جامع الصيام).
(11)
"جامع الترمذي"(3/ 132).
وقال النسائي: ليس بالقوي (1).
وقال أبو حاتم محمد بن حبان الحافظ: لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد.
قلت: وقد قال فيه يحيى بن معين: هو صالح (2).
قال: فالإمام أحمد يقدم عليه.
قال عبد اللَّه بن أحمد بن شبويه: سمعت أبا زرعة يقول: لم أزل أسمع الناس يذكرون أحمد بن حنبل ويقدمونه على يحيى بن معين وعلى أبي خيثمة.
والجرح عند الفقهاء مقدم على التعديل مع اجتماع هؤلاء على ضعفه، وكذلك أعرض عنه البخاري ولم يخرجه في "صحيحه"، والمانع من العمل بالخبر ثلاثة معان:
- الفسق؛ لقوله عز وجل {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} (3).
- أو كثرة الغفلة والإتيان بالمناكير.
- أو أن يكون مجهولًا، وهو أن لا يعرف حال الراوي في عدالته وإن عرف اسمه ونسبه.
انتهى كلامه.
والجواب عن هذا الفصل يتعلق بأمور:
أما قوله: "هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" فذلك غير مسلم؛ لأن مسلم رحمه الله أخرجه في "صحيحه"(4)، وقد اتفقت العلماء على صحة ما في هذين الكتابين أعني كتابي البخاري ومسلم نقل ذلك غير واحد من الأئمة، هذا مع التزام مصنفهما ألا يخرجا فيهما إلا الصحيح من الحديث وتسمية كل منهما كتابه بالصحيح، وإليهما المرجع في معرفة ذلك.
(1)"الضعفاء والمتروكون"(ص 130 رقم 298).
(2)
"الجرح والتعديل"(4/ 84).
(3)
الحجرات: الآية 6.
(4)
"صحيح مسلم"(1164).
وقد روي عن مسلم رحمه الله أنه قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا يعني في كتابه الصحيح؛ وإنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه.
هذا مع تحريه وإتقانه وأمانته ومعرفته بالصحيح من السقيم، فكيف يقال ذلك في حديث أخرجه واحتج برواته.
وقد روى الحاكم أبو عبد اللَّه، عن أبي الفضل محمد بن إبراهيم قال: سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم رحمهما اللَّه يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصره (1).
وقد قال أبو علي الحافظ أستاذ الحاكم المذكور: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج رحمه الله.
وأما قوله: "إنه يدور على سعد بن سعيد" فليس كذلك بل قد رواه صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد القاضي أخو سعد المذكور عن عمر بن ثابت أيضًا، أما رواية صفوان بن سليم فأخرجها أبو داود والنسائي في سننهما، وأبو حاتم بن حبان في "صحيحه"، ثلاثتهم من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد جميعًا عن عمر بن ثابت به (2).
وقد ذكر ابن دحية بعد هذا الفصل الذي قدمه رواية الدراوردي هذه فقال: وقد روي عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد بن عمر بن ثابت، وهو حديث منكر على الدراودي حتى يستر المدلس ضعف سعد بن سعيد بصحبة صفوان بن سليم وكأن صفوان هذا يستدل بذكره. . . (3) قاله ولم يروه عنه قط مالك وهو من كبار أصحاب صفوان، وأنكره مالك في "الموطأ"، ولا حدث به صفوان، وقد امتحن الدراوردي من أجله وتكلم فيه.
انتهى كلامه.
(1) انظر "تاريخ بغداد"(13/ 101)، و"تهذيب الكمال"(27/ 506).
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
(3)
كلمة غير واضحة في المخطوط.
فلنذكر ما يتعلق بهذا الفصل ثم نعود إلى الفصل الأول:
أما قوله: "هو منكر" أراد به أن راويه عن الدراوردي ضعيف فقد أخرجه أبو داود عن عبد اللَّه بن محمد النفيلي (1)، والنسائي عن خلاد بن أسلم (2)، ورواه ابن حبان في "صحيحه"(3) من حديث إسحاق بن واهويه الإمام، ورواه أبو نعيم الحافظ من حديث عبد اللَّه بن الزبير الحميدي الإمام، أربعتهم عن الدراوردي به، وكلهم ثقات محتج بهم، ومنهم إمامان كبيران، فهو مشهور عن الدراوردي.
وإن أراد به الدراوردي نفسه فهو ثقة احتج به مسلم كثيرًا في كتابه وباقي الأئمة، وروى له البخاري مقرونًا بغيره.
وقال مصعب الزبيري: كان مالك بن أنس يوثق الدراوردي (4).
وكذلك وثقه أيضًا يحيى بن معين (5) ومحمد بن سعد (6) وأبو حاتم بن حبان (7).
وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح بن سليمان وابن أبي الزناد وابن أبي أويس (8).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ويوسف الماجشون فقال: عبد العزيز محدث ويوسف شيح يخطئ (9).
وأما النسائي فإنه قال: ليس بالقوي.
(1)"سنن أبي داود"(رقم 2433).
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 163 رقم 2863).
(3)
"صحيح ابن حبان"(3634).
(4)
انظر "الجرح والتعديل"(5/ 395).
(5)
"تاريخ الدوري"(125 رقم 389).
(6)
"الطبقات الكبرى"(5/ 424).
(7)
"الثقات"(7/ 116 - 117).
(8)
"الجرح والتعديل"(5/ 396)، و"تاريخ الدوري"(3/ 230 رقم 1079).
(9)
"الجرح والتعديل"(5/ 396).
وقال في موضع آخر: ليس به بأس، وحديثه عن عبيد اللَّه بن عمر منكر (1).
وكذلك قال أحمد بن حنبل في روايته عن عبيد اللَّه بن عمر وأنه ربما كان عن [عبد اللَّه بن عمر](2) فجعله عن عبيد اللَّه أخيه.
فقد تبين أن المتكلم فيه من حديثه إنما هو ما كان عن عبيد اللَّه بن عمر، وهذا الحديث ليس منه، ولذلك لم يحتج مسلم بروايته عن عبيد اللَّه بن عمر، واحتج بما رواه عن صفوان بن سليم وغيره، ولهذا نظائر كثيرة في "الصحيحين".
هذا هشيم بن بشير إمام كبير احتجا به في "الصحيحين" كثيرًا عن عدة مشايخ ولم يحتجا بروايته عن ابن شهاب الزهري؛ لأنه قد استضعف فيما رواه عن الزهري، وليس يدل هذا على ضعف هشيم في كل رواياته.
ثم إن الدراوردي لم يذكر أحد من الأئمة أنه كان يدلس وكذلك من ذكرنا من الرواة عنه في هذا الحديث؛ فدعواه التدليس في هذه الرواية غير مقبولة إلا بدليل.
وأما تضعيفه إياها يكون مالك لم يروه عن صفوان بن سليم فهذه من أضعف الحجج عند أئمة هذا الشأن، فإن صفوان بن سليم مكثر عن الشيوخ الكبار، وقد روى عن أنس بن مالك وجابر بن عبد اللَّه، وخلق من التابعين: عن حميد بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وطاوس وسعيد بن المسيب، وجملة ما رحمه الله عنه في "الموطأ" حديثان مسندان:
أحدهما عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري حديث "الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ"(3).
