المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصلٌ (1) وأما السنة فأحاديث: الحديث الأول: ما رواه الشعبي عن عليًّ - مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول

[بدر الدين البعلي]

الفصل: ‌ ‌فصلٌ (1) وأما السنة فأحاديث: الحديث الأول: ما رواه الشعبي عن عليًّ

‌فصلٌ

(1)

وأما السنة فأحاديث:

الحديث الأول: ما رواه الشعبي عن عليًّ أن يهوديَّةً كانت تشتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتقع في؛ فخنقها رجلٌ حتى ماتت، فأبطل رسول الله دمها.

رواه أبو داود

(2)

وابن بطَّة

(3)

، واستدلّ به أحمد

(4)

، ورُوِيَ أن الرجل كان أعمى

(5)

، وهو حديث جيِّد، وهو متَّصل؛ لأن الشعبي رأى عليًّا

(6)

، ولو كان مرسلًا فهو حجة وفاقًا؛ لأن الشعبي صحيح المراسيل عندهم، ليس له مرسل إلا صحيح

(7)

.

وهذا صريحٌ في جواز قتله؛ لأجل شَتْم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو

(1)

"الصارم": (2/ 125).

(2)

رقم (4362).

(3)

في "سننه" كما ذكر شيخ الإسلام، وهذا الكتاب ذُكر في ترجمته في "طبقات الحنابلة":(3/ 270) وهو في عداد المفقود.

(4)

في رواية ابنه عبد الله، على ما ذكره الخلال عنه في "جامعه":(2/ 341).

(5)

أخرجه الخلال في "الجامع": (2/ 341 - أهل الملل

) من مرسل الشعبي.

(6)

انظر "جامع التحصيل": (ص/ 204)، و"تحفة التحصيل":(ق 168/ ب) ووقعت رواية الشعبي عن علي في "صحيح البخاري": (6812)، وردَّ هذا بعضُهم، وجزم الدارقطني أنه لم يسمع منه غير ذاك الحديث، انظر "فتح الباري":(12/ 121).

(7)

ذكره العجلي، وقرنَه ابن المديني بابن المسيب في قوة المراسيل، انظر "شرح علل الترمذي":(1/ 543) لابن رجب.

ص: 52

دليل

(1)

على قتل الذَّمَّي والمسلم والمسلمة إذا سبَّا بطريق الأوْلَى.

الحديث الثاني

(2)

: ما روى ابنُ عباسٍ: أن أعمى كانت له أمُّ ولدٍ تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فأخَذَ المِغْوَلَ

(3)

ووضعه في بطنها واتَّكأ عليه فقتلها، ثم ذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأهْدَر دَمَها، رواه أبو داود والنسائي

(4)

، واستدلَّ به أحمد

(5)

.

فهذه القصَّة يمكن أن تكون هي الأولى، فتكون يهودية، وهو قول القاضي أبي يعْلَى وغيره، جعلوا كلا الحديثين واقعة واحدة، ويمكن أن تكون هذه قضية أخرى.

قال الخطَّابي

(6)

: "فيه أنَّ سابَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُقْتَل؛ لأنّ السبَّ ارتداد"، فهذا دليل أنه اعتقد أنها مسلمة، وليس في الحديث دليل على ذلك، بل الظاهر أنها كافرة، فإن في الحديث أن سيّدها كان ينهاها مرارًا

(7)

ولو كانت مرتدةً لَما جاز وطؤها وإبقاؤها مدةً طويلةً

(8)

(1)

تكررت في الأصل.

(2)

"الصارم": (2/ 140).

(3)

حديدة دقيقة، وقيل: سيف دقيق ماضٍ له قفا.

(4)

أخرجه أبو داود رقم (4361)، والنسائي:(7/ 107)، والدارقطني:(3/ 112) من طريق أبي داود، والحاكم:(4/ 354)، والبيهقي:(7/ 60).

كلهم من طريق عثمان الشحَّام عن عكرمة عن ابن عباس به، والحديث صححه الحاكم، وقال ابن حجر في "بلوغ المرام":(2/ 138): رواته ثقات.

(5)

انظر "الجامع": (2/ 341 - أهل الملل

) للخلال.

(6)

"معالم السنن": (6/ 199 - مع المختصر).

(7)

في الأصل: مرار.

(8)

هنا كلمة لم تحرر لي.

ص: 53

الحديث الثالث: ما احتج به الشافعيُّ أن الذِّمي إذا سبَّ قُتل، وهو قصة كعب بن الأشرف اليهودي، وقصَّته مشهورة معلومة

(1)

، قال فيها رسول الله:"مَن لكعبِ بن الأشرافِ فإنه قد آذى الله ورسولَه"؟ فقام محمد بن مَسْلَمة فقالَ: يا رسول الله! أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم"، قال: فأذن لي [أن أقول شيئًا]

(2)

، فأذن له، فأتاه فقال: إن هذا الرجل قد أراد الصدقةَ وعنَّانا، فلما سمعه كعبٌ قال: وأيضًا والله لَتَمَلُّنَّه

الحديث، فقتلوه.

وهو متفق عليه، وكان كعبٌ قد هجا النبىَّ صلى الله عليه وسلم فندبَ رسول الله إلى قتلِه، فأتى أصحابُ كعبٍ رسولَ الله فقالوا: إنه قد اغْتِيْل وهو سيدنا، فقال رسول الله: "إنه لو قرَّ كما قرَّ غيرُه لما أوذي

(3)

، لكنه نال منَّا الأذى وهجانا بالشِّعر، ولم يفعل هذا أحدٌ منكم إلا كان السيف".

فذلَّت يهودُ وحَذِرَت من يوم قَتْل كعب بن الأشرف.

وكان كعبٌ معاهدًا، فلما سبَّ نقض عهده، وقال فيه:"فإنه قد آذى الله ورسولَه"، فكل من آذى الله ورسولَه قُتِل، والسبُّ أذًى لله ورسوله باتفاق المسلمين، فيكون موجِبًا للقتل.

الحديث الرابع

(4)

: ما رُوي عن عليًّ رضي الله عنه قال: قال

(1)

أخرجه البخاري رقم (2510)، ومسلم رقم (1801)، وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(2)

زيادة متعيَّنة.

(3)

في "الصارم": (2/ 152): "

كما قرَّ غيرُه ممن هو على مثل رأيه، ما اغتيل

".

(4)

"الصارم": (2/ 188).

ص: 54

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبَّ نبيًّا قُتِلَ، ومن سبَّ أصحابه جُلِد"، رواه أبو محمد الخلَّال، وأبو القاسم الأزَجِيُّ، وأبو ذرًّ الهروي.

