المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وصف النسخة الخطية اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية - مجموع رسائل الحافظ العلائي جـ ١

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌ترجمة الحافظ العلائي

- ‌أولًا: اسمه ونسبه:

- ‌ثانيًا: مولده:

- ‌ثالثًا: شيوخه:

- ‌رابعًا: تلامذته:

- ‌خامسًا: الوظائف التي شغلها

- ‌سادسًا: مصنفاته:

- ‌سابعًا: ثناء العلماء عليه:

- ‌ثامنًا: مذهبه:

- ‌تاسعًا: وفاته:

- ‌منهج تحقيق الرسائل

- ‌جزء في ذكر كليم اللَّه موسى بن عمران صلوات اللَّه وسلامه عليه وما يتعلق بقبره

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌نسخة المؤلف

- ‌النسخة المساعدة

- ‌توثيق الكتاب

- ‌رِسَالَةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا}

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌ثوثيق الكتاب

- ‌رِسَالةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}

- ‌التوصيف العلمى للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌رِسَالَة في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عز وجل {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌تَحْرِيرُ الْمَقَالِ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ

- ‌التوصيف العلمي للنسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌خَاتِمَةٌ

- ‌آخر تحرير المقال في تحريم الحلال

- ‌مَسْأَلَة فِي مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌تَحْقِيقُ مَنِيفِ الرُّتْبَةِ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ شَرِيفُ الصُّحْبَةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الصُّحْبَةِ حَتَّى يَنْطَلِقَ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ اسْمُ الصَّحَابِيّ

- ‌المسألة الثانية: فيما تثبت به الطرق المتقدمة

- ‌المسألة الثالثة: فى تقرير عدالة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌رَفْعُ الْإِشْكَالِ عَنْ حَدِيثِ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

- ‌العُدَّةُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالشِّدَّةِ

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌توثيق الكتاب:

الفصل: ‌ ‌وصف النسخة الخطية اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية

‌وصف النسخة الخطية

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية فريدة لم أظفر بغير ذلك من النسخ الخطية وهي نسخة متقنة، وهي عبارة عن النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية ضمن مجموع تحت رقم (123) مجاميع.

- اسم الناسخ: غير معروف.

- نوع النسخ: نسخ معتاد.

- عدد الأوراق: 7 ورقات من (33 - 39).

‌توثيق الكتاب:

لم أجد من نسب هذه الرسالة للإمام العلائي، ولم أجد ما يدل على نسبها له إلا أنها وجدت ضمن مجموع للحافظ العلائي، واللَّه تعالى أعلم.

ص: 222

الورقة الأولى من النسخة الخطية

ص: 223

الورقة الأخيرة من النسخة الخطية

ص: 224

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبي ونعم الوكيل

الحمد للَّه رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين والمرسلين والملائكة والمقربين والصالحين من عباد اللَّه أجمعين.

وبعد:

فهذه أوراق عن التطوع بالصلوات في أحد المساجد الثلاث التي تشد الرحال إليها، ووردت الأحاديث بمضاعفة الصلوات الأجور فيها هل فعلها فيها أفضل من فعلها في البيوت، أو الإتيان بها في البيوت أفضلٍ كبقية المساجد، وهل مضاعفة أجور الصلوات في هذه المساجد الثلاث يعم كلًّا من الفرض والنفل أو يختص بالفرائض فقط ما للعلماء في ذلك اقتضى كتابتها كلام جرى مع إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلام الدين فتيسرت ببركته وتحررت بجميل نيته، واللَّه ولي التوفيق.

روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةِ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ".

متفق عليه (1)، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم "خَيْرٌ مِن أَلْفِ صَلَاةِ فِي غَيْرهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ"، وفي رواية لمسلم (2) أيضًا "أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاة فِيمَا سِوَاهُ".

وأخرجه أيضًا (3) بهذا اللفظ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حديث ابن عباس (4) رضي الله عنه عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "صَلَاةٌ فِيهِ -يَعْنِي مَسْجِدَهُ- أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةِ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ إِلَّا

(1) رواه البخاري (1190)، ومسلم (1394).

(2)

"صحيح مسلم"(1394).

(3)

"صحيح مسلم"(1395).

(4)

"صحيح مسلم"(1396).

