المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحفة أهل الفكر في مصطلح أهل الأثر - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ١

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

الفصل: ‌تحفة أهل الفكر في مصطلح أهل الأثر

- 13 -

‌تحفة أهل الفكر في مصطلح أهل الأثر

جمعها وألفها

عبد الرحمن بن عبيد الله الرحماني المباركفوري

خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

ص: 376

- 15 -

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة لطيفة في بيان مصطلحات علم الحديث مما لا بد لطالب الحديث أن يحفظها قبل الشروع في قراءة كتب الحديث، وأن يستحضرها عند الخوض في هذا الفن الجليل، وقد ذكرناها من غير تطويل وإطناب لتقاصر الهمم، ومن شاء البسط والتفصيل رجع إلى الكتب المبسوطة في علم مصطلح الحديث، وبالله التوفيق.

ــ

علم الحديث، غايته، وثمرته، وأنواعه.

علم الحديث: هو علم يعرف به أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله.

موضوعه: ذات الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث أنه رسول الله، لا من حيث أنه إنسان.

غايته وثمرته: الفوز بسعادة الدارين.

وعلم الحديث بإطلاقه عام كلي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- العلم برواية الحديث. 2- علم مصطلح الحديث. 3- العلم بدراية الحديث.

(1)

العلم برواية الحديث: هو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى من دونه من الصحابي أو التابعي قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة.

(2)

علم مصطلح الحديث: هو علم بأصول وقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث الرد والقبول.

موضوعه: السند والمتن من حيث الرد والقبول.

غايته وثمرته: تمييز ما يقبل من ذلك وما يرد، ومعرفته.

اسمه: علم مصطلح الحديث، ويسمى أصول الحديث، وعلوم الحديث.

(3)

العلم بدراية الحديث: هو علم يبحث فيه عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث، وعن المراد منها، مبنياً على قواعد العربية وضوابط الشريعة ومطابقاً لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم.

موضوعه: أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث دلالتها على المعنى المفهوم والمراد.

غايته: التحلي بالآداب النبوية والتخلي عما يكرهه وينهاه.

واعلم أنه قسم كل قسم من الأقسام المذكورة إلى أقسام يسمى كل واحد منها باسم، ومن أراد معرفة ذلك رجع إلى الكتب المبسوطة في علم أصول الحديث.

ص: 378

- 16 -

الحديث والخبر والأثر

الحديث: لغة: الجديد، واصطلاحاً: هو ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خُلقي أو خِلقي، أو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى من دونه من الصحابي والتابعي كذلك، ويجمع على أحاديث على خلاف القياس.

الخبر والنبأ: الخبر لغة يطلق على ما هو أعم من النبأ، فيشمل الأخبار الجليلة والتافهة، بخلاف النبأ فإنه خاص بما له خطب وشأن.

واصطلاحاً: مرادف للحديث، وقيل: هما متباينان، فالحديث ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والخبر ما جاء عن غيره، وقيل في بيان التباين بينهما: أن الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، والخبر ما جاء عن أخبار الملوك والسلاطين والأيام الماضية، ولهذا يقال لمن اشتغل بالسنة محدث، ولمن اشتغل بالتواريخ أخباري، وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فالحديث ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والخبر ما جاء عنه أو عن غيره، وعلى هذا فكل حديث خبر وليس كل خبر حديث.

السنة: هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته، فهي مرادفة للحديث.

الأثر: لغة: بقية الشيء، واصطلاحاً: ما روي عن الصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال، وعند المحدثين الأثر مرادف للخبر والحديث، وفي التدريب "يقال: أثرت الحديث بمعنى رويته، ويسمى المحدث أثرياً نسبة للأثر".

الحديث القدسي والفرق بينه وبين القرآن الكريم

الحديث القدسي: هو ما نقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل.

والفرق بينه وبين القرآن الكريم أن القرآن لفظه ومعناه من الله سبحانه وتعالى، ويتعبد بتلاوته، ويشترط في إثباته التواتر.

والحديث القدسي ليس لفظه من الله تعالى، ولا يتعبد بتلاوته، ولا يشترط في ثبوته التواتر.

قال الكرماني: القرآن لفظ معجز، ونزل بواسطة جبريل عليه السلام، وهذا غير معجز، وبدون الواسطة، ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني.

الفرق بين الحديث القدسي وبين غير القدسي

فإن قلت: الأحاديث كلها كذلك، كيف وهو لا ينطق عن الهوى؟ قلت: الفرق بأن القدسي مضاف إلى الله تعالى، ومروي عنه بخلاف غيره، وقد يفرق بأن القدسي ما يتعلق بتبرئة ذاته تعالى وصفاته الجلالية والكمالية.

ص: 379

- 17 -

قال الطيبي: القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، والقدسي: إخبار الله معناه بالإلهام أو المنام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله، ولم يروها عنه.

ولراوي الحديث القدسي صيغتان:

1-

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل.

2-

قال الله تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، والمعنى واحد.

والأحاديث القدسية أكثر من مائة حديث، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: ((يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً، فلا تظالموا

)) الحديث.

أقسام الخبر باعتبار طرق وصوله إلينا

الخبر ينقسم بهذا الاعتبار إلى متواتر وآحاد.

