الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوصيف العلمي للنسخة الخطية
اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية فريدة لم أظفر بغيرها وهي نسخة متقنة جدًّا ومقابلة:
وهي عبارة عن النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (435) فقه تيمور.
- اسم الناسخ: ابن العلائي.
- تاريخ النسخ: في حدود القرن السابع.
- نوع النسخ: نسخ معتاد.
- عدد الأوراق: 25 ورقة.
توثيق الكتاب:
الناظر لأول وهلة في هذه الرسالة يعلم إن شاء اللَّه تعالى أنها للإمام الحافظ العلائي.
وقد وجد على طرة النسخه الخطية نسبة هذه الرسالة للإمام العلائي وأيضًا في مقدمة الرسالة، وفي آخرها أَيضًا.
طرة النسخة الخطية
الورقة الأخيرة من النسخة الخطية
بسم الله الرحمن الرحيم
أَمَّا بَعْدُ:
حمدًا للَّه الذي وسع كل شيء رحمة وعلمًا، ومنح من اختصه بالعلم الشريف دراية وفهمًا، ووسع باختلافهم على عبادة المُؤْمنين رفقًا بهم ورحمى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المخصوص بالمحل الأسمى والشفاعة العظمى والمعجزات الباقيات تنمى وتنمى، وعلى آله وصحبه المحكوم لهم بالمزية على من بعدهم حتمًا، المرجوع إليهم في الدين نقلًا وحكمًا.
فإن مسألة تحريم الزوجة وغيرها قد تباينت فيها المذاهب وتعارضت المطالب مع كثرة وقوعها وتشعب فروعها واختلاف تفصيلها ومجموعها؛ فعلقتها في هذه الأوراق مستعينًا بالواحد الخلاق، بدأت أولًا بأقوال الصحابة رضي الله عنهم المنقولة فيها، ثم ترتيب المذاهب فمن بعدهم على وجه يحويها، ثم بما يستند إليه من الأدلة محررًا، وما يتفرع عليها من مسائل المذهب محبرًا، ولم آل في توجيه الراجح من مباحثها مقررًا، واللَّه تعالى يوفق للصواب في ذلك ويهدينا إلى أرشد المسالك بمنه وكرمه.
أما المروي فيها عن الصحابة رضي الله عنهم ففي "صحيح البخاري" من طريق معاوية ابن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلي بن حكيم، عن سعيد بن جبير؛ أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إذا حرم الرجل امرأته ليس بشيء (ص 3) وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
هكذا رواه في كتاب الطلاق (1)، وأخرجه في التفسير من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير بسنده ولفظه: قال في الحرام يكفر، وقال ابن عباس:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2).
وبهذا اللفظ أخرجه مسلم (3) من الطريقين ولفظه في طريق معاوية بن سلام أن
(1)"صحيح البخاري"(5266).
(2)
"صحيح البخاري"(4911).
(3)
"صحيح مسلم"(1473).
ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها، وقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
قال ابن عبد البر: وروى سعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، ومطرف، عن ابن عباس رضي الله عنهما كمثله.
قُلْتُ: طريق جابر بن زيد أخرجها الدارقطني من جهة سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الحرام يمين تكفر (1).
وروى البيهقي من طريق سفيان الثوري، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جببر، عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال: اني جعلت امرأتي علي حرامًا؟
فقال له: كذبت ليست عليك بحرام، ثم تلا {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة (2).
وذكره ابن عبد البر من طريق الثوري، عن منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحرام قال: عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينًا.
ثم قال: وكذلك روى خصيف، عن سعيد بن جبير (ص 4) عن ابن عباس (3).
وروى عبد اللَّه بن [صالح](4) عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} : أمر اللَّه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا حرموا شيئًا مما أحل اللَّه أن يكفروا عن أيمانهم بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وليس يدخل في ذلك طلاق.
أخرجه البيهقي (5) وهو مرسل؛ لأن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس
(1)"سنن الدارقطني"(4/ 41 رقم 121).
(2)
"السنن الكبير"(7/ 350).
(3)
"الاستذكار"(6/ 21).
(4)
في "الأصل": صبح. خطأ، والمثبت من السنن.
وعبد اللَّه بن صالح هو أبو صالح المصري، من رجال التهذيب.
(5)
"السنن الكبير"(7/ 351).
إنما روى عن أصحابه، وهو متكلم فيه أَيضًا.
وروى البيهقي أَيضًا من حديث شعبة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك؛ أن أعرابيًّا أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني جعلت امرأتي على حرامًا؟
قال: ليست عليك بحرام.
قال: أرأيت قول اللَّه تعالى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} ؟
فقال ابن عباس: إن إسرائيل كانت به الأنسى فجعل على نفسه إن شفاه اللَّه أن لا يأكل العروق من كل شيء فليست بحرام (1).
وهذا إسناد صحيح، وظاهره أنه لم يجعل عليه فيه شيئًا.
فهذه الروايات تشتمل على أربعة أقوال مختلفة عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك، وكذلك اختلفت عن غيره أَيضًا:
روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الرحيم بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك؛ أن أَبا بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما قالوا: من قال لامرأته هي عليه حرام (ص 5) فليست بحرام، وعليه كفارة يمين (2).
وهذا منقطع، وجويبر ضعيف جدًّا.
وروى الدارقطني من طريق هشام الدستوائي قال: كتب إلى يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، أن عمر رضي الله عنه قال: الحرام يمين يكفرها (3).
وهو مرسل أَيضًا.
وكذلك رواه معمر، عن يحيى بن أبي كثير وأيوب عن عكرمة، وأسنده عبد اللَّه ابن الوليد العدني عن سفيان الثوري عن جابر وهو الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنهما كان يجعل الحرام يمينًا (4).
(1)"السنن الكبير"(7/ 351).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 97).
(3)
"سنن الدارقطني"(4/ 40 رقم 117).
(4)
رواه البيهقي (7/ 351).
وبسنده عن سفيان أَيضًا عن حبيب بن أبي ثابت، عن إبراهيم -يعني النخعي- عن عمر رضي الله عنه أنه أتاه رجل قد طلق امرأته تطليقتين فقال: أنت علي حرام، فقال له عمر رضي الله عنه: لا أردها إليك (1).
وحكى الإِمام الشافعي عن أبي يوسف القاضي، عن أشعث بن سوار، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في الحرام: إن نوى يمينًا فيمين، وإن نوى طلاقًا فطلاق، وهو ما نوى من ذلك.
ذكره البيهقي عنه (2).
ثم روى من طريق الثوري عن أشعث، عن الحكم، عن إبراهيم، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: نيته في الحرام ما نوى إن لم يكن نوى طلاقًا فهي يمين (3).
وهذا وإن كان مرسلًا فمراسيل إبراهيم النخعي عن ابن مسعود صحيحة؛ لأنه صرح بأن ما أرسله عنه فقد سمعه (ص 6) من جماعة أصحابه.
وذكر ابن عبد البر عن الشعبي عن ابن مسعود مثل ذلك فاعتضدت كل طريق بالأخرى.
وروى عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؛ أن ابن مسعود قال في التحريم: هي يمين يكفرها (4).
ذكره عنه هكذا ابن حزم.
وروى جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه في الذي يقول لامرأته: أنت علي حرام، قال: هي ثلاث.
ذكره عنه ابن عبد البر (5).
(1) رواه البيهقي (7/ 351).
(2)
"السنن الكبير"(7/ 351).
(3)
"السنن الكبير"(7/ 351).
(4)
"مصنف عبد الرزاق"(11366).
(5)
"الاستذكار"(6/ 17).
وفي "مصنف عبد الرزاق" عن ابن التيمي، عن أبيه؛ أن عليًّا وزيدًا يعني ابن ثابت رضي الله عنهما فرقا بين رجل وامرأته قال: هي علي حرام (1).
وروى سعيد بن منصور في "سننه" عن هشيم، عن منصور، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علي رضي الله عنه في الحرام والبرية والبتة قال: هي ثلاث ثلاث (2).
قال ابن عبد البر: وروى قتادة، عن خلاس بن عمرو و [أبي حسان الأعرج](3) أن عدي بن قيس أحد بني كلاب جعل امرأته عليه حرامًا، فقال له علي رضي الله عنه: هي ثلاث، والذي نفسي بيده إن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك (4).
قُلْتُ: وهذا متصل تعتضد به المراسيل المتقدمة، ومثله أَيضًا ما روى البيهقي من حديث جعفر بن عون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي قال: كان علي رضي الله عنه يجعل الخلية والبرية والبتة والحرام ثلاثًا (5).
وقد أخرج البخاري للشعبي عن علي رضي الله عنه وذلك يقتضي أنه سمع منه؛ فإن البخاري لا يكتفي بإمكان اللقاء.
ثم روى البيهقي من طريق أبي نعيم، عن حسن يعني بن موسى الأشيب، عن أبي سهل، عن (ص 7) الشعبي، عن علي رضي الله عنه قال: الخلية والبرية والبائن والحرام إذا نوي بها بمنزلة الثلاث (6).
وأبو سهل هذا هو كثير بن زياد البصري وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(11383).
(2)
"السنن"(1679).
(3)
في "الأصل": حسان بن الأعرج. تحريف، والمثبت من "مصنف عبد الرزاق"، "الاستذكار"(6/ 17).
وأبو حسان الأعرج هو مسلم بن عبد اللَّه من رجال التهذيب.
(4)
رواه عبد الرزاق (11381).
(5)
"السنن الكبير"(7/ 344).
(6)
"السنن الكبير"(7/ 344).
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن يعلي بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي، أنه سمعه يقول: أنا أعلمكم بما قال علي رضي الله عنه في الحرام؛ إنما قال: لا آمرك أن تتقدم ولا آمرك أن تتأخر (1).
فهذه ثلاثة أقوال اختلفت عن الشعبي في قول علي رضي الله عنه.
وتقدم عن زيد بن ثابت أنه فرق بها بين الرجل وامرأته من "مصنف عبد الرزاق"، وكذلك روي أَيضًا عن معمر عن الزهري أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: هي ثلاث.
وكذلك روى ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة؛ أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يقول في الحرام ثلاث (2).