والآخر عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"(4) وخمسة أحاديث أخر مراسيل، وله عنه خارج "الموطأ" أحاديث يسيرة أفتبطل جميع ما رواه الرواة الثقات عن صفوان بن
(1) انظر "تهذيب الكمال"(18/ 194).
(2)
ليس في الأصل. والمثبت من "تهذيب الكمال"(18/ 193).
(3)
"الموطأ"(1/ 109 رقم 4).
(4)
"الموطأ"(1/ 52 رقم 41).
سليم؛ لأن مالكًا لم يرو عنه هذا وهذا لا يقوله أحد من أهل الفن؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال كل ما روى الثقات الإثبات عن شيوخ مالك ما لم يروه مالك رحمه الله ومن ذلك في "الصحيحين" شيء كثير فأقر به:
ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي وأبي علقمة عبد اللَّه بن محمد الفروي، عن صفوان بن سليم، عن عبد اللَّه بن سلمان الأغر، عن أبيه، عن أبي هريرة حديث:"إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ. . . " الحديث (1).
وعن حديث [عبد العزيز](2) بن المطلب، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار وحميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة حديث:"لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ. . . " الحديث (3).
وعن حديث يزيد بن أبي حبيب عن صفوان بن سليم، عن عبد الرحمن بن سعد الأعرج، عن أبي هريرة قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} . . . (4).
أفتكون هذه الأحاديث مع عدالة رواتها واحتجاج مسلم بها غير صحيحة لأن مالكًا لم يروها عن صفوان بن سليم.
قال ابن أبي حاتم: عمر بن ثابت. سمع: أبا أيوب الأنصاري، يروي عنه: الزهري، وصفوان بن سليم. . . وذكر جماعة ثم قال: سمعت أبي يقول ذلك (5).
فهذا أبو حاتم الرازي رحمه الله يذكر رواية صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت بها الجملة.
وأما قوله: "وأنكره مالك في "الموطأ". فليس كذلك إنما أنكر مالك رحمه الله
(1)"صحيح مسلم"(117).
(2)
في الأصل: عبد الرحمن. تحريف، والمثبت من الصحيح.
(3)
"صحيح مسلم"(57/ 103).
(4)
"صحيح مسلم"(578/ 109).
(5)
"الجرح والتعديل"(6/ 101 رقم 526).
عمل الناس بها ولم يتعرض إلى إنكار الحديث أصلًا، لا رواية سعد بن سعيد ولا رواية صفوان بن سليم، وسيأتي الكلام في ذلك مع ما نقل فيه عن مالك رحمه الله.
وقوله: "ولا حدث به صفوان" دعوى غير مقبولة مع وجود رواية الدراوردي وهو ثقة كما تقدم للحديث عنه، فهو قطع على نفي من غير دليل مع وجود معارض لها لنا صحيح.
وقوله: "وقد امتحن الدراوردي من أجله وتكلم فيه" شيء لم نجده في كتب الجرح والتعديل أن الكلام في الدراوردي من أجل هذه الرواية ولا ذكره أحد غيره، وقد تقدم أن الحديث أخرجه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" وشرطه قريب من شرط الشيخين في تخريج الصحيح، واللَّه أعلم.
وأما رواية يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت، فقد رواه كذلك عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الملك بن محمد بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، وإسماعيل بن إبراهيم الصائغ، ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت به.
أما حديث أبي بكر فرواه النسائي في "سننه"(1) عن هشام بن عمار، عن صدقة ابن خالد -وكلاهما متفق على توثيقهما، واحتج بما روى البخاري في الصحيح- عن عتبة بن أبي حكيم -وقد وثقه أبو حاتم (2) وأبو زرعة (3) وابن معين (4) وابن حبان (5) وآخرون- عن عبد الملك بن أبي بكر به.
وأما رواية عبد الملك بن محمد بن أبي بكر الحزمي وإسماعيل بن إبراهيم الصائغ فذكرها الإِمام أبو الحسن الدارقطني رحمه الله في كتاب "العلل"(6)
(1)"السنن الكبرى"(2866)، وقال: عتبة ليس بالقوي.
(2)
"الجرح والتعديل"(6/ 371) وقال: صالح لا بأس به.
(3)
انظر "تهذيب الكمال"(19/ 302).
(4)
"تاريخ الدوري"(4/ 429 رقم 5123).
(5)
"الثقات"(7/ 271 - 272).
(6)
"العلل"(6/ 107).
وذكرها ابن حبان في كتاب "الثقات".
فإن قيل: قد رواه حفص بن غياث -وهو أثبت من ذكرت- عن يحيى بن سعيد عن أخيه سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت به؛ دل على أن يحيى بن سعيد لم يروه عن عمر بن ثابت وإلا لما رواه عن أخيه عنه، ورواه إسحاق بن أبي فروة عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عن البراء فقد اختلف فيه.
قلنا: أما إسحاق بن أبي فروة فهو متروك بالاتفاق، وقد قال الدارقطني في هذه الرواية: وهم فيها إسحاق وهمًا قبيحًا والصواب حديث أبي أيوب (1).
وأما رواية حفص بن غياث فإن عبد الملك بن أبي بكر (2) ثقة متقن روى عنه ابن شهاب مع تقدمه وأمانته ومن تابعه ثقات أيضًا؛ فالأخذ بقول الأكثر أولى لبعدهم عن الغلط، على أنه يحتمل أن يكون يحيى بن سعيد سمعه من عمر بن ثابت ومن أخيه وكان يحدث به تارة هكذا وتارة هكذا، ومثل هذا قد وقع كثيرًا في "الصحيحين" وغيرهما.
وقد رواه ابن لهيعة، عن عبد ربه بن سعيد، عن أخيه يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت به، وهو يصلح للمتابعات كما سيأتي القول في ذلك إن شاء اللَّه تعالى.
فقد تقرر بهذه الجملة أن سعد بن سعيد لم ينفرد به، وأن يحيى بن سعيد وصفوان بن سليم روياه أيضًا عن عمر بن ثابت، ثم نعود إلى ما يتعلق بالفصل الأول من كلامه على الحديث.
أما قوله: "عن سعد بن سعيد وهو ضعيف جدًّا تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث" فإن هذا. . . (3) رحمه الله من وجهين:
أحدهما: أنه لا يقال ضعيف جدًّا إلا لمن كان وضاعًا متروكًا كأبي البختري القاضي وإسحاق بن نجيح الملطي ومحمد بن سعيد المصلوب، أو لمن قاربهم
(1)"العلل"(6/ 107).
(2)
انظر "تهذيب الكمال"(18/ 289 - 291).
(3)
كلمة غير واضحة في المخطوط.
حتى خرج أنه لا يجوز الاحتجاج به كعمرو بن شمر وجابر الجعفي ويزيد الرقاشي ونحوهم، فأما من وثقه قوم وضعفه آخرون لسوء حفظه أو لشيء قريب وقد احتج به في الصحيح لا يقال فيه ضعيف جدًّا.