المتواتر: لغة: المتتابع، واصطلاحاً: هو ما نقله إلينا جماعة كثيرون تحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب، عن جماعة كذلك، ويكون إخبارهم عن شيء محسوس من مشاهد أو مسموع، كأن يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا.

شروط التواتر: وشروطه أربعة: (1) أن يرويه عدد كثيرون بلا حصر. (2) أن يرووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء في جميع طبقات السند. (3) أن تحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب. (4) أن يكون انتهاء خبرهم مستنداً إلى الحس من مشاهد أو سماع.

والمتواتر يفيد العلم اليقيني الضروري، وهو الذي يضطر إليه الإنسان، بحيث لا يمكنه دفعه، وقيل: لا يفيد إلا العلم النظري، وليس بشيء؛ لأن العلم بالتواتر يحصل لمن ليس له أهلية النظر مثل العامي.

والمتواتر نوعان: لفظي، ومعنوي.

المتواتر اللفظي: هو ما تواتر لفظه ومعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم كحديث: ((من كذب عليّ متعمداً....)) الخ.

المتواتر المعنوي: ما تواتر معناه دون لفظه، أو هو ما تواتر القدر المشترك فيه، كحديث المسح على الخفين، وحديث رفع اليدين في الدعاء.

هذا، وقسم بعضهم التواتر إلى أربعة أقسام: أحدها:

تواتر الإسناد: وهو أن يروي الحديث من أول الإسناد إلى آخره جماعة يستحيل اجتماعهم على الكذب، وهذا هو التواتر المشهور عند المحدثين. والثاني:

ص: 380

- 18 -

تواتر الطبقة: كتواتر القرآن، فإنه تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً، درساً وتلاوة، حفظاً وقراءة، وتلقاه الكافة عن الكافة طبقة عن طبقة، ولا يحتاج إلى إسناد يكون عن فلان عن فلان، بل هو شيء ينقله أهل المشرق والمغرب عن أمثالهم جيلاً عن جيل، لا يختلف فيه مؤمن ولا كافر منصف غير معاند، وهذا القسم من المتواتر يعسر إيراد إسناد له على قواعد المحدثين فضلاً عن أسانيد. والقسم الثالث:

تواتر عمل وتواتر توارث: وهو أن يعمل به في كل قرن من عهد صاحب الشريعة إلى يومنا هذا جم غفير من العاملين، بحيث يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب أو غلط، كالسواك في الوضوء مثلاً، فهو سنة، واعتقاد سنيته فرض؛ لأنه ثابت بالتواتر العملي. والقسم الرابع:

تواتر القدر المشترك: وهو ما تختلف فيه ألفاظ الرواة، بأن يروي قسم منهم واقعة وغيره واقعة أخرى، وهلم جرا، غير أن هذه الوقائع تكون مشتملة على قدر مشترك، فهذا القدر المشترك يسمى بالمتواتر المعنوي أو المتواتر من جهة المعنى، وهذا كتواتر المعجزة، فإن مفرداتها ولو كانت آحاداً لكن القدر المشترك متواتر قطعاً.

أخبار الآحاد

الآحاد جمع أحد بمعنى واحد.

وخبر الواحد: في اللغة: ما يرويه شخص واحد، وفي الاصطلاح: ما لم يصل حد التواتر، أو لم يتوفر فيه شروط المتواتر، وهو يفيد الظن. وقيل: العلم النظري، وقال ابن حزم رحمه الله في الإحكام: إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل به معاً.

ويطلق المحدثون أخبار الآحاد على ما عدا المتواتر، وهي تنقسم إلى مشهور، وعزيز، وغريب.

المشهور والمستفيض: المشهور لغة: ما اشتهر على الألسنة وإن كان كذباً، واصطلاحاً: ما رواه عدد محصور فوق الاثنين، وسمي بذلك لشهرته، ويقال له المستفيض أيضاً، وسمي بذلك لانتشاره، من فاض الماء يفيض فيضاً، وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فالمستفيض ما كان عدد الرواة في ابتداء السند وانتهائه سواء، والمشهور يشمل ما كان كذلك وما كان العدد فيه مختلفاً.

العزيز: لغة: النادر والقوي والشاق، واصطلاحاً: ما رواه اثنان ولو في طبقة، وسمي بذلك إما لندرته وقلة وجوده، أو لكونه عز أي قوي بمجيئه من طريق آخر، أو لمشقة الحصول عليه عند البحث عنه.

تنبيه

لا يشترط لكون الحديث صحيحاً أن يكون عزيزاً عند الجمهور، خلافاً لمن اشترط ذلك كأبي علي الجبائي والحاكم وابن العربي، وثمرة الخلاف تظهر في أن الغريب لا يكون صحيحاً عند أبي علي

ص: 381

- 19 -

الجبائي ومن رأى رأيه؛ لكونه قد جاء من طريق واحد، ومن شرط الصحيح عندهم أن يأتي من طريقين على الأقل، أما عند غيرهم فيكون صحيحاً لعدم اشتراطهم بذلك.

الغريب: لغة: فعيل من الغرابة، وهي النزوح عن الوطن، وفي الاصطلاح: هو ما رواه راوٍ واحد، ويسمى الفرد، وسمي غريباً لانفراد راويه عن غيره به كالغريب الذي شأنه الانفراد والنزوح عن وطنه.

وينقسم الغريب إلى مطلق ونسبي.