قال: وثنا عبد الوهاب يعنيِ الثقفي، عن سعيد [عن](3) مطر، عن حميد بن هلال، عن سعد بن هشام؛ أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: هي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره (4).
وهذه كلها مراسيل يعتضد بعضها ببعض.
"وقد روى ابن حزم في "المحلى" بسند صحيح عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد اللَّه بن هبيرة، عن قبيصة بن ذؤيب قال: سألت زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهما عمن قال لامرأته: أنت علي حرام، فقالا جميعًا: كفارة يمين (5).
وذكر أَيضًا عن (ص 8) إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا المقدمي، ثنا حماد بن زيد، عن صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الحرام يمين (6).
(1) لم أجده فيه، ورواه عبد الرزاق (11384) من طريق إسماعيل.
(2)
"المصنف"(4/ 96).
(3)
في الأصل: بن. تحريف، والمثبت من المصنف.
(4)
"المصنف"(96/ 4).
(5)
"المحلى"(10/ 125).
(6)
"المحلى"(10/ 125).
وروى البيهقي من طريق عبد الوهاب (1)، عن سعيد بن أبي عروبة، عن مطر، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت في الحرام يمين (2).
قال: ورواه عبد اللَّه بن [بكر](3) عن سعيد بن أبي عروبة فقال: فيه يمين يكفرها (4).
فهذه الآثار التي وقفت عليها مسندة عن الصحابة رضي الله عنهم ونقل عن بعض منهم أقوال بغير سند ستأتي الإشارة إليها إن شاء اللَّه تعالى.
وَأَمَّا الْمَذَاهِبُ المُتَبَايِنَة فِيهَا لِمَنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ فَيَتَحَصَّلُ مِنْهَا نَحْوَ عِشْرِينَ قَولًا:
الأَوَّلُ: أنه لغو لا شيء فيه ولا يلزم القائل به شيء، وهو مقتضى ما تقدم في رواية يوسف بن ماهك عن ابن عباس، وبه قال مسروق والشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وذهب إليه أصبغ بن الفرج من المالكية، وداود الظاهري وأتباعه، واختاره ابن حزم.
وَالقَوْل الثَّانِي مقابله في التشديد: وهو أنه يقع به الطلاق الثلاث سواءً كانت مدخولًا بها أو لا وسواءً نوى ذلك أو نوى غيره أو لم ينو شيئًا، وقد تقدم عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما (ص 9) في روايات عدة، ونقله ابن حزم أَيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحكاه أبو بكر ابن العربي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أَيضًا، وبه قال الحسن البصري والحكم بن عتيبة وهو قول مالك المشهور من مذهبه إلا أنه قال: إذا نوى في غير المدخول بها واحدة أو اثنتين قبل منه ولا يوقع عليه إلا ما نواه.
وَالثَّالِثُ كذلك إلا أنه لا تقبل نيته في غير المدخول بها كما لا تقبل في المدخول؛ بل تقع فيهما الثلاث وإن نوى غيره، قاله محمد بن أبي ليلى وعبد الملك
(1) زاد في "الأصل": عن عطاء. وهو انتقال نظر من الناسخ، والمثبت من السنن وهو الصواب.
(2)
"السنن الكبير"(7/ 351).
(3)
في "الأصل": بكير. تحريف، والمثبت من السنن. وعبد اللَّه بن بكر هو أبو وهب السهمي البصري من رجال التهذيب.
(4)
"السنن الكبير"(7/ 351).
ابن الماجشون من المالكية، والظاهر أنه مقتضى المنقول عن الصحابة الذين تقدم النقل عنهم آنفًا.
الرَّابعُ: أنه يقتضي البينونة؛ فإن كان المرأة مدخولًا بها وقع عليها الثلاث، وإن لم يكن مدخولًا بها فواحدة، قاله أبو مصعب الزهري ومحمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم من المالكية.
وَالْخَامِسُ: أنها طلقة واحدة بائنة، وإن كانت مدخولًا بها، حكاه القرطبي في "تفسيره" عن زيد بن ثابت، وبه قال زيد بن أسلم وحماد بن أبي سليمان، وقد تقدم في رواية عن عمر رضي الله عنه، ونقله ابن خويز منداد عن مالك، وهو قول إبراهيم النخعي في رواية عنه، وقال في أخرى: إلا أن ينوي الثلاث فيكون ما نواه.
وَالسَّادِسُ: أنها طلقة يملك بها الرجعة، حكاه القرطبي أَيضًا في "تفسيره" عن عمر رضي الله عنه والزهري وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة المالكي فيما نقله (ص 10) عنه سحنون وغيره.
وَالسَّابعُ ما قاله يحيى بن عمر من المالكية: يكون طلاقًا رجعيًّا فإن ارتجعها لم يجز له وطئها حتى يكفر كفارة الظهار.
فَهَذهِ سِتَّةُ أَقوَالِ في مَذهبِ مالك رحمه الله.
وَالقَوْل الثَّامِن: مذهب الشافعي الصحيح عند أصحابه المتأخرين إن نوى به الطلاق كان طلاقًا ويقع به ما نواه من العدد؛ فإن أطلق فواحدة رجعية، وإن نوى الظهار كان ظهارًا، فإن نوى تحريم عينها لزمه بنفس اللفظ كفارة يمين ولا يكون ذلك يمينًا حتى يتوقف لزوم الكفارة على المخالفة، وإن لم ينو شيئًا فيلزمه كفارة يمين كذلك أَيضًا.
وَالتَّاسِعُ كذلك أَيضًا: إلا أنه إذا لم ينو شيئًا فهو لغو لا شيء فيه، وهو القول الثاني للشافعي رحمة اللَّه عليه.
وَالْعَاشِرُ: مذهب أبي حنيفة وأصحابه إن نوى به طلاقًا فهو طلقة بائنة إلا أن ينوي به الثلاث فيكون ثلاثًا؛ فإن نوى اثنتين فهو واحدة بائنة.
وقال زفر منهم: يكون اثنتين وإن لم ينو طلاقًا فهو يمين ويكون مؤليًا.
واختلف الصاحبان فيما إذا نوى به الظهار:
فقال أبو يوسف: يكون مظاهرًا.
وقال محمد بن الحسن: لا يكون ظهارًا.
وَالْحَادِي عَشَر: أنه ظهار بكل حال وإن نوى به الطلاق أو أطلق فيجب به كفارة الظهار مع العود، تقدم في رواية عن ابن عباس وحكاه (ص 11) العبدري وغيره عن عثمان رضي الله عنه أَيضًا، وبه قال أبو قلابة وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وميمون بن مهران وعثمان البتي وإسحاق بن راهويه، وهو أرجح الروايات عن أحمد بن حنبل اختارها الخرقي والمتأخرون من أصحابه.
وَالثَّانِي عَشَر: أنه كناية في الطلاق أو الظهار يقع به ما نواه منهما، فإن لم ينو واحدًا منهما كان لغوًا لا شيء فيه، وهي رواية ثانية عن أحمد اختارها ابن عقيل، والمباينة بين هذا والقول الثاني المتقدم للشافعي أنه إذا نوى تحريمها لا يلزمه شيء، وعند الشافعي فيه كفارة يمين.
وَالثَّالِثُ عَشَر: أنه يمين مغلظة يجب بها عتق رقبة من غير تخيير، تقدم ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية، وحكاه ابن عبد البر عن سعيد بن جبير وأنه قال: إذا قال ذلك لأربع نسوة أعتق أربع رقاب.
وَالرَّابِعُ عَشَر: أنه يمين يجب به كفارة يمين، تقدم هذا صريحًا عن عمر وابنه عبد اللَّه ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري في رواية وعطاء بن أبي رباح وطاوس وسليمان بن يسار وقتادة ونافع مولى ابن عمر.
ومقتضى هذا أنه لو نوى به الطلاق أو الظهار لم ينصرف إليه، وقد صرح بذلك عطاء (ص 12) وقتادة فيما حكاه ابن حزم عنهما، ولا يلزم فيه الكفارة حتى يطأ، وبذلك صرح أحمد بن حنبل وهو الرواية الثالثة عنه لكنه قيد ذلك بما إذا نوى به اليمين وأما الأولون فأطلقوا.
وَالْخَامِسَةُ عَشَر: أنه يجب كفارة اليمين وليس بيمين وهو قضية ما تقدم في رواية الضحاك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم وقد ذكرنا ثم أنها منقطعة وضعيفة السند، وحكاها ابن العربي وغيره أَيضًا عن ابن عباس في رواية وذكر أنه أحد القولين للشافعي.
قُلْتُ: إنما يجعله الشافعي كذلك إذا لم ينو به شيئًا من الطلاق والظهار ومتى
نوى واحدًا منهما انصرف إليه، ومقتضى المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يجب به كفارة اليمين وإن نوى ذلك، والفرق بينه وبين القول الذي قبله أن الكفارة لا تتوقف فيه على المخالفة بل تجب بمجرد اللفظ كما تقدم.
السَّادِسُ عَشَر: إن نوى واحدة أو عددًا من الطلاق فهو ما نواه، وإن نوى اليمين فهو يمين، وإن لم ينو شيئًا من ذلك فهو لغو، وقد تقدم هذا في رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه وبه قال سفيان الثوري وكذلك الأوزاعي وأبو ثور إلا أنهما قالا: إذا لم ينو شيئًا فكفارة يمين، كذلك حكاه عنهما القاضي عياض وابن عبد البر عن الأوزاعي، وحكى أبو العباس القرطبي في "شرح مسلم" عنهما أنه إذا لم ينو شيئًا فطلقة واحدة.
وَالسَّابعُ عَشَر: حكاه القاضي عياض وغيره عن الزهري (ص 13) أنه يقع به ما نواه ولا يكون أقل من طلقة ومباينته لما تقدم أنه لا ينصرف إلى اليمين إذا نواها به ولا إلى الظهار كذلك.
فهذه سبعة عشر قولًا ظاهرة التباين، وحكي عن [. . .](1) فيما تقدم عن إبراهيم النخعي في الرواية الثانية، وعن زفر والأوزاعي ثلاثة أقوال أخر فيصير المجموع عشرين قولًا.
وقد حكى ابن العربي والقرطبي في "تفسيره" عن ابن القاسم أنه لا تنفعه نية الظهار وإنما تكون طلاقًا وجعله قولًا مباينًا لكل ما تقدم؛ وفيه نظر لأنه ليس زائدًا عليها.