والثاني: أن قوله: "تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث" من أين له هذا ومن نقله غيره، فمالك رحمه الله في "الموطأ" لم ينكر إلا العلم بالحديث ولم يتعرض إلى الحديث ولا إلى رواته، وهذا أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه تعالى وهو أحد الأئمة المتميزين في هذا الشأن من أصحاب مالك لم ينقله، بل قال في الحديث: يحتمل أنه لم يبلغ مالكًا على ما سيأتي ذكره وكذلك القاضي عياض والقرطبي في شرحهما "صحيح مسلم" ولم يذكر أحد منهم عن مالك قدحًا في الحديث أو في روايته كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى.
وكون مالك رحمه الله لم يرو عن سعد بن سعيد وروى عنه أخويه لا يدل على ضعفه ولا تركه بالاتفاق إذا لم يصرح بذلك؛ لأنه يحتمل أنه لم يتفق له لقاؤه أو غير ذلك من الاحتمالات، على أن مالكًا لم يستوعب الأخذ عن جميع شيوخ المدينة، هذا سعد بن إبراهيم الزهري أحد الكبار من شيوخ المدينة والثقات الإثبات روى عن أنس بن مالك وطائفة من التابعين وكان قاضي المدينة مدة طويلة، ولم يكتب عنه مالك، ولا خلاف في أنه ثقة متفق عليه، وقد مات في سنة سبع وعشرين ومائة، وكان عُمْر مالك إذ ذاك فوق الثلاثين سنة، أفيكون سعد بن إبراهيم ضعيفًا لأن مالكًا لم يثبت عنه فقط!! وكذلك غيره من شيوخ المدينة.
قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت خالي مالكًا يقول: لقد أدركت في هذا المسجد سبعين وأشار إلى مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمن يقول قال فلان قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينًا فما أخذت منهم شيئًا لأنهم لم يكونوا من أهل الشأن، ويقدم علينا ابن شهاب الزهري وهو شاب فيزدحم على بابه (1).
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(55/ 351).
فلعل سعد بن سعيد لم يكن في الحفظ عند مالك بحال كتابته عنه، وعلى كل حال فإذا لم يصرح أحد من أئمة هذا الشأن بضعف شيخ لا يدل عدم روايته عن ذلك الشيخ على أنه ضعيف، وقد روى عن سعد بن سعيد: شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبد الملك بن جريج وسليمان بن بلال، وهؤلاء أئمة كبار.
قال أحمد بن حنبل (1) رحمه الله: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن. قال ابنه عبد اللَّه: يعني في الرجال ونصرة الحديث وتثبته للرجال.
وقال محمد بن سعد: شعبة أول من فتش عن أمر المحدثين وجانب الضعفاء والمتروكين وصار علمًا يقتدى به، وتبعه عليه بعده أهل العراق (2).
وأما قوله: "قال أحمد بن حنبل: سعد بن سعيد ضعيف. . . إلى آخره.
فنقول: أما ما ذكره عن أحمد والترمذي والنسائي فصحيح، فأما نقله عن أبي حاتم بن حبان أنه قال: لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد فهذا وهم منه رحمه الله أو تدليس، فإن هذا الكلام إنما قاله ابن حبان في سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري مولى بني ليث، وليس في كتاب الضعفاء لابن حبان سعد بن سعيد غيره، وقد صرح بنسبه وروايته عن أبيه وأخيه، فأما سعد بن سعيد الأنصاري البريء فإن ابن حبان ذكره في كتاب "الثقات" (3) في طبقة التابعين فقال: سعد بن سعيد بن قيس بن فهد فهو أخو يحيى وعبد ربه، روى عن أنس بن مالك، عداده في أهل المدينة، روى عنه ابن المبارك، كان يخطئ.
وقد نقل أبو حاتم الرازي عن يحيى بن معين أنه قال: سعد بن سعيد صالح (4).
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي: كان ثقة قليل الحديث.
(1)"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 539 رقم 3557).
(2)
لم أجده في "طبقات" ابن سعد رحمه الله، ووجدته في "تهذيب الكمال"(12/ 495) منسوبًا لغيره، واللَّه أعلم.
(3)
"الثقات"(4/ 298).
(4)
"الجرح والتعديل"(4/ 84).
وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول: كان سعد بن سعيد مؤدي يعني أنه كان لا يحفظ ويؤدي ما سمع (1).
وقال أحمد بن عدي بعد أن ذكره في كتاب "الكامل في الضعفاء": له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة ولا أرى بحديثه بأسًا لمقدار ما يرويه (2).
ثم نقول: والصحيح أن التعديل يقبل من العدل من غير ذكر سببه وأن الجرح لا يقبل منه حتى يتبين السبب؛ وذلك لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فربما أطلق أحدهم الجرح على ما في ظنه أنه جارح وليس هو بجرح في نفس الأمر، وقد عقد الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله بابًا في بعض أخبار من استسفر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحًا لتأكيد هذا القول، وليس كذلك التعديل فإن أسبابه كثيرة فيصعب على العدل أن يذكر جميع الأفعال الموجبة العدالة فاكتفي بالإطلاق فيه.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: وهذا القول هو الصواب عندنا، وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج وغيرهما، فإن البخاري قد احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين وكإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق، وهكذا فعل مسلم رحمه الله فإنه احتج بسويد بن سعيد وجماعة غيره واشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم، وسلك أبو داود السجستاني هذه الطريقة وغير واحد ممن بعده، فدل ذلك على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه وذكر موجبه (3).
قلت: وكذلك سلك بعدهم أكثر الأئمة الحفاظ كأبي حاتم بن حبان وأبي الحسن الدارقطني وأبي عبد اللَّه بن البيع الحاكم، وغيرهم ممن صنف الصحيح وتكلم في الجرح والتعديل، قال أبو حاتم بن حبان في حفظه كتابه الصحيح: وربما
(1)"الجرح والتعديل"(4/ 84).
(2)
"الكامل"(3/ 352).
(3)
"الكفاية في علم الرواية"(1/ 108 - 109).
أروي في هذا الكتاب وأحتج بمشايخ قد قدح فيهم بعض أئمتنا مثل سماك بن حرب وداود بن أبي هند ومحمد بن إسحاق بن يسار وحماد بن سلمة وأبي بكر بن عياش وأضرابهم ممن تنكب عن روايتهم بعض أئمتنا واحتج بهم البعض، فمن صح عندي بالبراهين الواضحة وصحة الاعتبار على سبيل الدين أنه ثقة احتججت به ولم أعرج على قول من قدح فيه. . . ثم ذكر كلامًا آخر في هذا المعنى مبسوطًا (1).
فإن قيل: هذا يؤدي إلى تعطيل الجرح وسدِّ باب قبوله من الأئمة المتقدمين فإنهم قل أن يتعرضوا في جرح أحد لبيان السبب بل يقتصرون على قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بثقة، ونحو هذا من الكلام.
قلت: قد أجاب الشيخ تقي الدين أبو عمر ابن الصلاح رحمه الله عن هذا الاعتراض بأن قال:
إن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به، فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك، بناء على أن مثل هذا أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف، ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته؛ قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم فافهم ذلك فإنه ملخص حسن (2).