الغريب المطلق: ويسمى الفرد المطلق: هو ما وقع الغرابة والتفرد في أصل السند، وهو طرفه الذي فيه الصحابي، كأن ينفرد به تابعي واحد عن الصحابي ولا يتابع عليه، وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم.

الغريب النسبي: ويسمى الفرد النسبي: هو ما وقع الغرابة والتفرد فيه في أثناء السند في تابع التابعي أو فيمن دونه من رجال السند، وصورة ذلك أن يروي الحديث عن الصحابي أكثر من واحد من التابعين ثم ينفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد، وسمي بذلك لأن التفرد وقع فيه بالنسبة إلى شخص معين، وقد يكون الحديث مشهوراً في نفسه أي في الواقع.

وإطلاق الفرد على الغريب قليل؛ لأن الغريب والفرد وإن كانا مترادفين إلا أن المحدثين قد غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب على الفرد النسبي، وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما، أما من حيث استعمالهم الفعل المشتق منه فلا يفرقون، فيقولون في المطلق والنسبي كليهما: تفرد به فلان، أو أغرب به فلان.

تقسيم الآحاد إلى مقبول ومردود

تنقسم أخبار الآحاد من مشهور وعزيز وغريب إلى مقبول ومردود.

المقبول: ما ترجح صدق ناقله، وهو يوجب العمل عند الجمهور.

المردود: هو الذي لم يترجح صدق المخبر به.

وخبر الواحد المقبول مفيد للظن، وقد يفيد العلم النظري إذا احتف بالقرائن.

والخبر المحتف بالقرائن أنواع:

1-

ما أخرجه الشيخان في صحيحهما مما لم يبلغ حد التواتر، ولم يكن مما انتقده أحد من الحفاظ، فإنه قد حفت به قرائن قوية كافية لحصول العلم النظري، منها جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح من السقيم على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول.

2-

الخبر المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل القادحة.

3-

الخبر المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين، حيث لا يكون غريباً، كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد

ص: 382

- 20 -

وشريك له عن الشافعي، ثم الشافعي رواه وشريك له عن مالك بن أنس، ويرويه مالك عن نافع مثلاً، فهذه القرائن الثلاثة تختص الأولى منها بما في الصحيحين، والثانية بما له طرق متعددة، والثالثة بما رواه الأئمة المتقنون.

العلم النظري: هو العلم الحاصل عن النظر والاستدلال.

العلم الضروري: هو الذي يضطر إليه الإنسان بحيث لا يمكنه دفعه.

والفرق بينه وبين العلم النظري أن العلم الضروري يحصل بلا استدلال ولكل سامع.

والنظري لا يتأتى إلا بالاستدلال على الإفادة، ولا يحصل إلا لمن له أهلية النظر.

تقسيم الخبر المقبول إلى صحيح وحسن لذاته ولغيره

تنقسم أخبار الآحاد المقبولة إلى أربعة أقسام: (1) الصحيح لذاته. (2) الصحيح لغيره. (3) الحسن لذاته. (4) الحسن لغيره.

الصحيح لذاته: هو ما روي بنقل عدل تام الضبط عن مثله متصل السند غير معل ولا شاذ.

العدل: المراد بالعدل عدل تام الرواية، وهو المسلم البالغ والعاقل السالم من الفسق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة، والسالم أيضاً مما يخل بالمروءة، وقيل: هو المتصف بالعدالة، وهي التمسك بأحكام الشرع وآدابه فعلاً وتركاً، وقيل: العدل عند المحدثين من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، وينبغي أن يعلم أن عدل الرواية أعم من عدل الشهادة، فإن عدل الشهادة مخصوص بالحر وعدل الرواية يشمل الحر والعبد.

التقوى: هي اجتناب الأعمال السيئة من شرك وفسق وبدعة.

المروءة: هي الاحتراز عما يذم عرفاً عند ذوي العقول السليمة.

وتثبت العدالة بالاستفاضة والشهرة، كعدالة مالك والشافعي، وبتنصيص عالمين عليها، والأصح أنه يكفي في التعديل والتجريح عدل واحد، ويشترط في التجريح ذكر السبب.

الضبط: هو الحزم في الحفظ، وهو نوعان:(1) ضبط الصدر. (2) ضبط الكتاب.

ضبط الصدر: أن يثبت ما سمعه في صدره، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء.

ضبط الكتاب: هو أن يحفظ كتابه من التغيير والتبديل، ويصونه لديه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤديه منه.

ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات المتقنين غالباً، ولو من حيث المعنى، ولا تضر مخالفته النادرة، فإن كثرت اختل ضبطه ولا يحتج بحديثه، وارجع لتفصيل الكلام في معنى العدالة والمروءة إلى "توجيه النظر" للجزائري (ص 25-30) .

ص: 383

- 21 -

متصل السند: هو ما سلم إسناده من انقطاع مطلقاً، بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه.

المعل والمعلل: لغة: ما فيه علة، واصطلاحاً: ما فيه علة خفية قادحة في صحة الخبر، كالإرسال الخفي ونحوه.

العلة القادحة: هي ما تعرض للصحيح بحسب الظاهر بالتأمل في طرق الحديث، كأن يكون معروفاً عن صحابي ويروى عن غيره، وكأن يكون مرسلاً أو منقطعاً أو موقوفاً فيروى متصلاً، والعلة قد تكون في المتن، وقد تكون في الإسناد.

