الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه.
{الفصل الثاني}
94-
(16) عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلم،
ــ
في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة)) ، قال الحافظ: إسناد حسن. ومنها ما رواه عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال:((هم مع آبائهم، ثم سألته بعد ذلك فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزل {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قال: ((هم على الفطرة)) أو قال: ((هم في الجنة)) . قال الحافظ: وأبومعاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف، ولو صح هذا لكان قاطعاً للنزاع ورافعاً لكثير من الإشكال - انتهى. وقد اختار هذا القول الإمام البخاري والأشعري والنووي والحافظ ابن حجر والإمام ابن القيم وشيخه الإمام ابن تيمية، وهذا الحديث وما في معناه محمول عندهم على أنه كان قبل أن ينزل فيهم شيء، فكان صلى الله عليه وسلم عند حدوث هذا السؤال ما أخبر عن حقيقة أمرهم فتوقف فيهم. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً النسائي.
94-
قوله: (إن أول ما خلق الله القلم) بالرفع على أنه خبر إن، قال القاري: وروي بالنصب، قال بعض المغاربة: رفع القلم هو الرواية، فإن صح النصب كان على لغة من ينصب خبر إن، وقال المالكي: يجوز نصبه بتقدير "كان" على مذهب الكسائي، كقوله:
ياليت أيام الصبا رواجعا
وقال المغربي: لا يجوز أن يكون القلم مفعول خلق؛ لأن المراد أن القلم أول مخلوق، وإذا جعل مفعولاً لخلق أوجب أن يقال اسم إن ضمير الشأن و"أول" ظرف فينبغي أن تسقط الفاء من قوله:"فقال" إذ يرجع المعنى إلى أنه قال له اكتب حين خلقه، فلا إخبار بكونه أول مخلوق- انتهى. وإنما أوجب ما ذكر؛ لأنه بدونه يفسد أصل المعني إذ يصير التقدير أن أول شيء خلق الله القلم، وهو غير صحيح. وقيل: لو صحت الرواية بالنصب لم تمنع الفاء ذلك إذ يقدر قبل فقال "أمره" وهو العامل في الظرف، كذا حققه الطيبي، وفيه أنه حينئذٍ لا يكون تنصيص على أولية خلق القلم الذي يدل عليه رواية الرفع الصحيحة، وفي الأزهار: أول ما خلق الله القلم. يعني بعد العرش والماء والريح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)) ، رواه مسلم. وعن ابن عباس سئل عن قوله تعالى:{وكان عرشه على الماء} على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح، رواه البيهقي ذكره الأبهرى، فالأولية إضافية - انتهى كلام القاري. قال الحافظ في الفتح (ج13: ص186) بعد ذكر حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً أن الماء خلق قبل العرش، أخرجه أحمد والترمذي، وروي السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء، وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: ((إن أول ما
فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر، فكتب ما كان وما هو كائن إلى الأبد)) ، رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب إسناداً.
95-
(17) وعن مسلم بن يسار قال: سئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية
ــ
خلق الله القلم، ثم قال: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة)) . فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له: اكتب أول ما خلق، وأما حديث أول ما خلق الله العقل فليس له طريق ثبت، وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله، واختلف في أيهما خلق أولاً، العرش أو القلم؟ والأكثر على سبق خلق العرش، واختار ابن جرير ومن تبعه الثاني - انتهى. مختصراً. قال:(ما أكتب) ما استفهامية مفعول مقدم على الفعل. قال: (اكتب القدر) بفتحتين أي المقدر المقضي، وفي جامع الترمذي:((قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد)) . أي بغير زيادة لفظ "فكتب" قبل قوله: "ماكان"، وفي المصابيح: قال: القدر ما كان الخ. قال شراحه أي اكتب القدر، فنصبه بفعل مقدر، و"ما كان" بدل من القدر أو عطف بيان. (فكتب ما كان) المضي بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم، قال الطيبي: ليس حكاية عما أمر به القلم وإلا لقيل فكتب ما يكون، وإنما هو إخبار باعتبار حاله عليه الصلاة والسلام أي قبل تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لا قبل القلم؛ لأن الغرض أنه أول مخلوق، نعم إذا كانت الأولية نسبية صح أن يراد ما كان قبل القلم، وقيل: ما كان يعني العرش والماء والريح (إلى الأبد) قيل: الأبد هو الزمان المستمر غير المنقطع، لكن المراد منه ههنا الزمان الطويل، يدل عليه رواية ابن عباس عند البيهقي والحاكم ففيها ((إلى أن تقوم الساعة)) . (رواه الترمذي) في أواخر القدر مع قصة في الحديث، وفي تفسير سورة نون والقلم بغير القصة باللفظ الذي ذكره الحافظ. (وقال: هذا حديث غريب إسناداً) أي لا متناً، والمراد به حديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة وانفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، ومنه قول الترمذي: غريب من هذا الوجه، لكن وقع في نسخ جامع الترمذي عندنا في القدر "حديث غريب"، وفي التفسير "حديث حسن صحيح غريب" بغير ذكر لفظ "إسناداً" أو لفظ "من هذا الوجه"، ولعل المصنف ذكر كلام الترمذي بالمعنى، فإن قوله: غريب إسناداً. في معنى قوله: غريب من هذا الوجه. قيل وفي تحسينه نظر؛ لأن في سنده عبد الواحد بن سليم المكي البصري، وهو ضعيف لكن أخرجه أبوداود من غير طريق الترمذي مع اختلاف في اللفظ وسكت عليه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5: ص317) من طرق عن الوليد بن عبادة عن أبيه، وفي معنى الحديث عن ابن عباس عند الطبراني في الكبير وابن جرير وأبي يعلى وغيرهم، وعن أبي هريرة عند ابن عساكر، وعن معاوية بن قرة عن أبيه عند ابن جرير، فالظاهر أن الترمذي حسنه لتعدد طرقه ولشواهده.
95-
قوله: (وعن مسلم بن يسار) الجهني من أوساط التابعين، وثقة ابن حبان، وقال العجلي: تابعي ثقة إلا أنه لم يسمع من عمر، وبينهما نعيم بن ربيعة، كذلك رواه أبوداود. (عن هذه الآية) أي عن كيفية أخذ الله ذرية بني آدم
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية، قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال: ((إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء
ــ
من ظهورهم المذكور في الآية (وإذ أخذ) أي أخرج (من ظهورهم) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار، وقيل: بدل بعض (الآية) بالحركات الثلاث. (يسئل) بصيغة المجهول (عنها) أي عن هذه الآية. (ثم مسح ظهره) أي ظهر آدم (بيمينه) يمر على ظاهره من غير تأويل وتكييف، قيل: شق ظهره واستخرجهم منه، والأقرب أنه أخرجهم من مسام شعرات ظهره إذ تحت كل شعرة ثقبة دقيقة يقال لها سم مثل سم الخياط وجمعه مسام، ويمكن خروج الذرية من هذه الثقبة كما يخرج منها العرق. (فاستخرج منه) ببطن نعمان وهو موضع بقرب عرفة كما سيأتي في الفصل الثالث من حديث ابن عباس (ذرية) الخ، حمل البيضاوي في تفسيره وفي شرحه للمصابيح، وغيره من أهل التأويل والاعتزال الآية على التصوير والتمثيل والتخييل، وقالوا: إنه لا قول ثم ولا شهادة حقيقة. قال الفخر الرازي: أطبقت المعتزلة على أنه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذا الحديث؛ لأن قوله: "من ظهورهم" بدل من "بني آدم"، فالمعنى وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم، فلم يذكر أنه أخذ من ظهر آدم شيئاً، ولوكان المراد الأخذ من ظهر آدم لقيل من ظهره. وأجاب بأن ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى أخرج الذرية من ظهور بني آدم، وأما أنه أخرج تلك الذرية من ظهر آدم فلا تدل الآية على إثباته ونفيه، والخبر قد دل على ثبوته فوجب القول بهما معاً بأن بعض الذر من ظهر بعض الذر والكل من ظهر آدم صوناً للآية والحديث عن الاختلاف - انتهى. وقال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله: إن الآية لا تخالف الحديث؛ لأن آدم أخذت عنه ذريته ومن ذريته ذريتهم إلى يوم القيامة على الترتيب الذي يوجدون عليه، فذكر في القرآن بعض القصة وبين الحديث تتمتها. وقال العلامة الشعراني في الجواب عن إشكال المخالفة: إن هذا شيء يتعلق بالنظم، وذلك أنه لم يقل من ظهر آدم وإن أخرجوا من ظهره؛ لأن الله تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهر بعض على طريق ما يتناسل الأبناء من الآباء، فاستغنى به عن ذكر آدم استغناءً بظهور ذريته، إذ ذريته خرجوا من ظهره. ويحتمل أن يقال إنه أخرج ذرية آدم بعضهم من بعض في ظهر آدم ثم أخرجهم جميعاً فيصح القولان جميعاً، فإذا قال أخرجهم من ظهورهم صح، وإذا قال أخرجهم من ظهره صح أيضاً، ومثال ذلك من أودع جوهرة في صدفة ثم أودع الصدفة في خرقة وأودع الخرفة مع الجوهرة في حقة وأودع الحقة في درج وأودع الدرج في صندوق ثم أدخل يده في الصندوق فأخرج منه تلك الأشياء بعضها من بعض ثم أخرج الجميع من الصندوق، فهذا لا تناقض فيه. قال: وإن جوابهم أي جواب الذرية بلفظ "بلى شهدنا" المذكور في الآية كان بالنطق وهم أحياء، إذ لا يستحيل في العقل أن يؤتيهم الله الحياة والعقل والنطق مع صغرهم، فإن بحار قدرته واسعة، وغاية وسعنا في كل مسئلة أن نثبت الجواز ونكل كيفيتها إلى الله تعالى. فإن قيل: إذا قال الجميع "بلى" فلم قبل قوم ورد قوم؟ فالجواب كما قال
للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار)) ، رواه مالك والترمذي وأبوداود.