ص: 225

مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ".

قال الشيخ محيي الدين رحمه الله: اختلف العلماء في المراد بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة أيهما أفضل؛ فذهب الشافعي رحمه الله وجماهير العلماء إلى أن مكة أفضل من المدينة وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة، وعكسه مالك وطائفة، فعند الشافعي والجمهور معناه: إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي، وعند مالك وموافقيه: إلا المسجد الحرام فإن الصلاة تفضله بدون الألف (1).

وقال أبو العباس القرطبي في تقرير قول مالك: لا شك أن المسجد الحرام مستثنى من قوله "مِنَ المَسَاجِدِ" وهي بالاتفاق مفضولة والمستثنى من المفضول مفضول إذا سكت عليه فالمسجد الحرام مفضول لكن لا يقال أنه مفضول بألف لأنه قد استثناه منها فلابد أن يكون له مزية على غيره من المساجد لكن ما هي ولم يعينها الشرع فلابد أن يكون له مزية على غيره فيتوقف فيها.

وقال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر: قال عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك: معنى هذا الحديث أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام؛ فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة [فيه](2) بدون الألف.

ثم قال: وهذا التأويل على بعده ومخالفة أهل العلم له لا حظ له في اللسان العربي، وقد قال عامة أهل الأثر: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة، ومن الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة.

ثم روى ابن عبد البر هذا القول عن سفيان بن عيينة وقتادة وعن ابن الزبير من الصحابة رضي الله عنهم ابن وهب وأصبغ بن الفرج أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)"شرح النووي على مسلم"(9/ 163 حديث 1394).

(2)

من "الاستذكار".

ص: 226

قال: فهؤلاء أصحاب مالك قد اختلفوا، وقد روينا عن عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وعبد اللَّه بن مسعود وأبي الدرداء وجابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهم أنهم كانوا يفضلون مكة ومسجدها وإذا لم يكن بدٌّ من التقليد فهم أولى أن يقلدوا من غيرهم الذين جاءوا من بعدهم هذا كله قول ابن عبد البر رحمه الله في كتاب "الاستذكار"(1).

وقال فيه أيضًا قبل ذلك: وأحسن حديث روي في ذلك ما رواه حماد بن زيد وغيره عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: في صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنَ الْصَّلَاةِ في مَسجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ".

ثم قال: قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه.

وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال: بصري ثقة.

قال أبو عمر: وسائر الإسناد لا يحتاج إلى القول فيه، وقد روي أيضًا من حديث ابن عمر، وحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن الزبير رضي الله عنه (2).

قُلْتُ: حديث ابن الزبير هذا صححه أيضًا الحاكم في "المستدرك"(3)، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(4).

ثم قال ابن عبد البر (5) وذكر البزار قال: حدثنا إبراهيم بن حميد قال: حدثنا محمد ابن يزيد بن شداد، ثنا سعيد بن سالم القداح، ثنا سعيد بن بشير، عن إسماعيل بن عبيد اللَّه، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَة أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْف صَلَاةٍ، وَفِي

(1)"الاستذكار"(2/ 459 - 460).

(2)

"الاستذكار"(2/ 459 - 460).

(3)

لم أجده فيه، ولم أجد من عزاه له، واللَّه تعالى أعلم.

(4)

"صحيح ابن حبان"(1620).

(5)

"الاستذكار"(2/ 460).

ص: 227

[مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ](1) خَمْسِمِائَة صَلاةٍ".

قال أبو بكر البزار: هذا حديث حسن.

قُلْتُ: هذا الحديث من أجود ما روي في مضاعفة الصلوات بالمسجد الأقصى:

فإسماعيل بن عبيد اللَّه اتفقا على الاحتجاج به ويعرف بابن أبي المهاجر (2).

وسعيد بن بشير وإن كان بعضهم تكلم فيه:

قال فيه شعبة: كان صدوق اللسان.

وقال ابن عيينة: كان حافظا.

ووثقه ابن دحيم وقال: كان مشايخنا يوثقونه (3).

وقال ابن أبي حاتم: رأيت أبي ينكر على من أدخله في كتاب الضعفاء، وقال: محله الصدق (4).

وقال فيه ابن عدي: الغالب على كلامه الاستقامة (5).

وسعيد بن سالم القداح قال فيه ابن معين: ليس به بأس.

وقال أبو حاتم: محله الصدق (6).

وقال فيه أبو داود (7): صدوق.

وشيخ البزار فيه وشيخ شيخه لم يتكلم فيهما.

وقد رواه محمد بن إسحاق الصغاني أيضًا عن محمد بن يزيد بن شداد الآدمي،

(1) في الأصل: بيت المسجد. تحريف، والمثبت من التخريج.

(2)

انظر ترجمته في "تهذيب الكمال"(3/ 143 - 151).

(3)

انظر "تهذيب الكمال"(3/ 143).

(4)

"الجرح والتعديل"(4/ 131).

(5)

"الكامل"(3/ 375 ترجمة 805).

(6)

"الجرح والتعديل"(4/ 31 ترجمة 128).

(7)

زاد هنا في الأصل: ابن عدي! وقد قال فيه أبو داود: صدوق، كما في "تهذيب الكمال"(10/ 454)، وأما ابن عدي فقد قال فيه: وهو حسن الحديث وأحاديثه مستقيمة، كما في "الكامل"(3/ 397 ترجمة 823).

ص: 228

أخرجه من طريقه القاسم بن عساكر في كتابه "المستقصى"، وقد حسنه البزار كما تقدم، فالحديث جيد، وهو في "مسند" الإمام أحمد بن حنبل من هذا الوجه أيضًا (1)، وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(2) بلفظ آخر من حديث أنس بن مالك بإسناد ضعيف، وكذلك أيضًا روي من طرق أخر ضعيفة، وفي هذا الإسناد كفاية وباللَّه التوفيق.

قال القرطبي: اختلفوا في قوله صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةً فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيْمَا سِوَاهُ" هل المراد بالصلاة هنا الفرض أو هو عام في الفرض والنفل؟

وإلى الأول ذهب الطحاوي، وإلى الثاني ذهب مطرف من أصحابنا.

وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله في "شرح مسلم" اعلم أن مذهبنا لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة، بل يعم الفرض والنقل جميعًا، وبه قال مطرف من أصحاب مالك، وقال الطحاوي: يختص بالفرض وهذا مخالف لإطلاق هذه الأحاديث الصحيحة، واللَّه أعلم (3).

وقال أيضًا في كتابه هذا في باب استحباب صلاة النافلة في بيته: قوله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ"(4) هذا عام في جميع النوافل المترتبة مع الفرائض والمطلقة إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح فإنها مشروعة في جماعة المسجد، والاستسقاء في الصحراء وكذا العيد إذا ضاق المسجد واللَّه أعلم (5).

وقال أيضًا في صدر هذا الباب: وكذا ما لا يتأتى في غير المسجد كتحية المسجد ويندب كونه في المسجد وهو ركعتا الطواف (6).

فظاهر هذا أنه لا فرق بين المساجد الثلاثة وبين غيرها في ترجيح فعل النوافل في

(1) لم أجده فيه، ولم يعزه الهيثمي له، واللَّه أعلم.

(2)

"سنن ابن ماجه"(1413).

(3)

"شرح مسلم"(9/ 164 حديث 1394).

(4)

سيأتي تخريجه من حديث زيد بن ثابت.

(5)

"شرح مسلم"(6/ 70 حديث 781).

(6)

"شرح مسلم"(6/ 67).

ص: 229

البيت فيها؛ لأنه استثنى ركعتي الطواف وهما يفعلان ندبًا في المسجد الحرام خلف المقام؛ فبينه وبين كلامه الأول الذي اختار فيه تعميم المضاعفة في الفرض والنفل ما لا يخفى من التنافي اللهم إلا أن يقال: إن النافلة في أحد المساجد الثلاثة تكون أفضل من ألف مثلها في غير مسجد المدينة مثلًا ويكون فعل هذه النافلة في البيت الذي في تلك البلدة أفضل من فعلها في ذلك المسجد، وهذا فيه نظر أيضًا؛ لأن هذه المضاعفة المخصوصة بهذه المساجد الثلاثة لو لم يختص كل مسجد بما جعله الشارع صلى الله عليه وسلم له من المضاعفة لم يبق لذلك المسجد مزية على غيره، فإذا كانت النافلة في البيت تحصل المضاعفة فيها أكثر من ذلك المسجد زالت تلك الخصوصية، وأيضًا يلزم من ذلك استواء المساجد الثلاثة مع ما ليس بمسجد أفضل وفيه ما فيه.

وقال الشيخ محيي الدين أيضًا في "شرح المهذب"(1): قال أصحابنا: إن كانت الصلاة مما يتنفل بعدها فالسنة أن يرجع إلى بيته لفعل النافلة؛ لأن فعلها في البيت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ" رواه البخاري (2) ومسلم (3) وذكر أحاديث أخر وكلامًا، ثم قال: قال أصحابنا: فإن صلى النافلة في المسجد جاز وإن كان خلاف الأفضل؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعدها، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعشاء ففي بيته. رواه البخاري (4) ومسلم (5).

قال: فظاهره أن الباقي صلاها في المسجد لبيان الجواز في بعض الأوقات وواظب على الأفضل في معظم الأوقات وهو صلاة النافلة في البيت.

(1)"المجموع"(3/ 454 - 456).

(2)

"صحيح البخاري"(731) من حديث زيد بن ثابت.

(3)

"صحيح مسلم"(781) من حديث زيد بن ثابت.

(4)

"صحيح البخاري"(1173).

(5)

"صحيح مسلم"(729).

ص: 230

وفي "الصحيحين"(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ليالي في رمضان في المسجد غير المكتوبات.

انتهى كلام الشيخ محيي الدين (2) رحمه الله وهو ظاهر في ترجيح فعل النافلة في البيت على فعلها في المسجد وإن كان أحد المساجد الثلاثة.

وقال أيضًا في باب صلاة التطوع من "شرح المهذب": قال أصحابنا وغيرهم من العلماء فعل ما لا تسن له الجماعة من التطوع في بيته أفضل منه في المسجد وغيره سواء في ذلك تطوع الليل والنهار سواء الرواتب مع الفرائض وغيرها، وعجب من المصنف رحمه الله يعني في "المهذب"(3) في تخصيصه بتطوع النهار، وكان ينبغي أن يقول: ويفعل التطوع في البيت أفضل كما قاله في "التنبيه" وكما قاله الأصحاب وسائر العلماء، فظاهر هذا الكلام التعميم بالنسبة إلى المساجد من غير استثناء المساجد الثلاثة من غيرها.

وقال فيه أيضًا في باب استقبال القبلة: قال أصحابنا: النفل في الكعبة أفضل من خارجها وكذا الفرض إن لم ترج جماعة أو أمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها، فإن لم يمكن فخارجها، ثم احتج لذلك بنص الشافعي رضي الله عنه فإنه قال في "الأم" (4): قضاء الفريضة الفائتة في الكعبة أحب إلي من قضائها خارجها.

قال (5): وكلما قرب منها كان أحب إلي مما بعد، وكذا المنذورة في الكعبة أفضل من خارجها.

قال الشافعي: ولا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة.

وهذا الكلام من الشيخ محيي الدين رحمه الله يقتضي ترجيح النفل في الكعبة على غيره وربما فيه منافاة للقولين اللذين تقدم نقلهما آنفًا، اللهم إلا أن يقال: إن مراده

(1)"صحيح البخاري"(1129)، "صحيح مسلم"(761) من حديث عائشة.

(2)

"المجموع"(3/ 454 - 456).

(3)

"المهذب"(1/ 84).

(4)

"الأم"(1/ 98).

(5)

"المجموع"(3/ 193).

ص: 231

أن صلاة النفل داخل الكعبة أفضل منه خارجها وإن كان فعلها في البيت أفضل.

وأما احتجاجه لذلك بما ذكر من نص الشافعي رضي الله عنه ففيه نظر؛ لأن كلام الإمام الشافعي إنما هو في الفائتة والمنذورة، ولا يلزم من أفضليتهما في الكعبة أفضلية النفل لدلالة الأحاديث الآتي ذكرها على أن فعل النافلة في البيت أفضل، وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إلى ذلك كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى على أن ترجيح الصلاة داخل الكعبة على خارجها نظرًا لوجود الخلاف في صحة ذلك، وليس هذا موضع بسط الكلام في ذلك.

وقال الشيخ محيي الدين أيضًا في "شرح المهذب" في باب صفة الحج: اختلف العلماء في التطوع في المسجد الحرام بالصلاة والطواف أيهما أفضل:

فقال صاحب "الحاوي": الطواف أفضل وظاهر إطلاق المصنف في قوله في باب صلاة التطوع: "أفضل عبادات البدن الصلاة" أن الصلاة أفضل.

وقال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف للغرباء أفضل (1).

وهذا الخلاف يقتضي أن يكون التطوع في المسجد الحرام أفضل منه في البيت؛ إذ لا يصح التفاضل بين الطواف الذي لا يصح فعله إلا في المسجد وبين الصلاة التي هي مفضولة بالنسبة إلي فعلها في البيوت واللَّه سبحانه أعلم.

فتحصل من هذا كله اضطراب النقل في النوافل هل فعلها في المساجد الثلاثة أفضل أو في البيوت؟

والذي تقتضيه الأحاديث عند المحققين أن فعلها في البيوت أفضل إلا ما شرع له الجماعة كالعيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح على الأصح، وكذا ركعتي الطواف اتباعًا لفعله صلى الله عليه وسلم لهما خلف المقام، وكذلك تحية المسجد لاختصاصها بالمسجد، وما عدا ذلك ففعله في البيت أفضل لدخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم:"أَفْضَلُ صَلَاةُ الْمَرءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكتُوبَةَ"(2) وعدم ما يدل على إخراجه من هذا العموم وهذا الذي

(1)"المجموع"(8/ 61).

(2)

متفق عليه من حديث زيد بن ثابت، وقد سبق تخريجه.

ص: 232

اختاره الإمام أبو عمر بن عبد البر ونقله عن جماعة من الصحابة، وحكاه أيضًا عن نص الشافعي كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى.

فأما الأحاديث الدالة على ذلك ففي "الصحيحين"(1) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: احتجر النبي صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة أو حصيرًا في المسجد -وفي رواية: رمضان- فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي فيها قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مغضبًا فقال لهم:"مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ في بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكتُوبَةَ".

وهذا لفظ مسلم.

ورواه الدارقطني في "مسنده" بإسناد الصحيح ولفظه: "فَإنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْجَمَاعَةَ"(2)، وأخرجه [الترمذي] (3) مختصرًا بلفظ:"أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ"(4).

ثم قال: وفي الباب عن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد اللَّه، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وعائشة، وعبد اللَّه بن سعد، وزيد بن خالد الجهني (5).

قُلْتُ: حديث أبي سعيد أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث جابر عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَجْعَل لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاتِهِ، فَإنَّ اللَّهَ عز وجل جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْرًا"(6) ثم رواه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر أبي سعيد.

(1) سبق تخريجه.

(2)

لم أجدها، واللَّه تعالى أعلم.

(3)

سقط من الأصل.

(4)

"جامع الترمذي"(450).

(5)

"جامع الترمذي"(450).

(6)

"صحيح ابن خزيمة"(1206).

ص: 233

وحديث عبد اللَّه بن سعد رواه الترمذي والنسائي في "سننهما"(1) وابن خزيمة في "صحيحه"(2) عن عبد اللَّه بن سعد قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيتي والصلاة في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم:"قَدْ تَرَى مَا أَقْرَبَ بَيْتِي مِنَ الْمَسْجِدِ وَلأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ" وهذا لفظ ابن خزيمة في "صحيحه".

وروى فيه أيضًا (3) عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل، فلما صلى قام ناس يتنفلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ فِي الْبُيُوتِ" ورواه النسائي أيضا (4).

وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل فصلى بهم المغرب، فلما سلم قال لهم:"ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ".

قال عاصم بن عمر بن قتادة: فلقد رأيت محمود بن لبيد وهو إمام قومه يصلي بهم المغرب ثم يخرج فيجلس بفناء المسجد حتى يقوم قبيل العتمة فيدخل البيت فيصليهما.

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(5) أيضا.

