الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
(1)
: أنَّه يُقْتل ولا يُسْتتَاب سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا
قال الإمام أحمد
(2)
: كلُّ من شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسلمًا كان أو كافرًا فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يُستتاب.
مع نصِّه أنه مرتدٌ إن كان مسلمًا، وأنه ناقضٌ للعهد إن كان ذِمِّيًّا.
وكذلك أطلق غالب أصحابه أنه يُقتل ولم يذكروا استتابة، حتى فيمن قذفَ أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أطلقوا قتله ولم يذكروا استتابة.
مع أنَّ له في قتل المرتدِّ غير السابِّ هل يجب استتابتُه أم يُسْتحبُّ؛ روايتان منصوصتان.
فلو تابَ من السبِّ بأن يُسلِم أو يعود إلى الذِّمة إن كان كافرًا ويُقْلِع عن السبِّ، فقال القاضي وغيره
(3)
: لا تُقبل توبةُ من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن المعرَّة تلحق الرسول، وكذلك قال ابنُ عقيل، وهو حقٌّ آدمي لم يُعْلَم إسقاطُه.
(1)
"الصارم": (3/ 551).
(2)
في رواية حنبل، انظر "الجامع للخلال":(2/ 339 - أهل الملل).
(3)
وهو منصوص عن أحمد.
قال عامة الأصحاب: لا تُقبل توبته بل يُقتل ولو تاب، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما: إن كان مسلمًا يُستتاب؛ فإن تابَ وإلا قُتِل.
وإن كان ذميًّا؛ فقال أبو حنيفة: لا ينتقض عهدُه، واختلف أصحابُ الشافعي فيه.
قال الشريف في "الإرشاد"
(1)
- وهو ممن يُعْتَمد نقلُه -: "من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قُتِل ولم يُسْتتب
(2)
، ومن سبَّه من أهل الذِّمة قُتِل وإن أسلم".
وقال أبو علي بن البناء في "الخصال"
(3)
: "من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وجبَ قتلُه، ولا تقبل توبتُه. وإن كان كافرًا فأسلم؛ فالصحيح من المذهب أنه يُقْتَل - أيضًا - ولا يُستتاب".
ومذهب مالكٍ كمذهبنا، وعامة هؤلاء لم يذكروا خلافًا في وجوب قَتل المسلم والكافر، وأنه لا يسقط بالتوبة من إسلام وغيره.
وقال القاضي في "الجامع الصغير"
(4)
: "من سبَّ النبيَّ قُتِل ولم تُقْبَل توبته، فإن كان كافرًا فأسلم ففيه روايتان".
وكذلك ذكر أبو الخطاب فيمن سبَّ أُمَّه لا تُقْبَل توبتُه، وإن كان كافرًا فروايتان.
(1)
(ص/ 468).
(2)
في الأصل: "يُستتاب" والتصويب من "الصارم".
(3)
هو كتاب "الخصال والأقسام" لأبي علي بن البناء ت (471)، يوجد منه الجزء الرابع في مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت رقم (293/ 1).
(4)
حقق رسالة بجامعة الإمام. انظر: (المدخل المفصَّل: 2/ 809).
وحكى بعض أصحابنا روايةً أن المسلم تُقْبَل توبته - أيضًا - في رواية
(1)
بأن يُسْلِم ويرجع عن السبِّ، كذا ذكره أبو الخطاب في "الهداية"
(2)
، ومن احتذى حَذْوَه من المتأخرين، فتلخَّص أن الأصحاب حَكَوا في توبة السابِّ ثلاث روايات:
- لا تُقْبل، وهي المنصورة.
- تقبل.
- الثالثة: الفرق بين الكافر والمسلم، فتقبل توبة الكافر دون المسلم، وتوبة الذَّمِّي إذا قلنا تُقْبَل هو أن يُسْلِم، فأما إن أقلع وطلب عقد الذمة ثانيًا
(3)
لم يُعْصَم روايةً واحدة كما تقدم.
وعلى قولنا يخيَّر فيه كالأسير، فتُشْرع استتابته بالعَوْد إلى الذِّمة؛ لكن لا تجب هذه الاستتابة رواية واحدة، وعلى الرواية التي ذكرها أبو الخطاب فإنه إن أسلم الذمي سقط عنه القتل، وعلى قول من يقول: تجِب دعوة كل كافرٍ قد تجب استتابة الذِّمي
(4)
.
وذكر السَّامري
(5)
: أن توبة المسلم على روايتين، وتوبة الكافر لا
(1)
يعني عن الإمام أحمد. وفي العبارة شيء بسبب تكرار كلمة "رواية" ولو اقتصر على أحدهما لكفى.
(2)
(2/ 110).