ــ
الحكيم الترمذي: أنه تعالى تجلى للكفار بالهيبة، فقالوا: بلى، مخافة، فلم يك ينفعهم إيمانهم كإيمان المنافقين، وتجلى للمؤمنين بالرحمة، فقالوا: بلى طوعاً، فنفعهم إيمانهم. قال: وإنما لا نذكر العهد السابق والميثاق الأزلي؛ لأن تلك البنية قد انقضت وتداولت الإنسان الغير بمرور الدهور عليها في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، ثم زاد الله تعالى في تلك البنية أجزاء كثيرة، ثم استحالت بتصريفها في الأطوار الواردة عليها من العلقة والمضغة واللحم والعظم، وهذا كله مما يوجب الوقوع في النسيان - انتهى. ويذكر عن علي رضي الله عنه وسهل بن عبد الله التستري وذي النون المصري وغيرهم ما يدل على أنهم كانوا يذكرون ذلك العهد، والله تعالى أعلم. هذا، ونذكر مزيد الكلام في شرح حديث ابن عباس الآتي في الفصل الثالث فانتظر. (وبعمل أهل الجنة) أي من الطاعات (يعملون) إما في جميع عمرهم أو في خاتمة أمرهم. (ثم مسح ظهره) . قال القاري: أي بيده كما في نسخة - انتهى. وكذا وقع هذا اللفظ في المصابيح، وليس هو في مسند أحمد وجامع الترمذي وسنن أبي داود. (وبعمل أهل النار) أي من السيئات (يعملون) كما سبق (ففيم العمل) الفاء أدخل جواب الشرط المقدر، أي إذا كان كما ذكرت يا رسول الله من سبق القدر ففي أي شيء يفيد العمل، أو بأي شيء يتعلق العمل، أو فلأي شيء أمرنا بالعمل؟ يعني أنه حيث خلق له، ولا يتصور تغييره وتبديله يستوى عمله وتركه. (استعمله) أي جعله عاملاً ووفقه للعمل. (حتى يموت) الخ فيه إشارة إلى أن المدار على عمل مقارن للموت. والحديث يدل على سبق القضاء والتقدير قبل خلق العالم بحسب علمه الأزلي بما يقع بعد الخلق، وذلك كنتيجة الخلق في علمه تعالى بعد الخلق وعطاء الاختيار للعباد. (رواه مالك) في جامع من الموطأ (والترمذي) في تفسير الأعراف وقال: حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر الخ. وإنما حسنه مع كونه منقطعاً؛ لأن معنى الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر وغيره. والترمذي قد يحسن الحديث المنقطع والمرسل لشواهده. (وأبوداود) في السنة من طريق مسلم بن يسار عن عمر، ومن طريق مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة عن عمر وسكت عليه، ونعيم هذا وثقة ابن حبان، وقال الحافظ: هو مقبول، وأخرجه أحمد (ج1: ص44) والنسائي في تفسيره، والبخاري في
96-
(18) وعن عبد الله بن عمرو قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يديه كتابان فقال: ((أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا: لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم
ــ
تاريخه، وابن جرير في تفسيره، وابن حبان في صحيحه وغيرهم، وفي الباب عن ابن عباس وسيأتي حديثه، وعبد الله ابن عمرو وأبي هريرة وهشام بن حكيم وأبي أمامة، ذكر أحاديثهم ابن كثير في تفسيره.
96-
قوله: (وفي يديه) وفي بعض النسخ "وفي يده" بالإفراد كما في أكثر نسخ المصابيح وكما في مسند أحمد وجامع الترمذي، فيراد بها الجنس والواو للحال (كتابان) هو محمول على الحقيقة من دون شائبة المجاز والتأويل، فوجود الكتاب حق ثابت فإن الله تعالى قادر على كل شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم مستعد لإدراك المعاني الغيبية، فلا نستبعد وقوعه بل نثق بما نشاهده ونراه بل أزيد منه. قال الغزالي في كيمياء السعادة: امتياز الخواص من العوام بشيئين: الأول ما يحصل للعوام من العلوم بالكسب والتعلم، فهو يحصل لهم من عند الله تعالى من غير تكسب وتعلم، ويقال له: العلم اللدنى كما قال تعالى: {وعلمناه من لدنا علما} ، والثاني: أن كل ما يراه العامة في المنام يراه الخواص في اليقظة، وحكايات المشايخ في هذا الباب كثيرة جداً، وإذا كانت هذه الحالة وتلك الرتبة حاصلة لخواص عباد الله ولا نستبعد وقوعها لكمل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بمن هو سيد المرسلين وأعلاهم رتبة وأعززهم علماً وأوفرهم حظاً صلى الله عليه وسلم، بل ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أرى هذين الكتابين للصحابة أيضاً، ولكن لم يعلموا بما فيها من المطالب بالتفصيل. وقال المشائخ: من لا يعتقد ذلك فهو ليس بمؤمن بحقيقة النبوة - انتهى. وقيل: ذلك تمثيل وتصوير وتعبير عن المعنى بالصورة ومبالغة في تحقيقه والتيقن به، والمتكلم إذا أراد أن يحقق قوله ويفهمه غيره ويظهر المعنى الدقيق الخفي لمشاهدة السامع يصور بالصورة الظاهرة، ويشير إليه كالإشارة الحسية إلى المحسوس المشاهد، وإن لم يكن في الخارج وعالم الحس، فلما كوشف له صلى الله عليه وسلم بحقيقة هذا الأمر وأطلعه الله عليه إطلاعاً ولم يبق معه خفاء وشك وشبهة، مثل وصور المعنى الحاصل في قلبه بالشيء الحاصل في يديه مع أنه ليس في الخارج كتاب ولا مكتوب. قلت: لا حاجة إلى حمل الكتاب والإشارة في الحديث على المجاز ولا موجب لذلك فحمله على الحقيقة هو المعتمد. (فقال للذي في يده اليمنى) أي لأجله أو في شأنه أو عنه أو قال بمعنى أشار، فاللام بمعنى إلى. (هذا كتاب من رب العالمين) خصه بالذكر دلالة على أنه تعالى مالكهم وهم مملوكون، يتصرف فيهم كيف يشاء، فيسعد من يشاء ويشقى من يشاء، وكل ذلك عدل وصواب، فلا اعتراض لأحد عليه. (ثم أجمل) بالبناء للمجهول (على آخرهم) من قولهم أجمل الحساب: إذا تمم ورد التفصيل إلى الإجمال وأثبت في آخر الورقة مجموع ذلك وجملته، كما هو عادة المحاسبين أن يكتبوا الأشياء مفصلة ثم يوقعوا في آخرها فذلكة ترد التفصيل إلى الإجمال،
فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً. فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما، ثم قال: فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير)) ، رواه الترمذي.