وقال العلامة أبو الفتح القشيري رحمه الله وهو أحد المتأخرين من سلاطين العلماء ومحققيهم: ولمعرفة كون الراوي ثقة. . . (3) منها إيراد أصحاب التواريخ ألفاظ المزكين في الكتب الذين صنفت على أسماء الرجال ككتاب تاريخ البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، ومنها تخريج الشيخين أو أحدهما في الصحيح الراوي محتجين به، وهذه درجة عالية لما فيها زيادة على الأول وهو إطباق جمهور الأمة أو كلهم على تسمية الكتابين بالصحيح والرجوع إلى حكم الشيخين بالصحة فهو بمثابة إطباق
(1)"صحيح ابن حبان"(1/ 152 - 153).
(2)
"مقدمة ابن الصلاح"(ص 61).
(3)
كلمة غير واضحة في المخطوط.
الأمة أو أكثرهم على تعديل من ذكرنا، وقد وجد في هؤلاء الرجال المخرج عنهم في "الصحيحين" من تكلم فيه بعضهم، وكان شيخ شيوخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل المخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة. يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه وهكذا يعتقدونه بقول ولا بجرح عنه إلا ببيان شافٍ وبحجة ظاهرة تزيد على غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما، نعم يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات فيكون من لم يتكلم فيه أصلًا راجحًا على من تكلم فيه، فإن كانا جميعًا من رجال "الصحيحين" وهذا عند وقوع التعارض. هذا آخر كلامه.
فقد تقرر بهذه الجملة أن احتجاج صاحبي "الصحيحين" أو أحدهما بالشيخ يكون مقدمًا على قول من خرجه إذا لم يكن مفسرًا فكيف وقد وثقه جماعة آخرون مع أن الجرح المذكور فيه ليس بغليظ العبارة كقولهم: متروك وكذاب أو نحوها، فإنه يظهر من حال من تكلم فيه أن ذلك لسوء حفظه كما صرح به الحافظ أبو عيسى الترمذي وكما نبه عليه أبو حاتم بن حبان في كتاب "الثقات".
فإن قيل: فلم احتج به مسلم رحمه الله مع أنه كان يخطئ؟
قلنا: لم يكن خطؤه متفاحشًا بحيث أنه أتى بحديث منكر أو وصل مرسلًا أو رفع موقوفًا كحال غيره ممن كان رديء الحفظ نحو عطاء بن السائب وليث بن أبي سليم وغيرهما، ثم إن مسلمًا رحمه الله إنما احتج بسعد بن سعيد في حديث ظهر عنده أنه لم يخطئ فيه لوجود متابع له على روايته، وقد ذكرنا متابعة صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد له على هذه الرواية وهكذا حكم سائر الأحاديث التي خرجها صاحبي "الصحيحين" وفي إسنادهما من تكلم فيه من جهة حفظه لم يخرجها إلا وقد وجد لها متابعًا ومن تتبع هذا وجده.
ثم نقول: إن إخراج صاحبي الصحيح أو أحدهما الحديث واحتجاجهما به أقوى أن لا يكون أخرجاه بل احتجا برجاله في حديث آخر؛ وذلك لاحتمالات في سماع رواية بعضهم من بعض في ذلك الحديث الذي لم يخرجاه وهي مندفعة فيما أخرجاه، فتصحيح الحديث أقوى من تصحيح السند لهذا المعنى، فقول من قال في
هذا الحديث: "إنه لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" ليس بشيء، واللَّه أعلم.
وقوله: ولذلك أعرض عنه البخاري ولم يخرجه في "صحيحه".
يقال: على أن البخاري رحمه الله باتفاق الأئمة لم يستوعب جميع الأحاديث الصحاح ولا كل الرواة الثقات حتى يدل عدم إخراجه الشيخ على ضعفه إذا لم يصرح بتضعيفه، وقد تقدم القول في مثل هذا على أن البخاري رحمه الله قد استشهد بسعد بن سعيد في "صحيحه" فقال في كتاب الزكاة: وقال سليمان: عن سعد بن سعيد، عن عمارة بن غزية، عن عباس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. . . " الحديث (1). وقد أخرج له في كتاب "الأدب"(2) من رواية ابن المبارك عنه عن الزهري حديثًا، وذكره في "تاريخه"(3) ولم يضعفه بشيء ثم ذكر بعده سعد بن سعيد المقبري وضعفه (4).
وقوله: "والمانع من العمل بالخبر ثلاثة معان. . . إلى آخره.
يقال: هذا الكلام صحيح في الجملة لكن ليس في سعد بن سعيد هذا شيء منها، أما الجهالة والفسق فظاهر، وأما كثرة الغفلة والإتيان بالمناكير وغلبة الخطأ على حفظه فلم يقل فيه أحد من الأئمة أنه كذلك ولا أتى بمتن منكر، وقد تقدم قول الحافظ أبي أحمد بن عدي فيه: له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسًا. وهو أكثر الأئمة تفتيشًا عن أحاديث الضعاف، وكلامه هذا لا فائدة فيه، واللَّه أعلم.
ثم إن أبا الخطاب بن دحية رحمه الله ساق الحديث من طريق أبي نعيم الحافظ قال: ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا يزيد بن هارون، ثنا شعبة، عن ورقاء بن عمر، عن سعد بن سعيد به.
(1)"صحيح البخاري"(بعد رقم 1482)
(2)
"الأدب المفرد"(888).
(3)
"التاريخ الكبير"(4/ 56 رقم 1948).
(4)
"التاريخ الكبير"(4/ 56 رقم 1489).
ثم نقل عن ابن حبان أنه قال: كان الكديمي يضع الحديث (1).
وهذا إيهام منه رحمه الله بتضعيف الحديث من وجهٍ آخر لا يضر؛ لأن الحديث قد صح إلى سعد بن سعيد بطرق كثيرة، وقد ذكرنا خمسة عشر نفسًا من الثقات الذين رووه عنه، ومنهم الثلاثة الذين أخرجه مسلم رحمه الله من حديثهم.
فأما رواية ورقاء هذه فقد رواها أحمد بن حنبل رحمه الله في "مسنده"(2) عن محمد بن جعفر غندر، عن شعبة به، وأخرجها النسائي في "سننه"(3) عن أحمد بن عبد اللَّه بن الحكم عن غندر، فأي فائدة في تضعيف الكديمي إذا لم ينفرد بالحديث ولكن ليوهم أن جميع طرقه ضعيفة، واللَّه يغفر له.
وكذلك ذكره بعد هذا من طريق كامل بن طلحة الجحدري، عن ابن لهيعة، عن عبد ربه بن سعيد، عن أخيه يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت ثم تكلم في ابن لهيعة وقال: كان يدلس على الضعفاء فأسقط ذكر سعد بن سعيد الذي يرويه -فيما يزعم- عن عمر بن ثابت لضعفه ونكارة حديثه، وأسنده عن أخيه يحيى لإجماع العلماء على ثقته، ثم نقل قول من ضعفه ابن لهيعة ووهاه من الأئمة.
وهذا القول كالذي قبله أيضًا فقد تقدمت رواية عبد الملك بن أبي بكر ومن تابعه على روايته الحديث عن يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت، فلا فائدة في تضعيف الحديث إذا لم ينفرد به، على أن ابن لهيعة قد وثقه أيضًا قوم آخرون مطلقًا، وقوم إذا حدث من كتابه أو كان له متابع، وروى مسلم له في "صحيحه" مقرونًا بغيره، وقال أبو داود السجستاني (4): سمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه، وحدث عنه بحديث كثير.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: عند ابن لهيعة الأصول وعندي الفروع.