(3)
يحتمل رسمها أيضًا: "تائبًا" وما أثبتُّ موافق للصارم: (3/ 563) وهو الأوفق.
(4)
"الصارم": (3/ 569 - 570).
(5)
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحنبلي ت (616)، "ذيل الطبقات":(2/ 121).
تُقْبَل، عكس ما ذكره الأصحاب من الفرق، وليس الأمر كذلك، بل فيه خلل، وإلَّا فلا رَيْب أنَّا إذا قبلنا توبة المسلم بإسلامه فتوبة الذِّمي بإسلامه أَوْلَى. ذكره شيخ الإسلام
(1)
.
ثم قال: وقد يُوجَّه ما ذكره السَّامري بأن يقال: السبُّ قد يكون غلطًا من المسلم لا اعتقادًا، فنقبل توبته إذ هو عَثْرة لسان أو قِلَّة
(2)
علم، والذِّمي سبُّه أذًى مَحْض لا ريب فيه فإذا وجب عليه الحدُّ لم يسقط بإسلامه كسائر الحدود.
فتلخَّص
(3)
أنهما لا يُستتابان في المنصوص المشهور، فإن تابا لم تقبل توبتهما في المشهور - أيضًا -، وحُكِي عنه في الذِّمي إذا أسلم سقط عنه القتل وإن لم يُسْتتب، وحُكِي عنه أن المسلم يستتاب وتُقبل توبته، وخُرِّج عنه في الذمي أنه يستتاب، وهو بعيد.
واعلم أنه لا فرق بين سبِّه بالقذف وغيره، نصَّ عليه، وذكره عامَّةُ أصحابه، وأكثر العلماء.
وفرَّق الشيخ أبو محمد
(4)
بين القذف والسبِّ، فذكر الروايتين في المسلم وفي الكافر في القَذْف، ثم قال: "وكذلك سبه بغير القذف، إلَّا
(1)
"الصارم": (3/ 564 - 565).
(2)
في الأصل: "قلمه" وهو تحريف.
(3)
"الصارم": (3/ 570).
(4)
هو موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، صاحب "المغني" ت (620).
أنه يسقط بالإسلام"
(1)
، وسيأتي تحرير ذلك
(2)
.
وأما مذهب مالك، فإنه يُقتل السَّابُّ ولا يُستتاب - أيضًا - والمشهور من مذهبه: أنه لا يقبل توبة المسلم إذا سبَّ، وحكمه حكم الزنديق، ويُقْتَل عندهم حدًّا لا كفرًا إذا أظهر التوبة، ورُوي عنه أنه جعله رِدَّة، قال أصحابُه: فعلى هذا يُستتاب، فإن تاب نُكِّلَ، وإن أبى قُتِلَ.
وأما الذميُّ إذا سبَّ ثم أسلم، فهل يدرأ عنه إسلامُه القتلَ؛ على روايتين، ذكرهما عبد الوهَّاب
(3)
وغيره
(4)
.
وأما مذهب الشافعي
(5)
؛ فلهم في السابِّ وجهان:
أحدهما: هو كالمرتدِّ إذا تاب سقط عنه القتل.
والثاني: أن حدَّه القتل بكلِّ حال.
وذكر الصيدلاني
(6)
قولًا ثالثًا: أن السابَّ بالقذف يقتل للرِّدة، فإن تاب زال القتل، وجُلِد ثمانين للقذف، وبغير القذف يُعزَّر بحسَبِه.
(1)
انظر: "المغني": (12/ 405).
(2)
انظر ما سيأتي في المسألة الرابعة.
(3)
هو: القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي ت (422)، انظر:"تاريخ بغداد": (11/ 31)، و"ترتيب المدارك":(7/ 220 - 227).
(4)
انظر "الشفا": (2/ 488).
(5)
انظر "روضة الطالبين": (10/ 332)، و"مغني المحتاج":(4/ 141).
(6)
هو: أبو بكر محمد داود بن محمد الصيدلاني الشافعي ت (427)، انظر "طبقات السبكي":(4/ 148).
ثم ذكر
(1)
أدلَّة من قال لا تُقْبَل توبته وما يعارضها وأجاب عن المعارض، واستدلَّ على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، بأدلَّةٍ لا يمكن أحدًا دفعها، مقدارها ثمان كراريس بالبلدي، فليُطالع هناك
(2)
.
* * *
(1)
هذا من كلامِ المختصِر إلى نهاية الفقرة.
(2)
ذكر شيخ الإسلام في "الصارم" سبعًا وعشرين طريقة من طرق الاستدلال على تحتُّم قتل الذمى والمسلم السابَّ. (3/ 709 - 862).
ثم أجاب عن حُجج المخالفين واعتراضاتهم، وهي خمس وعشرون. (3/ 864 - 940).