الشاذ: هو لغة: المنفرد، أي من تفرد من الجملة وخرج منها، واصطلاحاً: ما خالف فيه الراوي من هو أرجح وأوثق منه.

الصحيح إسناداً: هو الذي اتصل سنده برواية الثقات الضابطين.

ولا تلازم بين صحة الحديث وصحة الإسناد، فقد يصح الإسناد لاستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط، ولا يصح المتن لشذوذ أو علة، وقد لا يصح السند ويصح المتن لوجوده من طريق أخرى معتمدة، والصحيح بهذا التعريف المتقدم يشمل المرفوع والموقوف.

مراتب الصحيح

تختلف مراتب الصحيح بسبب تفاوت الأوصاف المقتضية للصحة، فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح كان أصح مما دونه، وبهذا الاعتبار يرجع تقسيم الصحيح إلى سبعة أقسام، وهي:

(1)

ما اتفق عليه الشيخان: البخاري ومسلم. (2) ما انفرد به البخاري. (3) ما انفرد به مسلم. (4) ما كان على شرطهما ولم يخرجاه. (5) ما كان على شرط البخاري. (6) ما كان على شرط مسلم. (7) ما صح عند غيرهما ممن التزم الصحة من الأئمة كابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مما لم يروياه، ولم يكن على شرطهما لا اجتماعاً ولا انفراداً.

شرط الشيخين: المراد بشرط الشيخين أو أحدهما أن يكون الحديث مروياً برجال موجودة في كتابيهما أو في أحدهما، مع مراعاة الكيفية التي التزمها الشيخان في الرواية عنهم.

وهذه المراتب السبع كل واحدة منها مقدمة على التي تليها.

الصحيح لغيره: هو ما كانت شروطه أخف من شروط الصحيح لذاته، وانجبر بكثرة الطرق، وقيل: هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، فبذلك يقوى ويرتفع عن درجة الحسن إلى درجة الصحيح لكن لا لذاته.

الحسن لذاته: هو ما رواه عدل خفيف الضبط متصل السند غير معل ولا شاذ، ولم يوجد ما ينجبر به ذلك القصور، فهو جامع لشروط الصحيح لذاته، إلا أن الضبط خف في بعض رواته ولم يوجد ما يجبر به ذلك القصور، ويشارك الصحيح أيضاً في الاحتجاج به وإن كان دونه رتبة وقوة.

ص: 384

- 22 -

والحسن على مراتب كالصحيح، أي تتفاوت مراتبه متناً وإسناداً كالصحيح.

الحسن لغيره: هو الخبر المتوقف عن قبوله إلا إذا قامت قرينة ترجح جانب قبوله كحديث مستور الحال إذا تعددت طرقه.

ألقاب للحديث تشمل الصحيح والحسن

الجيد والقوي: الجيد والقوي مرادفان للصحيح بالمعنى المتقدم، وليسا نوعين آخرين، قال السيوطي: الجودة قد يعبر بها عن الصحة، فيتساوى حينئذٍ الجيد: الصحيح، إلا أن المحقق منهم لا يعدل عن الصحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقي الحديث عنده من الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف به حينئذٍ أنزل رتبة من الوصف بصحيح، وكذا القوي.

الصالح: هو يشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج، ويستعمل أيضاً في ضعيف يصلح للاعتبار.

الثابت والمجود: هما أيضاً يشملان الصحيح والحسن وليسا نوعين آخرين.

معنى قول بعض المحدثين: "حديث حسن صحيح".

قد يجمع الترمذي وغيره بين الصحيح والحسن في موصوف واحد، فيقول: هذا حديث حسن صحيح، مع أن الحسن أقل درجة من الصحيح وقاصر عنها، وذلك لأحد أمرين:

1-

حصول التردد من ذلك الإمام في الناقل إذا تفرد برواية الحديث هل هو من أهل تمام الضبط، فيعتبر حديثه صحيحاً، أو من الذين خف ضبطهم فيكون حديثه حسناً، وتقدير العبارة: حسن أو صحيح، ويكون أقل رتبة مما قيل فيه: صحيح، بالجزم.

2-

كون الحديث مروياً بإسنادين، هو من أحدهما صحيح، ومن الثاني حسن، فيكون إطلاق الصحة والحسن عليه باعتبار إسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، ويكون الحديث أقوى مما قيل فيه صحيح فقط.

قول الترمذي: "حسن غريب".

قد استشكل قول الترمذي "حسن غريب" بأن الحديث الحسن عنده "ما روي من غير وجه"، والغريب "ما تفرد به راوٍ واحد"، فإذا جمع بين الوصفين جاء الإشكال للتنافي بين الوصفين.

والجواب عنه أن اصطلاح الترمذي هذا يحمل على كل حديث وصفه الترمذي بالحسن فقط، أي من غير صفة أخرى، أما ما وصفه بالحسن والغرابة معاً فالمراد به الحسن على اصطلاح جمهور المحدثين، لا على اصطلاحه، ولا منافاة بين الحسن والغريب على اصطلاحهم، أو أشار به إلى اختلاف الطرق، بأن جاء في بعض الطرق غريباً وفي بعضها حسناً يعني أنه غريب من هذا الإسناد

ص: 385

- 23 -

الخاص وحسن من وجه آخر، أو غريب سنداً وحسن متناً؛ لكونه مروياً عن جماعة من الصحابة.