(1)"المجروحين"(2/ 313) وفيه: كان يضع الحديث على الثقات وضعًا.
(2)
"المسند"(5/ 419).
(3)
"السنن الكبرى"(2864).
(4)
"سؤالات الآجري"(2/ 175 رقم 1512).
وقال أبو طاهر بن السرح: سمعت ابن وهب يقول وسأله رجل عن حديث فحدثه به فقال له الرجل: من حدثك بهذا يا أبا محمد؟
فقال: حدثني به واللَّه الصادق البار عبد اللَّه بن لهيعة.
وفيه أقوال جيدة غير هذه وإن كان قول من ضعفه أكثر فروايته هذه تصلح للشواهد والمتابعات لرواية عبد الملك بن أبي بكر ومن تابعه، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت.
قال العلامة أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: واعلم أنه قد يدخل في باب المتابعات والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه، بل يكون معدودًا في الضعفاء، وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء: فلان يعتبر به.
قلت: وذلك مثل محمد بن إسحاق وبقية ونحوهما (1).
وأما قوله: "أسقط ابن لهيعة ذكر سعد بن سعيد لضعفه ونكارة حديثه" فهذا مجازفة منه رحمه الله فلم يقل أحد عن سعد بن سعيد أنه منكر الحديث كما زعم، وقد تقدم من القول في ذلك ما فيه كفاية.
فهذا حاصل ما ذكره ابن دحية رحمه الله من الاعتراض على حديث أبي أيوب والجواب عنه.
وقد بقي اعتراضات لم يذكرها هو فنذكرها مع الجواب عنها:
فمنها: أن يقال: الحديث اختلف في سنده على عمر بن ثابت، فرواه أبو عبد الرحمن المقرئ، عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب موقوفًا عليه من غير ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه كذلك النسائي (2) عن محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم عن أبي عبد الرحمن، وأخرجه أيضًا (3) من حديث عثمان بن
(1)"مقدمة ابن الصلاح"(ص 48).
(2)
"السنن الكبرى"(رقم 2865).
(3)
"السنن الكبرى"(رقم 2867).
عمرو بن ساج، عن عمر بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب.
وهذا يدل على أن طريقة سعد بن سعيد غير متصلة حيث لم يذكر محمد بن المنكدر بين عمر بن ثابت وأبي أيوب، وقد رواه إسماعيل بن عياش عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب، فدل على أن لرواية محمد بن المنكدر له عن أبي أيوب لها أصل، ورواه أبو داود الطيالسي (1) عن ورقاء بن عمر اليشكري، عن سعد بن سعيد عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب، وكل هذا الاختلاف في الحديث مع ما تقدم فيه يوجب ضعفه.
والجواب: أولًا: ما تقدم من أن تصحيح مسلم رحمه الله للحديث مقدم على كل ما فيه مما يقتضي ضعفه لاتفاق الأمة على صحته.
ثم نقول: أما رواية عبد ربه بن سعيد له موقوفًا فعلى قول أهل الأصول لا يضر ذلك؛ لأن الرفع فيه زيادة من ثقة مقبولة، وعلى قول أئمة الحديث لا يضر ذلك أيضًا؛ لأنهم يأخذون بقول الأحفظ والأكثر، وقد اجتمع صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد وهما إمامان جليلان وسعد بن سعيد وهو ثقة محتج به على رفعه فكان تقديم قولهم أولى.
ثم إن ابن عبد الحكم وأبا عبد الرحمن المقرئ وإن كانا ثقتين فليسا في الإتقان كمحمد بن جعفر غندر وقد رواه عن شعبة عن ورقاء عن سعد بن سعيد كرواية الجماعة عنه كما تقدم، على أن أبا عبد الرحمن المقرئ لم يتفق عنه على وقفه بل قد رواه أحمد بن يوسف السلمي شيخ مسلم في "صحيحه" وعقيل بن يحيى جميعًا عنه عن شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب مرفوعًا، أخرجه الحافظ أبو عبد اللَّه بن منده في غرائب سننه له قال: قال: أنا محمد بن الحسين القطان، ثنا أحمد بن يوسف السلمي. . . فذكره، وهذا إسناد صحيح وهو موافقة لرواية الجماعة ومقوّ لحديث صفوان بن سليم وسعد بن سعيد كما تقدم، واللَّه أعلم.
(1)"مسند الطيالسي"(رقم 594).
والأخذ يقول الحفاظ الأكثرين أولى.
وأما رواية عثمان بن عمرو بن ساج فإن النسائي رواها عن محمد بن عبد الكريم الحويطبي عن عثمان بن عمرو كما ذكرنا ثم عقبها: هذا الشيخ -يعني عثمان بن عمرو- رأيت عنده كتبًا في غير هذا فإذا أحاديثه تشبه أحاديث محمد بن أبي حميد فلا أدري أكان سماعه من محمد أم كان سماعه من أولئك المشيخة فأما الشيح يعني محمد بن عبد الكريم شيخه فكان يحدثنا عنه ولا يذكر ابن أبي حميد، فإن كان تلك الأحاديث أحاديثه عن أولئك المشيخة ولم يكن سمعه من محمد فهو ضعيف، يعني عثمان بن عمرو بن ساج قال: ومحمد بن أبي حميد ليس بشيء في الحديث.
قلت: وقد قال أبو حاتم الرازي: عثمان والوليد ابني عمرو بن ساج يكتب حديثهما ولا يحتج به (1).
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله في كتابه "الأطراف" عقيب ذكر هذه الرواية: هذا خطأ، والصواب عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب يعني من غير ذكر محمد بن المنكدر، فلا أدري هذا الكلام من كلام النسائي أو من كلام الحافظ ابن عساكر، فقد تبين أن عثمان بن عمرو ضعيف، ولو كان ثقة فروايته هذه خطأ.
وأما رواية إسماعيل بن عياش يضعف في الحجازيين ولو قلنا أنه ثقة فمحمد بن أبي حميد متفق على ضعفه ونكارة حديثه، وكأن النسائي رحمه الله أشار إلى أن عثمان بن عمرو بن ساج سرق هذه الرواية من محمد بن أبي حميد، وأن الغلط في زيادة محمد بن المنكدر إنما هو منه.
وأما رواية أبي داود الطيالسي فإنها من رواية عبد اللَّه بن عمران الأصبهاني عن أبي داود، وعبد اللَّه هذا من أفراد ابن ماجه عن سائر الكتب، وقد قال فيه أبو حاتم بن حبان: كان يغرب (2). وقد خالفه يونس بن حبيب فرواه عن أبي داود.
(1)"الجرح والتعديل"(6/ 162).
(2)
انظر "تهذيب الكمال"(15/ 380).
الطيالسي في "مسنده" عن ورقاء بن عمر عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت به (1)، وهذه الرواية موافقة لقول ابن المبارك ومن تابعه من الأئمة عن سعد بن سعيد، والأخذ بقولهم أولى من قول عبد اللَّه بن عمران الأصبهاني.
فإن قيل: والحديث بعد تقرر هذا كله مداره على عمر بن ثابت الأنصاري ولم يروه عن أبي أيوب غيره فكانت شاذًّا لا متابع له فلا يحتج به.
