الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخ الإسلام: والحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مُستحلًّا كفر وإلا فلا، ليس لها أصل، وإنما نقلها القاضي
(1)
من كتاب بعض المتكلِّمين الذين حكوها عن الفقهاء، وهي كَذِب ظنُّوها جاريةً على أصولهم، فلا يظن ظانٌّ أن في المسألة خِلافًا، إنما ذلك غَلَط
(2)
.
فصلٌ
(3)
ثم نعود إلى مقصود المسألة فنقول:
قد ثبت أن كلَّ سبٍّ وشَتْمٍ يُبيح الدمَ فهو كفر، وإن لم يكن كل كفرٍ سبًّا، ونحن نذكر عبارات العلماء.
قال الإمام أحمد
(4)
: "من شتم الرسول أو تنقَّصه مسلمًا كان أو كافرًا فعليه القتل، ولا يُستتاب".
وقال: من ذكر شيئًا يُعرِّض بذكر الربِّ فعليه القتل
(5)
.
وقال أصحابُنا: التعرُّض لسبِّ الله وسبِّ رسوله رِدَّةٌ كالتصريح
(6)
،
(1)
يعني: أبا يعلى.
(2)
ثم ذكر شيخ الإسلام في هذا الموضع: (3/ 960 - 976) شُبَه المرجئة والكرَّامية والجهمية القائلين: إن مجرد السب والاستهزاء
…
ليس بكفر، بل لا بُدَّ معه من الاستحلال. وأجاب عن هذه الشبه بما لا مزيد عليه. وقد لخَّصْنا كلامَه في مقدمة التحقيق (ص/ 8 - 14) فأغنى عن إعادته هنا.
(3)
"الصارم": (3/ 977).
(4)
انظر ما تقدم ص/ 90.
(5)
في رواية حنبل، كما في "الجامع":(2/ 339 - أهل الملل) للخلال.
(6)
انظر "الإنصاف": (10/ 333).
ولا يختلف أصحابُنا أن قذف أمِّه هو من جُملة سبِّه الموجِبِ للقتل وأغْلَظ.
وقال القاضي عِياض
(1)
: "كلُّ من سبَّه أو عابَه أو ألحقَ به نقصًا في نفسِه أو نَسَبِه أو دينِه أو خَصْلَةٍ من خِصاله، أو عرَّضَ به، أو شبَّهه بشيءٍ على طريق السبِّ له والإزراء عليه، أو الغض منه والعَيْب له = فهو سابٌّ له يُقْتَل، تصريحًا كان أو تلويحًا. وكذلك من لعنه، أو تمنَّى مضرَّةً له، أو دعا عليه، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذمِّ، أو عَيَّبَه في جهته
(2)
العزيزة بِسُخْفٍ من الكلام، وهُجْرٍ ومُنْكرٍ من القول وزورٍ، أو عيَّره بشيءٍ مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصَه
(3)
ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة
(4)
لديه.
قال: وهذا كلُّه إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من أصحابه [و] هلُمَّ جرَّا".
وقال مالك: من سبَّه قُتل ولم يُستتب، قال ابن القاسم: أو شتمه أو عابه أو تنقَّصَه قُتِل؛ كالزنديق
(5)
.
وذكر بعضُ المالكية أن من دعا على نبيٍّ بشيءٍ من المكروه قُتِلَ بلا استتابة
(6)
.
(1)
"الشفا": (2/ 392 - بشرح القاري).
(2)
في الأصل: "جهه" والإصلاح من "الصارم" و"الشفا".
(3)
أي: حقره.
(4)
في الأصل: "المعهود"، وهو سهو.
(5)
انظر "الشفا": (2/ 395).
(6)
ذكره في "الشفا": (2/ 396). والذي في "الصارم" و"الشفاء": "وذكر بعض المالكية إجماع العلماء على أن
…
".
وذكر عياضٌ
(1)
أجوبة جماعة من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بدون استتابةٍ في قضايا:
منها: رجلٌ سمع قومًا يتذاكرون صفةَ النبيِّ؛ إذ مرَّ بهم رجلٌ قبيح الوجه واللحية، فقال: تريدون تعرفون صِفَتَه؟ هي صفة هذا المارِّ.
ومنها: رجلٌ قال: النبيُّ صلى الله عليه وسلم كان أسود.
ومنها: رجلٌ قيل له: "لا وحق رسول الله"! فقال: فعلَ اللهُ به كذا.
ومنها: عَشَّارٌ
(2)
قال: أَدَّ، واشْكُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ومنها: متفقَّهٌ كان يُسميه في أثناء مناظرته: "اليتيم" و"خَتَن حَيْدرة"، ويزعم أن زهدَه لم يكن قصدًا، ولو قَدَر على الطيَّبات لأكلها وأشباه هذا.
قال الشافعي: كلُّ تعريض فيه استهانة فهو سبٌّ.
