المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: فيما تثبت به الطرق المتقدمة - مجموع رسائل الحافظ العلائي جـ ١

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌ترجمة الحافظ العلائي

- ‌أولًا: اسمه ونسبه:

- ‌ثانيًا: مولده:

- ‌ثالثًا: شيوخه:

- ‌رابعًا: تلامذته:

- ‌خامسًا: الوظائف التي شغلها

- ‌سادسًا: مصنفاته:

- ‌سابعًا: ثناء العلماء عليه:

- ‌ثامنًا: مذهبه:

- ‌تاسعًا: وفاته:

- ‌منهج تحقيق الرسائل

- ‌جزء في ذكر كليم اللَّه موسى بن عمران صلوات اللَّه وسلامه عليه وما يتعلق بقبره

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌نسخة المؤلف

- ‌النسخة المساعدة

- ‌توثيق الكتاب

- ‌رِسَالَةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا}

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌ثوثيق الكتاب

- ‌رِسَالةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}

- ‌التوصيف العلمى للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌رِسَالَة في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌تَحْرِيرُ الْمَقَالِ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌خَاتِمَةٌ

- ‌آخر تحرير المقال في تحريم الحلال

- ‌مَسْأَلَة فِي مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌تَحْقِيقُ مَنِيفِ الرُّتْبَةِ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ شَرِيفُ الصُّحْبَةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الصُّحْبَةِ حَتَّى يَنْطَلِقَ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ اسْمُ الصَّحَابِيّ

- ‌المسألة الثانية: فيما تثبت به الطرق المتقدمة

- ‌المسألة الثالثة: فى تقرير عدالة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌رَفْعُ الْإِشْكَالِ عَنْ حَدِيثِ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌العُدَّةُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالشِّدَّةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

الفصل: ‌المسألة الثانية: فيما تثبت به الطرق المتقدمة

النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الاصملام بين يدي أبي بكر رضي الله عنه وزوجه أخته، واللَّه أعلم.

الخامسة: إذا قيل بأن من له مجرد الرؤية من الصحابة فهل يلتحق بذلك من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاته وقبل دفنه صلى الله عليه وسلم وقد كان مسلمًا في حال حياته؟

لم أر أحدًا تعرض لهذه الصورة، وهي محتملة وليست مجرد فرض، بل قد وقعت لأبى ذؤيب الهذلي الشاعر، وقيل اسمه خويلد بن خالد في قصته المشهورة لما أخبر بمرض النبي صلى الله عليه وسلم فسافر نحوه فقبض صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى المدينة بيسير وحضر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر رضي الله عنه ثم حضر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورآه مسجى، وشهد دفنه، ولم تتقدم له رؤية قبل ذلك لكنه كان مسلمًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يبعد أن يعطى هذا حكم الصحبة لشرف ما حصل له من رؤيته صلى الله عليه وسلم قبل دفنه وصلاته عليه، وهو أقرب من عد المعاصر الذي لم يره أصلًا فيهم، أو الصغير الذي ولد في حياته، واللَّه أعلم.

‌المسألة الثانية: فيما تثبت به الطرق المتقدمة

قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: ثم إن كون الواحد منهم صحابيًّا يعرف تارة بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته أنه صحابي (1).

وقال الآمدي في "الإحكام": لو قال من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم أنا صحابي مع إسلامه وعدالته فالظاهر صدقه، ويحتمل أن لا يصدق في ذلك لكونه متهمًا بدعوى رتبة يثبتها لنفسه كما لو قال: أنا عدل أو شهد لنفسه بحق (2).

قلت: وقد بنى بعض المصنفين هذا على أن مجرد الرؤية أو الصحبة اليسيرة هل يثبت فيها مسمى الصحابي أم لا؟

فإن قلنا: يكون بذلك صحابيًّا؛ فذلك مما يتعذر فيه إثباته بالنقل دائمًا؛ إذ ربما لا يحضره حالة اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم أحد أو حال رؤيته إياه أو حضر ذلك واحد أو

(1)"مقدمة ابن الصلاح"(ص 177).

(2)

"الإحكام"(2/ 105).

ص: 260

اثنان ولم ينقل ذلك فلو لم يثبت ذلك بقوله لتعذر إثباته، بخلاف ما إذا ادعى طول الصحبة وكثرة التردد في السفر والحضر؛ فإن مثل ذلك يشاهده أقوام كثيرون فينقل ويشتهر فلا يثبت بقوله، ونظير هذا النوع: المودع والوكيل إذا ادعيا الهلاك بسبب ظاهر؛ فإنه لا يقبل قولهما إلا ببينة لإمكان ذلك بخلاف ما إذا ادعيا مطلق الهلاك أو أسنداه إلى سبب خفي؛ فإنه يقبل قولهما فيه من غير بينة.