قلت: ليس هذا من الشاذ الذي لا يحتج به، ولو كان كذلك لكانت قطعة من أحاديث "الصحيحين" كثيرة لا يحتج بها لتفرد رواتها بها وليس كذلك بالاتفاق، هذا حديث:"إنما الأعمال بالنيات"(2) لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا علقمة بن أبي وقاص الليثي، ولا عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا يحيى بن سعيد، وهو من أشهر الأحاديث وأكثرها تكرارًا في "الصحيحين" ومثل هذا كثير في الصحيح.
وقد روى يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: ليس الشاذ أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس.
وقد قرر هذا القول وبسطه الحافظ أبو عمر وابن الصلاح وغيره بما لا حاجة إلى نقله ها هنا، ثم نقول: ليس هذا مما تفرد به عمر بن ثابت بل يكون في رواية ثوبان له عن النبي صلى الله عليه وسلم متابعة له وشواهد فيخرج بهذا عن غرائب الصحيح.
وإلى هذا أشار أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" فإنه أخرج حديث عمر بن ثابت هذا كما تقدم ذكره ثم قال بعده: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عمر بن ثابت عن أبي أيوب. وذكر حديث ثوبان كما سيأتي ذكره (3).
وقد تبين وللَّه الحمد أن حديث أبي أيوب رضي الله عنه صيام الستة أيام من شوال صحيح محتج به لا مطعن لأحد فيه، واللَّه تعالى أعلم.
(1)"مسند الطيالسي"(81 رقم 594).
(2)
رواه البخاري (رقم 1)، ومسلم (رقم 1907).
(3)
"صحيح ابن حبان"(8/ 398).
وأما حديث ثوبان مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضي عنه، فأخرجه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" من حديث هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث الذماري، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَقَدْ صَامَ السَّنَةً"(1).
ورواه ابن ماجه في "سننه"(2) عن هشام بن عمار، [عن بقية](3) عن صدقة بن خالد، عن يحيى بن الحارث به، ولفظه:"مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامِ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا". وكذلك رواه أبو بكر بن مسلم عن ثور بن يزيد، عن يحيى بن الحارث به.
أخرجه هكذا الحافظ ضياء الدين في "الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين".
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده" عن محمد بن عقبة، عن الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث، كرواية ابن حبان من غير واسطة بينهما، فيحتمل أن الوليد بن مسلم سمعه من يحيى بن الحارث ومن ثور بن يزيد عنه، وكان يرويه على الوجهين.
وأخرجه النسائي من حديث يحيى بن حمزة ومحمد بن شعيب وكلاهما عن يحيى بن الحارث الذماري، ولفظه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام رمضان وستة أيام بعده"(4).
وكذلك أخرجه الإِمام أحمد بن حنبل في "مسنده" عن أبي اليمان الحكم بن نافع، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن الحارث به (5).
وقد خالفهم جميعًا سويد بن عبد العزيز فرواه عن يحيى بن الحارث عن أبي
(1)"صحيح ابن حبان"(3635).
(2)
"سنن ابن ماجه"(رقم 1715).
(3)
ليس في الأصل. والمثبت من السنن.
(4)
"السنن الكبرى"(رقم 2860، 2861).
(5)
"مسند أحمد"(5/ 280).
الأشعث الصنعاني، عن أبي أسماء، عن ثوبان به، وقد خطأه في ذلك أبو حاتم الرازي كما سيأتي ذكره، والصحيح رواية يحيى بن الحارث عن أبي أسماء نفسه.
واسم أبي أسماء هذا عمرو بن مرثد (1)، وهو من جملة التابعين وثقاتهم، احتج به مسلم.
ويحيى بن الحارث الذماري (2) قارئ أهل الشام تابعي، سمع واثلة بن الأسقع وقرأ عليه القرآن، وقد وثقه يحيى بن معين (3) وأبو حاتم (4) وأبو داود ودحيم ويعقوب بن سفيان (5) وابن حبان (6)، ولم يضعفه أحد، وباقي رواته ثقات أيضًا محتج بهم في الصحيح خصوصًا طريق ابن ماجه وابن حبان فكلهم خلا يحيى بن الحارث احتج بهم في الصحيح، ولا مطعن في الحديث، وقد صححه أبو حاتم الرازي كما سيأتي وأخرجه ابن حبان في "صحيحه".
قال ابن دحية رحمه الله: وليس في هذا الباب حديث له سند سوى حديث ثوبان فإنه من الأحاديث المسندة الحسان، والحسن ما نزل عن درجة الصحيح عند علماء هذا الشأن، ثم قال بعد ذلك: وقد زعم بعض المحدثين أن حديث ثوبان هذا صحيح، وزعمه ريح لما رأى الإِمام أحمد قد أخرجه في "مسنده" ثم ساق الطريق التي ذكرناها للإمام أحمد من حديث إسماعيل بن عياش، ثم قال: وإسماعيل بن عياش لا يجوز قبول حديثه. وذكر قول من ضعفه من الأئمة، ثم قال: وليس لهذا الحديث طريق صحيح.
انتهى كلامه.
(1) انظر "تهذيب الكمال"(22/ 223 - 224).
(2)
انظر "تهذيب الكمال"(31/ 256 - 259).
(3)
"الجرح والتعديل"(9/ 136 رقم 575).
(4)
"الجرح والتعديل"(9/ 136 رقم 575).
(5)
"المعرفة والتاريخ"(2/ 461).
(6)
"الثقات"(5/ 530).
فيقال: هذا الكلام نحو ما تقدم من الكلام على حديث أبي أيوب من قلة الإنصاف وإيهام التضعيف بذكر بعض طرق الحديث التي فيها من ضعف ثم يقول: "وليس لهذا الحديث طريق صحيح" فقد ذكرنا أنه رواه عن يحيى بن الحارث غير إسماعيل بن عياش: الوليد بن مسلم، وصدقة بن خالد، وثور بن يزيد، ويحيى بن حمزة، ومحمد بن شعيب بن شابور، فهؤلاء خمسة من الثقات قد رووه عن يحيى بن الحارث، فأي فائدة تبقى في تضعيف إسماعيل بن عياش، ثم إنا لا نسلم ضعفه في هذه الرواية لوجود متابع له ثقة، وقد وثقه أحمد ويحيى بن معين (1) في رواية عنهما مطلقًا، وأثنى يزيد بن هارون (2) وهو أحد الأئمة على حفظه ثناءً بليغًا، وروي عن الإِمام أحمد ويحيى بن معين (3) أيضًا أنهما قالا: ما روى إسماعيل بن عياش عن الشاميين فهو صحيح وما روى عن أهل الحجاز فليس بصحيح. وكذلك قال الدارقطني وغيره، وعلى هذا القول أكثر الحفاظ بعدهم يحتجون بحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين، وهذا الحديث من روايته عن الشاميين، ثم العجب منه يقول قبل ذلك "إن حديث ثوبان من الأحاديث المسندة الحسان" بعده:"وليس لهذا الحديث طريق صحيح".
فإن قيل: أراد بذلك أنه حديث حسن وهو ما نزل عن درجة الصحيح كما صرح به ثم نفى في الثاني بلوغه درجة الصحة.