وقال أبو حنيفة وأصحابُه - فيمن تنقَّضه، أو بَرئ منه، أو كذَّبه -: إنه مرتدٌّ.
فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقُّصَ به كفر مُبِيح للدم، وهم في استتابته على ما تقدَّم من الخلاف، ولا فرقَ
(1)
في "الشفا": (2/ 397 - 398).
(2)
هو الذي يأخذ المكوس - الضرائب -.
(3)
أي أنه غير مبالٍ باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على أخذه المكس.
في ذلك بين أن يقصد عيبه أو لا يقصده أو يَهْزِل أو يمزح، فهذا كله سواء، فإن الرجل يتكلَّم بالكلمة ما يُلْقي لها بالًا يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرقَيْن
(1)
.
ومن قال ما هو سبٌّ وتنقُّصٌ له فقد آذى الله ورسولَه، وهو مأخوذٌ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه أذًى وإن لم يقصِد أذاهم، ألم تسمع إلى قوله: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
…
} الآية [التوبة: 65].
فمن شاجَرَ غيره وبحث معه في حكم وحَرَجَ
(2)
لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أفحشَ في منْطِقِه؛ فهو كافرٌ بنصِّ التنزيل؛ لقوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
…
} الآية [النساء: 65]. ولا يُعْذر هذا بأن مقصوده ردُّ الخصم.
ومن هذا الباب: قول القائل: "هذه قِسْمَةٌ ما أُرِيْدَ بها وَجْهُ اللهِ"
(3)
، وقول الآخر:"اعْدِل فإنَّك لم تَعْدِل"
(4)
، وقول ذلك الأنصاري:"أنْ كان ابنَ عَمَّتِكَ"
(5)
؛ فإن هذا كفرٌ صريح، وإنما عَفَى عنه كما عَفَى عمَّن قال:"إنَّ هذه لقسمةٌ ما أريدَ بها وجهُ الله"، وعن الذي قال:
(1)
كما جاء في البخاري رقم (6477) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلّم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق".
(2)
أي: ضويق حتى لجأ لذكره واضطر لذلك.
(3)
تقدم ص/ 74.
(4)
هو ذو الخويصرة، وقصته أخرجها البخاري رقم (6150)، ومسلم رقم (1062) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وجاء من رواية غيره أيضًا.
(5)
يعني: الزبيرَ بنَ العوام في قِصَّة شِرَاجِ الحرة، أخرجها البخاري رقم (2362).
"اعْدِل"، وقد ذكرنا
(1)
عن عمر رضي الله عنه أنه قتل رجلًا لم يرضَ بحكم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن بموافقته
(2)
، فكيف بمن طعن في حكمه!؟
وقد ذكر طائفةٌ - منهم ابنُ عقيل وأصحابُ الشافعي -: أنَّ هذا كان عقوبته التعزير، ثم منهم من قال: لم يُعَزِّره؛ لأنه غير واجب، ومنهم من قال: عَفَى عنه؛ لأنَّ الحقَّ له. ومنهم من قال: عاقبَه بأن أمرَ الزُّبيرَ أن يسقي ثم يحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، وهذه كلُّها أقوالٌ رديَّة، ولا يستريب من تأمَّل أن هذا كان يستحق القتل.
فإن قيل: ففي روايةٍ صحيحة أنه كان من أهل بدرٍ، ولا يقال عن بدريٍّ: إنه كفر.
فيقال: هذه الزيادة ذكرها أبو اليَمَان عن شُعيب ولم يذكرها أكثر الرواة، فهي وهم
(3)
. كما وقع في حديث كعب وهلال بن أميَّة
(4)
أنهما من أهل بدرٍ، ولا يختلفُ أهل المغازي والسِّيَر أنهما لم يشهدا بدرًا
(5)
،
(1)
لم يتقدم شيءٌ في "المختصر"، وإنما هو في أصله:(2/ 85).
(2)
هذه القصة أخرجها إسحاق بن راهويه في "تفسيره"، وابن دُحَيم في "تفسيره" وابن جرير:(4/ 162)، وابن أبي حاتم في "تفسيره".
وانظر "الصارم": (2/ 81 - 85)، و"فتح الباري":(5/ 46)، و"الدر المنثور":(2/ 322). ومال إلى تقويتها ابن تيمية وابن حجر.
(3)
لم يجزم ابن تيمية بأنها وهم وعبارته: "فيمكن أنها وهم".
(4)
كذا وقع هنا ومثله في الأصل: 3/ 987 وفي العبارة سقط صوابه: "كما وقع في حديث كعب [بشأن مرارة بن الربيع] وهلال بن أمية". فلا بد من هذه الزيادة لأن كعبًا صرح بأنه لم يشهد بدرًا، لكن جاء في حديثه أن مرارة وهلالًا من أهل بدرٍ.
(5)
انظر الخلاف في ذلك في "فتح الباري": (7/ 361 - 362، 724 - 725)، و"زاد =