وظاهره قتله من غير استتابة؛ لكن فيه عبد العزيز بن الحسن بن زبَالَة وهو ضعيف، قاله شيخ الإسلام

(1)

.

الحديث الخامس: ما روى عبد الله

(2)

عن أبي بَرْزَة قال: أغلظَ رجلٌ لأبي بكر الصديق، فقلتُ: أقتله؟ فانتهرني وقال: ليس هذا لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه النسائي

(3)

.

وفي رواية: أن رجلًا شتم أبا بكرٍ، فذكره، رواه أبو داود في "سننه"

(4)

، بسند صحيح.

وقد استدلَّ به جماعاتٌ من العلماء على قتل سابِّ الرسول، منهم: أبو داود، وإسماعيل بن إسحاق، وأبو بكر عبد العزيز، والقاضي أبو يعلى، وغيرهم.

(1)

"الصارم": (2/ 191) فقال بعد أن ذكر أن ابن زبَالَة يرويه بسندٍ مسلسل بالهاشميين: "وفي القلب منه حَزَازة، فإن هذا الإسناد الشريف قد رُكَّب عليه متون منكرة" اهـ وحكم عليه الذهبي بالنكارة في "الميزان": (3/ 341) في ترجمة ابن زبالة.

وله متابعةٌ - لا يُفرح بها - يرويها عبيد الله العمري عن ابن أبي أويس عن الهاشميين. أخرجه الطبراني في "الأوسط": (5/ 35 - 36)، و"الصغير":(1/ 393). والعمري متهم بالكذب.

(2)

هو: عبد الله بن قدامة بن عَنَزَة أبو السَّوَّار العنبري، ثقة من رجال التهذيب.

(3)

"السنن": (7/ 108 - 109) وسنده صحيح.

(4)

رقم (4363)، وكذا النسائي:(7/ 110 - 111) من طريق عبد الله بن مطرَّف بن الشخِّير عن أبي برزة به.

ص: 55

وهذا الحديث يُفِيد أنَّ من سبَّه في الجملة أُبِيح قتلُه، وهو عامٌّ في المسلم والكافر.

الحديث السادس

(1)

: قصة العَصْماء بنت مروان، ما رُويَ عن ابن عباس قال: هَجَت امرأةٌ من خَطْمَةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"مَنْ لي بها"؟ فقال رجلٌ من قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يَنْتَطِحُ بها عَنْزَان

(2)

"، وقصتها مبسوطة عند بعض أهل المغازي، وكان الرجل عُمَير بن عَدِي، فامتدحَه حسَّان بأبياتٍ

(3)

:

بني وائلِ وبني واقفٍ

وخَطْمَةَ دونَ بني الخزرجِ

متى ما دعت أختُكم ويحها

بُعُولَتها والمنايا تجي

فهزَّت فتًى ماجدًا عِرقُه

كريمَ المداخِلِ والمَخْرجِ

فضرَّجَها مِن نجيع الدِّما

قُبيل الصباح ولم تخرجِ

فأوْرَدَكَ اللهُ بردَ الجِنا

ن جَذلانَ في نَعمةِ المولِجِ

وكان قتلها لخمس ليالٍ بقين من رمضان مرجِعَ رسول الله من بَدْر، وذكر هذه القصة أصحاب السِّيَر، مثل ابن سعد والعسكري وأبو

(1)

"الصارم": (2/ 195).

(2)

أخرجه الواقدي في "المغازي": (1/ 172 - 173) بسندٍ منقطع، وتبعه ابنُ سعد:(2/ 27) وغيره. وأخرجه ابن عدي في "الكامل": (6/ 145)، والخطيب في "تاريخ بغداد":(13/ 99) من طريق محمد بن الحجَّاج أبي إبراهيم الواسطي، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس به.

وفي إسناده محمد بن الحجاج الواسطي، اتهمه غير واحدٍ بالكذب والوضع.

(3)

"الديوان": (1/ 449)، و"سيرة ابن هشام":(2/ 637).

ص: 56

عبيد في "الأموال"

(1)

والواقدي وغيرهم، وهي مشهورة، وأنها قُتِلت لسبِّها النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

الحديث السابع

(2)

: قصة أبي عَفَك اليهودي، ذكره أهل المغازي والسير

(3)

، وكان من شأنه هِجاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم، حتى خرج إلى بدرٍ وظفَّره الله بمن ظفَّره، فحسدَه وهجاه وذمَّ من اتّبعَه، أعظم ما فيها قوله:

فيسلبهم أمرَهُم راكبٌ

حرامًا حلالًا لِشَتَّى معًا

قال سالم بن عُمير: عليَّ نذرٌ أن أقتله، وذكر محمد بن سعد

(4)

أنه كان يهوديًّا. لكنه من رواية أهل المغازي، لكنه يصلح أن يكون عاضدًا ومؤكِّدًا ومؤيدًا بلا تردُّد.

الحديث الثامن: حديث أنس بن زُنَيم الدِّيلي، وهو مشهور عند أهل السِّيَر، ذكره ابن إسحاق والواقدي

(5)

وغيرهما، أنه هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسمعه غلام من خُزَاعة فشجَّه، وكان قد نَدَر رسول الله دَمَه، أي: أهدره، فلمَّا بلغه ذلك جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعْتذرًا ومدحه في قصيدةٍ أوَّلُها:

أأَنتَ الذي تُهْدَى مَعَدٌّ بأمره

بل اللهُ يهديها وقال لكَ أشهدِ

(1)

(2/ 194 رقم 485).

(2)

"الصارم": (2/ 211).

(3)

رواه الواقدي في "المغازي": (1/ 174)، وانظر "سيرة ابن هشام":(4/ 635 - 636).

(4)

"الطبقات": (2/ 28).

(5)

"سيرة ابن هشام": (2/ 424) مختصرًا، و"مغازي الواقدي":(2/ 782 - 791).