قلنا: هذا وإن كان جماعة من الأئمة قد فرقوا بين الحسن والصحيح ففيه إشكال، وذلك أن لرواة الحديث أوصافًا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت وردها إذا انتفت، فإذا الحديث الذي يقال فيه حسن إما أن يكون قد وجدت في رواته تلك الأوصاف على أقل الدرجات التي يجب معها القبول، وذلك هو الصحيح الذي يجب معها العمل به، أو لم يوجد فذلك هو الضعيف، ولا
(1)"تاريخ الدوري"(4/ 412 رقم 5032).
(2)
"الجرح والتعديل"(1/ 191 رقم 650).
(3)
انظر "تهذيب الكمال"(3/ 174).
يبقى في هذا إلا الرجوع إلى الأمر الاصطلاحي، وعلى كل تقدير فالحسن مما يحتج به ويجب قبوله بلا خلاف عندهم، وابن دحية ما أراد إلا أن يضعف طرق الحديث كلها ورد الخبر مع قوله أنه حسن قبل ذلك، وهذا ظاهر التناقض، واللَّه أعلم.
وأما حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمهما اللَّه في كتاب "العلل"(1) له فقال:
سمعت أبي وذكر حديثًا رواه سويد بن عبد العزيز، عن يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ من شَوَّالٍ. . . ".
قال أبي: هذا وهم من سويد قد سمع يحيى بن الحارث هذا الحديث من أبي أسماء إنما أراد سويد ما حدثنا صفوان بن صالح قال: ثنا مروان الطاطري، عن يحيى بن حمزة، عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ من شَوَّالٍ. . . " الحديث.
فهذا أبو حاتم الرازي قد ذكره بسند متصل رواته عن آخرهم ثقات وليس فيهم مجروح ولم أجده في غير هذا الكتاب، وأبو الأشعث الصنعاني اسمه شراحيل، وهو شامي السكن، احتج به مسلم وبمروان بن محمد الطاطري وصفوان بن صالح، قال أبو داود: هو حجة. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (2)، وباقي رجاله تقدم ذكرهم، ثم قال ابن أبي حاتم رحمهم اللَّه تعالى بعد ذلك في الكتاب المذكور: سئل أبي عن حديث رواه مروان الطاطري عن يحيى بن حمزة وذكر هذا الحديث، حديث شداد بن أوس قال: فسمعت أبي يقول: الناس يروون عن يحيى بن الحارث عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت لأبي: أيهما الصحيح؟
قال: جميعًا صحيحين (3).
(1) انظر "العلل" برقم (744).
(2)
"الثقات"(4/ 365 - 366).
(3)
"العلل"(رقم 745).
فإذا أبو حاتم الرازي أحد الأئمة الكبار من أصحاب الجرح والتعديل والمطلعين على صحيح الأخبار وسقيمها قد صحح الحديثين حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس، ولم يذكر ابن دحية رحمه الله رواية شداد بن أوس، واللَّه أعلم.
وأما حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد رواه ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وستًّا من شوال فقد صام السنة". قال: ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، فثلاثين بثلاثمائة، وستة بستين، وقد صام السنة".
أخرجه هكذا أبو نعيم الحافظ في مجلس من "أماليه" من حديث رواد بن الجراح، عن أبي النعمان الأنصاري واسمه عبد الرحمن بن النعمان، عن ليث به (1).
ورواه أبو نعيم أيضًا من حديث عبد اللَّه بن سعيد [عن أبي سعيد](2) عن أبي هريرة به (3)، ثم قال أبو نعيم عقيبه: ورواه عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أبيه، ورواه إسماعيل بن رافع عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وهذه الطرق كلها ضعيفة، وقد ذكر ابن دحية منها طريق ليث بن أبي سليم وعبد اللَّه بن سعيد المقبري، ثم ذكر قول من ضعفها وهو كذلك إلا أن طريق ليث بن أبي سليم أمثلها، فإن رواد بن الجراح قال فيه أحمد (4) ويحيى بن معين (5): لا بأس به. وفي رواية عن يحيى أيضًا: ثقة مامون (6).
وقال أبو حاتم: تغير حفظه في آخر عمره وكان محله الصدق (7).
(1)"الأمالي"(رقم 4).
(2)
ليس في الأصل. والمثبت من "الأمالي".
(3)
"الأمالي"(رقم 5).
(4)
"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 31 رقم 1457) وزاد: صاحب سنة إلا أنه حدث عن سفيان أحاديث مناكير.
(5)
"تاريخ الدوري"(4/ 425 رقم 5102) وزاد: إنما غلط في حديث سفيان الثوري.
(6)
انظر "تهذيب الكمال"(9/ 229).
(7)
"الجرح والتعديل"(3/ 524 رقم 2368).
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" وقال: يخطئ ويخالف (1).
وقد ضعفه البخاري (2) والنسائي (3) والدارقطني ويعقوب الفسوي (4) وغيرهم.
وأبو النعمان الأنصاري وثقه أبو حاتم الرازي (5) وابن حبان (6)، وضعفه يحيى ابن معين (7).
وأما ليث بن أبي سليم فإن أكثرهم ضعفوه، وقد روى أبو داود عن يحيى بن معين قال: لا بأس به.
وقال أبو أحمد ابن عدي: له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وقد روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من ثقات الناس، وهو مع الضعف الذي فيه يكتب حديثه (8).
وكذلك قال الدارقطني نحو هذا فيه، وذكر البخاري رحمه الله تعليقًا في موضعين من كتابه:
أحدهما في كتاب الطب قال: ورواه القمي يعقوب عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجم والعسل يعني شفاء (9).
واحتج به في كتاب رفع اليدين في الصلاة وغيره.
وروى له مسلم في "صحيحه" حديثًا واحدًا مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني، واحتج به أصحاب السنن الأربعة، فهذه الطريق على ما فيها من الضعف تصلح
(1)"الثقات"(8/ 246).
(2)
"التاريخ الكبير"(3/ 336 رقم 1139).
(3)
"الضعفاء"(104 رقم 203).
(4)
انظر "تهذيب الكمال"(9/ 230).
(5)
"الجرح والتعديل"(5/ 294 رقم 1391).
(6)
"الثقات"(7/ 81).
(7)
انظر "الجرح والتعديل"(5/ 294 رقم 1391).
(8)
"الكامل"(6/ 89 رقم 1617).
(9)
"صحيح البخاري"(باب الشفاء في ثلاث - بعد حديث 5680).
للشواهد والمتابعات، كما تقدم في ابن لهيعة من القول، بل هذه الطريقة أصلح منها.
وأما عبد اللَّه بن سعيد المقبري وإسماعيل بن رافع فضعيفان بالاتفاق، واللَّه أعلم.
وأما حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي عبد الرحمن المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، عن عمرو بن جابر الحضرمي، عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به (1).
وكذلك رواه عمرو بن خالد المقرئ، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن جابر به، وهذه الطريق ضعيفة من جهة عمرو بن جابر، وضعفه غير واحد ورموه بالكذب، لكن قال أبو حاتم الرازي: هو صالح له نحو عشرين حديثًا (2).
وقد قال الترمذي رحمه الله في "جامعه" عقيب حديث أبي أيوب: وفي الباب عن أبي هريرة وثوبان وجابر.
وذكر الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أن حديث جابر رواه عمرو بن دينار ومجاهد عن جابر مثله، فإن صح الإسناد إلى عمرو بن دينار ومجاهد فحسن وإلا فهذه الطريق لا تصلح لشيء.