ثم إن قول من تقدم أنه يقبل قوله: "أنا صحابي" بعد ثبوت عدالته يشمل صورتين:

إحداهما: أن يكون ثابت العدالة قبل دعواه أنه صحابي.

والثاني: أن يقول ذلك ولم يعلم حاله ثم تظهر عدالته بالاختبار بعد ذلك، وهذا ظاهر في القسمين.

ووراء هذا قسم آخر: وهو أن يذكر لقاءه النبي صلى الله عليه وسلم واجتماعه به، أو يروي شيئًا يذكر أنه سمعه منه أو شاهده يفعله ولا يعرف ذلك إلا من جهته ولا يعلم حاله قبل ولا بعد، غير أنه لم يظهر فيه ما يقتضي جرحًا.

وقد ذكر الإمام أبو الحسين بن القطان في أثناء كلام له أن الناس اختلفوا في تصحيح أحاديث هذا الصنف، فقبلها قوم وردها بعض أهل الظاهر، وفي كلامه ما يقتضي ترجيح الثاني؛ لأنهم لو ادعوا لأنفسهم أنهم ثقات لم يسمع منهم فكيف يقبل منهم ادعاء مرتبة الصحبة؟!

والذي ذهب إليه أبو عمر بن عبد البر قبول قول أمثال هؤلاء وتصحيح أحاديثهم بناء على ظاهر سلامتهم عن الكذب والفسق، وهذا هو الذي يقتضيه عمل أئمة الحديث؛ فإنهم خرجوا في مسانيدهم ومعاجمهم المصنفة على أسماء الصحابة حديث جماعة كثيرين من هذا الصنف، وكذلك كل من صنف في الصحابة يذكر هؤلاء فيهم من غير توقف، ولكن يبين الطريق إلى ذلك وأنها غريبة وأنه لا يعرف صحبته إلا بها؛ لأن هذا شأن مصنفه، بخلاف أصحاب المسانيد والمعاجم فإنهم يخرجون أحاديثهم ويسكتون عنها غالبًا، والاحتمال في هذه الصورة أقوى منه فيما تقدم إذا كانت عدالة المخبر بذلك معلومة، وهذا كله فيمن لم تتضمنه كتب التواريخ والسير بأنه صحابي، فأما إذا شهد له بالصحبة مثل البخاري أو مسلم أو

ص: 261

ابن أبي حاتم أو ابن أبي خيثمة في كتبهم المصنفة وأمثالهم فإن صحبته تثبت بذلك وإن كان سند حديثه غريبًا أو فردًا ولا يعرف بغيره، كما أن من لم يرو عنه إلا راو واحد فهو محكوم عليه بالجهالة إلا أن يكون بعض أئمة الحديث قد وثقه فإنه لا تلازم بين الجهالة وبين انفراد الراوي عن الشيخ، فقد يكون معروفًا بالثقة والأمانة ولم يتفق أن يروي عنه إلا واحد، كذلك هذا يكون معروف اللقاء والصحبة اليسيرة بين أهل المغازي والسير وإن لم يرو ذلك إلا من جهة واحدة بإخباره عن نفسه، فأما إذا أخبر التابعي أنه صحابي حالة الرواية فهذا على أضرب:

أحدها: أن يقول أخبرني فلان أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا مقتصرًا على مثل ذلك، فهذا حكمه ما تقدم في مدعي الصحبة.

وثانيهما: أن شبت صحبته حال الرواية عنه ويسميه باسمه، فإن كان مذكورًا بذلك في كتب المغازي والسير فحكمه ما تقدم، وأما إذا لم يكن معروفًا بالصحبة إلا من هذه الطريق؛ فالظاهر الاعتماد على قول التابعي إذا كان ممن يعتمد قوله في مثل ذلك، على أنه يجوز أن يكون التابعي بنى ذلك على تصديقه في دعواه الصحبة وأن المسلمين محمولون على العدالة إلا في من ظهر منه ما يوجب الفسق فاكتفي فيه بذلك ولكنه احتمال بعيد، والأول أظهر منه؛ لأن مثل هذه الرتبة لا يثبتها التابعي العارف المعتمد إلا بعد تثبت وغلبة الظن بأن هذا صحابي.