وكذلك أَيضًا حكى ابن حزم في "المحلى" قولًا آخر أنها تصير بذلك حرامًا قال: ولم يذكروا طلاقًا، صح هذا عن علي بن أبي طالب ورجال لم يسموا من الصحابة رضي الله عنهم وعن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال: وصح عن الحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة؛ أنهم أمروه باجتنابها فقط.
(1) كلمة غير واضحة في الأصل.
وجعل ابن حزم هذا قولًا آخر مباينًا لما تقدم وهو قول مشكل؛ لأن التحريم إن كان يقتضي فراقًا فهو الطلاق وإلا فهو الظهار، فوجب الكفارة ويمتنع به الوطء حتى يكفر أو يكون يمينًا فلا بد له إن حنث من الكفارة، وإما تحريم لا إلى غاية ولا كفارة فيه ولا يقتضي فرقة فهو عدم النظير، ويشبه أن يكون هذا قولًا بالوقف عن الحكم فيه بشيء، وقد عده بعضهم قولًا مباينًا أيضًا لما تقدم وأسند فيه إلى ما تقدم من رواية الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه قال لمن سأله: لا آمرك أن تتقدم، ولا آمرك أن تتأخر.
وهذا لا ينبغي أن يعد قولًا في المسألة لأنه ليس بحكم بل (ص 14) هو عدم للقول بشيء فلا حاصل له ولالما نقله ابن حزم أَيضًا، ثم إن القول الذي اختاره واحتج له هو ما تقدم أولًا أنه لا يلزم به شيء ظاهره أنه وإن نوى به الطلاق أو الظهار فلا يقعان به وذلك جار على طريقته أن الطلاق لا يقع بشيء من الكنايات مع النية ولا ينفذ إلا بلفظ الطلاق والفراق والسراح وكذلك الظهار يتقيد نفوذه بلفظه المشهور فيه وهي طريقة ضعيفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابنة الحارث لما قالت له: أعوذ باللَّه منك: "الحقي بأهلك"(1).
وثبت في حديث توبة كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال لامرأته: الحقي باهلك حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر، ولم يكن ذلك طلاقًا (2).
فجمع العلماء بينهما بأن وقوعه في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كان مع نية الطلاق، وفي قول كعب رضي الله عنه لم ينو به طلاقًا فلم يقع عليه فكذلك بقية الكنايات، وموضع البسط في ذلك غير هذه الأوراق.
وأما اختلاف الأقوال المتقدمة فالسبب فيه أن مسألة الحرام لم يرد فيها نص صريح ولا ظاهر في الكتاب والسنة يوقف عنده.
واختلف العلماء في سبب نزول قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله:
(1) رواه البخاري (5254) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (1) واختلفت الآثار المروية فيه أَيضًا وأن النبي صلى الله عليه وسلم هل كان حرم منه أو حلف أن لا يطأها، أو حرم العسل أو حلف لا يشربه كما سيأتي بيان ذلك مبسوطًا (ص 15) إن شاء اللَّه تعالى؟
وعلى تقدير أن يكون حرم أمته فهل تلحق الزوجة بها أم لا؟
فالظاهر أنهم تمسكوا بالبراءة الأصلية وقالوا: لم يثبت فيها حكم خاص فلا يلزم بها شيء، والجمهور ردوا هذه اللفظة إلى ما يقتضيه معناها من الأصول فمنهم من نظر إلى التحريم الكامل في حق الزوجة هو ما تقتضيه البينونة الكبرى بوقوع الثلاث فجعلها تقتضي ذلك، ومن المالكية من رجح هذا المعنى بعرف ادعوا ثبوته صيرها تقتضي ذلك وهو بعيد، ومنهم من نظر إلى أن إيقاع الثلاث من غير نية الزوج العدد بعيد، فاقتصر على البينونة الصغرى فقال: تقع به طلقة بائنة؛ لأن بها يحصل التحريم لأن الرجعية غير محرمة من كل وجه ومن قال: إن وطء الرجعية محرم اقتصر على أنها طلقة رجعية؛ لأن الأصل عدم زائد عليها.
ومنهم من نظر إلى أن الأصل عدم الفرقة ورأى أن تحريم الزوجة مع بقاء النكاح بلفظ من الزوج إنما يكون بالظهار فجعل هذا اللفظ يدخل فيه.
وأما من قال أنه يمين يلزم بمخالفته كفارة اليمين فاعتمد قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2) بعد قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (3) وقالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم مارية أو شرب ذلك العسل، وسيأتي ما يتعلق بذلك إن شاء اللَّه تعالى، ومن رأى أن الكفارة تلزم به وليس بيمين تمسك بالقصة مع أن اليمين لا يكون إلا باسم من أسماء اللَّه تعالى (ص 16) أو بصفاته.
وأما من رأى أنه كناية في شيء مما تقدم فعمدته أن اللفظ لم يشتهر في شيء من ذلك لا في الكتاب ولا في السنة ولا في عرف حملة الشريعة؛ لأن اختلاف الصحابة
(1) التحريم: الآية 1، 2.
(2)
التحريم: الآية 2.
(3)
التحريم: الآية 1.
المتقدم ومن بعدهم يمنع ذلك فاقتصر به على المتحقق وهو الكناية وجعل ذلك إنما يعتبر مع النية فيه.
وأما الإِمام الشافعي فإنه جمع بين هذه الماخذ كلها وبين أقوال الصحابة رضي الله عنهم على وجه حسن كما سيأتي تقريره إن شاء اللَّه تعالى مع تفريع مسائل المذهب في هذه اللفظة، فهذه إشارة إلى مأخذ الأقوال المتقدمة، وهذا كله في حق الزوجة.
أما إذا قال ذلك لأمته: فمذهب الشافعي أنه إن نوى عتقها به عتقت، وإن نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين ولم يكن يمينًا، وإن لم ينو شيئًا فالقولان المتقدمان وأصحهما أنه يلزمه بذلك كفارة يمين، وبه قال جمهور العلماء فيما حكاه القاضي عياض.
وَالثَّانِي: هو لغو ولا يلزمه شيء وهو مذهب مالك في الصورتين، وحكى القرطبي في "شرح مسلم" عن مالك أنه يقع به العتق إذا نواه.
وقال أبو حنيفة: إذا حرم الأمة كان يمينًا ويجب عليه الكفارة بالمخالفة، وطرد ذلك في سائر المباحات من المطعوم والمشروب والملبوس ونحو ذلك، ومذهب الشافعي ومالك وجمهور العلماء أن تحريم ذلك لغو ولا شيء فيه.
وهذا له تعلق بالآية الكريمة وما روي في سبب (ص 17) نزولها عليه والآثار في ذلك متعارضة: ففي "صحيح مسلم"(1) من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، سمع عائشة رضي الله عنهم تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلًا، قالت: فتواطئت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟
فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال:"بَل شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَب بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ" فنزل {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله:"بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا".
وأخرجه البخاري من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج بهذا السند وفيه
(1)"صحيح مسلم"(1474).
أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لَا، وَلَكِنِّي شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَينَب بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا"(1).
قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن ثور عن ابن جريج، وفي حديث ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه القصة:"وَاللَّهِ لَا أَشْرَبُهُ"(2).
انتهى كلامه ولم أقف على طريق هذه الرواية.
وقد تقدم قول ابن عباس رضي الله عنهما إذا حرم الرجل امرأته فهو يمين يكفرها وتلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وأنه في "الصحيحين" بهذا اللفظ، وفيه إشعار بأن الكفارة التي شرعها اللَّه لنبيه صلى الله عليه وسلم في الآية كانت لتحريم أمته (ص 18) وقد جاء ذلك مصرحًا به فيما روى النسائي من حديث يونس بن محمد المؤدب [عن أبيه](3) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطأها فلم تزل به عائشة وحفصة رضي الله عنهما حتى حرمها فأنزل اللَّه {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى آخر الآية (4).
وأخرجه الحافظ ضياء الدين في كتاب "الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين" من طريق هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة (5).
ورواه البيهقي من حديث محمد بن بكير الحضرمي، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس وقال فيه: حتى جعلها على نفسه حرامًا؛ فأنزل اللَّه هذه الآية (6).
ومحمد بن بكير هذا وثقه يعقوب بن شيبة وابن حبان، والحديث على شرط مسلم من طريقيه ولم أجد أحدًا علله، والعجب من كونه ليس في شيء من الكتب
(1)"صحيح البخاري"(4912).
(2)
"السنن الكبير"(7/ 353).
(3)
سقط من الأصل. والمثبت من "سنن النسائي". وانظر "تحفة الأشراف"(382).
(4)
"سنن النسائي"(7/ 71).
(5)
"الأحاديث المختارة"(1695). وقال: إسناده صحيح.
(6)
"السنن الكبير"(7/ 353).
الخمسة.
وروى سعيد بن منصور في "سننه"(1) عن هشيم، أنا عبيدة، عن إبراهيم وجويبر بن الضحاك؛ أن حفصة أم المؤمنين زارت أباها ذات يوم وكان يومها فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرها في المنزل أرسل إلى جاريته مارية القبطية فأصاب منها في بيت حفصة رضي الله عنه فجاءت حفصة على تلك الحال، فقالت: يا رسول اللَّه أتفعل هذا في بيتي وفي يومي؟
قال: "فَإِنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، لَا تُخبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا".
فانطلقت حفصة إلى عائشة رضي الله عنهما فأخبرتها بذلك؛ فأنزل اللَّه عز وجل في كتابه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى (ص 19) قوله: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} فأمر أن يكفر عن يمينه ويراجع أمته.
وهذا مرسل صحيح، والعمدة فيه رواية إبراهيم النخعي دون جويبر.
وفي "سنن الدارقطني" من حديث أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال: وجدت في كتاب أبي عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وجدت حفصة رضي الله عنها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أم إبراهيم في يوم عائشة رضي الله عنها فقالت: لأخبرنها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هِيَ عَليَّ حَرَامٌ إِنْ قَرُبْتهَا" فأخبرت عائشة بذلك، فأعلم اللَّه رسوله ذلك فعرف حفصة بعض ما قالت، قالت: من أخبرك؟
قال: "نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الخَبِيرُ" فآلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا؛ فأنزل اللَّه تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الآية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فسألت عمر رضي الله عنه من اللتان تظاهرتا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟
فقال: حفصة وعائشة رضي الله عنهما (2).
