الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابتلاه بهذا، هذا إقرار منه بأن الدخان بلوى وحرام، ولكن نقول هذا مردود عليه من القرآن والسنة، أما القرآن فقال الله تعالى:(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا) . (1) قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) فحجتهم باطلة بالقرآن. في السنة لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" قالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: "لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له "(2) . ونقول لهذا الرجل المبتلى بشرب الدخان اسأل الله العافية، اسأل الله العافية وجاهد نفسك بالامتناع عنه، وإن شيئاً فشيئاً قد لا يقدر الإنسان المبتلى بشرب الدخان الإقلاع عنه فوراً لكن شيئاً فشيئاً فإذا أقلعت عنه ابتغاء وجه الله ذقت بذلك حلاوة الإيمان فارتدت عليك الصحة ونشطت فحاول يا أخي أن تقلع عن الدخان، واعلم أنك إذا شربت الدخان وأنت محرم نقص حجك ونقصت عمرتك؛ لأن الله يقول:(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)(3) وشرب الدخان فسوق.
س 1531: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
(1) سورة الأنعام، الآية:148.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:(وأما من بخل واستغنى)(رقم 4947) ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (رقم 2647) .
(3)
سورة البقرة، الآية:197.
"الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"(1) بعض المراجع من كتب الفقه تقول: إنه لا يغفر بالحج إلا الصغائر وتأخير الفروض عن أوقاتها، أما الكبائر فلا تغفر بالحج، والبعض الآخر يقول: يغفر
بالحج كل شيء حتى الكبائر لكن بشرط التوبة من الكبائر وسداد التبعات فما رأيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحج المبرور هو الذي جمع عدة أوصاف:
الوصف الأول: أن يكون خالصاً لله عز وجل، بحيث لا يريد الإنسان بحجه ثناءً من الناس، أو استحقاق وصف معين يوصف به الحاج، أو شيئاً من الدنيا دون عمل الآخرة، أو ما أشبه ذلك.
الوصف الثاني: أن يكون متبعًا فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بحيث يأتي بالحج كما حج النبي صلى الله عليه وسلم أو أذن فيه، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(2) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " خذوا عني مناسككم "(3) ومن ثم يتبين ضرورة الإنسان إذا أراد الحج إلى أن يقرأ مناسك الحج قبل أن يحج حتى يحج على بصيرة وبرهان، وإذا كان لا يستطيع القرأة فليشتر ما يستمع إليه من أشرطة من علماء
(1) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها (رقم 1773) ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة يوم عرفة (رقم 1349) .
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأكام الباطلة (1718)(18) .
(3)
تقدم تخريجه ص (8) .
موثوق بهم وإن لم يتيسر ذلك فليسأل علماء بلده كيف يحج، ولا أظن العلماء يقصرون في بيان ذلك عند سؤالهم عنه.
الوصف الثالث: أن يكون من نفقات طيبة، أي من كسب طيب؟ لأن الكسب الخبيث خبيث؟ فليتحرى الإنسان أن تكون نفقاته في الحج من كسب طيب، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا
طيبًا.
الوصف الرابع: أن يتجنب فيه المآثم سواءً كانت هذه المآثم، من خصائص الإحرام كمحظورات الإحرام، أو من المآثم العامة كالغيبة، والنميمة، والكذب وما أشبه ذلك، لقول الله تعالى:(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)(1) .
ومن هذا أن يتجنب أذية الناس بالمزاحمة عند الطواف، أو السعي، أو الجمرات، أو غير ذلك؛ لأن أذية الناس من الأمور المحرمة قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)) (2) فلا يجوز أن يأتي لرمي الجمرات بانفعال وغضب وشد عضلات، وكأن بني آدم الذين أمامه خراف لا يهتم بهم، فإن هذا مما ينافي أن يكون الحج
مبروراً.
ومن ذلك أي مما يشترط للحج أن يكون مبروراً أن يتجنب
(1) سورة البقرة، الآية:197.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:58.
شرب الدخان؛ لأن شرب الدخان محرم كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة العامة، وإذا كان محرمًا كان الإصرار عليه كبيرة من كبائر الذنوب، ولو أن الحجاج تجنبوا شرب الدخان في مواسم الحج، لاعتادت أبدانهم على تركه، ثم من الله عليهم بالإقلاع عنه إقلاعاً تاماً.
فالحج المبرور قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس له جزاء إلا الجنة"(1) وهذا لا يقتضي أن يغفر للإنسان التبعات التي لبني آدم، فالتبعات التي لبني آدم لابد من إيصالها إليهم، فمن أخذ مالاً للناس وحج - وإن حج بغير هذا المال الذي أخذه وإن أتقن حجه تماماً في الإخلاص والمتابعة- فإنه لا يغفر له الذنب، حتى يرد الحق إلى أهله، وإذا كانت الشهادة في سبيل الله، وهي من أفضل الأعمال (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)(2)(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(3) إذا كانت الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين، فالحج من باب أولى، ولهذا نقول: إذا كان على الإنسان دين فلا يحج حتى يقضي هذا الدين، إلا إذا كان ديناً مؤجلاً وهو واثق من قضائه إذا حل الأجل، فهنا لا بأس أن يحج، أما إذا كان الدين حالاً غير مؤجل، أو كان مؤجلاً لكنه لا يثق من نفسه أن يوفيه عند أجله فلا يحج، وليجعل المال الذي يريد الحج به وفاءً للدين، وبهذا علم أن الحج المبرور لا يسقط حقوق
(1) تقدم تخريجه ص (11) .
(2)
سورة الحديد، الآية:19.
(3)
سورة آل عمران، الآية:169.