ص: 57

فما حملتْ مِن ناقةٍ فوقَ رَحْلِها

أبرَّ وأوفى ذِمةً من محمدِ

تَعَلَّم رسولَ الله أنك مُدْركي

وأنَّ وعيدًا منك كالأخذِ باليدِ

تَعَلَّم رسولَ الله أنك قادِرٌ

على كلَّ سَكْنٍ من تَهامٍ ومُنجدِ

(1)

ونُبَّي رسولُ الله أني هجوتُه

فلا رفعَتْ سَوْطي إليَّ إذن يدي

(2)

سوى أنني قد قلتُ يا ويحَ فِتْيَةِ

أُصِيْبوا بنحسٍ يوم طَلْقٍ وأسعُدِ

فإنيَ لا عِرضًا خرقتُ

(3)

ولا دمًا

هرقتُ ففكِّر

(4)

عالمَ الحقَّ واقصِدِ

فلما بلغ رسول الله قصيدتَه واعتذارَه، وكلَّمه فيه نوفل بن معاوية الدَّيلي وشَفَع فيه، وكان قد شجَّه بعضُ بني خُزاعة، فقال رسول الله:"قد عفوتُ عنه"، قال نوفَل: فِداك أبي وأُمِّي، ثم قَدم واعتذر، وقال: إنهم قد كذبوا عليه

(5)

.

فوجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد صالح قريشًا عشر سنين،

(1)

كذا بالأصل، و"مغازي الواقدي"، وفي "السيرة":

* على كلِّ صَرْمٍ مُتْهِمِين ومُنْجِد *

والسَّكْن: أهل الدار. والصرم: البيوت المجتمعة.

(2)

في "السيرة":

ونبَّوا رسولَ الله أني هجوتُه

فلا حملت سوطي إليَّ إذن يدي

(3)

في "السيرة": "

لا دينًا فتقت".

(4)

في "السيرة": "تبيَّن".

(5)

هذا تصرُّف من المختصر، وإلا فقد أنشد في القصيدة نفسها:

تعلَّم بأن الرَّكب ركبَ عُويمرٍ

هم الكاذبون المخلِفُو كلّ موعِدِ

ص: 58

ودخل فيهم خزاعة وبنو بكر

(1)

، ثم إن هذا الرجل المعاهد هجا رسول الله - على ما قيل عنه - وشجَّه ذلك الرجل، فلولا أنهم علموا أن هجاء النبي صلى الله عليه وسلم من المعاهد مما يوجِبُ الانتقامَ منه لم يفعلوا ذلك.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هَدر دمَه لذلك، وهذا نصٌّ في أنَّ المعاهد الهاجي يباح دمُه، ثم إنه أسلم في شعره، ولهذا عدُّوه من الصحابة، وقوله:"تعلَّم رسولَ الله" دليل على إسلامه، ومع ذلك فانكر أنه هجاه، وردَّ شهادة الذين شهدوا عليه، فإنهم أعداؤه، وبينهم حروب وقتال، فلو لم يكن ما فعله مُبِيحًا لدمه، لما احتاج إلى فعل شئٍ من ذلك.

ثم إنه بعد إسلامه واعتذاره وتكذيبه المُخْبِريْن ومدحِه لرسول الله، طلبَ العفوَ منه عن إهدارِ دمه، والعفوُ إنما يكون مع جواز العقوبة على المذنب

(2)

، فعُلِمَ أنه كان له أن يُعاقبه بعد مجيئه مسلمًا معتذرًا، وإنما عفا عنه حلمًا وكرمًا، مع أن العهد كان عهد هُدْنة ليس عهد جِزْية، والهادن المقيم ببلده يُظهر ببلده ما شاء، فلا ينتقض عهدُه حتى يُحارب، فعُلِمَ أن الهجاءَ من جنس الحِراب وأغلظ منه، وأن الهاجي لا ذِمَّةَ له.

الحديث التاسع

(3)

: قصة ابن أبي سَرْحٍ، وهي مما اتفق عليها أهلُ العلم، واستفاضت عندهم استفاضةً تُغني عن رواية

(1)

فخزاعةُ في عهده صلى الله عليه وسلم، وبنو بكر في عهد قريش.

(2)

في "الصارم": "الذنب".

(3)

"الصارم": (2/ 219).

ص: 59

الآحاد

(1)

، وذلك أن يومَ فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبدَ الله، فرفع رأسه فنظر إليه، ثلاثًا، كلُّ ذلك يأبى، فبايعه بعد الثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال:"أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ يقومُ إلى هذا حين رآني كففتُ يدي عن بيعته فيقتله"، فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أوْمأت إلينا بعينك؟ فقال:"إنه ما يَنْبَغي لنبيٍّ أنْ تكون له خائنةُ الأعْيُن" رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح، والنسائيُّ كذلك.

وكان قد ندر

(2)

رسول الله دَمَه، وكان أخا عثمان من الرَّضاعة، فشَفَع له إلى رسول الله فتركه، وكان ابن أبي سَرْح هذا قد أسلم ثم ارتدَّ ولحق بالمشركين، وكان يكتب لرسول الله الوحيَ، وكان لما رجع إلى المشركين يقول لهم: إني لأصرِّفه كيف شئت، إنه ليأمرني أن أكتب له الشئَ، فأقول له: كذا أو كذا، فيقول: نعم، وذلك أن رسول الله كان يقول:"عليم حكيم"، فيقول: أو أكتبُ: "عزيز حكيم" فيقول له: "نعم كلاهما سواء"

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود رقم (2683، 4359)، والنسائي:(7/ 105 - 106)، والحاكم:(3/ 45)، والبيهقي:(7/ 40) كلهم من طريق أحمد بن المفضل حدثنا أسباط بن نصر الهَمْدَاني زعم السُّدي عن مصعب بن سعد عن أبيه به.

والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه شيخ الإسلام والألباني، انظر "السلسلة الصحيحة" رقم (1723).

(2)

في الأصل: "ند" وهو سهو.

(3)

انظر "السيرة": (2/ 409) لابن هشام.

ص: 60

وقيل

(1)

: إن فيه نزلت: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ

} الآية [الأنعام: 93]

فوجه الدلالة: أنه افترى على رسول الله أنه كان يُتَمِّم له الوحي ويكتب ما يريد ويقرّه رسول الله على ذلك، وهذا نوع من أنواع السبِّ.

وكذلك لما افترى عليه كاتب آخر مثل ذلك، قَصَمه الله وعاقبه بأن أماتَه، وكلما دفنوه تلفظه الأرض

(2)

.

فهذا من أوضح الدلالة أن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه.

فإباحة دم ابن أبي سَرْح بعد مجيئه تائبًا مسلمًا، وقول رسول الله:"هلَّا قتلتموه" ثم عَفوه عنه بعد ذلك = دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان له أن يقتله وأن يعفو عنه، وهو دليلٌ على أنَّ له أن يقتل من سبَّه، وإن تاب وعاد إلى الإسلام.