قُلْتُ: محمد بن عبد العزيز هذا إن كان الزهري فقد ضعفه الدارقطنى وغيره، وقال النسائي: متروك.
(1)"السنن"(1707).
(2)
"سنن الدارقطني"(4/ 43 رقم 123).
وقد ذكر أبو بكر الرازي في كتابه "أحكام القرآن" معلقًا عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب مارية القبطية رضي الله عنها في بيت حفصة، فعلمت به فجزعت منه، فقال لها: "ألا ترضن أن أحرمها فلا أقربها؟ (ص 20)
قالت: بلى؛ فحرمها وقال: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ" فذكرته لعائشة رضي الله عنها فأظهره اللَّه عليه وأنزل عليه الآية (1).
ومحمد بن إسحاق متكلم فيه وهو مدلس أَيضًا.
وروى البيهقي القصة مطولة من طريق عطية بن سعد العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة رضي الله عنه:"وَاللَّهِ لَأُرْضِيَنَّكِ إِنِّي مُسِرٌّ إِلَيْكِ سِرًّا فَاحْفَظِيهِ، إِنَّ سَرِيَّتي هَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ رِضًى لَكِ"(2).
فانطلقت حفصة فأسرت إلى عائشة رضي الله عنها فأسرت إليها ذلك، فنزلت الآية.
وعطية هذا مشهور [. . .](3) لكن هذه الروايات كلها يعتضد باجتماعها وبالحديث الذي رواه النسائي، وثابت في "الصحيحين"(4) من قول عمر رضي الله عنه أن المتظاهرتين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، وفي قول ابن عباس المتقدم في "الصحيحين" إذا حرم الرجل امرأته. . . الحديث إشارة إلى ذلك أَيضًا كما تقدم.
وقد ذكر ابن العربي وغيره أن الأصح كون الآية نزلت في قضية العسل لكونها مخرجة في "الصحيحين" دون قصة تحريم مارية رضي الله عنها، وفي ذلك نظر لما أشرنا إليه من أن قصة التحريم لمارية لها أصل في "الصحيحين" أَيضًا.
وقال أبو بكر الرازي: يحتمل أن تكون الآية نزلت عقيب كل من القصتين وكانتا مقاربتين في الوقت يعني فظن كل من روى قصة أنها نزلت في تلك فقط.
(1)"أحكام القرآن"(5/ 362).
(2)
"السنن الكبير"(7/ 352).
(3)
كلمة غير مقروءة في الأصل. وهي أشبه بـ (العوفي). وعطية هو ابن سعد العوفي من رجال التهذيب.
(4)
"صحيح البخاري"(4913)، "صحح مسلم"(1479).
وقد قال الثعلبي في "تفسيره": إن أكثر المفسرين على أنها نزلت في تحريم مارية (ص 21).
قُلْتُ: ومع ذلك فقد روي فيهما اليمين على التحريم كما قال مثله في العسل، ففي "المراسيل" لأبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة رضي الله عنها فدخلت فرأت معه فتاته فقالت: في بيتي ويومي؟
فقال: "اسْكُتِي فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا وَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ"(1)،
وروى سعيد بن منصور عن هشيم، أنا داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حلف لحفصة أن لا يقرب أمته وقال: "هِيَ عَليَّ حَرَامٌ" فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل اللَّه (2).
رواه البيهقي (3)، وكل من هذين المرسلين صحيح، وأحدهما يقوى بالآخر.
وروى ابن وهب عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال: حرم النبي صلى الله عليه وسلم أم ولده فقال: "أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ" فأنزل اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} .
ذكره أبو بكر ابن العربي وغيره، وهذا مرسل آخر.
وقد رواه الدارقطني مسندًا عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللَّه، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنهما فذكر القصة بنحو ما تقدم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة رضي الله عنها:"هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرُبْتهَا".
فقالت حفصة: فكيف تحرم عليك وهي أمتك؟
فحلف لها لا يقربها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا تَذْكُرِيهِ لِأَحَدٍ" فذكرته لعائشة رضي الله عنها؛ فآلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا واعتزلهن؛ فأنزل اللَّه الآية (4).
(1)"المراسيل"(240).
(2)
"السنن"(1708).
(3)
"السنن الكبير"(7/ 353) من طريق سعيد بن منصور.
(4)
"سنن الدارقطني"(4/ 41 رقم 122) من طريق سعيد بن منصور.
ولكن في إسناده إسحاق بن محمد الفروي وهو ضعيف جدًّا.
وفي "جامع الترمذي"(1) و"سنن ابن ماجه"(2) من طريق مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها (22) قالت: آلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالًا وجعل في اليمين كفارة.
ثم قال الترمذي: رواه علي بن مسهر وغيره عن داود، عن الشعبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمرسل أصح.
قال: وقولها: "جعل الحرام حلالًا" أي جعل الشيء الذي حرم حلالًا وهو العسل ومارية جاريته صلى الله عليه وسلم.
وجعل ابن القطان المغري العمدة في تصحيح المرسل أن مسلمة بن علقمة ضعفه أحمد بن حنبل وقال: حدث عن داود بن أبي هند بمناكير.
قُلْتُ: وقد وثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم الرازي: صحيح الحديث، وقال أبو زرعة: لا بأس به يروي عن داود بن أبي هند أحاديث حسانًا، وقد احتج به مسلم وذلك يدفع كل قول فيه، وفي الحقيقة هذا المرسل هو الذي تقدم عن سعيد ابن منصور ولكن هناك فيه زيادة مسروق، وقد علم من قاعدة الشافعي أن المرسل إذا اعتضد بمسند قوي أو بمرسل آخر، فقد تحصل من كل ما تقدم أن كلًّا من القصتين لم يجيء فيه التحريم فقط بل روي فيه أَيضًا اليمين على الترك لكن اليمين في قضية العسل أثبت منها في قصة مارية لإخراج البخاري لها.
ثم ينظر في مقتضى الآية الكريمة فإن إطلاق التحريم على الحلف إنما هو على وجه المجاز وهو مجاز التشبيه؛ لأن المحلوف عليه يصير ممتنع الوقوع على الحالف بما أكد به امتناعه من القسم باسم اللَّه كما أن الحرام يكون (ص 23) ممتنع الوقوع إلا أن في صورة اليمين لا يمتنع ذلك جزمًا كما هو في المحرم، بل هو مباح على ما كان في نفس الأمر وله مخالفة اليمين ثم تكون الكفارة جابرة لما حصل من انتهاك
(1)"جامع الترمذي"(1201).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2072).
الاسم المعظم بالمخالفة لما عقد به يمينه فكذلك قلنا: إن إطلاق التحريم على المحلوف عليه مجاز، وكذلك أَيضًا تسمية التحريم يمينًا في قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (1) ليس حقيقة أَيضًا لأن حقيقة اليمين تأكيد الحث أو المنع أو التصديق بالاسم المعظم فالحكم عليه بأنه يمين يحتاج فيه إلى إثبات شرع صريح بذلك فلو لم يرد في شيء من قصة العسل أو تحريم مارية وفي اليمين أمكن أن يتعلق في جعله يمينًا بإطلاق قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2).
ويقال: الأصل في هذا الإطلاق الحقيقة ولكن منع من هذا ورود الحلف في كل منهما وهو زيادة على التحريم يلزم قبولها؛ فيبطل حينئذ التعلق بإطلاق الآية ويكون مصروفه إلى تحلة ما حلف به؛ فبطل تعلق الحنفية بالآية في أن تحريم المباح من المأكول والمشروب وغير ذلك يكون يمينًا ويلزم الكفارة به عند المخالفة؛ لأنه يقال: إن الكفارة في الآية إنما ذكرت لما تقدم من النبي صلى الله عليه وسلم من الحلف لا سيما على العسل مع ثبوته في "صحيح البخاري".
وقد تقدم في حديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم آلى وحرم فجعل الحرام حلالًا وجعل في اليمين الكفارة، وهذا يقتضي أن تحريم ما حرم (24) لم يتعلق به كفارة وإنما ترتبت الكفارة على اليمين.
وتقدم أَيضًا اختلاف الأحاديث في سبب نزول الآية، وأن بعضهم رجح أن سببها تحريم العسل أو الحلف عليه لثبوت ذلك في "الصحيحين" ولا ريب في أن الروايات المقتضية لنزولها في قصة مارية يفيد مجموعها الصحة أيضًا كما تقدم، ثم يتأيد ترجيح ذلك بأن اللَّه تعالى أخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم بأن تحريم ما حرم كان لأن يبتغي بذلك مرضات أزواجه وهذا لا ينطبق إلا على تحريم مارية لرضى حفصة أو عائشة رضي الله عنهما وأما تحريم العسل فإنما كان لما كرهه من الريح التي قيل له عنها لا لرضى أزواجه، فهذا مما يقوي القول بأن سبب الآية كان تحريم مارية ولابد وأن قضية
(1) التحريم: الآية 2.
(2)
التحريم: الآية 2.
العسل وإن كانت تقدمت قريبًا من ذلك ونزلت الآية عقيبها فليست يراد بها لما أشرنا إليه، وحينئذ لو لم يرد في تحريم مارية حلف عليها فلا ينبغي أن يلحق بالأمة غيرها من المأكول والمشروب فإن الأبضاع لها أحكام خاصة لا توجد في غيرها فكيف وقد ورد في كل منها أنه صلى الله عليه وسلم حلف فيه.
فأما ما رواه الدارقطني من حديث علي بن ثابت، عن عبد اللَّه بن محرر، عن سعيد بن جبير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الحرام يمينًا (1) فلا يحتج به؛ لأن عبد اللَّه بن محرر هذا ضعيف باتفاقهم متروك فلا اعتبار بهذه الرواية والمعروف في ذلك ما (25) تقدم عن الصحابة رضي الله عنهم ولم تتفق أقوالهم على شيء خاص، فيحتمل أن يكون من جعله منهم يمينًا تعلق بظاهر الآية في الموضعين من قوله تعالى:{لِمَ تُحَرِّمُ} مع قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2) ولم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان منه قسم في شيء من ذلك وهذا هو الأظهر.