ثالثها: أن لا يسميه، بل يقول: أخبرني رجل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو رآه يفعل كذا، ونحو ذلك، ولا يزيد عليه، فهذا يقرب من الضرب الأول، فلو قال: أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم بكذا ولم يصرح بلقائه وقلنا بالراجح أن "عن" تقتضي الاتصال إلا من المدلس فلا ريب في أن هذه الصورة يترجح فيها احتمال الوقف إلا أن تثبت صحبة ذلك الرجل بأحد الطرق المتقدمة؛ لأن التدليس وإن كان لم يثبت في حق هذا الرجل الذي قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالإرسال غير منتف عنه، وكم من تابعي يرسل حديثًا بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحن إنما نثبت الاتصال بلفظ "عنه" إذا ثبت لقاء المعنعن عنه على الراجح أو يكتفى بمجرد إمكان اللقاء على قول مسلم، وليس في قول التابعي: أخبرني رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضي ثبوت لقائه إياه ولا إمكان ذلك، نعم قد يفرق في مثل هذا بين التابعي الكبير المتقدم وبين من

ص: 262

بعده؛ إذ الغالب على الظن أن التابعي الكبير إنما يروي عن الصحابة دون التابعي الصغير فيقوى الحكم بكون ذلك الرجل صحابيًّا.

وقد وقع للقاضي أبي بكر بن العربي في أثناء كلامه في كتابه "القبس في شرح الموطأ" أنه قال: اتفقت الأمة على أن مجهول العين تجوز الرواية عنه إذا قال -يعني الراوي عنه من التابعين-: حدثنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوجوب العدالة لهم، ولا يجوز ذلك في غيرهم لعدم العدالة فيهم.

وفي هذا النقل من الإجماع نظر ظاهر يعرف مما تقدم.

وقد حكى ابن القطان الخلاف في ذلك مع تسمية المذكور بأنه صحابي فهو جار في قوله: رجل، بطريق الأولى.

وقد حكى بعض الفضلاء عن ابن حزم أنه قال في كتابه "النبذ الكافية" له: كل من روى عن صاحب لم يسمه فإن كان ذلك الراوي ممن لا يجهل صحة قول من يدعي الصحبة من بطلانه فهو خبر مسند تقوم به الحجة؛ لأن جميع الصحابة رضي الله عنهم عدول.

قال: وإن كان الراوي ممن يمكن أن يجهل صحة قول مدعي الصحبة فهو حديث مرسل لا تقوم به الحجة؛ إذ لا يؤمن من فاسق من الناس أن يدعي الصحبة عند من لا يعرف كذبه من صدقه.

وأما إذا روى الراوي الثقة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خبرًا ولم يسمها فهو حجة قاطعة؛ لأنه لا يمكن أن تخفى أمهات المؤمنين على أحد من أهل التمييز في ذلك الوقت (1).

هذا ما نقله عن ابن حزم وهو تفصيل حسن بالغ، ومقتضاه أن ما قال فيه أحد علماء التابعين وأهل الخبرة منهم: حدثني رجل من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بكذا؛ أنه يكون مقبولًا؛ لأن الظاهر أنه لا يطلق ذلك إلا بعد ثبوت صحبته عنده، وحينئذ لا تضر الجهالة باسمه لما سنقرره إن شاء اللَّه تعالى من عدالة جميعهم.

(1)"النبذ الكافية"(ص 53).

ص: 263

وأما إذا لم يكن من علماء التابعين ففيه الاحتمال الذي قاله ابن حزم، والتوقف فيه قوي. هذا إذا وصفه التابعي بأنه صحابي، فأما إذا قال: حدثني رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن فيه ما يقتضي اللقاء فقد تقدم الكلام فيه وأن الأقوى التفرقة بين كبار التابعين وصغارهم.

ويلتحق بما ذكره ابن حزم من الرواية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مبهمة: ما إذا قال التابعي الثقة: حدثني رجل من أهل بدر أو من أهل بيعة الرضوان ونحو ذلك مما لا يخفى بطلان دعوى من يدعي ذلك لنفسه إذا كان كاذبًا على أهل ذلك الزمن؛ لأن المتصفين بمثل هذه الصفات كانوا حينئذ مشهورين مميزين عند كل أحد بخلاف دعوى مطلق الصحبة فإن فيهم الأعراب ونزاع القبائل ممن لا يعرف حاله أصلًا؛ ولهذا نجد كثيرًا منهم اختلف أئمة الحديث في إثبات الصحبة له، فأثبتها بعضهم ونفاها آخرون، ولم يختلفوا فيمن شهد بدرًا والحديبية إلا في النادر منهم.