وصحَّ

(3)

أن ابن أبي سَرْح كان قد رجعَ إلى الإسلام قبل الفتح، وقال لعثمان:"إن جُرْمي عظيم، وقد جئتُ تائبًا"

(4)

، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، وهدوء الناس بعدما تاب، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم من

(1)

انظر "تفسير الطبري": (5/ 268)، و"أسباب النزول":(ص/ 254)، و"الدر المنثور":(3/ 55 - 56).

(2)

أخرج القصة البخاري رقم (3617)، ومسلم رقم (2781) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.

(3)

لم يجزم شيخ الإسلام في "الصارم": (2/ 235) بصحته، بل قال: "رُوِيَ عن عكرمة

" وقال: "وذكر آخرون أن ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام".

(4)

في رواية الواقدي لقصته في "المغازي": (2/ 855).

ص: 61

المسلمين أن يقتلوه حينئذٍ، وتربَّص زمانًا ينتظر قتلَه، ويظن أن بعضهم سيقتله، وهذا أوضح دليلٍ على جوازِ قتلِه بعد إسلامه.

واعلم أن افتراء ابن أبي سَرْح والكاتب الآخر النصراني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه كان يتعلَّم منهما افتراءٌ ظاهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُكَتِّبه إلا ما أنزله الله عليه، ولا يأمره أن يُثْبِت قرآنًا إلا ما أوحاه الله ولا يتصرَّف به

(1)

كيف شاء، بل يتصرف كما يشاء الله تعالى.

ثم اختلف أهل العلم؛ هل كان رسول الله أقرَّه على أن يكتب شيئًا غير ما ابتدأه النبي صلى الله عليه وسلم بإكتابِه، وهل قال له شيئًا؟ على قولين:

أحدهما: أن النصرانيَّ وابنَ أبي سرح افتريا ذلك كلَّه، وأنه لم يصدر منه إقرارٌ على كتابةِ غيرِ ما

(2)

قاله أصلًا، وإنما هما افتريا ذلك لينفِّروا الناسَ عنه.

والقول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له شيئًا، فيقول له ويُمْلي عليه:"سميعًا بصيرًا"، فيكتب:"سميعًا عليمًا"، فيقول له:"دعه"

(3)

، ونحو ذلك.

ويكون كل واحد من الحرفين قد نزل، فيقول له: اكتب كذا وإن شئت كذا، فكلٌّ صواب، وقد جاء مصرَّحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أُنْزِلَ

(1)

في مطبوعة "الصارم": "ولا ينصرف له" وما في المختصر أصح.

(2)

في "الأصل": "على كتابة ما غير ما

"! وهو سهو.

(3)

أخرجه أحمد: (3/ 245 - 246)، من طريق ثابتٍ عن أنسٍ، وأخرجه بنحوه في (3/ 120 - 121) وابن حبان "الإحسان":(2/ 62) من طريق حميد عن أنسٍ. وصححه شيخ الإسلام (2/ 242).

ص: 62

القرآنُ على سبعةِ أحْرُفِ كلُّها شافٍ كافٍ، إن قلتَ:"عزيز حكيم" أو "غفور رحيم" فهو كذلك ما لم تَخْتم آيةَ رحمةٍ بعذاب أو آيةَ عذابٍ برحمةٍ"

(1)

.

فالأحاديث تدلُّ على أن من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن أن تُخْتم الآية الواحدة بعدَّة أسماء من أسماء الله تعالى على سبيل البدل، يُخَيَّر القارئُ في القراءة بأيِّها شاء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُخَيّره أن يكتب ما شاء من تلك الحروف، وربَّما قرأها النبيُّ بحرفٍ، فيقول له: أو كذا وكذا لكثرة ما سمعه منه يُخَيِّر بحرفَيْن، فيقول له:"نعم كلاهما سواء"؛ لأن الآية نزلت بالحرفين معًا، فيقرّه على ذلك، ثم إن الله نسخ بعض تلك الحروف لما كان جبريل يُعارض النبيَّ بالقرآن في كلِّ رمضان، وكانت العرضة الآخرة على حرف زيد بن ثابت الذي يقرأ به الناس اليوم، وهو الذي جمع عثمانُ والصحابةُ عليه الناسَ.

ورُوِيَ فيها وجه آخر

(2)

: أنه كان يقول للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أكتب "تعملون"

(3)

أو "تفعلون"؟ فيقول له: "اكتب أيَّ ذلك شئت".

فيوفّقه الله للصواب من ذلك، فيكتب أحب الحرفين إلى الله إن كان

(1)

هذا الحديث معدود من الأحاديث المتواترة واتفق على تخريجه أصحاب الصحاح والسنن المسانيد، وفي بعض طرقه ألفاظ وزيادات، واللفظ المذكور ملفَّق من عدة روايات. انظر:"قطف الأزهار": (ص/ 163)، و"المرشد الوجيز":(ص/ 77 - 95) لأبي شامة.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في "الناسخ والمنسوخ" - كما في الصارم: (2/ 245) وساق سندَه - وابن أبي حاتم - كما في الدر المنثور: (3/ 55) - مختصرًا، وسنده مع إرساله ضعيف جدًّا.

(3)

في "الأصل": "تعلمون" سبق قلمٍ.

ص: 63

كلاهما منزّلًا، أو يكتب ما أنزله الله فقط، وكان هذا التخيير من النبي صلى الله عليه وسلم توسِعَةً في المُنَزَّل، وثقة في

(1)

الله بحفظ القرآن، وعلمًا بأنه لا يكتب إلا ما أنزل، وليس هذا بمنكرٍ في كتابٍ تولَّى الله حفظه، وضمن أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلْفِه.

وذكر بعضهم وجهًا ثالثًا: أنه ربما كان يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم الآية حتى لم يبق منها إلا كلمة أو كلمتان، فيستدّل بما قرأ منها على باقيها، كما يفعله الفَطِن الذكيُّ، فيكتبه ثم يقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:"كذاك أُنْزلَ"، كما اتفق مثل ذلك لعمر بن الخطاب في قوله:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}

(2)

[المؤمنون: 14].

قال شيخ الإسلام: والقول الأول أشبه الأقوال.

الحديث العاشر

(3)

: حديث القَيْنتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومولاة بني هاشم

(4)

.

(1)

كذا استظهرت، والكلمتان غير محررتين في النسخة، وفي الصارم: "أو ثقة بحفظ الله

".

(2)

أخرجه الطيالسي في مسنده: (ص/ 9 رقم 41)، وابن أبي حاتم وابن مردوية وابن عساكر - كما في الدر المنثور:(5/ 12) - عن أنسٍ أن عمر قال: وافقت ربي في أربع فذكر هذه الآية منها.