وكذلك من قال: فيه الكفارة وليس بيمين؛ أعمل قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ} في ظاهر حقيقته دون مجازه من اليمين وقال: معنى قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (3) الإشارة إلى أن ما شرعه اللَّه في كفارة اليمين من الخصال فهو مشروع هاهنا ولا يلزم من ذلك أن يكون مجرد التحريم يمينًا وهذا هو الذي اعتمده الإمام الشافعي، ورد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تقدم منه يمين لا سيما في قضية شرب العسل فلا تكون الكفارة على مجرد التحريم ثم على تقدير قصة نزول الآية في تحريم الأمة فإلحاق الزوجة بذلك يكون بالقياس والجامع بينهما استحلال البضع.
ويمكن الفرق بينهما بأن الزوجة يحصل تحريم بضعها بالطلاق أو الظهار فلا حاجة إلى تحصيله بغير ذلك، بخلاف الأمة فإن تحريم بضعها مع بقائها في ملكه لا
(1)"سنن الدارقطني"(4/ 41 رقم 120). وقال الدارقطني: ابن محرر ضعيف، ولم يروه عن قتادة هكذا غيره.
(2)
التحريم: الآية 1، 2.
(3)
التحريم: الآية 1، 2.
يقع بالطلاق والظهار مختلف فيه وهو محرم فسوغ لفظ التحريم فيها ويكون الخلاص منه بالكفارة الصغرى فلا يلزم طرد ذلك في الزوجة.
فقد تبين بهذا كله أن التعويل في إيجاب الكفارة في تحريم الزوجة (ص 26) على مجرد دلالة الآية وسبب نزولها غير واف بالمقصود بل لا بد معه من اعتبار مدلول اللفظ فإلي ماذا يرجع من القواعد التي يلحقه المجتهد بها كما تقدمت الإشارة إليه وسنزيده إيضاحًا، وكذلك التمسك فيه بأقوال الصحابة لا ينتهض بمجرده؛ لتباين أقوالهم في ذلك وكثرة اختلافهم كما تقدم؛ لأن من يقول بأن قول الصحابي ليس بحجة فعدم تمسكه بذلك ظاهر؛ وأما على القول بحجيته فذاك إنما يكون إذا لم يعارضه قول غير هذا؛ وأما عند اختلافهم كمثل هذه المسألة فإما أن يقال: يتساقط الجميع والمرجوع إلى غيره من المأخذ، وإما أن يرجع إلى الترجيح وقد نص الشافعي على أنه إذا اختلفت أقوال الصحابة أنه يرجع إلى ما قاله أحد الخلفاء الأربعة.
وإما أن يجمع بين جميع الأقوال يحمل كل واحد منهما على صورة غير الصورة التي يحمل عليها القول الآخر وكأنه الذي لحظه الإِمام الشافعي رحمه الله في هذه المسألة، وهذا أولى من إلغاء بعضها وإن كان فيه تخصيص لكل قول منها وإخراجه عن ظاهره فإن ذلك أسهل من تركه بالكلية.
وبيان هذا أن من قال بأنه طلقة رجعية أو ثلاث طلقات فهو محمول على ما إذا نوى باللفظ ذلك وكذلك من قال إنه ظهار، وقول من قال: إنه يجب به الكفارة محمول على ما إذا نوى تحريم عينها أو وطئها ونحو ذلك أو في حالة الإطلاق على القول المرجح، وقول من قال: لا شيء عليه محمول على حالة الإطلاق على القول الآخر، وقول من (27) قال: إنها طلقة بائنة محمول على ما إذا نوى به الطلاق وهي غير مدخول بها.
وفي هذا أَيضًا جمع بين المعاني التي يمكن رد اللفظ إليها بطريق الإمكان ولا يبقى إلا قول من قال بأنه يمين كما تقدم مصرحًا به عن ابن عباس وغيره فحمله الشافعي على المجاز أي يشبه اليمين في لزوم الكفارة فيه؛ لأن حقيقة اليمين ما عقد فيه باسم من أسماء اللَّه تعالى أو صفة من صفاته مع حرف من حروف القسم؛ ولأنه
شيبه بالظهار من جهة أنه تحريم ما لم مجرمه اللَّه، وقد شرع اللَّه في الظهار الكفارة الكبرى فكان التحريم هنا فيه الكفارة الصغرى لتقاعده عنه بعدم التشبه بأنه الذي وصفه اللَّه تعالى بأنه منكر من القول وزور فلما شرعت فيه الكفارة الصغرى كان مشبهًا لليمين فيحمل الإطلاق عل الاستعارة مثل زيد الأسد.
وقد ذم اللَّه تعالى محرم الحلال بقوله سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (1) ولا شك أن اللَّه تعالى شرع تحريم الزوجة بالطلاق القاطع للنكاح؛ وأما تحريمها مع بقاء النكاح فهو داخل في هنا الذم، فينبغي أن يقال حيث أريد بالتحريم الطلاق لا يكون اللفظ محرمًا أو مكروهًا، وأما إذا أريد به تحريم عينها فلا ينفك عن أن يكون محرمًا أو مكروهًا فلذلك وجبت فيه الكفارة جابرة لذلك، كما أنه إذا نوى الظهار يكون محرمًا (28) بل كبيرة على القول بأن الظهار من الكبائر فيجب به الكفارة الكبرى.
وأما عند الإطلاق فمأخذ القول بأنه لا يجب به شيء يخلف المعنى عنه؛ إذ لم يقصد به شيئًا لكن القول الآخر أرجح؛ لأن اللفظ حقيقة في معناه الذي وضع له أولًا فينصرف إليه وتجب الكفارة اعتبارًا لمعناه.
فهذا توجيه الفصل الذي ذكره الإمام الشافعي رحمه الله وظهر به أنه جمع بين أقوال الصحابة رضي الله عنهم على وجه حسن مع اعتبار معنى اللفظ، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى تفصيل مسائل المذهب الفروعية في ذلك.
وأما في الأمة فمأخذ قوله أن اللفظ لما صلح أن يكون كناية في الطلاق أو الظهار صلح أن يكنى به عن العتق؛ لأنه مجرم الأمة كما يحرم الطلاق الزوجة، فهذا لم ينو به العتق ونوى تحريم عينها كان في ايجاب الكفارة كما تقدم للمعنى الذي ذكرناه ولحديث أنس الذي رواه النسائي في تحريم مارية وما تابعه من غير اعتبار وقوع يمين في ذلك، وفيه ما تقدم من احتمال عود الكفارة إلى اليمين وأن مجموع الروايات التي ذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم حلف عل ذلك يقتضي قوة تفيد الاحتجاج بها،
(1) يونس: الآية 59.
ولكن يمكن توجيه ذلك باعتبار عموم اللفظ وأنه لا يقصر به على السبب الوارد عليه، والآية أشارت إلى التكفير بعد ذكر التحريم من غير تعرض لذكر اليمين؛ إذ لا يلزم من إشارته سبحانه إلى أنه شرع تحلة الأيمان أن (ص 29) يكون ما تقدم يمينًا كما سبقت الإشارة إليه؛ بل غايته أن الذي شرعه من تحلة اليمين يجري في التحريم وحينئذ فيحمل اللفظ على عمومه ولا يقتصر به على سببه إن كان [. . .](1) على يمين محلوفة ولا يخلو هذا التوجيه أيضًا عن نظر.
وأما مذهب مالكٍ فقد تقدم أن المأخذ فيه ما تقدم عن علي وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أنه جعل الحرام ثلاثًا وأن ذلك مقتضى دلالة اللفظ؛ إذ به تحرم الزوجة، لكنه على القول المشهور لما كانت التي لم يدخل بها تبين بواحدة قال: إذا نوى به فيها واحدة لم يزد عليها وتقبل نيته لذلك.
ويرد على هذا أن اللفظ إذا كان مقتضاه البينونة الكبرى فلا ينبغي أن يختلف مدلوله بين المدخول بها وغيرها لاسيما وقد بنوا ذلك أيضًا على قاعدة لهم أن من الكنايات ما يقتضى وقوع الثلاث إذا نوى اللافظ بها الطلاق وإن لم ينو بذلك ثلاثًا وهي الخلية والبرية والبتة والبتلة والبائن والحرام، وفي ذلك بعض آثار عن بعض الصحابة وغيرهم ويلزم على هذا أن تكون هذه الكنايات أقوى من الصرائح؛ لأن الصرائح لا يلحق فيها عدد إلا إذا قصده إما بلفظ أو إشارة تفيده ونحو ذلك، ولا ريب أن الكنايات متقاعدة في الإفادة عن رتبة الصرائح فكيف يكون أعلى منها، ولهذا رجح ابن العربي وغيره من المالكية أن الحرام (ص 30) يقع به طلقة بائنة كما روى ابن خويز منداد عن مالك، ويرد عليه أن ذلك يقتضي كونه صريحًا في الطلاق والأمور المشترطة في كون اللفظ صريحًا في الطلاق غير موجودة؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا السنة بهذا المعنى ولا اشتهر في اصطلاح حملة الشريعة ولا اتفاق عليه أيضًا، وبقية الأقوال التي في مذهب مالك تقدمت الإشارة إلى مأخذها والاعتراض عليها كما ذكرناه.
(1) كلمة غير واضحة في الأصل.
وأما مذهب الحنفية فالقول بأنه كناية في الطلاق يقع به إذا نواه تقدم توجيهه، لكنهم ضموا إلى ذلك اعتبار معنى اللفظ من التحريم فأوقعوا الطلقة إذا نواها بائنة؛ لأن الطلاق الرجعي عندهم لا يحرم الاستمتاع إلا أن ينوي الثلاث بذلك فتقع الثلاث، لكن قولهم: إن عند نية الاثنتين إنما تقع واحدة بائنة لا وجه له؛ إذ يجوز أن تقع عليه طلقة ثانية تكون بها بائنة فلا يمنع شيء من ذلك إذا نواها على أصلهم، وقالوا: إذا لم ينو بلفظ الحرام الطلاق لا يقع طلاق إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق فإنه يحكم عليه به، وإذا قال: لم أنوه فيدين في الفتوى، وحكى صاحب "الهداية" عن بعض مشايخهم أنهم قالوا: ينصرف لفظ التحريم إلى الطلاق من غير نية بحكم العرف الشائع فيه، قال: وعليه الفتوى.