ــ
وضمن أجمل معنى أوقع، فعدى بعلى أي أوقع الإجمال على من انتهى إليه التفصيل، ويجوز أن يكون حالاً، أي أجمل في حال انتهاء التفصيل إلى آخرهم، فعلى بمعنى إلى. (فلا يزاد فيهم) جزاء شرط، أي إذا كان الأمر على ما تقرر من التفصيل والتعيين والإجمال بعد التفصيل في الصك فلا يزاد فيهم (ولا ينقص منهم أبداً) ؛ لأن حكم الله لا يتغير، وأما قوله تعالى:{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [39:13] فمعناه: لكل انتهاء مدة وقت مضروب، فمن انتهى أجله يمحوه ومن بقي من أجله يبقيه على ما هو مثبت فيه، وكل ذلك مثبت عند الله في أم الكتاب، وهو القدر كما أن يمحو ويثبت هو القضاء، فيكون ذلك عين ما قدر وجرى في الأزل كذلك فلا يكون تغييراً، وقيل في معنى الآية غير ذلك. (إن كان أمر قد فرغ منه) بصيغة المجهول، يعني إذا كان المدار على كتابة الأزل فأي فائدة في اكتساب العمل؟ فقال:(سددوا) أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة في الأمر والعدل فيه. (وقاربوا) أي اقتصدوا في الأمور كلها، واتركوا الغلو فيها والتقصير، يقال: قارب فلان في أموره: إذا اقتصد، كذا في النهاية. قال الطيبي: الجواب من أسلوب الحكيم، أي فيم أنتم من ذكر القدر والاحتجاج به، وإنما خلقتم للعبادة فاعملوا وسددوا - انتهى. (يختم له) بصيغة المجهول (بعمل أهل الجنة وإن عمل) أي ولو عمل قبل ذلك (أي عمل) من أعمال أهل النار (بعمل أهل النار) أعم من الكفر والمعاصي. (وإن عمل أي عمل) أي قبل ذلك من أعمال أهل الجنة (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه) أي أشار بهما، والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، فتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول:"قال بيده" أي أخذ، و"قال برجله" أي مشى، و"قال بالماء على يده" أي صب، و"قال بثوبه" أي رفعه (فنبذهما) أي طرح ما فيهما من الكتابين، لا بطريق الإهانة بل نبذهما إلى عالم الغيب، هذا إذا كان هناك كتاب حقيقي، وأما على التمثيل فيكون المعنى نبذهما أي اليدين. (فرغ ربكم من العباد) أي من أمر العباد، والمراد بالأمر الشأن، أي قدر أمرهم لما قسمهم قسمين، وقدر لكل قسم على التعيين كونه من أهل الجنة أو النار بحيث لا يقبل التغيير، فكأنه فرغ من أمرهم، وإلا فالفراغ لا يجوز عليه تعالى. (رواه الترمذي) في القدر وقال:
97-
(19) وعن أبي خزامة عن أبيه قال: قلت: يارسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة تنقيها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: ((هي من قدر الله)) ، رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ــ
هذا حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أيضاً أحمد (ج2: ص167) والنسائي، وفي الباب عن عمر عند البزار وابن جرير، وابن عباس عند ابن جرير والدارقطني في الأفراد، وعلي عند الطبراني في الأوسط.
97-
قوله: (عن أبي خزامة) بكسر الخاء وتخفيف الزاى (عن أبيه) اختلف فيه فروي هكذا، وروي عن ابن أبي خزامة عن أبيه، والأول أصح. وأبوخزامة هذا تابعي مجهول، واسم والده يعمر، أحد بني الحارث بن سعد ابن هذيم، صحابي له حديث في الرقى، قال في الإصابة (ج3: ص669) : سماه بعضهم في رواية، وأكثر ما يجيء مبهماً. (أرأيت رقى) بضم وقصر، جمع رقية، وهي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء، والاسترقاء طلب الرقية (وداواء) بالنصب (نتداوى به) أي نستعمله (وتقاة) بضم أوله (نتقيها) أي نلتجيء بها أو نحذر بسببها، وأصل تقاة وقاة، قلبت الواو تاءً من وقى يقي أي حفظ، وهي اسم ما يلتجيء به الناس من خوف الأعداء كالترس. قيل: وهذه المنصوبات أعني رقى وما عطف عليها موصوفات بالأفعال الواقعة بعدها ومتعلقة بمعنى أرأيت، أي أخبرني عن رقى نسترقيها، فنصبت على نزع الخافض، ويجوز أن يتعلق بلفظ أرأيت، والمفعول الأول الموصوف مع الصفة، والثاني الاستفهام بتأويل مقولاً فيها. (هل ترد) أي هذه الأسباب (قال: هي) أي المذكورات الثلاث (من قدر الله) أيضاً، يعني كما أن الله قدر الداء قدر زواله بالدواء، ومن استعمله ولم ينفعه فليعلم أن الله ما قدره له. والحاصل أن الله قدر الأسباب والمسببات وربط الأسباب بالمسببات، فحصول المسببات عند وجود الأسباب من جملة القدر. قال التوربشتي: عرف الرجل أن من واجب حق الإيمان أن نعتقد أن المقدر كائن لا محالة، ووجد الشرع يرخص في الاسترقاء ويأمر بالتداوي والاتقاء عن مواطن المهلكات فأشكل عليه الأمر، كما أشكل على الصحابة حين أخبروا أن الكتاب يسبق على الرجل، فقالوا: ففيم العمل؟ فبين الرسول أن جميع ذلك من قدر الله، وأن المسترقي والمتداوي والمتقي لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً من ذلك إلا ما قدر لهم، وكما أن نفس هذا الفعل بقدر الله فكذلك نفعه وضره بقدر الله، وكما أن التمسك بأعمال البر مأمور به مع ما سبق من القضاء المبرم فكذلك التعرض للأسباب الجالبة للمنافع الدافعة للمضار مأمور به أو مأذون فيه إن لم يمنع عنها مانع شرعي مع جريان القدر المحتوم - انتهى. (رواه أحمد) (ج3: ص441) (والترمذي) في الطب وقال: "حديث حسن"، وفي القدر وقال:"هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الزهري"، أي الراوي عن أبي خزامة، (وابن ماجة) في السنة، وأخرجه الحاكم وصححه، وفي الباب عن كعب بن مالك أخرجه ابن حبان.
98-
(20) وعن أبي هريرة قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى أحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان، فقال: أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم، عزمت عليكم أن لا تنازعوا فيه)) ، رواه الترمذي.