وأخرجه الطبراني في "الكبير": (11/ 439) وابن مردوية - كما في الدر: (5/ 14) - عن ابن عباس، وفي سنده مقال، انظر "مجمع الزوائد":(9/ 71).

(3)

"الصارم": (2/ 249).

(4)

انظر "مغازي الواقدي": (2/ 859)، و"سيرة ابن هشام":(2/ 409 - 410).

ص: 64

وذلك مشهور مستفيض عند أهل السير، فأمر رسول الله بقتل قَيْنَتين لابن خَطَل تُغنِّيان بهجاء رسول الله، فَقُتِلت إحداهما وكمنت الأخرى حتى اسْتُؤمن لها.

ذكره محمدُ بن عائذ، وابنُ إسحاق، وعبدُ الله بن حزم.

وقيل: كانت القينتان لابن خطل، فأمر رسول الله بقتلهما معه، وحديثهما مما اتفق عليه علماء السير واستفاض.

ووجه الدلالة: أن تعمد قتل المرأة لمجرَّد الكفر الأصلي لا يجوز بالإجماع، وقد استفاضت بذلك السنة عن رسول الله أنه نهى عن قتل النساء والصبيان

(1)

.

فعُلِم أن أمره بقتل هاتين المرأتين إنما كان لأجل الهجاء الذي كانتا تُغنِّيان به، فمن هجاه وسبَّه وجبَ قتله بكلِّ حال.

الحديث الحادي عشر

(2)

: أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه، جاء رجلٌ فقال: ابن خَطَلٍ متعلِّق بأستار الكعبة، فقال:"اقتلوه".

وهذا مما استفاض نقلُه، وهو في "الصحيحين"

(3)

، وأنه قُتِل، وكان جُرْمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة، وأصْحَبه رجلًا يخدمه

(1)

منها: ما أخرجه البخاري رقم (3014)، ومسلم برقم (1744) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه نهى عن قتل النساء والصبيان بعد أن رأى امرأةً مقتولة في بعض المغازي.

(2)

"الصارم": (2/ 264).

(3)

البخاري رقم (1846)، ومسلم رقم (1357) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.

ص: 65

فغضب على رفيقه لكونه لم يصنع له طعامًا، فقتله، ثم خاف أن يُقْتَل فارتدَّ واستاق إبل الصدقة، وأنه كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر جاريتيه تغنيان بذلك

(1)

، فله ثلاث جرائم مبيحة لدمه: قتل النفس، والرِّدة، والهجاء.

فلا يمكن قتله أنه كان بالقِصاص

(2)

؛ لأنه كان ينبغي أن يُسَلَّم إلى أولياء القتيل الذي قتله من خُزاعة؛ إما أن يقتلوه، وإما أن يعفوا عنه، أو يأخذوا

(3)

الدِّيَة.

ولم يُقتل لمجرّد الردة - أيضًا - لأن المرتَدَّ يُستتاب، وإذا اسْتَنْظَرَ أُنْظِر، وهذا ابن خَطَل قد فرَّ إلى البيت عائذًا به، طالبًا للأمان، تاركًا للقتال، مُلْقيًا للسلاح، وقد أمر النبىُّ بعد علمه بذلك بقتله، وليس هذا سنة من يُقْتَل لمجرَّد الرِّدة، فثبت أنه إنما كان لأجل الهجاءِ والسَّبِّ.

الحديث الثاني عشر: أنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتل جماعةٍ لأجل سبِّه صلى الله عليه وسلم، وقَتَل جماعةً لأجل ذلك، مع كَفِّه عمن هو بمنزلتهم في كونه كافرًا حربيًا؛ فمن ذلك ما تقدم عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم فتح مكة بقتل ابن الزِّبَعْرَى

(4)

.

(1)

انظر: (ص/ 64).

(2)

كذا بالأصل، وهو واضح المعنى.

(3)

بالأصل: "يأخذ" بالإفراد، وأصلحناه ليتحد السياق.

(4)

ذكره ابن سعد في "الطبقات": (2/ 141)، قال شيخ الإسلام في "الصارم":(2/ 267): "وسعيد بن المسيّب هو الغاية في جودة المراسيل، ولا يضره أن لا يذكره بعض أهل المغازي - أي ابن الزِّبَعْرى - ومن أثبت الشيء وذكره حجة على من لم يُثبته" اهـ.

ص: 66

وذكر ابن إسحاق قال

(1)

: لما قَدِم رسولُ الله المدينةَ منصرفًا عن الطائف كتب بُجِير بن زُهَيْر إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله قد قتلَ رجالًا

(2)

بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقيَ من شعراء قريش ابن الزِّبَعْرى وهُبيرة بن أبي وَهْب قد هربوا في كلِّ وجهٍ، فهرب ابن الزِّبَعْرى إلى نجران، ثم قدم على رسول الله مسلمًا وله أشعار حسنة في التوبة والاعتذار، فأهدر دمه للسَّبِّ مع أمانِه لجميع أهل مكة إلا من كان جرمه مثله.

ومن ذلك عبد الله بن أبي أُمية بن المغيرة، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب، قصَّته في هجائه للنبي مشهورة

(3)

، وكان أخاه من الرضاعة أرضعته حليمة، فاهدر دمَه لجل أذاه وهجائه له ولأصحابه، حتى جاء واعتذر وأسلم وجعل يتشفَّع بعمه العباس وبَعلِيٍّ وبكلِّ أحدٍ، ثم دخل عليه وأنشَده في إسلامه واعتذاره حتَّى رقَّ له فقال:

لعمرك إني يومَ أحملُ رايةً

لتغْلِبَ خيلُ اللاتِ خيلَ محمدِ

لكالمدْلِجِ الحيرانِ أظلمَ ليلُه

فهذا أواني حين أُهدى وأهْتدي

هدانِىَ هادٍ غيرُ نفسي ودلَّني

على الله من طرّدتُ كلَّ مطرَّدِ

(1)

انظر "السيرة النبوية": (2/ 501) لابن هشام.

(2)

وقع في الأصل: "رجلًا" وهو سهو.

(3)

انظر "المغازي": (2/ 806 - 810) للواقدي، و"السيرة":(2/ 400 - 401) والأبيات فيه.

ص: 67

وذكر باقي الأبيات.