وقيل: الواو بمعنى "أو" بأنه يشك ويتردد في أنه غريب أو حسن لعدم معرفته جزماً.

الضعيف: هو ما فقد صفة أو أكثر من صفات الصحيح والحسن وشروطهما، وأنواعه كثيرة كما سيأتي.

حكم زيادة الثقة: ومما يحسن العناية به من أنواع علوم الحديث زيادات الثقة، وهي كما تقع في المتن تقع في السند أيضاً برفع موقوف أو وصل منقطع أو نحو ذلك، وهي ثلاثة أقسام:

1-

ما كان منافياً لما قد رواه الثقات أو الأوثق منه فهذا مردود، وتسمى رواية الثقات أو الأوثق محفوظاً، ورواية الثقة شاذاً.

فالخبر المحفوظ: ما رواه الثقات أو الأوثق منافياً لما رواه الثقة.

والشاذ: ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الثقات أو الأوثق منه.

2-

ما رواه الثقة ولم يخالف غيره من الثقات أو الأوثق منه، فهذا مقبول.

3-

ما زاده الثقة مع نوع مخالفة ومنافاة لما ليست فيه تلك الزيادة، ولكن هذه المخالفة منحصرة في تقييد المطلق أو تخصيص العام، فهذا حكمه القبول على الراجح.

وإذا وقعت المخالفة من الثقة للضعيف فالراجح يقال له المعروف ومقابله المنكر.

فالمعروف: ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الضعيف.

والمنكر: ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة.

والفرق بين الشاذ والمنكر أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه، يجتمعان في اشتراط المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف، فبينهما عموم وخصوص من وجه.

المتابعة

المتابعة: هي لغة: الموافقة، واصطلاحاً: أن تحصل المشاركة للراوي في الرواية، وهي نوعان:

المتابعة التامة: وهي أن تحصل المشاركة للراوي نفسه.

المتابعة القاصرة: وهي أن تحصل المشاركة في شيخ الراوي أو فيمن فوقه من الرجال إلى الصحابي.

المتابع: بكسر الباء، ويسمى تابعاً: هو الخبر المشارك لخبر آخر في اللفظ أو المعنى فقط مع الاتحاد في الصحابي.

المتابع: بفتح الباء، هو الخبر الذي شارك راويه غيره في اللفظ والمعنى أو المعنى فقط.

الشاهد: هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ والمعنى أو المعنى فقط مع الاختلاف في الصحابي.

ص: 386

- 24 -

فالفرق بين الشاهد والمتابع اختلاف الصحابي في الشاهد واتحاده في المتابع، وقد يطلق كل من المتابع والشاهد على الآخر.

الاعتبار والاستشهاد: هو تتبع طرق الحديث الذي ظن أنه فرد من الجوامع والمسانيد والأجزاء وغيرها؛ ليعلم هل له متابع أو شاهد أم لا.

تقسيم الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به

(1)

المحكم: هو الحديث المقبول الذي سلم من معارضة مثله ينقض معناه، وحكمه وجوب العمل به، وغالب الأحاديث من هذا النوع.

(2)

مختلف الحديث: الحديث المقبول المعارض بمثله مع إمكان الجمع بينهما بغير تعسف وتكلف.

(ألف) وإذا تعارض حديثان مقبولان وأمكن الجمع بينهما والتوفيق بدون تكلف وتعسف فلا يصار إلى غيره.

(ب) وإن لم يمكن الجمع بينهما بحث عن التاريخ، فإن علم فالمتأخر هو الناسخ للمتقدم ويعمل به.

(ج) وإن لم يعرف التاريخ وأمكن ترجيح أحد الخبرين بوجه من وجوه الترجيح المتعلقة بالمتن أو الإسناد فالمصير إلى الترجيح، ويقدم الراجح على المرجوح.

(د) وإن لم يمكن الجمع ولا النسخ ولا الترجيح توقف عن العمل بهما حتى يتبين للناظر وجه الترجيح بينهما.

هذا إذا كان المتعارضان قويين، فإن كانت المعارضة من الضعيف للقوي فلا عبرة بها؛ لأن القوي لا تؤثر فيه معارضة الضعيف.

النسخ وطرق معرفته

النسخ: في اللغة: الإزالة والنقل، وفي الاصطلاح: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه.

ويعرف النسخ بأمور: (1) ما ورد في النص وهو أصرحها، كحديث بريدة: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور

)) الحديث. (2) ما أخبر الصحابي بتأخره، كقول جابر:((كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)) ، (3) تعقل الراوي الناسخ والمنسوخ، كقول الصحابي:((رخص لنا في المتعة، فمكثنا ثلاثاً ثم نهانا عنه)) . (4) ما عرف بالتاريخ.

والإجماع ليس بناسخ، بل هو دال على النسخ.