فأما إذا نوى به الظهار فيصير به مظاهرًا عند أبي حنيفة وأبي (ص 31) يوسف؛ لأن الظهار نوع حرمة فيصح جعله كناية فيه ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد بالنية.
وقال محمد بن الحسن: لا يصح به لعدم أداة التشبيه فيه التي هي ركن في الظهار.
وإن قال: أردت التحريم ولم أرد شيئًا؛ فعندهم أنه يمين تجب به الكفارة عند المخالفة وكذلك إذا حرم شيئًا من المأكول والمشروب ونحوهما، ولكن الفرق عندهم بين هذا واليمين من جهة أنه إذا حلف لا يأكلن هذا الرغيف لم يحنث بأكل بعضه، ولو حرمه لزمته الكفارة بأكل البعض.
قَالُوا: لأن تحريمه على نفسه بمنزلة قوله: واللَّه لا آكل شيئًا منه تشبيهًا له بسائر ما حرم اللَّه.
وَقَالُوا: إذا قال كل حل علي حرام انصرف ذلك إلى المطعوم والمشروب خاصة ولا ينصرف إلى الملبوس وغيره إلا بالنية، خلافًا لزفر فإنه قال بالعموم في كل الأشياء حتى تلزمه الكفارة عقيب كلامه؛ لأنه باشر فعلًا مباحًا وهو التنفس، واحتج الأولون بأن المقصود من لفظه وهو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم فسقط اعتباره، وحينئذ ينصرف إلى ما يغلب استعماله وهو الطعام والشراب لأنه المعتاد غالبًا وهذا يرد عليه أن الملبوس أغلب منه؛ لأن عدم انفكاكه عنه أغلب من الطعام والشراب فلم لا يندرج تحت لفظه وكذلك الزوجة والأمة أيضًا لكن هذا القول على
غير الذي اختاره صاحب "الهداية" ونقله عن جماعة من المشايخ (ص 32) أنه إذا لم ينو به شيئًا يقع به الطلاق لغلبة الاستعمال، وذكروا فيما إذا قال: قصدت به الكذب خلافًا، فمنهم من قال: لا يلزمه شيء، ومنهم من قال: لا يلزمه شيء يصدق في الحكم؛ لأنه يمين ظاهرًا، وتمسكوا في كونه يمينًا يطرد في كل مباح بظاهر الآية من قوله تعالى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} مع قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} .
قالوا: وظاهر الآية يقتضى أن التحريم بمجرده يكون يمينًا، وجعلوا ما ورد في بعض الطرق والحلف زيادة على ظاهر الآية فلم يقبلوه على، قاعدتهم، والاعتراض على هذا من وجوه:
أَحَدُهُا: ما تقدم أن تسمية التحريم يمينًا ليس على وجه الحقيقة بل هو مجاز كما سبق تقريره.
وَثَانِيهَا: أن الآية لا دلالة فيها على أن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} المراد به التحريم السابق لو لم يرد فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان أقسم؛ إذ يجوز أن يكون مراد الآية أن الذي شرعه اللَّه في الأيمان من الكفارة فهو جار في التحريم، ولا يلزم من ذلك أن يكون مجرد التحريم يمينًا فكيف وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم جرى منه حلف وتحريم فإن من حلف على شيء لا يفعله فالتزام مقتضى اليمين يجعل ذلك الشيء كالمحرم عليه فارشد اللَّه تعالى إلى أن هذا الامتناع له منه خلاص بالكفارة، وهذا منطبق على الحديث الذي رواه الترمذي من أن النبي صلى الله عليه وسلم (33) آلى وحرم [فجعل](1) الحرام حلالًا وجعل في اليمين الكفارة.
وَثَالِثُهَا: إذا لم تكن دلالة الآية ظاهرة في أن المراد بالأيمان فيها هو التحريم؛ تعين الرجوع التي الروايات الواردة في سبب نزول الآية، وقد تقدم أن قضية شرب العسل ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف عليه، وأن الأظهر في سبب نزول الآية أن تكون قضية مارية رضي الله عنها لما تقدم من دلالة قوله تعالى:{تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} على ذلك دون قصة العسل، وحينئذ فإما أن يكون وقع من النبي صلى الله عليه وسلم يمين
(1) في "الأصل": فحرم. والمثبت من "جامع الترمذي"(1201).
على ذلك أولًا، فإن كان في القضية قسم فالكفارة راجعة إليه، وإن لم يكن إلا مجرد التحريم أو قلنا بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على الوجه المتقدم؛ فلا يلزم من شرعية الكفارة في ذلك أن يكون مجرد التحريم يسمى يمينًا لما تقدم، ولو لزم ذلك فإنما وردت الآية في الأمة ولا يقاس على الأبضاع غيرها، بل إنما تلحق بها الزوجة كما تقدم بحرمة الأبضاع، وأما المأكول والمشروب وغيرهما فالفرق بينها وبين الأبضاع ظاهر لاسيما ووجوب الكفارة على خلاف القياس فلا يلتحق بمورد النص غيره مع قصوره عنه، وباللَّه التوفيق.
وأما مذهب أحمد بن حنبل فقد تقدم أن مأخذ كونه صريحًا في الظهار اعتبار معنى اللفظ مع أن الأصل (ص 34) عدم الفرقة فيقتصر به على الظهار ويرد عليه أن أصل وضع الظهار هو تشبيهها بظهر أمه فلا يلتحق به صريحًا ما ليس فيه ذلك وفيه من المنكر والزور الذي اقتضى إيجاب الكفارة الكبرى ما ليس في مطلق التحريم فيتقاصر عنه.
وقد يرد قول أحمد على الرواية الأخرى إذا جعله كناية في الطلاق ونواه به هل يقع واحدة أو ثلاث بناء على انقسام الكنايات عنده إلى خلية وخفية؟
فالخلية إذا نوى بها أصل الطلاق وقع الثلاث، والأظهر عندهم على هذه الرواية أنه من الكنايات الخلية، ومأخذ القول الآخر البناء على أن الطلاق الرجعي يحرم الاستمتاع بالزوجة والأصل عدم زائد على ذلك.
وأما على الرواية الثالثة أنه يكون يمينًا إذا نوى به اليمين، فقد نص على أنه يكون مؤليًا وإذا مضت أربعة أشهر تطالب بالفيئة كمذهب أبي حنيفة رحمه الله.
وحكى شارح "المقنع" فيما إذا قال: ما أحل اللَّه علي حرام أعني به الطلاق أن أحمد قال: تطلق امرأته ثلاثًا، وإن قال: أعني به طلاقًا؛ طلقت واحدة، رواه جماعة عنه.
قال: وروى أبو عبد اللَّه النيسابوري عنه أنه قال في الصورة الأولى أنه رجع عن القول بأنها تطلق، وقال: بل يكفر كفارة الظهار، ووجهه أن هذا اللفظ صريح في الكفارة فلا يكون كناية في غيرها.
وذكر القاضي أبو يعلى أن جمهور الأصحاب على الرواية (35) الأولى؛ لأنه
صرح بإرادة الطلاق، قال: واللفظ ليس صريحًا في الظهار بل في التحريم والتحريم صالح للطلاق والظهار، وإنما اقتصر به على الظهار؛ لأن الأصل عدم الفرقة فإذا صرح بإرادة الطلاق انصرف إليه.
وأما الفرقة في إيقاع الثلاث وايقاع الواحدة فلأنه إذا قال: أريد به الطلاق -والطلاق اسم جنس محلى بلام الجنس- فيقتضي الاستغراق بخلاف ما إذا قال: أريد به طلاقًا؛ لأنه منكر لا عموم له فيقتصر على طلقة.
وحكى أيضًا فيما إذا قال: أنت علي كالميتة والدم، إن نوى به شيئًا من الطلاق أو الظهار أو اليمين نفذ فيه؛ لأنه يصلح جعله كناية في كل واحد منها؛ لأن التحريم ملازم لكل واحد منها، وإذا نوى به الطلاق لم يقع إلا واحدة إلا أن ينوي عددًا فينصرف إليه؛ لأن هذا من الكنايات الجلية كالبتة والبتلة والبائن إذا نوى بها الطلاق يقتضي الثلاث دون الخفية وقد تقدم هذا عنهم.
وإن لم ينو بهذا اللفظ شيئًا ففيه وجهان لهم:
أَحَدُهُمَا: إنه ظهار؛ لأن معنى قولها "أنت علي كالميتة والدم" أنت علي حرام، وذلك محمول على الظهار يعني على الراجح عندهم.
وَالثَّانِي: إنه يكون يمينًا؛ لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة العظمى، فإذا أتى بلفظ محتمل عمل بذلك الأصل ولا تثبت كفارة الظهار بالشك.
هذا بعض تفاريع (ص 36) المذاهب الثلاثة.
وأما تفريع أصحابنا فقد تقدم أن قاعدة المذهب أن هذا اللفظ يصلح كونه كناية في الطلاق أو الظهار؛ لأن التحريم ملازم لكل من المعينين وأنه إذا نوى به الطلاق وقع رجعيًّا إلا أن ينوي عددًا معينًا فيقع ما نواه، وهذه قاعدة الشافعي أيضًا في سائر الكنايات وإن كانت ظاهرة كالخلية والبرية والبائن والبتة ونحوها.
وقد احتج لذلك فيما روى البويطي عنه بأن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اختلفوا في ذلك، قال: فوجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ"(1).
(1) رواه البخاري (2735)، ومسلم (1504) عن حديث عائشة ضمن حديث بريرة، ولفظه "من اشترط شرطا ليس في كتاب اللَّه فليس له".
ورواه ابن ماجه (2521)، وابن حبان (4272) بلفظه.
وَقَدْ قِيلَ: ان معناه كل شرط خلاف كتاب اللَّه عز وجل.
فلما نطق الكتاب بالرجعة في الواحدة والثنتين وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنه بذلك ولم يختلف العلماء فيه؛ قلنا: إن قول من قال من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن له الرجعة أولى بهذه الألفاظ، ولأن الأصل أنها زوجة فلا يزول يقين نكاحها بالاختلاف.