وفي روايةٍ

(1)

قال: فطلبنا الدخول على رسول الله، فأبى، فكلَّمته أم سلمة زوجته - لعبد الله بن أبي أمية وأبي سفيان بن الحارث - فقالت: يا رسول الله! صِهْرك وابن عمتك وابن عمك وأخوك، وقد جاء الله بهما مُسلِمَين، لا يكونان أشقى الناس بك، وقد عفوتَ عمن هو أعظم جرمًا منهما، وأنت أحقُّ الناس عفوًا عن جُرمه. فقال:"هتكَ عِرضي لا حاجة لي به"، فلما بلغ الخبر لأبي سفيان - وكان معه [ابنه]

(2)

- فقال: والله ليقبلنَّ مني أو لأذهبنَّ أنا وابني حتى نموت في البرِّيَّة

(3)

جوعًا وعطشًا، وأنت أحلم الناس وأكرم الناس. فرقَّ رسول الله حينئذٍ، فأَذِنَ ودخلا

(4)

فأسلما، وكانا حَسَني الإسلام. قُتِل عبد الله بن أبي أُمية بالطائف، ومات أبو سفيان بالمدينة في خلافة عمر.

فوجه الدلالة: أنه ندر دم أبي سفيان بن الحارث دون غيره من صناديد قريش الذين كانوا أشدَّ تأثيرًا بالجهاد واليد والمال

(5)

، وليس له سبب سوى السَّبِّ والهجاء، ثم جاء مسلمًا، وهو يُعرض عنه، وكان من شأنه أن يتألَّف الأباعدَ فكيف بعشيرته!؟ كلُّ ذلك بسبب هَتْك عِرضه كما فسَّره في الحديث

(6)

.

(1)

للواقدي في "المغازي": (2/ 810).

(2)

سقطت من الأصل، والاستدراك من "المغازي" و"الصارم".

(3)

كذا استظهرتها.

(4)

في الأصل: "ودخل"! والمثبت الصواب.

(5)

كذا بالأصل، وفي "الصارم":(2/ 275): "أشد تأثيرًا في الجهاد باليد والمال". وهو أصح.

(6)

إذ قال: "هو الذي هتكَ عِرْضي، فلا حاجة لي بهما"، "المغازي":(2/ 810).

ص: 68

وكذلك أمر يوم الفتح بقتل ستة سماهم: ابن أبي سَرْح، وابن خَطَل، والحويرث، ومِقْيَس، وعكرمة، وهبَّار

(1)

.

فمثل [هذا] مشهور عن هؤلاء، وقد رواه الأئمة

(2)

، وأكثر ما فيه أنه مرسل، والمرسل إذا روي من جهاتٍ مختلفة لا سيما ممن له عناية بهذا الأمر كان كالمسنَد؛ بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي أقوى مما يُروى بالإسناد الواحد.

وكذلك عُقبة بن أبي مُعَيْط قُتِل صبرًا فقال: يا معشر قريش مالي أُقتل من بينكم صبرًا؟ فقال رسول [الله]: "بكفرك وافترائك على رسول الله"

(3)

.

وكذلك النضر بن الحارث قتلَه عليٌّ صبرًا لسبِّه لرسول الله

(4)

.

ففي هذا بيان أن السبَّ أوجبَ قتلَ هذين من بين أُسارى بدرٍ، وأمر بقتل من كان يهجوه بعد الفتح من قريشٍ وسائرِ العرب.

وكذلك جنّيٌّ سبَّ وهجا فقتلَه عِفْريتٌ من الجنّ كان قد أسلم، فأخبر به رسولُ الله الناسَ

(5)

.

(1)

انظر "المغازي": (2/ 825). وجاءت رواياتٌ أخرى في تعيين من أمر بقتلهم، جمعهم الحافظ من متفرقات الروايات في "الفتح":(7/ 604 - 605).

(2)

أصحاب المغازي؛ كالزهري وابن عقبة وابن إسحاق والواقدي والأموي.

(3)

بهذا اللفظ أخرجه البزار "الكشف: 2/ 320" من حديث ابن عباسٍ، وقد تفرد به يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو ضعيف. وقصة قتله مشهورة أخرجها أصحاب المغازي.

(4)

انظر "المغازي": (1/ 106 - 107) للواقدي.

(5)

انظر "الصارم": (2/ 291 - 292).

ص: 69

وكذلك أبو رافع بن أبي الحقيق اليهودي، وقصته مشهورة في "الصحيح"

(1)

.

فكل هذه الأحاديث دالَّة على أن من كان يهجوه ويؤذيه فإنه يقتل ويحض عليه الناس.

الحديث الثالث عشر

(2)

: ما رُوي من حديث أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، ورواه أبو أحمد بن عدي في "الكامل"

(3)

قال: كان حيٌّ من بني ليث من المدينة على مِيْلَين، وكان رجلٌ قد خطبَ منهم في الجاهلية فلم يزوِّجوه، فأتاهم عليه حُلَّة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني هذه الحُلَّة وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم، ثم نزل على تلك المرأة التي كان يحبُّها، فأرسلوا إلى رسول الله، فقال:"كذبَ عَدُوُّ الله"، ثم أرسل رجلًا فقال:"إنْ وَجَدْتَه فاقْتُلْه، وإن وجَدْتَه ميِّتًا فأحْرِقه في النار"، ثم قال:"من كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأ مَقْعَدَه مِنْ النَّار".

وإسناده على شَرْط الصحيح، لا يُعلم له عِلَّة

(4)

.

(1)

البخاري رقم (3022، 3023، 4038).

(2)

"الصارم": (2/ 323).

(3)

(4/ 53 - 54)، وقد ساق ابن عدي القصة على أنها من مناكير صالح بن حيان القرشي الكوفي، وقال عقبها:"وهذه القصة لا أعرفها إلا من هذا الوجه" أي: من طريق حجاج الشاعر، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا علي بن مُسْهِر، عن صالح بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه به.

(4)

هذا وهم من شيخ الإسلام رحمه الله منشؤه عدم التمييز بين صالح بن حيان القرشي - وهو الراوي هنا - وبين صالح بن حيّ ويقال: حيان الثقة، وقد بيَّن هذا الوهم قديمًا الإمام الذهبي في "سير النبلاء":(7/ 373 - 374) فقال: "وقد كان شيخنا أبو العباس اعتمد في كتاب "الصارم المسلول" له على حديث لصالح بن =

ص: 70

وله شاهدٌ

(1)

، وفيه: ثم قال: "لا تحرِّقه، فإنه لا يعذِّب بالنارِ إلا ربُّ النار".

وللناسِ في هذا الحديث قولان:

أحدهما: الأخذ بظاهره في قتل من تعمَّد الكذبَ على رسول الله ومِن هؤلاء من قال: يكفُر بذلك، قاله جماعةٌ، منهم أبو محمد الجويني.