وبالجملة فالحديث بحمد اللَّه تعالى قد صح من حديث أبي أيوب وثوبان وشداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة من طريق ليث بن أبي سليم يصلح للمتابعات لحديثهم ولا يضره ضعف باقي الطرق كما أوهم ابن دحية رحمه الله.
فصل: وأما ما نقل في ذلك عن الإِمام مالك رحمه الله ففي "الموطأ" من رواية يحيى بن يحيى وغيره قال: سمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: أنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس
(1)"المسند"(3/ 308).
(2)
"الجرح والتعديل"(6/ 223).
منه أهل الجهالة والجفاء ولو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك.
انتهى كلامه.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه الله في كتابه "الاستذكار"(1) في شرح "الموطأ": انفرد بهذا الحديث عمر بن ثابت وهو من ثقات أهل المدينة -يعني حديث أبي أيوب- ثم قال: حديث ثوبان يعضد هذا. وساقه من رواية النسائي ثم قال: لم يبلغ مالكًا رحمه الله حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه. والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يسبق ذلك إلى العامة، وكان رحمه الله متحفظًا كثير الاحتياط للدين، وأما صيام الستة أيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكًا رحمه الله لا يكره ذلك إن شاء اللَّه تعالى؛ لأن الصوم جنة، وفضله معلوم يذر الصائم طعامه وشرابه وشهوته للَّه تعالى وهو عمل بر وخير، وقد قال اللَّه تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) ومالك رحمه الله لا يجهل شيئًا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعد من فرائض الصيام مضافًا إلى رمضان، وما أظن مالكًا رحمه الله جهل الحديث واللَّه أعلم؛ لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت، وأظن عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عمر بن ثابت، وقيل: إنه روى عنه، ولولا علمه به ما أنكر بعض شيوخه إذا لم يبق في حفظه لبعض ما يرويه، وقد يمكن أن يكون جهل الحديث ولو علمه لقال به، واللَّه أعلم. هذا كله كلام ابن عبد البر رحمه الله (3).
(1)"الاستذكار"(3/ 379 - 380).
(2)
سورة الحج: الآية 77.
(3)
"الاستذكار"(3/ 379 - 380).
وأين هذا الإنصاف من كلام ابن دحية، وقوله عن عمر بن ثابت أنه ربما لم يكن عند مالك ممن يعتمد عليه إنما قاله ظنًّا منه وليس عن مالك في ذلك نقل صريح. وقد وثق عمر بن ثابت النسائي وأبو حاتم بن حبان ولم يضعفه أحدًا، وكون مالك روى عنه بعيد؛ لأنه مقدم عليه روى عن عائشة رضي الله عنها وغيرها، وروى عنه: الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وصفوان بن سليم ومحمد بن عمرو بن علقمة وعبد ربه بن سعيد، وهؤلاء كلهم شيوخ مالك رحمه الله وهم متقدمون وكذلك باقي الرواة عنه، ولم نجد لأحد من طبقة مالك عنه رواية على أن ابن أبي حاتم قد ذكر عن أبيه أن مالكًا روى عنه، فاللَّه أعلم.
وعلى تقدير أن يكون عمر بن ثابت ليس ممن يعتمد عليه فإن هذا لا يضر؛ لأنه لم يصرح بضعفه وغيره قد وثقه، والحديث قد صح أيضًا من رواية ثوبان وشداد ابن أوس فلا يضر هذا التوهم واللَّه أعلم.
وقال القاضي رحمه الله في "شرح مسلم" عند حديث أبي أيوب: أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء، وروي عن مالك وغيره كراهية ذلك لما ذكر في "الموطأ". . . إلى أن قال: قال شيوخنا: ولعل مالكًا إنما كره صومها على هذا وأن يعتقد من يصوم أنه فرض، وأما على الوجه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم فجائز، واللَّه أعلم.
وقال القرطبي رحمه الله في "شرح مسلم" أيضًا: وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جماعة من العلماء فصاموا هذه الستة أيام إثر عيد الفطر منهم الشافعي وأحمد بن حنبل وغيره ذلك، ثم ذكر كلام مالك في "الموطأ" الذي قدمناه، ثم قال: ويظهر من كلام مالك هذا أن الذي كرهه هو وأهل العلم المشار إليهم إنما هو أن يوصل تلك الأيام الستة بيوم الفطر لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان، وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد ذلك التوهم وينقطع ذلك التخيل.
قال: ومما يدل على اعتبار هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حمى الزيادة في رمضان من أوله بقوله: "إِذَا دَخَلَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ"(1)، وبقوله: "لَا
(1) رواه أبو داود (2337)، والترمذي (738)، والنسائي في الكبرى (2911)، وابن ماجه (1651)، وابن حبان (3589) من حديث أبي هريرة. =
يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ" (1).
وإذا كان هذا في أوله فينبغي أن تحمى الذريعة أيضًا من آخره؛ فإن توهم الزيادة فيه أيضًا متوقع، فأما صومها متباعدًا عن يوم الفطر بحيث يؤمن ذلك التوقع فلا يكرهه مالك ولا غيره.
وقد روى مطرف عن مالك أنه كان يصومها في خاصة نفسه، قال مطرف: وإنما كره صومها لئلا يلحق أهل الجهالة ذلك برمضان، فأما من رغب في ذلك لما جاء فيه فلم ينهه، واللَّه أعلم. هذا آخر كلام القرطبي رحمه الله.
فهؤلاء أئمة المالكيين والمتحرين فيها نقل عنه ويظهر من كلامهم أن مالكًا لم يضعف الحديث ولا أحدًا من رواته كما زعم ابن دحية وإنما كرهها لهذا التخيل.
وقد أجاب الشيخ أبو حامد الإسفراييني رحمه الله عن هذا التوهم أن الزيادة في الصوم إنما يصير ذريعة لو لم يفصل بينها وبين شهر رمضان بشيء، فأما إذا كان يفصل بينهما ولا محالة بيوم الفطر فإنه لا يؤدي إلى ذلك.
وقال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في "جامعه" بعد ذكر حديث أبي أيوب الأنصاري: وقد استحب قوم صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث.
وقال ابن المبارك: هو حسن مثل صوم ثلاثة أيام من كل شهر.
قال ابن المبارك: وروي في بعض الحديث ويلحق هذا الصيام برمضان. واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام من أول الشهر، وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: إن صام ستة أيام من شوال متفرقًا فهو جائز. ثم ذكر بعد ذلك رواية الدراوردي له عن صفوان بن سليم، كما تقدم، واللَّه أعلم.
فهذا ما يسر اللَّه من الكلام على هذا الحديث على حسب ما وقفت عليه والجواب عن كلام أبي الخطاب بن دحية رحمه الله والحمد للَّه أولًا وآخرًا، وصل اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ورضي اللَّه عن أصحاب رسول اللَّه أجمعين.
= وقال الترمذي: حسن صحيح.
(1)
رواه البخاري (1914) من حديث أبي هريرة.
قال مؤلفه: وتمت به كتابةً وجمعًا في صبيحة يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر رجب سنة عشرين وسبعمائة بدمشق المحروسة حرسها اللَّه تعالى وبلاد الإسلام وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل