الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رضي الله عنه معه في قذف المغيرة بن شعبة، وأن ذلك لم يقدح في عدالتهم؛ لأنهم إنما أخرجوا ذلك مخرج الشهادة ولم يخرجوا مخرج القذف، وجلدهم عمر رضي الله عنه باجتهاده؛ فلا يجوز رد أخبارهم بل هي كغيرها من أخبار بقية الصحابة رضي الله عنهم.
فَصْلٌ
والذي نختم به الكتاب في هذا المعنى أمر مهم أولع به الحنفية في كتبهم ومناظراتهم يفضي إلى خلل عظيم في الإسلام وذلك يتعلق بأمرين:
أحدهما: في حق أبي هريرة رضي الله عنه على الخصوص وأن التهمة تطرقت إلى رواياته لكثرة ما روى، ولأنه أنكر عليه جماعة من الصحابة.
والثاني: فيما يتعلق بأخبار من ليس من فقهاء الصحابة وإنما يقدم عليها القياس عند المعارضة ويكون التأويل (1) متطرقًا إليها بخلاف أخبار الفقهاء منهم، وجعلوا هذين الأمرين عمدة لهم في رد كثير من الأحاديث التي صحت على خلاف مذهبهم، واللَّه الموعد، كما ثبت هذا اللفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه لما قيل له: إنه يكثر الأحاديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقد بالغ بعضهم حتى حكى أبو الحسين بن القطان من أصحابنا عن عيسى بن أبان أنه نقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يخرج من أمتي ثلاثون دجالًا. . . " الحديث. وأن عليًّا قال: أنا أشهد أن أبا هريرة منهم، ونقله عن ابن أبان جماعة من غلاة الحنفية ولكن أبو بكر الرازي منهم أنكر هذا عن عيسى بن أبان وقال: هو كذب على عيسى ووضعه من لا يرجع إلى دين ولا مروءة ولا يتحاشى من الكذب في التثبت.
والذي نقله الرازي عن ابن أبان أنه قال: يقبل من حديث أبي هريرة ما لم يرده القياس ولم يخالف نظائره من السنة المعروفة إلا أن يكون شيء من ذلك قبله الصحابة والتابعون؛ وذلك لكثرة ما أنكر الناس من حديثه وشكهم في أشياء من روايته.
(1) إلى هنا انتهت نسخة دار الكتب.
قال إبراهيم النخعي: كانوا لا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان في ذكر الجنة والنار، ولم يقبل ابن عباس روايته في الوضوء مما مسمت النار وقال: أنتوضأ بالحميم وقد أغلي على النار؟
فقال له أبو هريرة: يا ابن أخي إذا جاءك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال (1).
قال عيسى بن أبان: فلم يرد ابن عباس رواية أبي هريرة لمعارض لها عنده -يعني نسخ الوضوء مما مست النار- وإنما ردها بالقياس.
وكانت عائشة رضي الله عنها تمشي في الخف الواحد وتقول: لأخشن أبا هريرة، يعني في روايته المنع من ذلك.
وأنكرت عليه أيضًا حديث: "وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ"(2)، وعارضته بقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
وقالت لابن أخيها: لا تعجب من هذا وكثرة حديثه إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثًا لو عده العاد لأحصاه (3).
قال: وقد أنكر ابن عمرو وغيره من الصحابة عليه كثرة حديثه ولم يأخذوا بكثير من رواياته حتى يسألوا غيره.
وقال أبو بكر الرازي بعد سياقه هذا الكلام. لم يظهر من الصحابة من التثبت في حديث غير أبي هريرة مثل ما ظهر منهم في حديثه؛ فدل ذلك على أنه متى غلط الراوي وظهر من السلف التثبت في روايته كان ذلك مسوغًا للاجتهاد في مقابلته بالقياس وشواهد الأصول، ثم ذكر أن عمر رضي الله عنه قال لأبي هريرة لما بلغه أنه يروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أشياء لا تعرف: لئن لم تكف عن هذا لألحقنك بجبال دوس.
ثم ذكر الرازي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ
(1) رواه الترمذي (79)، وابن ماجه (485).
(2)
رواه الترمذي (3963).
(3)
رواه البخاري (3568)، ومسلم (2493).
حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ، فَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي؟ ".
قال أبو هريرة: فبسطت نمرة كانت علي حتى قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقالته فما نسيت شيئًا سمعته منه (1).
وأجاب عن ذلك بأن هذا لو كان كذلك لكانت هذه فضيلة اختص بها من بين الصحابة ولعرفوا له ذلك واشتهر بها حتى كانوا يرجعون إليه ويقدمون روايته على رواية غيره، ولم يقع ذلك، بل كانوا ينكرون كثرة روايته.
وأيضًا كيف يكون ذلك وقد روى حديث: "لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ"(2) ثم نسيه، وروى حديث "لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ"(3) وأنكر أن يكون حديثًا بالخبر الأول.
قال: على أنه لو صح الحديث في بسطه النمرة لكان محمولًا على ما سمعه في ذلك المجلس خاصة دون غيره، ثم ذكر بعد ذلك توقي من توقى من الصحابة رضي الله عنهم في الرواية وتقليلهم منها.
قال: وهذا يدل على أن كثيرًا من الصحابة رضي الله عنهم أشفقوا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم من أن يدخله خلل أو وهم، وإذا كان السهو والغلط جائزين على الرواة ثم ظهر من السلف إنكار لكثرة الرواية على بعضهم كان ذلك سببًا لاستعمال الرأي والاجتهاد فيما يرويه وعرضه على الأصول والنظائر.
وهذا الفصل كما تراه ظاهر الضعف مقتض لرد كثير من السنة الثابتة لمجرد الظن الفاسد، وليس في شيء مما ذكروه ما يقتضي توقفًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولا تطرق تهمة إليه، معاذ اللَّه من ذلك، أنى وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على الحديث لما قال له: من أسعد الناس بشفاعتك؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ قَبْلَكَ لَمَا رَأَيْتُ مِنَ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
(1) رواه البخاري (2047).
(2)
رواه البخاري (5707)، ومسلم (2220).
(3)
رواه البخاري (5771)، ومسلم (2221).
أخرجه البخاري (1).
وروى في كتاب "التاريخ" له من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن مالك بن أبي عامر قال: كنت عند طلحة بن عبيد اللَّه رضي الله عنه فدخل عليه رجل فقال: يا أبا محمد واللَّه ما ندري أهذا اليماني يعني أبا هريرة -أعلم برسول منكم أو هو يقول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟
فقال: واللَّه ما نشك أنه قد سمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم، إنا كنا أغنياء لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع وكان مسكينا لا مال له ولا أهل، يده مع يد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان يدور معه حيثما دار فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع، ولن نجد أحدًا فيه خير يقول على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما لم يقل (2).
وروى حفص بن غياث، عن أشعث، عن مولى لطلحة قال: كان أبو هريرة جالسًا في مسجد الكوفة فمر رجل بطلحة رضي الله عنه فقال: قد أكثر أبو هريرة. فقال طلحة: قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا.
وفي "تاريخ البخاري" أيضًا من طريق إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، أن رجلًا جاء إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة فإنا بتنا أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد فخرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن ندعوا اللَّه فجلس إلينا فسكتنا فقال: "عودوا للذي كنتم فيه".
قال: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي هذان وأسألك علما لا ينسى.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمين"، فقلنا: يا رسول اللَّه ونحن نسألك علما لا ينسى، قال:"سبقكما بها الغلام الدوسي".
(1)"صحيح البخاري"(99).
(2)
"التاريخ الكبير"(6/ 132).
وروى هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، أنه مر بأبي هريرة رضي الله عنه وهو يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث من تبع جنازة فقال: أنشدك اللَّه يا أبا هريرة أسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟
قال: اللهم نعم، لم يكن يشغلني عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق لقد كنت أطلب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها.
فقال ابن عمر: يا أبا هريرة قد كنت ألزمنا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه (1).
وهذا إسناد صحيح، وأصل القصة في "صحيح مسلم"(2)، وفيه أن ابن عمر قال حينئذ: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم، أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة وفيه مشيخة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثير بضعة عشر رجلًا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يتراجعون فيه فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم الحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مرارا.
قال: فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري في "تاريخه"(3) أيضًا.
وقال شعبة، عن أشعث بن سليم، عن أبيه قال: قدمت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة، فقلت: تحدث عن رجل وقد كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقال: إنه قد سمع؛ ولأن أحدث عنه أحب إلي من أن أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وممن روى عنه أيضًا من الصحابة: عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن عمر، وجابر بن عبد اللَّه، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وأبو أمامة سهل بن حنيف.
(1) رواه أحمد (2/ 2)، وعبد الرزاق (6270) عن هشيم.
(2)
"صحيح مسلم"(945)، وكذا البخاري (1324).
(3)
"التاريخ الكبير"(1/ 186).
قال البخاري: روى عنه نحو ثمانمائة نفس من صاحب وتابع من أهل العلم. وهذا يقتضي إجماع الأمة كلها على قبول روايته وعدم التوقف فيها.
قال أبو صالح: كان أبو هريرة رضي الله عنه من أحفظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بأفضلهم.
وقال حماد بن زيد: ثنا عمرو بن عبيد الأنصاري قال: ثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم، أن مروان بن الحكم دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير فجعل يسأله وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر (1).
قلت: وهذا كله نتيجة بسط ردائه الذي أشار إليه أبو بكر الرازي وفي كلامه ما يقتضي تضعيفه وليس كما ذكر؛ لأنه ثابت في "الصحيحين"، وفي بعض طرقه الثابتة قال: حضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسًا فقال: "مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ إِلَيْهِ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي".
فبسطت بردة علي حتى قضى حديثه ثم قبضتها إلي، فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئًا بعده سمعته منه.
أخرجاه في "الصحيحين"(2) من طريق ابن عيينة عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، ورواه البخاري أيضًا من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه إني أسمع منك حديثًا كثيرًا فأنساه.
قال: "ابسط رداءك" فبسطته فغرف بيديه، ثم قال:"ضمه"، فضممته فما نسيت حديثًا قط (3).
فهاتان الروايتان مصرحة بأن عدم نسيانه لم يكن مختصًّا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس بل هو شامل لجميع ما سمعه منه في ذلك المجلس وغيره.
(1) رواه الحاكم (3/ 583).
(2)
"صحيح البخاري"(7354)، "صحيح مسلم"(2492).
(3)
"صحيح البخاري"(119).
وقول الرازي: لو كان كذلك لاشتهر به بين سائر الصحابة ولم يتثبت في حديثه، يقال عليه أنه غير لازم؛ لأن القضية لم تكن بحضور جمع يسمع الحديث منهم ولم يعرف ذلك إلا من جهته، وقد شهدوا له بالحفظ كما تقدم عن جماعة منهم ولم يتثبت أحد منهم في حديثه، ولو وقع في بعض ذلك شيء من واحد منهم كان على وجه الاحتياط كما فى قصة أبي بكر رضي الله عنه مع المغيرة فى ميراث الجدة.
وقصة عمر رضي الله عنه مع أبي موسى في الاستئذان ثلاثًا ولا يلزم من ذلك تطرق ريبة اليهما، وكذلك فعل ابن عمر في حديث أبي هريرة في اتباع الجنازة وقد سلم له أنه كان يلزم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويغيبون في أشغالهم.
وأما قول عمر رضي الله عنه: لألحقنك بجبال دوس، فلم يثبت عنه.
وقد ولاه عمر رضي الله عنه البحرين مع عدم مداهنته.
وقال له عثمان رضي الله عنه: حفظ اللَّه عليك دينك كما حفظت علينا ديننا.
وإنما عمر رضي الله عنه كان يحب إقلال الرواية عن النبي رضي الله عنه ويوصي بذلك كثيرًا من الصحابة أخذًا بالتوقي والاحتياط وحذرًا من زيادة أو نقصان يقعان من الراوي وهو لا يشعر، والروايات عنه بذلك ثابتة، فلم يكن ذلك مختصًّا بأبي هريرة دون غيره.
وأما نقض الرازي ذلك بنسيانه حديث: "لا عدوى" فلا يلزم؛ لأنه لم يصرح بأنه نسيه، وربما كتمه في ذلك الوقت لمصلحة رآها في الحاضرين يومئذ، ولو سلم أنه نسيه فلا يلزم منه دوام نسيانه بل ربما تذكره بعد ذلك.
وفي إجماع العلماء كافة على قبول قول أبي هريرة وتلقيه منه غنية ورد على ابن أبان ومن تبعه في رأيه، واللَّه ولي التوفيق.
وأما الكلام في أفراد الصحابة الذين لم يشتهروا بالعلم وأن حديثهم لا يقبل منه إلا ما وافق القياس فهو كما تقدم في الضعف، وعلى خلاف ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم.
فقد ثبت عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه سأل عن إملاص المرأة فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة. . . الحديث.
رواه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم (1).
وأخرجوا أيضًا (2) بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه كان يقول: الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا، حتى قال له الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر رضي الله عنه إليه.
وصححه ابن حبان أيضا.
ولما أفتى ابن مسعود رضي الله عنه باجتهاده أن المفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول لها مهر المثل والميراث، وقام معقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنه فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في بروع بنت واشق؛ فرح به ابن مسعود كثيرًا ولولا قبول روايته لم يفرض به.
وكل هذه الأمور على خلاف القياس، والصحابة الرواة لها لم يشتهروا بالقصة بل ولا بطول الصحبة فليس لما قالوه وجه مع قبول الصحابة رضي الله عنهم ذلك.
وأيضًا إذا كان الصحابي عدلًا مأمونًا فلا فرق فيما رواه بين ما يوافق القياس وما يخالفه، وإن كانت التهمة تتطرق إليه فيما يخالف القياس فهي متطرقة إلى ما يوافقه أيضًا ويكون حكمه حكم سائر الرواة من غير الصحابة ممن يتهم بسوء الحفظ وقلة الأتقان، معاذ اللَّه من ذلك.
ولا ريب في أن فتح هذا الباب في الصحابة يشوش الشريعة، ويدخل الشك في السنن، ويطرق أهل البدع كالرافضة وغيرهم إلى القدح في الدين والتشكيك فيه والتلبيس على ضعفاء المؤمنين، وكل مقالة أدت إلى هذه المفاسد فهي فاسدة، لاسيما والإجماع العملي منعقد قبل قائلها وهي غنية عن الإطالة في ردها، واللَّه ولي التوفيق.
(1)"سنن أبي داود"(4572)، "المستدرك"(3/ 666).
(2)
"سنن أبي داود"(2927)، "جامع الترمذي"(1415)، "سنن ابن ماجه"(2642).