ص: 387

- 25 -

وجوه الترجيح بين ما ظاهره التعارض

طرق الترجيح بين مختلف الحديث كثيرة جداً، قد عد الحازمي في كتابه "الناسخ والمنسوخ" خمسين وجهاً، وأوصلها غيره إلى أكثر من مائة كما استوفى ذلك العراقي في نكته، وقال القاسمي في قواعد التحديث: الترجيح قد يكون باعتبار الإسناد، وباعتبار المتن، وباعتبار المدلول، وباعتبار أمر خارج، فهذه أربعة أنواع، ثم ذكر وجوه الترجيح باعتبار الإسناد، وعد ثمانية عشر وجهاً، منها:(1) الترجيح بكثرة الرواة، فيرجح ما رواته أكثر لقوة الظن به، وإليه ذهب الجمهور. (2) ترجيح رواية الكبير على الصغير؛ لأنه أقرب إلى الضبط إلا أن يعلم أن الصغير مثله في الضبط أو أكثر ضبطاً منه. (3) ترجيح رواية الأوثق. (4) ترجيح رواية الأحفظ. (5) أن يكون أحدهما من الخلفاء الأربعة دون الآخر. (6) أن يكون أحدهما صاحب الواقعة؛ لأنه أعرف بالقصة. (7) ترجيح رواية من دام حفظه وعقله ولم يختلط على من اختلط في آخر عمره ولم يعرف هل روى الخبر حال سلامته أو حال اختلاطه. (8) تقديم الأحاديث التي في الصحيحين على الأحاديث الخارجة عنهما.

ثم ذكر وجوه الترجيح باعتبار المتن، وعد سبعة طرق، منها:(1) يقدم الخاص على العام. (2) يقدم ما كان حقيقة شرعية أو عرفية على ما كان حقيقة لغوية. (3) يقدم المقيد على المطلق.

ثم ذكر للترجيح باعتبار المدلول أربعة أوجه، منها:(1) يقدم ما كان مقرراً لحكم الأصل والبراءة على ما كان ناقلاً. (2) أن يكون أحدهما أقرب إلى الاحتياط فإنه أرجح. (3) يقدم المثبت على المنفي؛ لأن مع المثبت زيادة علم.

ثم بين وجوه الترجيح باعتبار أمور خارجة، وعد سبعة وجوه، منها:(1) أن يكون أحدهما قولاً والآخر فعلاً، فيقدم القول؛ لأن له صيغة والفعل لا صيغة له. (2) أن يكون أحدهما موافقاً لعمل الخلفاء الأربعة دون الآخر؛ فإنه يقدم الموافق (4) أن يكون أحدهما أشبه بظاهر القرآن دون الآخر، فإنه يقدم.

ثم قال: وللأصوليين مرجحات أخر في الأقسام الأربعة منظور فيها، ولا اعتداد عندي بمن نظّر فيما سقناه؛ لأن القلب السليم لا يرى فيه مغمزاً.

الخبر المردود وأسباب رده

الخبر المردود: هو الذي لم يترجح صدق المخبر به، وله أنواع كثيرة، وهي ترجع في الجملة إلى سببين:(1) السقوط في السند. (2) الطعن في بعض رواته.

السقوط في السند: هو عدم اتصاله.

والطعن في الراوي: أن يكون مجروحاً بأمر يرجع إلى ديانته أو ضبطه.

ص: 388

- 26 -

أنوع المردود باعتبار السقوط

المعلق: وهو ما حذف من مبدأ سنده راوٍ فأكثر على التوالي، ويعزى الحديث إلى من فوق المحذوف، مأخوذ من تعليق الجدار والطلاق لاشتراكهما في قطع الاتصال، وإنما عدّ هذا ونحوه من أنواع المردود للجهل بحال الراوي المحذوف.

وللتعليق صور، منها:

1-

أن يحذف جميع السند، ويقول مثلاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.

2-

أن يحذف جميع السند إلا الصحابي.

3-

أن يحذف جميعه إلا الصحابي والتابعي.

4-

أن يحذف من حدثه ويضيفه إلى من فوقه.

وإذا قال محدث: جميع من أحذفه ثقات، فقد اختلف في قبول ذلك وعدمه، وعند الجمهور لا يقبل إلا إن جاء مسمى من وجه آخر، وعرف بالعدالة والضبط؛ لأن ذلك المحذوف قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره.

وقال ابن حجر نقلاً عن ابن الصلاح: أنه إن وقع الحذف في كتاب التزمت صحته كصحيح البخاري فما أتى فيه بصيغة الجزم دل على أنه ثبت إسناده عنده، فهو في حكم الصحيح، وما أتى فيه بغير صيغة الجزم ففيه مقال، أي ليس فيه حكم بصحته، ومع ذلك فإيراده في كتاب الصحيح مشعر بصحة أصله إشعاراً يؤنس به ويركن إليه، وعلى الناظر إذا أراد الاستدلال أن ينظر في رجاله وحال سنده ليرى صلاحيته للحجة وعدمها.

وصيغ الجزم عند البخاري: جاء، روى، قال، ونحوه ببناء الفاعل.

ومن صيغ التمريض عنده: قيل، ذُكر، روي، حُكي، يُروى، يُذكر، يُقال، يُحكى عن فلان، مبنياً للمفعول.

المرسل: وهو ما كان السقوط فيه من آخر السند بعد التابعي، كأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا، أو فُعل بحضرته كذا، أو أمر بكذا.

أو هو ما سقط منه الصحابي سواء أكان الراوي المرسل تابعياً كبيراً أو صغيراً، وهو لغة: من قولهم: ناقة رسل أي سريعة، فكأن المرسل أسرع إلى الحديث فحذف بعض إسناده، وقد يطلق المرسل على المنقطع والمعضل الآتي ذكرهما.