ــ
98-
قوله: (ونحن نتنازع في القدر) أي حال كوننا نتباحث في القدر بالإثبات والنفي. وقال القاري: أي في شأنه، فيقول بعضنا: إذا كان الكل بالقدر فلم الثواب والعقاب؟ كما قالت المعتزلة، والآخر يقول: فما الحكمة في تقدير بعض للجنة وبعض للنار؟ فيقول الآخر: لأن لهم نوع اختيار كسبي، فيقول الآخر: فمن أوجد ذلك الاختيار والكسب وأقدرهم عليه، وما أشبه ذلك. (حتى كأنما فقئ) بصيغة المجهول أي شق أو عصر في وجنتيه أي خديه (حب الرمان) ، وفي جامع الترمذي "في وجنتيه الرمان"، أي بغير لفظ "حب"، والمعنى حتى صار من شدة حمرته يشبه فقأ حب الرمان في خديه أي يشبه الأحمرار الحاصل به، فهو كناية عن مزيد حمرة وجهه المنبئة عن مزيد غضبه، وإنما غضب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى، وطلب سر الله منهي عنه؛ ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن يصير قدرياً أو جبرياً، والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز طلب سره. (أبهذا أمرتم) أي أبالتنازع في القدر أمرتم؟ وهمزة الاستفهام للإنكار، وتقديم المجرور لمزيد الاهتمام. (أم بهذا أرسلت إليكم) أم منقطعة بمعنى بل والهمزة، وهي للإنكار أيضاً ترقياً من الأهون إلى الأغلظ وإنكارا غب إنكار. (إنما هلك من كان قبلكم) أي من الأمم، جملة مستأنفة جواباً عما اتجه لهم أن يقولوا: لم تنكر هذا الإنكار البليغ؟ فأجيب بقوله: "إنما هلك" الخ، يعني ذلك الإنكار البليغ بسبب هذا العذاب البليغ الذي لا إمهال فيه. (عزمت عليكم) أي أقسمت وأوجبت (أن لا تنازعوا فيه) أي لا تبحثوا في القدر بعد هذا. قال ابن الملك:"أن" هذا يمتنع كونها مصدرية وزائدة؛ لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة و"أن" لا تزاد مع "لا"، فهي إذاً مفسرة كأقسمت أن لا ضربت، و"تنازعوا" جزم بلا الناهية، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة؛ لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد الجملة، كذا قاله زين العرب. (رواه الترمذي) وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري، وله غرائب ينفرد بها- انتهى. قلت: صالح المري هذا ضعيف، ضعفه ابن معين والدارقطني وابن المديني والبخاري والنسائي وغيرهم، فالحديث ضعيف، لكن يؤيده الحديث الذي بعده وحديث ابن مسعود مرفوعاً عند الطبراني بإسناد حسن بلفظ:((إذا ذكر القدر فأمسكوا)) ، وحديث ثوبان عند الطبراني في الكبير بلفظ:((اجتمع أربعون من الصحابة ينظرون في القدر)) الحديث، وحديث ابن عباس عند ابن جرير بلفظ:((خرج النبي صلى الله عليه وسلم فسمع ناساً من أصحابه ينظرون في القدر)) الحديث، وحديث أبي الدرداء ووائله وأبي أمامة وأنس عند الطبراني في الكبير بلفظ: ((قالوا:
99 -
(21) وروى ابن ماجه نحوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
100-
(22) وعن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك والسهل
ــ
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر القدر)) الحديث.
99-
قوله: (وروى ابن ماجة) في باب القدر من السنة وسنده حسن. (نحوه) أي بالمعنى، ورواه أيضاً أحمد في مسنده (ج2: ص196، 195) (عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، يكني أبا إبراهيم المدني نزيل الطائف، وثقة النسائي وغيره. مات سنة (118) . (عن أبيه) أي شعيب بن محمد السهمي الحجازي، من ثقات التابعين وثقة ابن حيان. (عن جده) أي جد شعيب والد عمرو، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، فالضمير في جده يرجع إلى شعيب بن محمد. هذا هو الصحيح عند المحققين كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبي عبيدة والبخاري وغيرهم، وقد صح وثبت سماع شعيب من جده عبد الله، وهو الذي ربى حفيده شعيباً، حتى قيل: إن محمداً مات في حياة أبيه عبد الله، وكفل شعيباً جده عبد الله، يدل على ذلك ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي عنه في إفساد الحج، فقالوا: عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلاً أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأته فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال: اذهب إلى ذلك فاسأله، قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه فسأل ابن عمر. فقال: بطل حجك فذكر الحديث، وذكر فيه سؤاله لابن عباس أيضاً، وذهاب شعيب معه إليه، وأنه قال مثل قول ابن عمر، ففيه التصريح بأن شعيباً سمع من جده عبد الله ومن ابن عباس ومن ابن عمر، وعلى هذا فرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ليست بمرسلة ولا بمنقطعة كما توهم ابن حبان ومن وافقه، بل هي متصلة ولا تنحط عن درجة الحسن إذا كان الإسناد إلى عمرو صحيحاً. قال الذهبي: حديثه من قبيل الحسن. قال الحافظ: ترجمة عمرو قوية على المختار حيث لاتعارض - انتهى. وقال النووي: إن الاحتجاج به هو الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث، وهم أهل هذا الفن وعنهم يؤخذ -انتهى. وسيأتي مزيد الكلام في هذا في باب المساجد فانتظر.
100-
قوله: (خلق آدم من قبضة) بالضم ملأ الكف وربما جاء بفتح القاف، و"من" ابتدائية متعلقة بخلق أي ابتداء خلقه من قبضة، أو بيانية حال من آدم، (قبضها) أي أمر الملك بقبضها. قال في النهاية: القبض الأخذ بجميع الكف، والقبضة المرة منه، وبالضم الاسم منه (من جميع الأرض) يعني وجهها (على قدر الأرض) أي مبلغها من الألوان والطباع (منهم الأحمر والأبيض والأسود) أي بحسب ترابها، وهذه الثلاثة هي أصول الألوان وما عداها مركب منها، وهو المراد بقوله:(وبين ذلك) أي بين الأحمر والأبيض والأسود باعتبار أجزاء أرضه، (والسهل) أي ومنهم السهل أي اللين المنقاد،
والحزن والخبيث والطيب)) ، رواه أحمد والترمذي وأبوداود.
101-
(23) وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى،
ــ
(والحزن) بفتح الحاء وسكون الزاي أي الغليظ الطبع الخشن من حزن الأرض وهو الغليظ الخشن. (والخبيث) أي خبيث الخصال (والطيب) على طبع أرضهم، وكل ذلك بتقدير الله تعالى لوناً وطبعاً وخلقاً. قال الطيبي: لما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها، وأولت الأربعة الأخيرة؛ لأنها من الأخلاق الباطنة، فإن المعنى بالسهل الرفق واللين، وبالحزن الخرق والعنف، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله، وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله - انتهى. وفيه إشارة إلى أن هذه الأوصاف والآثار بمنزلة هذه الألوان في كونها تحت الأقدار، غايته أن الأوصاف قابلة للزيادة والنقصان بحسب الطاعة والإمكان لمجاهدة الإنسان بخلاف الألوان، وإن نظرت إلى الحقيقة فلا تبديل ولا تغيير لخلق الله، وهذا معنى قوله:"جف القلم على علم الله"، قاله القاري. (رواه أحمد) (ج4:ص406، 400) ، (والترمذي) في أول تفسير البقرة وقال:"حديث حسن صحيح"، وكذا صححه أبوالفرج الثقفي في الفوائد (ق197/1) ، (وأبوداود) في السنة وأخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي.