فهذه الأحاديث كلها دالة دلالة قوية ظاهرة على ترجيح فعل النافلة في البيوت على فعلها وإن كان أحد المساجد الثلاثة كما دل عليه حديث عبد اللَّه بن سعد المقدم ذكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجح الصلاة في بيته على الصلاة في مسجده الذي هو أحدها فهو صريح في المقصود ومثله ورواية أبي داود لحديث ابن ثابت الآتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى، وهذا أولى بالترجيح من طريق الجمع بينهما؛ لأنه قد يقال: إن

(1) لم أجده فيهما.

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(1202).

(3)

"صحيح ابن خزيمة"(1201).

(4)

"سنن النسائي"(3/ 198).

(5)

"صحيح ابن خزيمة"(1200).

ص: 234

قوله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه" وكذلك بقية الأحاديث التي تشبهه عام في جميع الصلوات كما تقدم من اختيار الشيخ محيي الدين رحمه الله في شموله الفرض والنفل فلم يدخله تخصيص شيء، وقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" وإن كان عامًا فقد اختص بأشياء منها ما شرعت فيها الجماعة وكذلك تحية المسجد وركعتي الطواف وغير ذلك، وإذا تعارض عامين وأحدهما قد خص والآخر باق على عمومه قدم الباقي على عمومه على الذي دخله التخصيص.

وجواب هذا:

أولًا: يمنع العموم في قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه" وأمثاله من الأحاديث فإنها نكرة في سياق الإثبات ولا عموم لها على الراجح بل هو مطلق في كل الصلوات، والمطلق لا عموم له إلا على جهة البدل، فأما عموم الشمول فلا.

وثانيهما: أنه على تقدير تسليم العموم فيه فليس هذا من باب العامين المتعارضين، بل الأحاديث الدالة على ترجيح فعل النافلة في البيوت أخص بالنسبة إلى الصلوات وإن كان قد خرج منها بعض النافلة فهي خاصة من حيث اعتبار النفل والفرض وتناولها للنفل فقط وإن كانت عامة في جميع صلوات النفل وقد خرج بعضها بدليل فلا ينافي ذلك كونها خاصة بالنسبة إلى جميع أنواع الصلوات، فصلاة النفل نوع بالنسبة إلى مطلق الصلاة جنس بالنسبة إلى أفرادها من الرواتب وغيرها وما شرع فيه الجماعة [. . .](1) ثم هي متناولة لمحل النزاع وهو الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أحد المساجد الثلاثة بطريق التنصيص، وذلك في حديث عبد اللَّه ابن سعد الذي تقدم ذكره والتنبيه عليه، وفيما أخرجه أبو داود في "سننه" (2) قال: حدثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد اللَّه بن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، عن إبراهيم

(1) بياض في الأصل بمقدار كلمة.

(2)

"سنن أبي داود"(1044).

ص: 235

ابن أبي النضر [عن أبيه](1)، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ".

وهذا الإسناد على شرط البخاري سوى إبراهيم بن أبي النضر فقد احتج بهم كلهم سواه، وإبراهيم هذا وثقه محمد بن سعد وأبو حاتم بن حبان ولم يضعفه أحد (2)، وقد ثبته الإمام أبو عمر بن عبد البر واحتج به فقال في كتاب "الاستذكار": اختلفوا في الأفضل في القيام مع الناس أو الانفراد في شهر رمضان:

فقال مالك والشافعي: المنفرد في بيته في رمضان أفضل.

وقال مالك: وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس.

قال مالك: وأنا أفعل ذلك وما قام رسول اللَّه إلا في بيته.

قال: واحتج الشافعي بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قيام رمضان: "أيها الناس صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة" قال الشافعي: ولا سيما مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفي مسجده وما في ذلك من الفضل (3).

فلت: فهذا نص من الشافعي رضي الله عنه على ترجيح النافلة في البيوت على فعلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لدلالة القصة والأحاديث عليه.

ثم قال ابن عبد البر: وروينا عن ابن عمر رضي الله عنه وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع أنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس، وجاء عن عمر وعلي رضي الله عنه أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد ولم يجئ عنهما أنهما كانا يقومان معهم (4).

ثم ذكر عن الليث بن سعد وأحمد بن حنبل والمزني والمتأخرين من أصحاب أبي حنيفة والشافعي أنهم اختاروا قيام شهر رمضان في المسجد وما احتجوا به، ثم

(1) سقط من الأصل. والمثبت من "سنن أبي داود". انظر "التهذيب"(2/ 87 - 88).