المعضل: وهو لغة: مأخوذ من أعضله بمعنى أعياه، وقيل: من قولهم: أمر عضيل أي مستغلق شديد، واصطلاحاً: هو ما سقط من سنده راويان أو أكثر على التوالي قبل الصحابي، والفرق بينه وبين المعلق أن بينهما

ص: 389

- 27 -

عموماً وخصوصاً من وجه، يجتمعان فيما إذا كان الساقط اثنين أو أكثر في بدء السند، وينفرد المعضل إذا وقع السقوط في غير بدئه كوسطه مثلاً.

المنقطع: هو ما سقط من سنده راوٍ أو أكثر بشرط عند التوالي، وقيل: هو ما لم يتصل سنده من أي وجه وبأي حال كان انقطاعه، فيكون المنقطع على هذا أعم الأنواع الثلاثة.

حكم المنقطع والمعضل والمرسل: عد المنقطع والمعضل من أنواع المردود؛ للجهل بحال المحذوف والمحذوفين، وكذلك المرسل؛ لأن المحذوف فيه يحتمل أن يكون صحابياً أو تابعياً، وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفاً أو ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون أخذ عن صحابي أو تابعي، وعلى الثاني يعود الاحتمال السابق ويتعدد، وإذا عرف من عادة تابعي أن لا يرسل إلا عن ثقة فقد اختلف في مراسيله، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف لبقاء الاحتمال، وهو أحد قولي أحمد، وثانيهما، وهو قول المالكية والحنفية: يقبل مطلقاً، وقال الشافعي: يقبل إذا اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى، وهذا الخلاف في مراسيل غير الصحابة، وأما مرسل الصحابي فحجة عند الجميع.

تقسيم السقوط من السند

السقوط من السند قسمان:

(1)

السقوط الواضح الجلي: وهو الذي يحصل الاشتراك في معرفته، ككون الراوي مثلاً لم يعاصر من روى عنه على زعمه، أو هو ما يعرف بعدم ملاقاة الراوي لشيخه، إما لأنه لم يدرك عصره، أو أدركه ولكن لم يجتمع به، وليس له منه إجازة ولا وجادة.

المرسل الجلي: الإسناد الذي يكون السقوط فيه واضحاً، ولذلك يحتاج إلى علم التاريخ؛ لأنه يتضمن مواليد الرواة ووفياتهم وأزمان طلبهم وارتحالهم.

(2)

السقوط الخفي: وهو الذي لا يدركه إلا الجهابذة المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد دون غيرهم كما في المدلس.

المدلس: بفتح اللام - هو ما رواه راوٍ عمن لقيه ولم يسمع منه بلفظ يوهم السماع منه، كعن أو قال أو أن فلاناً قال كذا، وهو مأخوذ من الدلس - بالتحريك - وهو اختلاط الظلام بالنور، فكأن المدلس أظلم الأمر على الناظر والسامع لتغطيته وجه الصواب.

والتدليس نوعان: (1) تدليس الإسناد. (2) تدليس الشيوخ.

(1)

تدليس الإسناد: هو أن يروي عمن لقيه وسمع منه لكن لم يسمع منه ذلك الحديث الذي دلسه عنه، أو يروى عمن لقيه ولم يسمع منه شيئاً بلفظ موهم أنه سمعه منه، كأن يقول: عن فلان، أو قال فلان، وهو ثلاثة أقسام:

ص: 390

- 28 -

1-

تدليس القطع: ويسمى تدليس الحذف، وهو أن يسكت الراوي بين صيغ الأداء ناوياً بذلك القطع أو الحذف.

2-

تدليس العطف: وهو أن يصرح الراوي بالتحديث عن شيخ له، ويعطف عليه شيخاً آخر لم يسمع منه ذلك الحديث.

3-

تدليس التسوية: وهو أن يسقط الراوي ضعيفاً بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، ويروي الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ يوهم الاتصال كعن ونحوها؛ ليصير الإسناد كله ثقات، وهو شر أنواع التدليس.

(2)

تدليس الشيوخ: هو أن يسمي شيخه الذي سمع منه بغير ما اشتهر عند الناس من اسم أو لقب أو كنية، قاصداً تعمية أمره على السامع.

وقد ذم جماعة من العلماء التدليس بأنواعه حتى قال شعبة: لأن أزني أحب إليّ من أن أدلس، وقال: التدليس أخو الكذب.

قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى بلفظ محتمل فيرد.

المرسل الخفي: هو ما رواه الراوي عن معاصر له لم يعرف اللقاء بينهما، وليس له منه إجازة ولا وجادة، بلفظ موهم للاتصال، كعن وقال.

فالفرق بين المدلس والمرسل الخفي أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف اللقاء بينهما فهو المرسل الخفي.

ويعرف الإرسال الخفي والتدليس بأمور، منها: أن يعرف عدم اللقاء بين الراوي والمروي عنه بنص بعض الأئمة على ذلك، ومنها: أن يعرف عدم سماعه مطلقاً أو لذلك الحديث بخصوصه بنص إمام على ذلك، أو إخبار المدلس والمرسل نفسه بذلك في بعض طرق الحديث، أو نحو ذلك.

وجوه الطعن في الراوي

وهي عشرة، خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط.

فالخمسة التي تتعلق بالعدالة، هي (1) الكذب. (2) التهمة بالكذب. (3) الفسق. (4) الجهالة. (5) البدعة.