101-
قوله: (خلقه) أي الثقلين من الجن والإنس أو الإنس فقط، لا الملائكة فإنهم ما خلقوا إلا من نور. (في ظلمة) أي كائنين في ظلمة النفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة. (فألقى) أي فرش كما في رواية (من نوره) أي نوره الذي خلقه الله تعالى، فمن زائدة في الإثبات أو بيانية أي شيئاً هو نوره، فيكون "من نوره" صفة محذوف، أو تبعيضية أي بعض نوره، وإضافة النور إلى الله تعالى إضافة إبداع واختراع على سبيل التكريم، كما في قوله:{ونفخت فيه من روحي} ، (فمن أصابه من ذلك النور) أي شيء من ذلك النور أو بعض ذلك النور. قيل: المراد بالنور الملقى عليهم نور الإيمان والطاعة والإحسان والمعرفة. وقيل: المراد به ما نصب لهم من الشواهد والحجيج وما أنزل إليهم من الآيات والنذر، إذ لولا ذلك لبقوا في ظلمات الضلالة والجهالة، والمراد بإصابة النور الاعتبار بالحجج والانتفاع بالشواهد، والاستدلال بالآيات على ذاته تعالى وصفاته، وعلى دين الإسلام بتوفيق الله، فمن شاءالله بهدايته فشاهد حججه واعتبر بآياته واستدل بشواهده بالنظر الصحيح، فهو الذي أصابه ذلك النور فخلص من تلك الظلمة واهتدى، ومن لم يشأ هدايته فعمي عن آياته، فهو الذي حرم من ذلك النور وبقي في ظلمات الطبيعة متحيراً وارتدى، وإليه يشير قوله تعالى:{أو من كان ميتاً فأحيناه وجلعنا له نوراً} [122:6] وقوله: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} [22:39] . فعلم أن الهداية والضلالة بمشيئة الله وتقديره في الأزل. قال في اللمعات: الحق أن المراد من خلقه هو وقت الولادة، ومن إلقاء النور هو زمان إظهار الشرائع وإعطاء التوفيق للاهتداء، وبالجملة في الحديث دلالة على أن الإنسان
ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جف القلم على علم الله)) ، رواه أحمد والترمذي.
102-
(24) وعن أنس قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)) ، رواه الترمذي وابن ماجة.
ــ
خلق على حالة لا ينفك عن الظلمة إلا من أصابه النور الملقي عليه، لكن يتوهم الإشكال في تطبيقه بحديث الفطرة الذي يدل على أن المولود عند الولادة يكون على نور الفطرة، ولا إشكال؛ لأن حديث الفطرة كما حقق إنما يدل على كون الإنسان متهيئاً متمكناً من إصابة الهدى إن تفكر بالنظر الصحيح وتأمل في الآيات والشواهد، ومع ذلك خلق في ظلمات النفس والطبيعة، وهذا الحديث إنما يدل على أن إصابة الهدى إنما هو مشيئة الله وتوفيقه وإلقاء نور الهداية في قلبه، وليس مستقلاً مستبداً بإصابة الهدى، فمن شاء وفقه للنظر الصحيح وألقى نور الهداية كما هو مقتضى الفطرة والروحانية، ومن لم يشأ لم يوفقه وأوقعه في ظلمة الضلال والغواية، كما هو مقتضى النفس والطبيعة الجسمانية، وبالجملة هذا الحديث تنبيه على سابقة التقدير وعلم الله ومشيئته تعالى، والفطرة كما نبهنا هنالك غير سابقة التقدير فلا تنافي بين الحديثين- انتهى. (ومن أخطأه) أي ذلك النور يعني جاوزه ولم يصل إليه (ضل) أي خرج عن طريق الحق. (فلذلك) أي فلأجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية. (أقول جف القلم) أي فرغت الكتابة، إشارة إلى أن الذي كتب وقدر لا يتغير حكمه، فهو كناية عن الفراغ من الكتابة؛ لأن الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها وكذلك القلم، فإذا انتهت الكتابة جف الكتابة والقلم. (على علم الله) أي على حكمه؛ لأن معلومه لا بد أن يقع، فعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه. وقال القاري: أي على ما علم الله وحكم به في الأزل لا يتغير ولا يتبدل وجفاف القلم عبارة عنه. (رواه أحمد)(ج2:ص197، 176) ، (والترمذي) في أواخر الإيمان، وقال:"حديث حسن"، وأخرجه أيضاً ابن حبان وصححه والحاكم مطولاً وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، وابن جرير والبيهقي.
102-
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر) من الإكثار (يا مقلب القلوب) أي مصرفها تارة إلى الطاعة وتارة إلى المعصية وتارة إلى الحضرة وتارة إلى الغفلة. (فهل تخاف علينا؟) يعني أن قولك هذا ليس لنفسك؛ لأنك في عصمة من الخطأ والزلة خصوصاً من تقلب القلب عن الدين، وإنما المراد تعليم الأمة فهل تخاف علينا من زوال نعمة الإيمان أو الانتقال من الكمال إلى النقصان؟ (قال: نعم) أي أخاف عليكم (إن القلوب بين إصبعين) إلخ تقدم الكلام فيه (يقلبها كيف يشاء) مفعول مطلق أي تقليباً يريده أو حال من الضمير المنصوب، أي يقلبها على أي صفة شاءها أي بقضائه وقدره. (رواه الترمذي) في القدر وقال: حديث حسن صحيح (وابن ماجه) في الدعاء.
103-
(25) وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القلب كريشة بأرض فلاة يقلبها
الرياح ظهراً لبطن)) ، رواه أحمد.
104-
(26) وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، والبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر)) ، رواه الترمذي،
ــ
103-
قوله: (مثل القلب) أي صفة القلب العجيبة الشأن، وورد ما يرد عليه من عالم الغيب من الدواعي وسرعة تقلبه بسببها. (كريشة) أي كصفة (بأرض) بالتنوين، وقيل: بالاضافة (فلاة) أي مفازة خالية من النبات، وهي صفة، قيل: ذكر الأرض مقحم؛ لأن الفلاة تدل عليها، فالمقصود التأكيد لدفع التجوز كما في "أبصرتها بعيني" وتخصيص الفلاة؛ لأن الرياح أشد تأثيراً فيها من العمران. (يقلبها الرياح) صفة أخرى لريشة، وجمع الرياح للدلالة على ظهور التقليب، إذ لو استمر الريح على جانب واحد لم يظهر التقلب. (ظهراً لبطن) أي وبطناً لظهر، يعني كل ساعة يقلبها على صفة، فكذا القلب ينقلب ساعة من الخير إلى الشر وبالعكس، وقوله:"ظهراً" بدل البعض من الضمير في يقلبها، واللام في "لبطن" بمعنى إلى، ويجوز أن يكون "ظهراً لبطن" مفعولاً مطلقاً أي تقليباً مختلفاً، وأن يكون حالاً، يعني مقدرة أي يقلبها مختلفة كذا في المرقاة. (رواه أحمد) (ح4:ص408) بسند حسن، لكن بغير هذا اللفظ، وإنما رواه به صاحب الأصل (البغوي) في شرح السنة (14)، وأخرجه أيضاً أحمد (ج4:ص419) وابن ماجة في السنة، وفي سنده عندهما يزيد الرقاشي وهو ضعيف، وأخرج البزار نحوه عن أنس.
104-
قوله: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع) هذا نفي لأصل الإيمان لا نفي لكماله، فمن لم يؤمن بواحد من هذه الأمور الأربعة لم يكن مؤمناً، ويلزم منه أن يكون القدري كافراً، وهو خلاف ما عليه الجمهور، وسيأتي الكلام في هذا. (يشهد) منصوب على البدل من قوله:"يؤمن"، وقيل: مرفوع تفصيل لما سبقه، أي يعلم ويتيقن. (بعثني بالحق) استئناف كأنه قيل:"لم يشهد"؟ فقال: "بعثني بالحق" أي إلى كافة الجن والإنس، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة أو خبراًً بعد خبر، فيدخل على هذا في حين الشهادة. (ويؤمن بالموت) بالوجهين، وهو الثاني من الأمور الأربعة. قال المظهر: أي يعتقد بفناء الدنيا، وهو احتراز عن مذهب الدهرية القائلين بقدم العالم وبقائه أبداً. قال القاري: وفي معناه التناسخي، ويحتمل أن يراد اعتقاد أن الموت يحصل بأمر الله لا بفساد المزاج، كما يقوله الطبيعي. (والبعث) أي ويؤمن بوقوع البعث بعد الموت، هذا هو الثالث، وتكرير الموت إيذان للاهتمام بشأنه. (ويؤمن) بالوجهين (بالقدر) يعني أن جميع ما يجرى في العالم بقضاء الله وقدره، وفيه دليل على أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الدين. (رواه الترمذي) في القدر ورجاله رجال
وابن ماجة.
105-
(27) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية)) .
ــ
الصحيح، (وابن ماجة) في السنة، وأخرجه أيضاً أحمد (ج1:ص97) ، والحاكم وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي.
105-
قوله: (صنفان) أي نوعان، وهو مبتدأ خبره قوله: ليس لهما إلخ (من أمتي) صفة أي أملة الإجابة (ليس لهما في الإسلام نصيب) أي حظ. (المرجئة) خبر مبتدأ محذوف أي "هما" وقيل بدل من صنفان، ويجوز الجر على أنه بدل من ضمير لهما، والنصب بتقدير "أعني" مشهور في مثله، والمرجئة اسم فاعل من أرجأت الأمر بالهمزة وأرجيت بالياء أي أخرت، وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا بذلك لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي، أي أخره عنهم وبعده، وقيل: هم الجبرية القائلون بأن إضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجمادات، سموا بذلك؛ لأنهم يؤخرون أمر الله ونهيه عن الاعتداد بهما ويرتكبون الكبائر، وقيل هم الذين يقولون: الإيمان قول وتصديق بلا عمل، فيؤخرون العمل عن القول والتصديق. وقال الشهرستاني: الإرجاء على معنيين: أحدهما التأخير، قالوا: أرجه، أي أمهله وأخره. والثاني: إعطاء الرجاء. أما إطلاق إسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والقصد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار، قال: والمرجئة أصناف أربعة: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، ومرجئة الخالصة، ثم ذكر مقالات المرجئة الخالصة، من شاء الوقوف عليها رجع إلى الملل والنحل، والظاهر أن المراد في الحديث مرجئة الجبرية. (والقدرية) بفتحتين أو سكون الدال، هم الذين يقولون: إن العبد خالق لأفعاله والأمر أنف من غير سبق قضاء وتقدير، واشتهر بهذا الاسم من لا يقول بالقدر لأجل أنهم تكلموا في القدر وأقاموا الأدلة بزعمهم على نفيه، وتوغلوا في هذه المسئلة حتى اشتهروا بهذا الإسم، وبسبب توغلهم وكثرة اشتغالهم صاروا هم أحق بهذه النسبة من غيرهم، فلا يرد أن المثبت أحق بهذه النسبة من النافي، على أن الأحاديث صريحة في أن المراد ههنا النافي، قاندفع توهم القدرية أن المراد في هذا الحديث المثبت للقدر لا النافي. هذا، وربما يتمسك بالحديث من يكفر الفريقين، قال ابن حجر المكي الهيثمي الشافعي: من أطلق تكفير الفريقين أخذاً بظاهر الحديث فقد استروح، بل الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بكفر صريح لا استلزامي؛ لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم، ومن ثم لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم وإنكاحهم والصلاة على موتاهم ودفنهم في مقابرهم؛ لأنهم وإن كانوا مخطئين غير معذورين حقت عليهم كلمة الفسق
رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
ــ
والضلال، إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم، لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السنة والآيات من غير تأويل سائغ، وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع، فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه فلم يقصروا، ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم- انتهى. قال التوربشتي: وهذا أي عدم تكفيرهم قول المحققين من علماء الأمة احتياطاً فيجري قوله: "ليس لهما في الإسلام نصيب" مجرى الاتساع في بيان سوء حظهم وقلة نصيبهم من الإسلام، نحو قولك: ليس للبخيل من ماله نصيب -انتهى. قال السندهي: في صلاحية هذا الحديث للاستدلال به في الفروع نظر كما ستعرف فضلاً عن الأصول والمطلوب فيها القطع، فكيف يصح التمسك به في التكفير؟ انتهى. قلت: أحاديث الباب من بين الصحاح والحسان والضعاف غير الساقطات تدل بمجموعها على أن الإيمان بالقدر من غير بحث ومنازعة من ضروريات الدين وركن من أركان الإسلام، فالظاهر أن إنكار القدر وتكذيبه من البدع المكفرة، والله أعلم. (رواه الترمذي) من طريقين في أحدهما علي بن نزار وأبوه نزار بن حيان وهما ضعيفان، وفي الثاني سلام بن أبي عمرة وهو أيضاً ضعيف. (وقال: غريب) وفي نسخ الترمذي عندنا "حسن غريب"، وكذا نقله الحافظ عن الترمذي في أجوبته عن أحاديث المصابيح التي رماها الحافظ سراج القزويني بالوضع، وكذا نقله البوصيري في الزوائد. ولعله حسنه لشواهده، وأخرجه أيضاً البخاري في تاريخه وابن ماجه في السنة، وفي سنده أيضاً علي نزار وأبوه نزار، وأخرجه ابن ماجة أيضاً عن جابر، وفيه نزار المذكور، والخطيب عن ابن عمر وقال: هذا حديث منكر من هذا الوجه جداً كالموضوع، وإنما يرويه علي بن نزار، شيخ ضعيف واهي الحديث، والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد. قال السندهي: زعم الحافظ سراج الدين بعده وبين أنه موضوع، ورد عليه الحافظ صلاح الدين ثم الحافظ ابن حجر بما يبعده عن الوضع ويقربه إلى الحسن، ومحل نظرهما هو تعدد الطرق، والحديث جاء عن أبي بكرالصديق ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وجابر بطريق معاذ، وكثرة الطرق تفيد بأن له أصلاً، وبالجملة فلا ينفع في الاستدلال بالأصول - انتهى. قلت: قال الحافظ ابن حجر في أجوبته بعد عزوه إلى الترمذي وابن ماجة: ومداره على نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، ونزار هذا ضعيف عندهم، ورواه عنه ابنه علي بن نزار وهو ضعيف، لكن تابعه القاسم بن حبيب، وإذا جاء الخبر من طريقين كل منهما ضعيف قوي أحد الطريقين بالآخر، ومن ثم حسنه الترمذي، ووجدنا له شاهداً من حديث جابر ومن طريق ابن عمر ومن طريق معاذ وغيرهم، وأسانيدها ضعيفة، ولكن لم يوجد فيه علامة الوضع إذ لا يلزم من نفي الإسلام عن الطائفتين إثبات كفر من قال بهذا الرأي؛ لأنه يحمل على نفي الإيمان الكامل، أو المعنى أنه اعتقد اعتقاد الكافر لإرادة المبالغة في التنفير من ذلك لا حقيقة الكفر، وينصره أنه وصفهم بأنهم من أمته - انتهى. وقال العلائي: والحق أنه ضعيف لا موضوع.
106-
(28) وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون في أمتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين بالقدر)) ، رواه أبوداود، وروى الترمذي نحوه.
107-
(29) وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)) ،
ــ
106-
قوله: (يكون في أمتي) أي أمة الإجابة (خسف) يقال: خسف الله به أي غاب به في الأرض. (ومسخ) هو تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها، وقيل: المراد مسخ القلوب، وفيه نظر. (وذلك) أي ما ذكر من الخسف والمسخ واقع (في المكذبين بالقدر) ، تبين بهذا الحديث أن القدرية المذمومة، إنما هم المكذبة بالقدر لا المؤمنة به، كما زعمت المعتزلة ونسبوا أهل السنة والجماعة إلى القدرية، وقوله:"ذلك" في الحديث يدل على استحقاق ما سبق من الخسف والمسخ لأجل ما بعده من التكذيب، فيكونان في هذه الأمة كما في سائر الأمم، خلاف قول من زعم أن ذلك لا يكون مطلقاً إنما مسخها بقلوبها، وأما ما روي من رفع الخسف والمسخ عن هذه الأمة فالمراد به رفع الخسف والمسخ العامين، فافهم. (رواه أبوداود) أي بهذا اللفظ، قاله القاري، وفيه نظر. (وروى الترمذي نحوه) أي بالمعنى، وقد ذكره المصنف في الفصل الثالث. قال الشيخ الألباني: قوله: "رواه أبوداود وروى الترمذي نحوه"، كذا في جميع النسخ وهو خطأ، والصواب العكس "رواه الترمذى وروى أبوداود نحوه"، فإن الترمذى أخرجه (2/22) بهذا اللفظ بالحرف الواحد، وأما أبوداود فأخرجه في السنة (رقم4613) بنحوه -انتهى. قلت: لم أجد حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره المصنف لا في جامع الترمذي ولا في سنن أبي داود، والظاهر أن المصنف قلد في ذلك الجزري إذ ذكره في جامع الأصول (ج10:ص527) بهذا اللفظ، وأثبت في أوله علامة (ت، د) ولا أدري من أين أخذ الجزري اللفظ المذكور مع أنه ذكر بعد ذلك رواية أبي داود ثم رواية الترمذي مفصلة؟ ويمكن أن يكون هذا الحديث عند أبي داود في رواية غير اللؤلؤي، والله أعلم. والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج2:ص108) بلفظ: ((سيكون في هذه الأمة مسخ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر)) . وفي سنده رشدين بن سعد وهو ضعيف.