واحتج الشافعي أيضًا في موضع آخر بحديث ركانة أنه طلق امرأته البتة فسأله النبي: صلى الله عليه وسلم "مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ"؟
فقال: واحدة.
قال: "آللَّه"؟
قال: آللَّه.
فقال: "هُوَ مَا أَرَدْتَ".
رواه أبو داود (1)، وصححه جماعة.
ففيه دليل عل أن هذه اللفظة صالحة للواحدة وما بعدها فكذلك غيرها، وقد (ص 37) حكى الحناطي وجهًا لبعض الأصحاب أنه لا يقع بلفظ الحرام الطلاق وإن نواه اذا فرعنا عل القول بأنه صريح في إيجاب الكفارة وهو الذي صححه المتأخرون، وجزم الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" بهذا الوجه، وذكر الرافعي وغيره أن هذا الوجه وإن كان غريبًا فهو مقتضى الأصل المشروط الذي قاله إمام الحرمين وغيره أن اللفظ اذا كان صريحًا في بابه ووجد نفاذًا في موضعه فلا سبيل التي رده عن العمل فيما هو صريح فيه بأن يكون كناية في غيره، إذ يستحيل أن يكون صريحًا نافذًا في أصله وكناية منوية في وجه آخر.
(1)"سنن أبي داود"(2206). ورواه الترمذي (1177) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال فيه اضطراب ويروى عن عكرمة عن ابن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثا.
قلت: وكذا ضعفه الشيخ الألباني في "الإرواء"(7/ 139).
وقد أجاب مجلى في "الذخائر" عن هذا بأن اللفظ إنما يكون صريحًا في إيجاب الكفارة إذا لم ينو به الطلاق، وعند نية الطلاق لا يكون كذلك كما أنه إذا نوى به الظهار تجب به الكفارة العظمى، وفي هذا الجواب نظر وسيأتي ما هو أقوى منه.
وقد اتفق الأصحاب على أنه إذا نوى به الطلاق والظهار معا لا يثبتان جميعًا لما بينهما من التناقض؛ فإن الطلاق يزيل الملك والظهار يستدعي بقاءه، ثم اختلفوا على ثلاثة أوجه:
أَصَحُّهَا وبه قال ابن الحداد والأكثرون: أنه يتخير، فما اختاره منهما ثبت وترتب عليه حله.
وَالثَّانِي: أنه يكون طلاقًا؛ لأنه أقوى من جهة أنه مزيل للملك.
وَالثَّالِثُ: أنه يكون ظهارًا؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
أما إذا نوى أحدهما (38) قبل الآخر:
فقال ابن الحداد: إن نوى الظهار أولًا نفذا جميعًا وإن نوى الطلاق أولًا، فإن كان بائنًا فلا معنى للظهار بعده، وإن كان رجعيًّا كان الظهار موقوفًا إن راجعها فهو صحيح والرجعة عود وإلا فهو لغو.
قال الشيخ أبو علي: وهذا عندي فاسد؛ لأن اللفظ الواحد إذا لم يجز أن يراد به التصرفان فلا يفترق الحال بين أن يريد أحدهما معًا أو يريد هذا ثم يريد هذا، وأيضًا فإنه إذا نواهما على التعاقب كانت كل واحدة من النيتين مقارنة لبعض اللفظ لا لجميعه وفي ذلك خلاف، قال: وموضع هذا النظر والتفصيل ما إذا قال: أنت علي حرام كظهر أمي.
قُلْتُ: هذه المسألة لها أحوال:
الحَالَةُ الْأُولَى: أن لا ينوي بها شيئًا فلا يقع بها طلاق؛ لأنه لم ينوه وليس اللفظ صريحًا فيه، والأظهر أنه يقع به الظهار وهو ما نص عليه في "الأم"؛ لأن لفظ الحرام يكون بانضمام النية إليه ظهارًا فلأن يكون ذلك كذلك مع اللفظ أولى، وأيضًا فإنه لو لم يأت بقوله حرام كان ظهارًا ولابد، فإذا أكد ذلك بالتحريم كان أولى.
ومن الأصحاب من قال: لا يثبت به ظهار بناء على ما تقدم أنه صريح في إيجاب الكفارة فيصير كما لو قال: أنت طالق كظهر أمي من غير نية، وقد قالوا أنه لا يقع به
الطلاق ولا يحصل الظهار.
والجواب عنه بما تقدم أن كونه صريحًا في الكفارة إنما هو حالة التجرد، فأما مع قوله:"كظهر أمي" فهو تأكيد لمقصود الظهار (ص 39).
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أن يريد به الظهار فقط فهو ظهار؛ لما تقدم أن نية الظهار مع لفظ الحرام تصيره ظهارًا فمع التصريح به أولى، وخرج الرافعي فيه الوجه المتقدم عن رواية الحناطي أنه لا يصح به الظهار بناء على أنه صريح في اقتضاء الكفارة الصغرى وفيه ما تقدم.
الثَّالِثَةُ: أن ينوي به مجرد الطلاق ففيه طريقان للأصحاب:
أَظْهَرْهُمَا أن المسألة على قولين:
أَحَدُهُمَا: أنه يكون ظهارًا وهو ما يوجد في بعض نسخ "المختصر" ووجهه ما تقدم.
وَالثَّانِي: أنه طلاق وهو كذلك في بعض نسخ "المختصر"، وكذلك نقله الربيع والبويطي أيضًا؛ لأن نية الطلاق مع لفظ الحرام بمنزلة صريحه ولو قال:"أنت طالق كظهر أمي" كان طلاقًا، وهذا هو الصحيح المشهور.
والطريق الثاني القطع به.
وفيه طريق ثالث أنه يكون ظهارًا قولًا واحدًا، ورد الخلاف إلى أنه هل يقع الطلاق مع الظهار أم لا؟
الرَّابِعَةُ: أن ينوي الطلاق والظهار جميعًا وله ثلاثة أحوال:
إِحْدَاهَا: أن يريدهما بمجموع الكلام أو بقوله: "أنت علي حرام" فلا يثبتان جميعًا لما تقدم من تنافي موجبهما وفيما ثبتت به الأوجه الثلاثة المتقدمة، ووجه الثالث وهو أنه يثبت الظهار بأن قوله:"أنت علي حرام" يحتملهما جميعًا، فإذا نواهما تعارضا وتساقطا وبقي قوله:"كظهر أمي" لا معارض له (ص 40) وهو صريح في الظهار فيثبت.
الثَّانِيَةُ: أن يريد بقوله: "أنت علي حرام" الطلاق، وبقوله:"كظهر أمي" الظهار فيقع الطلاق، ثم إن كان رجعيًّا ثبت الظهار، وإن كان بائنًا فلا.
وفيه وجه أن الظهار لا يصح هنا؛ لأن قوله: "كظهر أمي" غير مفيد بمجرده
فلا يثبت به شيء، ثم الأول مفرع على أنه إذا نوى به الطلاق وحده نفذ أما إذا قيل بالقول المتقدم أنه يكون ظهارًا فلا يقع الطلاق هنا أيضًا ويتمحض الظهار، ذكره ابن الرفعة وبه ينتظم في هذه الصورة ثلاثة أوجه.
الثَّالِثَةُ: أن يعكس فيريد بقوله: "أنت حرام" الظهار، وبقوله:"كظهر أمي" الطلاق؛ ففيه وجهان: الصحيح أنه يصح الظهار فقط ولا يقع طلاق؛ لأن لفظ الظهار صريح في معناه فلا يجعل كناية في غيره مع إمكان نفوذه في حقيقته.
وعن الشيخ أبي محمد وغيره أنه يقع الطلاق أيضًا لأن قوله: "كظهر أمي" قد خرج عن كونه صريحًا في الظهار لعدم استقلاله فجاز أن يكون كناية عن الطلاق.
الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: أن يريد بذلك تحريم عينها الذي توجبه الكفارة الصغرى؛ ففيه وجهان:
أَصَحُّهُمَا: أنه يقبل منه؛ لموافقة لفظ الحرام ذلك.
وَالثَّانِي: لا يقبل ويكون مظاهرًا؛ لأنه وصف التحريم بما يقتضي الكفارة العظمى فلا يقبل في الرد إلى الكفارة الصغرى.
وبنى جماعة هذا الخلاف على ما إذا نوى به الطلاق فقط، فإن جعلناه طلاقًا قبل منه هنا ولزمته الكفارة، وإن جعلناه ظهارًا هناك فكذلك هنا (41) بل أولى، وذكر ابن الرفعة أن هذا الخلاف أيضًا مفرع على أن لفظ التحريم ليس صريحًا في إيجاب الكفارة، أما إذا قلنا: إنه صريح فيقبل هنا قولًا واحدًا، وصرح به الإمام وغيره.
قال الرافعي: وإذا قلنا بالأول فإن لم ينو بقوله: "كظهر أمي" الظهار لم يلزمه شيء سوى كفارة اليمين، فكان قوله:"كظهر أمي" تأكيدًا لتحريم الذات، وإن نوى به الظهار كان مظاهرًا ولزمته الكفارة.
قُلْتُ: ومقتضى هذا أنه تندرج الكفارة الصغرى في الكبرى، فقد قال الرافعي بعد ذلك: لو قال: "أنت علي كظهر أمي حرام" كان مظاهرًا لصريح لفظه، ثم قال في "التتمة": إن لم ينو بقوله: "حرام" شيئًا؛ كان تأكيدًا للظهار، وإن نوى تحريم عينها فكذلك، ومقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى يدخل في مقتضى الظهار وهو الكفارة الكبرى، وإن نوى بالحرام الطلاق فقد عقب الظهار بالطلاق فلا عود.
أما إذا نوى بالحرام تحريم عينها فالصحيح المشهور من المذهب أن الكفارة
تجب لمجرد اللفظ ولا يتوقف على الوطء لأن هذه الصيغة ليست يمينًا كما تقدم.