(2)

انظر ترجمته في "تهذيب الكمال"(2/ 87 - 88).

(3)

"الاستذكار"(2/ 70).

(4)

"الاستذكار"(2/ 71).

ص: 236

قال: وقد احتج أهل الظاهر في ذلك بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة"(1)، ويروى "بسبع وعشرين درجة"(2) ولم يخص فرضًا من نافلة.

قال: وهذا عند أكثر أهل العلم في الفريضة والحجة لهم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد ابن ثابت رضي الله عنه: صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" (3).

قال: وهذا الحديث وإن كان موقوفًا في "الموطأ" على زيد بن ثابت فإنه قد رفعه جماعة ثقات (4).

فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه بألف صلاة فأي فضل أبين من هذا؟

ولهذا كان مالك والشافعي رحمهما اللَّه ومن سلك سبيلهما يرون الانفراد في البيت أفضل في كل نافلة، فإذا قامت الصلاة في المسجد في رمضان ولو بأقل عدد فالصلاة حينئذ في البيت أفضل. انتهى كلام ابن عبد البر (5).

وقال أيضًا في موضع آخر من هذا الكتاب: وفيه أيضًا -يعني حديث زيد بن ثابت المذكور- دليل على أن الانفراد بكل ما يعمله المؤمن من أعمال البر ويسره ويخفيه أفضل، ولذلك قال بعض الحكماء: إخفاء العلم هلكة، وإخفاء العمل نجاة، قال اللَّه عز وجل:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وإذا كانت النافلة في البيوت أفضل منها في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فما ظنك بها في غير ذلك الموضع إلى ما في صلاة المرء في بيته من اقتداء أهله به من بنين وعيال،

(1) رواه البخاري (646) من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه (649)، ومسلم (649) من حديث أبي هريرة.

(2)

رواه مسلم (650) من حديث ابن عمر.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

"الاستذكار"(2/ 72).

(5)

"الاستذكار"(2/ 70 - 73).

ص: 237

والصلاة في البيت نور (1).

وقال القاضي الماوردي في كتابه "الحاوي": قال الشافعي رضي الله عنه: وأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إليه منه، وفيه تأويلان لأصحابنا:

أحدهما: أنه أراد بذلك أن قيام شهر رمضان وإن كان في جماعة ففي النوافل التي تفعل فرادى ما هو أوكد منه، وذلك الوتر وركعتا الفجر، وهذا قول أبي العباس بن سريج.

والتأويل الثاني: أن صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أفضل إذا لم يكن في انفراده تعطيل الجماعة، وهو قول أكثر أهل العلم؛ وإنما كان ذلك لرواية زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا في بيوتكم فإن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة" فأما إن تعطلت الجماعة بانفراده فصلاته في الجماعة أفضل لما في تعطيلها من إطفاء نور المساجد وترك السنة المأثورة، وهذا منه اختيار للوجه الثالث المقابل بالتفضيل في صلاة التراويح وهو أنه إن كانت الجماعة تتعطل بغيبته أو كان إذا خلا في بيته يغلبه النوم أو الكسل فلا يصلي؛ ففعلها في الجماعة أفضل وإلا فالانفراد بها أفضل، وما اختاره من تأويل نص الشافعي فهو أظهر من التأويل الذي قبله، ومن الأصحاب من قال بترجيح الانفراد بها مطلقًا، ومنهم من اختار فعلها في الجماعة مطلقًا، وهو الذي رجحه الشيخ محيي الدين كما سبق، وليس ذلك لترجيح فعل النافلة في المساجد على فعلها في البيوت بل لمشروعية الجماعة في قيام رمضان، وما شرعت فيه الجماعة فإظهاره وفعله خارج البيوت أفضل، وأما ما لم يشرع فيه الجماعة ولم يكن له اختصاص بالمسجد كتحية المسجد ولا ورد الشرع بعمله فيه كركعتي الطواف ففعله في البيوت أفضل وإن كان في أحد المساجد الثلاثة كما سبق تقريره، واللَّه سبحانه أعلم.

آخره والحمد للَّه رب العالمين وصلواته على محمد وسلامه

(1)"الاستذكار"(2/ 143).

ص: 238