107-
قوله: (القدرية مجوس هذه الأمة) أي أمة الإجابة؛ لأن قولهم أفعال العباد مخلوقه بقدرهم لا بقدر الله وإرادته. يشبه قول المجوس القائلين بأن للعالم إلهين: خالق الخير وهو يزدان أي الله، وخالق الشر وهو اهرمن أي الشيطان، وقيل: المجوس يقولون: الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية كذلك القدرية يقولون الخير من الله والشر من غيره أي النفس. (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لاتشهدوا جنائزهم ولا تصلوا عليهم؛ لاستلزام ذلك الدعاء لهم بالصحة والمغفرة، قيل: هو محمول على الزجر والتنفير عن اعتقادهم على قول من لم يحكم بكفرهم، وعلى الحقيقة على قول من حكم بكفرهم إذ الفاسق
رواه أحمد، وأبوداود.
لا منع ولا كراهة في شهود جنازته، وخص هاتين الخصلتين أي العيادة وشهود الجنازة؛ لأنهما أولى وألزم من سائر الحقوق، فإنهما حالتان مفتقرتان إلى الدعاء بالصحة والمغفرة، فيكون النهي عنهما أبلغ في المقصود. (رواه أحمد) باختلاف في اللفظ من طريقين (ج2: ص125، 86) الأولى منقطعة، عمر بن عبد الله مولى غفره لم يسمع من عبد الله ابن عمر، والثانية موصولة لكن فيها رجل ضعيف، وله طريق ثالث عند أبي بكر الآجري في كتاب الشريعة (ص190) ، وفيه ضعف أيضاً، وله طريق رابع عند أبي داود، فالحديث بهذه الطرق حسن كما قال العلائي والحافظ ابن حجر، (وأبي داود) في السنة من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن ابن عمر، ورجاله ثقات لكنه منقطع كما سيأتي. قال السيوطي في مرقاة الصعود: هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح، وزعم أنه موضوع. قال الحافظ ابن حجر فيما تعقبه عليه: هذا الحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم ورجاله من رجال الصحيح إلا أن له علتين: الأولى الاختلاف في بعض رواته عن عبد العزيز بن أبي حازم، وهو زكريا بن منظور. فرواه عن عبد العزيز بن أبي حازم فقال: عن نافع عن ابن عمر. والأخرى ما ذكره المنذري وغيره من أن سنده منقطع؛ لأن أباحازم لم يسمع من ابن عمر. فالجواب عن الثانية أن أباالحسن بن القطان الفاسي الحافظ صحح سنده، فقال: إن أباحازم عاصر ابن عمر فكان معه بالمدينة، ومسلم يكتفي بالمعاصرة في الاتصال، فهو صحيح على شرطه. وعن الأول بأن زكريا وصف بالوهم، فلعله وهم فأبدل رواياً بآخر، وعلى تقدير أن لا يكون وهم فيكون لعبد العزيز فيه شيخان، وإذا تقرر هذا لا يسوغ الحكم بأنه موضوع، ولعل مستند من أطلق عليه الوضع تسميتهم المجوس وهو مسلمون، وجوابه أن المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعلين لا في جميع معتقد المجوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة. قلت: والحديث أخرجه أيضاً الحاكم (85/71) والبخاري في تاريخه والطبراني في الأوسط وأخرجه أحمد (ج2:ص86) من طريق أخرى لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من تلك الطريق بلفظ: ((لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)) ، ولأصل الحديث شواهد ذكرها السيوطي في تعقباته (5) ، واستوفي طرقها وألفاظها في الآلي (ص133-135) وحقق نقلاً عن الحافظ صلاح الدين العلائي أن للحديث أصلاً، بل ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به، فلا وجه للحكم بوضعه. هذا، وقد تعقب الشيخ أحمد محمد شاكر في شرح المسند (ج8: ص6) على جواب الحافظ فقال: أما إن المعاصرة كافية وتحمل على الاتصال فنعم، ولكن إذا لم يكن هناك ما يدل صراحة على عدم السماع، والدليل النقلي هنا على أن أباحازم لم يسمع من ابن عمرقائم، فقد قال ابنه ليحيى بن صالح: من حدثك أن أبي سمع من أحد من الصحابة غير سهل بن سعد فقد كذب. فهذا ابنه يقرر هذا على سبيل القطع، ومثل هذا لا ينقضه إلا إسناد آخر صحيح صريح في السماع، أما بكلمة "عن" فلا، ولذلك نص في التهذيب على أنه يروي عن ابن عمر وابن عمرو بن العاص ولم يسمع منهما. وترجمه البخاري في الكبير (2/2/79) فذكر من سمع منهم، فلم يذكر من الصحابة
1-
لم أجد هذا الحديث في جامع الترمذي ولم أعلم في أي كتاب أخرجه وحسنه.
108-
(30) وعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم)) ، رواه أبوداود.
109-
(31) وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي يجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليعز من أذله الله
ــ
إلا سهل بن سعد. وأما الرواية الأخرى التي فيها زكريا بن منظور فإن زكريا هذا ضعيف جداً، لينه أحمد بن حنبل. وقال أحمد بن صالح: ليس به بأس، وترجمة البخاري في الكبير (2/1/388) وقال: ليس بذلك، وترجمة في الصغير (213) فقال: منكر الحديث. وقال أبوزرعة: واهي الحديث، منكر الحديث، ونحو ذلك قال أبوحاتم. وقال ابن حبان منكر الحديث جداً، يروي عن أبي حازم ما لا أصل له من حديثه. وأما ما نقل السيوطي عن ابن حجر أن الترمذي حسنه فأخشى أن يكون وهماً من الحافظ، فإن الترمذي لم يروه أصلاً فيما تبين لي بعد البحث والتتبع - انتهى.
108-
قوله: (لا تجالسوا أهل القدر) فإنه لا يؤمن أن يغمسوكم في ضلالتهم. (ولا تفاتحوهم) من الفتاحة بضم الفاء وكسرها أي الحكومة أي لا تحاكموا إليهم، يعني لا ترفعوا أموركم إلى حكامهم، وقيل: لا تبدؤوهم بالسلام أو بالكلام، قيل: لا تبتدؤوهم بالمناظرة والمجادلة في الاعتقاديات لئلا يقع أحدكم في شك. (رواه أبوداود) في السنة وسكت عليه هو المنذري، وفي سنده حكيم بن شريك الهذلي، وثقه ابن حبان وقواه، وقال أبوحاتم: مجهول. وأخرجه أيضاً أحمد (ج1: ص30) والحاكم من طريق حكيم بن شريك هذا ولم يصححه، وإنما رواه شاهداً للحديث الذي قبله.