وحكى صاحب "التقريب"، وغيره وجهًا لبعضهم أنها إنما تلزم إذا أصابها وأن هذا اللفظ مع نية التحريم بمثابة الحلف على ترك الإصابة وهذا ظاهر قول الغزالي في "الوسيط" وإن نوى التحريم كان يمينًا، وقد قال الشافعي في "الإملاء": وإن نوى الإصابة قلنا: أصب وكفر (ص 42) وهذا يشعر بتوقف الكفارة على الإصابة، فعلى هذا يصير مؤليًا بقوله:"أنت علي حرام" كما تقدم عن الحنفية، والجمهور أولوا نص الشافعي على أنه أراد به أن الإصابة لا تحرم قبل التكفير بخلاف الظهار كيف وأن الإيلاء هو اليمين وهي لا تكون إلا باسم من أسماء اللَّه تعالى أو بصفة من صفاته، وعلى هذا فلو قال: أردت بقولي: "أنت علي حرام" الامتناع عن الوطء ففي قبوله وجهان:
أَصَحُّهُمَا: المنع؛ لأن مجرد التحريم لا يصلح أن يكون كناية في اليمين وليس صريحًا فيها قطعًا، وكذلك لو نوى بهذا اللفظ الإيلاء لم يصر به مؤليًا على الأصح.
ولو قال: أردت به إن وطئتك فأنت علي حرام؛ فالمشهور أنه لا يقبل ذلك منه لأنه يروم به تأخير الكفارة وهي واجبة على الفور.
وقال ابن الصباغ والمتولي: يؤاخذ بموجب الإيلاء لإقراره بأنه مؤل، أما إذا لم ينو به شيئًا فقد تقدم للشافعي قولان، والذي نص عليه في مواضع أنه تجب فيه كفارة يمين، وقال في "الإملاء" بعد ذلك: ولو قال قائل إنه لا شيء فيه كان مذهبًا، والأظهر عند جمهور الأصحاب وجوب الكفارة، وأن قوله:"أنت علي حرام" صريح في ذلك، وعلى القول الآخر هو كناية في لزوم الكفارة فلا تجب إلا إذا نوى تحريم عينها.
ووجه هذا بأنه لو كان صريحًا في ذلك لامتنع كونه كناية في الطلاق أو الظهار للقاعدة المعروفة (43) أن اللفظ إذا كان صريحًا في شيء ووجد نفاذًا في ذلك الشيء لا يكون كناية في غيره ولا ينصرف عنه بالنية.
وأجاب الجمهور بوجهين:
أَحَدُهُمَا: أن التزام الكفارة لا يختص بالنكاح بل يجري في ملك اليمين أيضًا إذا قال لأمته: "أنت علي حرام" ونوى به تحريم عينها دون العتق، وإذا لم يختص
بالنكاح لم يبعد أن يصرف من حكم من أحكام النكاح إلى حكم آخر بالنية.
وَالثَّانِي: إن كون الحرام صريحًا في إلزام الكفارة ليس على سبيل القطع بل يحتمل الطلاق وغيره؛ لأنه مجتهد فيه وقد اختلف الصحابة فيه كثيرًا كما تقدم فيجوز أن يكون كناية في غيره كلفظ الخلع فإنه على القول بأنه فسخ، وهو الذي اختاره جماعة من الأصحاب ونصره الجمهور في الخلاف يكون صريحًا فيه ومع ذلك إذا نوى به الطلاق كان طلاقًا؛ لأن كونه فسخًا ليس على سبيل القطع بل هو مجتهد فيه بخلاف لفظ الطلاق والظهار والعتق ونحو ذلك فإن كلل لفظ منها مقطوع بصراحته في حقيقته فإذا وجد نفاذًا فيه لا ينصرف إلى غيره بالنية.
وقد قالوا فيما إذا قال لأمته: "أنت علي حرام، ونوى به الظهار أنه لا يصير ظهارا؛ لأنه لا مجال فيه للأمة عندنا فيلغو.
وقال صاحب "الشامل": عندي أن نية الظهار كنية التحريم؛ لأن معنى نية الظهار أن ينوي أنها كظهر أمه في التحريم وهذا نية التحريم بصفة (ص 44) مؤكدة.
قُلْتُ: وأيضًا إذا كان اللفظ صريحًا في وجوب الكفارة عند الإطلاق على الأظهر فينبغي أن تلغو نية الظهار فيبقى اللفظ مطلقًا فلا يلغى اللفظ بل تجب به الكفارة لاسيما وقد ذكروا في إطلاق هذا اللفظ في الأمة طريقين:
أَظْهَرْهُمَا: أنه على الخلاف في الزوجة.
وَالثَّانِيَةُ: القطع بوجوب الكفارة لورود هذه القصة في تحريم الأمة كما تقدم، ويتحصل من ذلك بالنسبة إلى مطلق اللفظ في الزوجة والأمة ثلاثة أقوال:
ثَالِثُهَا: الفرق بين الأمة والزوجة، والأظهر فيهما وجوب الكفارة كما تقدم ولذلك قال ابن الصباغ: ينبغي أن لا يفرق أن يقول: أردت بقولي أنت حرام التحريم وبين أن يقول: لم أرد به شيئًا؛ لأن اللفظ صريح في المعنى فلا وجه لاعتبار النية.
قال الرافعي: وحاصل هذا طريقة جازمة بأن صورة الإطلاق حكمها حكم ما لو قال: قصدت التحريم، ثم قال بعد ذلك: واعلم أنه قد تكرر في كلام الأصحاب أن قوله: "أنت علي حرام" هل هو صريح في الزام الكفارة أو كناية؟
وفي الحقيقة ليس لزوم الكفارة أو التزامها معنى اللفظ حتى يقال: هو صريح فيه
أو كناية وإنما هو حكم رتبه الشرع على التلفظ بهذه اللفظة، فاختلفوا في أن هذا الحكم هل يتوقف على أن ينوي التحريم أو لا يتوقف؟
فتوسعوا بإطلاق لفظ الصريح والكناية، وهذا تحقيق حسن.
ثم هنا صور يتعين التنبيه عليها:
إِحْدَاهَا: إذا قال: "أنت حرام" ولم يقل: "علي" قال البغوي: هو كناية قولًا واحدًا (ص 45).
الثَّانِيَةُ: إذا قال: "أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير" فحكمه عند الجمهور، كما لو قال:"أنت علي حرام".
وقال الإمام: يجوز أن لا تجعل هذه الألفاظ صرائح وتخصيص الحرام بكونه صريحًا لورود القرآن به وهذا ما جزم به البغوي في "التهذيب".
وقال الحناطي: الخلاف عند الاطلاق هاهنا مرتب على مثله في لفظ الحرام وهذا أولى بأن لا يجعل صريحًا، وحكى هنا قولًا آخر أنه لا تجب الكفارة به وإن أراد التحريم.
وقال النووي: هو شاذ.
وقال الشيخ أبو حامد وغيره: لو قال: أردت أنها حرام علي؛ فإن جعلناه صريحًا وجبت الكفارة، وإن جعلناه كناية لم تجب لأنه لا يكون للكناية كناية.
قال الرافعي: وهذا لا يكاد يتحقق تصويره فإنه إذا كان المنوي المعنى فلا فرق بين أن يقال: نوى التحريم أو نوى به أنت علي حرام، ثم حكى عن أبي الفرج السرخسي أنه إذا قال: أردت أنها كالميتة في النفرة والاستقذار؛ قبل منه ولم يلزمه شيء.
الثَّالِثَةُ: قال إسماعيل البوشنجي: إنما يقع الطلاق بقوله: "أنت علي حرام" إذا نوى حقيقة الطلاق وقصد إيقاعه؛ أما إذا لم ينو كذلك فلا يقع وإن اعتقد كونه موقعًا وظن أنه قد وقع، وتبعه على ذلك الرافعي والنووي، وهذا إنما يجيء إذا لم يشتهر في الطلاق ولم يقل أنه يكون حينئذ من صرائحه، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء اللَّه تعالى.
الرَّابِعَةُ: إذا قال: متى قلت. لامرأتي: "أنت علي حرام" فإني أريد (46) به
الطلاق، ثم قال لها ذلك بعد مدة؛ فقال أبو العباس الروياني: يحتمل وجهين:
أَحَدُهُمَا: الحمل على الطلاق؛ لكلامه السابق.
وَالثَّانِي: أنه كما لو ابتدأ به؛ لاحتمال أن نيته قد تغيرت.
قُلْتُ: وهذا أيضًا انما يجيء كما تقدم، وقد صحح النووي الوجه الثاني.
الْخَامِسَةُ: إن نوى به التحريم أو أطلق وقلنا بوجوب الكفارة وكانت الزوجة تعتد عن وطء شبهة أو محرمة أو كانت الأمة مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو مزوجة؛ ففيه وجهان:
أَحَدُهمُا: أنه لا يجب عليه شيء؛ لأنها محرمة في الحال فهو صادق في وصفها بذلك؛ وإنما أوجب الشارع ذلك إذا خالف حكمه ووصف الحلال بالحرمة فهو كما لو كانت الأمة أخته فإن الكفارة لا تجب قولًا واحدًا.
وَالثَّانِي: أنها تجب؛ لأنها محل الاستباحة في الجملة بخلاف الأخت فيكون كما لو كانت حائضًا أو نفساء أو صائمة ومقتضى هذا التوجيه أن الكفارة تجب في هؤلاء قطعًا وهو المذهب المشهور؛ لأن هذه الأمور عوارض سريعة الزوال، وقد طرد الحناطي الخلاف فيهن أيضًا وهو ضعيف، وكذلك طرد الحناطي الخلاف أيضًا فيما إذا خاطب به الرجعية وهو ما أبداه الإمام احتمالًا، والجمهور جزموا بأنه لا شيء عليه.
السَّادِسَةُ: إذا قال: "كل ما أملكه حرام علي" وله زوجات وإماء ونوى تحريمهن أو أطلق وجعلناه صريحًا، أو قال لزوجاته الأربع:"أنتن علي حرام" والصورة ما ذكرنا (47) فهل تتعدد الكفارة أم تكفي كفارة واحدة؟
فيه طرق يرجع حاصلها إلى ثلاثة أقوال:
أَصَحُّهَا: أنه كفارة واحدة كما لو حلف أن لا يكلم جماعة فكلمهم.
وَالثَّانِي: تتعدد الكفارة بتعدد الأشخاص كما قيل على قول فيمن ظاهر من نسوة بكلمة واحدة.
وَالثَّالِثُ: أنه تجب للزوجات كفارة وللإماء كفارة.
قال الرافعي: وحكى الحناطي وجهًا ضعيفًا أنه يكفر للمال أيضًا وربما جاء على ضعفه فيما إذا وصف المال بالتحريم.