وقد تحصل من مجموع ما تقدم أن ما ثبت به الصفة المقتضية للصحبة على مراتب:

أولها وهو أعلاها: التواتر المفيد للعلم القطعي بصحبته، وهذا لا يختص بالعشرة المشهود لهم بالجنة وأمثالهم، بل يدخل فيه أيضًا كل من تواترت الرواية عنه من الصحابة المكثرين الذين بلغ الرواة عنهم العدد المفيد للتواتر كأبي سعيد الخدري وجابر وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وأمثالهم، وكذلك من اتفقت الأمة على صحة حديثه وتلقته بالقبول وإن لم تكثر الرواية عنه كأبي قتادة وأبي مسعود البدري ونحوهما فإن من لوازم ذلك اتفاقهم على كونه صحابيًّا، ويندرج في هذا عدد كثير من الصحابة المتفق على صحة أحاديثهم.

وثانيها: أن تكون صحبته ثابتة بالاشتهار القاصر عن رتبة التواتر وهو يفيد العلم النظري عند كثير من العلماء، ويلتحق بهذه الرتبة من اتفقت كتب السير والمغازي والتواريخ على ذكره في الصحابة وتسميته في عدد من الغزوات ولم يوجد أحد خالف في ذلك ولا أهمل ذكره في ذلك، ويندرج في هذا النوع خلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم، وإن كان فيهم من ليس له إلا الحديث الواحد أو الاثنان.

وثالثها: من لم يشتهر من جهة الرواية عنه، ولكنه تضمنه كثير من كتب السير

ص: 264

بالذكر، إما بالوفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو باللقاء اليسير، أو في أثناء قصة أو غزوة له ذكر ونحو ذلك، فهذه مرتبة دون التي قبلها.

ورابعها: من روى عنه أحد أئمة التابعين الذين لا يخفى عنهم مدعي الصحبة ممن هو متحقق بها وأثبت له ذلك التابعي الصحبة أو اللقاء، أو جزم بالرواية عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير معترض على ذلك لما يلزم في روايته عنه على هذا الوجه من تصديقه فيما ذكر من الصحبة والرواية سواء سماه في روايته عنه أو لم يسمه بل قاله: رجل، إذا كان التابعي كما وصفنا بحيث لا يخفى عنه ذلك، ولا فرق بين الحالتين والتابعي كذلك؛ إذ لا تضر الجهالة بعين الصحابي بعد ثبوت صحبته.

وخامسها: أن يقول من عرف بالعدالة والأمانة: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو رأيته يفعل كذا، ونحو ذلك، ويكون سنه يحتمل ذلك، والسند إليه صحيح؛ فهذا مقبول القول على الراجح، وفيه ما تقدم من الاحتمال، ونظيره أن يروي أحد متقدمي التابعين عن رجل لم يسمه شيئًا يقتضى له صحبة؛ فإن القرائن هنا قائمة بصدقه:

منها: ندرة كذب مثل ذلك في ذلك العصر الأول.

ومنها: أن الظاهر من التابعي الكبير أنه لا يروي إلا عن صحابي؛ فإن انضم إلى ذلك وصفه بصفة خاصة كرجل من أهل بدر أو من أهل بيعة الرضوان فهو أعلى من هذه المرتبة لما تقدم أن مثل هؤلاء كان مشهورا، فإذا وصفه التابعي الثقة بذلك كان كالتصريح باسمه وهو معروف، فتكون هذه الحالة حينئذ من المرتبة الرابعة.

وسادسها: أن يصح السند إلى رجل مستور لم تتحقق عدالته الباطنة ولا ظهر فيها ما يقتضي جرحه فيروي حديثًا يتضمن أنه صحابي إما بسماعه ذلك أو بمشاهدته شيئًا من أفعاله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، أو برواية مجردة إذا اكتفينا بها في إثبات الصحبة، فهذا يتخرج على قبول رواية المستور فمن قبله كان ذلك هنا بطريق الأولى لقرينة صدق مثل هذا وأنه لم يوجد في ذلك القرن من يدعي ذلك كذبًا إلا نادرًا جدًّا، ولعله لا يصح السند إليه، ومن لم يقبل رواية المستور في التابعين فمن بعدهم قد يقبل مثل هذا، وهو الذي عليه عمل ابن منده وابن عبد البر وغيرهما ممن صنف في الصحابة لعدهم هذا الصنف فيهم من غير توقف فيهم، ومن العلماء من توقف

ص: 265