ووَجْه ذلك: أنَّ الكذبَ عليه كذبٌ على الله، ولهذا قال:"إنَّ كذبًا عَلَيَّ ليس ككذبٍ على أحَدِكُم"

(2)

، فإن ما أمر به الرسول فقد أمر الله به، يجبُ اتباعُه كما يجب اتباع أمر الله، فإن الكاذب عليه كالمكذِّب له.

يوضِّحه أن تكذيبه نوع من الكذب، فإن مضمون تكذيبه الإخبار عن خبره أنه ليس بصدق، وذلك إبطالٌ لدين الله. وأيضًا فإن الكاذبَ

(3)

عليه يُدْخِل في دينه ما ليس منه عمدًا

(4)

، ويزعم أنه يجب على الأمة

= حيّان هذا وقوَّاه، وتمَّ عليه الوهم في ذلك" اهـ وانظر أيضًا "الميزان":(3/ 7).

(1)

رواه المُعَافَى النهرواني في "الجليس الصالح": (1/ 182 - 183): ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات": (1/ 83)، وفي سنده داود بن الزبرقان وهو متروك.

وللحديث شواهد أخرى ضعيفة لا يرتقي بها إلا درجة القبول، قال الذهبي:"لم يصح بوجهٍ". وانظر "قصص لا تثبت": (4/ 13 - 24) للعتيق.

(2)

أخرجه البخاري رقم (1291)، ومسلم رقم (4) من حديث المغيرة رضي الله عنه.

(3)

في الأصل "الكاب" وهو سهو.

(4)

في الأصل "عمد".

ص: 71

التصديق بذلك.

وهو - أيضًا - استهزاء واستخفاف به؛ لأنه يزعم أنه أمر بأشياء ليست مما أمر به، بل وقد لا يجوز الأمرُ بها، وهذا نِسبة [له] إلى السَّفَة، أو أنه يُخبر بأشياء باطلة، وهذا نسبة له إلى الكذب، وهو كفر صريح.

وبالجملة؛ فمن تعمَّد الكذب على الله، فهو كالمتعمِّد لتكذيب الله وأسوأ حالًا، فكذلك الكذب على رسوله كالتكذيب له.

قال شيخ الإسلام

(1)

: "واعلم أن هذا القول في غاية القوة" - وذكر له أدلة لا يمكن دفعها قوَّةً وكثرةً

(2)

- ثم قال: "لكن يتوجَّه أن يُفرَّق بين الذي يكذب عليه مشافهةً، وبين الذي يكذب عليه بواسطة، مثل أن يقول: حدثني فلان بن فلان عنه بكذا، فإن هذا إنما كذبَ على ذلك الرجل، فأما إن قال: هذا الحديث صحيح، أو ثبت عنه أنه قال ذلك عالمًا بأنه كَذِب، فهذا قد كذبَ عليه.

أما إذا افتراه ورواه روايةً ساذَجَةً؛ ففيه نظر.

وأما من روى حديثًا وهو يعلم أنه كذب؛ فهو حرام، لكن لا يكفر، إلا أن ينضمَّ إلى روايته ما يوجب الكفر؛ لأنه صادق في أن شيخه حدَّثه به، وعلى هذا؛ فمن سبَّه فهو أولى بالقتل ممن كذب عليه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل الذي كذبَ عليه من غير استتابة، فكذلك السَّابّ وأولى.

(1)

"الصارم": (2/ 333).

(2)

ما بين المعترضتين من كلام المختَصِر.

ص: 72

والقول الثاني: أن الكاذب عليه تُغَلَّظ عقوبته ولا يكفر ولا يجوز قتلُه، لأن موجبات الكفر والقتل معلومة، وليس هذا منها، فلا يجوز أن يثبت ما لا أصل له. ومن قال هذا فلا بُدَّ أن يقيِّد كلامه بأنه لم يكن الكذِبُ عليه متضمِّنًا لعيبٍ ظاهر، فأما إن أخبر أنه سمعه يقول كلامًا يدلُّ على نقصِه وعيبِه دلالةً ظاهرةً، مثل حديث: عَرَق الخيل

(1)

، ونحوه من التُّرَّهات، فهذا مستهزِئٌ به استهزاءً ظاهرًا، ولا ريب أنه كافر حلال الدم. ذكر ذلك شيخ الإسلام.

فهذا الرجل كذبَ عليه كذبًا يتضمَّن عَيْبَه وانتقاصَه؛ لأنه زعم أنه حكَّمه في دماء قومٍ وأموالهم، وأذن له أن يبيتَ حيث شاء من بيوتهم، ليبيت عند تلك المرأة ويفجر بها.

ومن زعمَ أنه حلَّل المحرَّمات، فقد انتقصَه وعابَه، فثبت أن الحديث نصٌّ في قتل الطاعن على كلا القولين، وهو المطلوب، أما على الأوَّل؛ فلأنه كافر، وأما على الثاني؛ فلأنه طاعن، ويؤيد الأول أنهم لو ظهر لهم طعنٌ وسبٌّ لبادروا إلى الإنكار عليه.

الحديث الرابع عشر

(2)

: حديث الأعرابيِّ الذي قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لما أعطاه: ما أحسنتَ ولا أجملتَ، فأراد المسلمون قتلَه، فقال:"لو قَتَلْتُموه لدخلَ النَّارَ"

(3)

.

(1)

حديث موضوع مُخْتَلَق، أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات":(1/ 105) وقال عقبة: "هذا حديث لا يشك في وضعه، وما وضع مثل هذا مسلم" اهـ.

(2)

"الصارم": (2/ 339).

(3)

أخرجه البزار "الكشف: 3/ 159 - 160" وأبو الشيخ في "أخلاف النبي": (1/ 472 رقم 177)، وفيه إبراهيم بن الحكم شديد الضعف.

ص: 73

فيدلُّ على أن من آذاه إذا قُتِل دخل النار، وذلك لكفره وجواز قتلِه، وإلا كان يكون شهيدًا. وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عفى عنه؛ لأنه كان له أن يعفو عمَّن آذاه.

ومن ذلك قول الذي قال له حين قَسَم غنائمَ حُنين: إن هذه قِسْمة ما أُرِيْد بها وجهُ الله، فقال عمر: دعني أضربُ عُنُقَ هذا المنافق.

والحديث في "الصحيح"

(1)

، وإنما منعه لئلَّا يتحدَّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، كذا قاله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك قول عبد الله بن أُبَي: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8]، فقال عمر: دعني أضربُ عُنُقَه، فقال: إذَن [تُرْعَد]

(2)

له أُنوْفٌ". وكان ذلك والإسلام ضعيف، فخاف أن ينفر الناس عن الإسلام

(3)

.