109-
قوله: (ولعنهم الله) بالواو العاطفة وبدونها كما في المصابيح والجامع الصغير والمستدرك. قال القاري: وهو الأصح، ولم يعطفه على جملة قبله إما لأنه دعاء، وإما لكونه استئنافاً، كأنه قيل: فماذا بعد؟ فأجب لعنهم الله، والثانية منبئة عن الأول أو قيل لماذا فبالعكس، وعلى هذا قوله:(وكل نبي يجاب) معترض بين البيان والمبين، أي من شأن كل نبي أن يكون مستجاب الدعوات، و"كل نبي" مبتدأ وخبره "يجاب" على بناء المفعول من المضارع أي جاب دعوته، وهو الرواية المشهورة، ويروي بالميم أي مجاب الدعوة، والجملة على الروايتين إما ابتدائية، وإما عطف على "ستة لعنتهم" أو حال من فاعل "لعنتهم"، وجملة "لعنهم الله" إنشائية للدعاء، معترضة بين الحال وصاحبها. وقال التوربشتي: لا يصح عطف "وكل نبي مجاب" على فاعل لعنتهم ومجاب صفة، وصححه الأشرف لوجود الفاصل - انتهى. (الزائد في كتاب الله) أي القرآن وسائر كتبه بأن يدخل فيه ما ليس فيه أو يأوله بما يأباه اللفظ ويخالف المحكم كما فعلت اليهود بالتوراة من التبديل والتحريف، والزيادة في كتاب الله في نظمه وحكمه كفر، وتأويله بما يخالف الكتاب والسنة بدعة، (والمسلط بالجبروت) أي الإنسان المستولي المتقوي الغالب أو الحاكم بالتكبر والعظمة الناشئ عن الشوكة والولاية، و"الجبروت" فعلوت من الجبر وهو القهر (ليعز من أذله الله) أي يرفع مرتبة من أذله الله لكفره أو لفسقه على المسلمين
ويذل من أعزه الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي)) ، رواه البيهقي في المدخل، ورزين في كتابه.
110-
(32) وعن مطر بن عكامس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة)) ، رواه أحمد والترمذي.
ــ
أو يحكمه فيهم (ويذل من أعزه الله) بأن يخفض مراتب العلماء والصلحاء أو نحوهم. (والمستحل لحرم الله) بفتح الحاء والراء يريد حرم مكة بأن يفعل فيه ما لا يحل فيه من الاصطياد وقطع الشجر. (والمستحل من عترتي ما حرم الله) أي من إيذائهم وترك تعظيمهم، والعترة: الأرقاب القريبة. وقال في القاموس: العترة بالكسر نسل الرجل وذريته، وتخصيص ذكر "لحرم" والعترة وكل مستحل محرم ملعون؛ لشرفهما وأن أحدهما منسوب إلى الله والآخر إلى رسول الله، فعلى هذا من في "من عترتي" ابتدائية. قال الطيبي: ويحتمل أن يكون بيانية بأن يكون المستحل من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه تعظيم الجرم الصادر عنهم (والتارك لسنتي) أي المعرض عنها باكلية أو بعضها استخفافاً بها وقلة مبالاة فهو كافر وملعون، وتاركها تهاوناً وتكاسلاً لا عن استخفاف فهو عاص، واللعنة عليه من باب التغليظ (رواه البيهقي في المدخل) بفتح الميم والخاء (ورزين) أي ورواه رزين (في كتابه) وأخرجه أيضاً النسائي كما في الجامع الصغير، والطبراني في الكبير، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (ج1:ص36) وقال: صحيح الإسناد ولا أعرف له علة - انتهى. ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي (ج7:ص205) : رجاله ثقات. وقد صححه ابن حبان، ونسبه الشيخ ناصر الدين الألباني في تعليقه على المشكاة للترمذي فقال: أخرجه الترمذي في القدر (ج2:ص23، 22) قال وأعله الترمذي بالإرسال وقال إنه أصح -انتهى. وإني لم أجده في أبواب القدر فلينظر. وأخرجه الحاكم عن علي أيضاً.
110-
قوله: (وعن مطر) بفتحتين (بن عكامس) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وكسر الميم بعدها سين مهملة، السلمي من بني سليم بن منصور، يعد في الكوفيين، له الحديث الآتي فقط ليس له غيره، لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي. اختلف في صحبته، قال أبوأحمد العسكري: قال بعضهم ليس له صحبة، وبعضهم يدخله في الصحابة. وقال أيضاً، وأكثرهم يدخله في المسند. قلت: ذكره الحافظ في الإصابة (ج3:ص443) في القسم الأول من حرف الميم، وقال في التقريب صحابي. وكذا قال الخزرجي في الخلاصة، وقال ابن حبان له صحبة (إذا قضى الله) أي أراد أو قدر أو حكم في الأزل (جعل) أي أظهر الله (له إليها حاجة) أي ليسافر إليها فيتوفاه الله بها ويدفن فيها إشارة إلى قوله تعالى:{وما تدري نفس بأي أرض تموت} [34:31] . وفي الحديث دليل على سبق القضاء والقدر (رواه أحمد)(ج5:ص227)(والترمذي) في القدر وقال: حسن غريب. وأخرجه أيضاً أبوداود في القدر، والحاكم (ج1:ص42) وقال:
111-
(33) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: ((يا رسول الله ذراري المؤمنين؟ قال: من آبائهم، فقلت: يا رسول الله بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانو عاملين. قلت: فذراري المشركين؟ قال: من آبائهم، قلت: بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين)) ، رواه أبوداود.
112-
(34) وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوائدة والموؤدة في النار)) ،
ــ
صحيح على شرطهما. وأقره الذهبي، وأخرجه الترمذي وأحمد (ج3:ص429) والطبراني في الكبير، وأبونعيم في الحية، والحاكم (ج1:ص42) عن أبي عزة أيضاً، وصححه الترمذي والحاكم، وفي الباب أيضاً عن ابن مسعود أخرجه الحاكم (ج1:ص42، 41) قال الذهبي: على شرط الشيخين.
111-
قوله: (ذراري المؤمنين) خبر مبتدأ محذوف، أي ما حكم ذراريهم، أهم في الجنة أم النار؟ (قال من آبائهم) من اتصالية كقوله تعالى:{المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} [67:9] . فالمعنى أنهم متصلون بآبائهم، فلهم حكمهم. قال التوربشتي: أي معدودون من جملتهم؛ لأن الشرع يحكم بالاسلام لإسلام أحد الأبوين، ويأمر بالصلاة عليهم، وبمراعاة أحكام المسلمين. وكذلك يحكم على ذراري المشركين بالاسترقاق ومراعاة أحكامهم وبانتفاء التوارث بينهم وبين المسلمين، فهم ملحقون في ظاهر الأمر بآبائهم. (قلت بلا عمل) هذا وارد منها على سبيل التعجب. (قال الله أعلم بما كانوا عاملين) أي لو بلغوا، رداً لتعجبها وإشارة إلى القدر ولهذا أورد الحديث في باب القدر. قال التوربشتي: يعني أنهم تبع لآبائهم في الدنيا، وأما في الآخرة فموكول أمرهم إلى علم الله تعالى بهم –انتهى. وقال القاضي: الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لم يكن ذراري المسلمين والكفار من أهل الجنة والنار، بل الموجب اللطف الإلهي والخذلان المقدر لهم في الأزل، فالواجب فيهم التوقف وعدم الجزم فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة، والأعمال دلائل السعادة والشقاوة ولا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول – انتهى. قلت: قد تقدم أن أولاد المسلمين يدخلون الجنة بالاتفاق، وأما أولاد المشركين فهم أيضاً من أهل الجنة على القول المحقق الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة، وأما حديث عائشة هذا وأمثاله فمؤولة أو محمولة على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يخبر أنهم من أهل الجنة (رواه أبوداود) في السنة وسكت عليه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد.
112-
قوله: (الوائدة) أي التي تدفن الولد حياً، وقيل هي القابلة، وخصها بالذكر؛ لأن أكثر ما كان الوأد من النساء أو لخصوص السبب (والموؤدة في النار) قال القاري: وأد بنته يئدها وأدا فهي موؤدة إذا دفنها في القبر وهي حية، وهذا كان من عادة بعض قبائل العرب في الجاهلية خوفاً من الفقر أو فراراً من العار، قال القاضي: الوائدة في النار لكفرها وفعلها، والموؤدة فيها لكفرها تبعاً لأبويها، ففيه دليل على تعذيب أطفال المشركين، وأوله من نفاه بأن