وكذلك قوله: "مَنْ يَعْذِرُني في رجل بلغَ أذاه في أهل بيتي؟ "[قال سعد بن معاذ: أنا أْعذِرُك، إن كان من الأوس ضربت عنقَه]

(4)

، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم

(5)

.

(1)

"صحيح مسلم" رقم (1063) من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

في "الأصل": "ترغم" وهو خطأ، والصواب ما أثبتُّ كما في "الصارم" و"مغازي الواقدي":(2/ 418)، و"السيرة النبوية":(2/ 293)، وهذه اللفظة ليست في الصحيح، والمعنى: تنتصر له وتحامي عنه.

(3)

أخرجه البخاري رقم (3518)، ومسلم رقم (2584) من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

زيادة لا بد منها، ليستقيم السياق والاستدلال، وهي في الأصل:(2/ 342).

(5)

القصة مشهورة، رواها البخاري رقم (4141)، ومسلم رقم (2770) من حديث =

ص: 74

الحديث الخامس عشر: قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في "مغازيه" عن الشعبي

(1)

: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ دعا بمال العُزَّى فنثره بين يديه، ثم دعا رجلًا قد سمَّاه فأعطاه منها، ثم دعا أبا سفيان بن حرب فأعطاه منها، ثم دعا سعيد بن حُرَيث

(2)

فأعطاه، ثم دعا رهطًا من قريش فأعطاهم، فجعل يُعطي الرَّجلَ القِطعة من الذَّهب فيها خمسون مثقالًا وسبعون، فقام رجلٌ فقال: إنك لبصير حيث تضع التِّبْر، ثم قال الثانية، فأعرض عنه، ثم قام

(3)

الثالثة فقال: إنك لتحكم وما نرى عدلًا، فقال:"وَيْحَكَ إذًا لا يَعْدِلُ أحدٌ بعدي"، ثم دعا رسول الله أبا بكر فقال:"اذْهَبْ فاقْتُلْه"، فذهب فلم يَجِدْه، فقال:"لو قتلْتَه لرَجَوْتُ أن يكونَ أوَّلَهم وآخِرَهم".

فهذا نصٌّ في قتل مثل هذا الطاعن على رسول الله مِن غير استتابة، وهذه قصةٌ أخرى غير قصَّة غنائم حُنين، ولا قصَّة الذهب الذي بعثه عليٌّ، وكان هَدْم

(4)

العُزَّى عقيب الفتح سنة ثمانٍ، وحُنين بعد ذلك في ذي القَعْدة، وحديث علي سنة عشرٍ.

= عائشة رضي الله عنها.

(1)

قال شيخ الإسلام في "الصارم": (2/ 344): "وهذا الحديث مرسل، ومخرجه عن مجالد - هو ابن سعيد - وفيه لين؛ لكن له ما يؤيد معناه" اهـ.

(2)

كذا، وفي "الصارم":"الحارث". وليس في الصحابة من يقال له "سعيد بن حريث" إلا واحد أسلم قبل الفتح وشهد الفتح وعمره خمسة عشر عامًا؛ فيبعد أن يكون هو، ولعل صوابه "ابن الحارث" وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر "السِّيَر":(1/ 202)، و"الإصابة":(2/ 45).

(3)

في "الأصل": "قال" وهو سهو.

(4)

في "الأصل": "هذا" وهو سهو.

ص: 75

وتقدم أن عمر قتلَ الرجل الذي لم يرضَ بحكم النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

، ونزل القرآن بتقرير ذلك، وجُرمه أسهل من جُرم هذا.

وفي "الصحيحين"

(2)

حديث الذي لمزه في قسمة الذهبيَّة التي أرسل بها عليٌّ، وقال:"يخرج من ضِئْضِئ هذا قومٌ يتلون كتابَ الله رَطْبًا لا يُجاوِزُ حناجرَهم يَمْرُقون من الدِّين كما يمرقُ السَّهْم من الرَّميَّةِ، يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعون أهلَ الأوْثانِ، لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قَتْلَ عادٍ".

وقال: "سيخرجُ قومٌ في آخر الزمان حِداث

(3)

الأسنان، سُفَهاء الأحلام، يقولون من خيرِ قولِ البريَّة، لا يُجاوِز إيمانُهم حناجِرَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السَّهم من الرَّمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنَّ في قتلهم أجرًا لمن قتلَهم يوم القيامةِ"

(4)

.

فهذه الأحاديث كلُّها دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل طائفةِ هذا الرجل العائب عليه، وأخبر أن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم، وقال:"هم شرُّ قَتْلَى تحتَ أديمِ السَّماءِ"

(5)

فرتَّب القتل على مروقهم من الدين،

(1)

لم يتقدم في المختصر شيءٌ، وقد تقدم في أصله:(2/ 82) والقصة عند ابن أبي حاتم وابن مردوية كما في "الدر المنثور": (2/ 322) بسندٍ فيه ابن لهيعة، وأخرجه دُحيم في "تفسيره" من وجهٍ آخر كما في "الدر" أيضًا.

(2)

البخاري رقم (3344)، ومسلم رقم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

في "الأصل": "حديث" والمثبت من "الصارم".

(4)

أخرجه البخاري. رقم (3611)، ومسلم رقم (1066) من حديث علي رضي الله عنه.

(5)

أخرجه أحمد: (5/ 250)، وابنه في "السنة":(2/ 643)، والترمذي رقم (3000)، وابن ماجه رقم (176).

ص: 76

فعُلِمَ أنه الموجِب لقتلهم لما غَلَوا فيه حتى مرقوا، وهم أصناف، وكان هذا أولهم قد خرج في زمنه صلى الله عليه وسلم فعاب قَسْمه.

فكلُّ من عاب شيئًا من سنَّته فحكمه كحكمهم، فمن زعم أنه يَجُورُ في قَسمه فهو مكذَّب له، ولا يجب اتباعه عنده، وهو مناقض لما تضمَّنته الرسالة من أمانته ووجوب طاعته، وزوال الحرج عن النفس من قضائه بقوله وفعله، فإن الله قد أوجبَ طاعتَه والانقيادَ لحكمه، وأنه لا يَحِيْف على أحدٍ، فمن طَعَنَ في هذا فقد طعن في صحَّةِ تبليغه، وذلك طَعْن في الرِّسالة، وهذا من أقبح الكفرِ وأشنعِه.

* * *

ص: 77