والخمسة التي تتعلق بالضبط، هي (1) فحش الغلط. (2) الغفلة. (3) الوهم. (4) مخالفة الثقات. (5) سوء الحفظ، وترتيبها حسب تأثيرها في الرد كالآتي:

الوجه الأول: كذب الراوي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمى خبر الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم: الموضوع، من قولهم: وضع فلان، إذا ألصق به وافترى عليه.

فالحديث الموضوع: هو الحديث الذي رواه راوٍ عرف بتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 391

- 29 -

ويعرف الوضع بإقرار الواضح نفسه باختلاقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بحال المروي، كأن يكون مناقضاً للقرآن أو السنة المتواترة، أو يكون مخالفاً للحس والمشاهدة غير قابل للتأويل، أو يكون المروي خبراً عن أمر عظيم تتوافر الدواعي على نقله ثم لا ينقله إلا راوٍ واحد، أو يتضمن المروي وعيداً شديداً على أمر صغير، أو وعداً عظيماً على أمر حقير.

والأمور الداعية إلى الوضع كثيرة، منها:

1-

قصد التقرب إلى الله تعالى بوضع ما يرغب الناس في طاعته ويرهبهم عن معصيته، كما فعل المتصوفة.

2-

التزلف إلى ولاة الأمر والحكام بوضع ما يوافق أهواءهم.

3-

قصد إفساد الدين على أهله كما فعل الزنادقة.

4-

غلبة الجهل كبعض المتعبدين.

5-

فرط العصبية وانتصار للرأي كبعض المقلدين.

6-

الإغراب لقصد الاشتهار.

7-

التكسب والارتزاق بما يضع من الأحاديث كما هو شأن القصاصين.

ورواية الموضوع حرام بالاتفاق إلا مقروناً ببيانه على سبيل القدح؛ ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام.

الوجه الثاني: التهمة بالكذب، وذلك أن يعرف الراوي بالكذب في كلامه مع الناس، أو أن ينفرد بما يخالف القواعد المعلومة من الدين بالضرورة، ويسمى رواية المتهم بالكذب متروكاً.

فالحديث المتروك: هو الحديث الذي رد بسبب تهمة راويه بالكذب، كرواية من يكون معروفاً بالكذب في كلامه، وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي.

الوجه الثالث، والرابع، والخامس: فحش الغلط، وكثرة الغفلة، والفسق بما لم يبلغ حد الكفر، ويقال للحديث الذي في سنده راوٍ فاحش الغلط، أو كثير الغفلة، أو الفاسق: المنكر.

فالحديث المنكر: هو الحديث الذي رواه راوٍ فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر منه الفسق بما لم يبلغ حد الكفر، ويسمى هذا القسم من الحديث منكراً على رأي من لم يشترط في المنكر مخالفة الضعيف للثقة، أي لم يقصر المنكر على ما خالف الضعيف الثقة، وينبغي أن يعلم أن المراد بالفسق: الفسق في العمل دون الاعتقاد، فإن ذلك داخل في البدعة، وأكثر ما يستعمل البدعة في الاعتقاد، والكذب وإن كان داخلاً في الفسق لكنهم عدوه أصلاً على حدة لكون الفسق به أشد وأغلظ.

الوجه السادس: الوهم، وهو أن يروى الحديث على سبيل التوهم، ويسمى حديث من عرف بالوهم المعل

ص: 392

- 30 -

والمعلل، ويحصل معرفة ذلك بكثرة التتبع والاستقراء والنظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم حتى يطلع على وهم الراوي.

فالحديث المعلل: هو الحديث الذي ظاهره الصحة، وقد اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته.

والوهم كما يقع في السند - وهو الغالب - كرفع موقوف، ووصل منقطع، يقع في المتن.

وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يطلع عليه إلا من رزق فهماً ثاقباً واطلاعاً واسعاً بمراتب الرواة، وإدراكاً تاماً بالأسانيد والمتون.

الوجه السابع: مخالفة الراوي للثقات، وتتضمن المخالفة ستة أنواع:

الأول المدرج: بفتح الراء - مأخوذ من قولهم: أدرجت الشيء في الشيء، إذا أدخلته فيه وضمنته إياه، وهو ما اطلع على زيادة في سنده أو متنه ليست منه، وهو نوعان:(1) مدرج الإسناد. (2) مدرج المتن.

مدرج الإسناد: هو ما كانت المخالفة فيه بتغيير سياق الإسناد، وله أقسام:

1-

أن يروي الحديث جماعة بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف.

2-

أن يكون المتن عند راوٍ بإسناد واحد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه عنه راوٍ تاماً بالإسناد الأول.

3-

أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راوٍ عنه مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين المختلفين بإسناده الخاص به ويزيد فيه من المتن الآخر ما ليس بذلك الإسناد، أي ما ليس في الأول.

4-

أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه، فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد، فيرويه عنه كذلك.

5-

أن يسمع الخبر عن شيخه إلا طرفاً منه فيسمعه عنه بواسطة ثم يرويه تاماً محذوف الواسطة.

مدرج المتن: هو أن يقع في المتن كلام ليس منه كدمج موقوف بمرفوع من غير بيان، أو هو ما ذكر فيه الراوي وأدخل وضم إليه ما ليس منه موصولاً بلا فصل، فيتوهم أنه من الحديث، وهو قد يكون في أول الحديث وفي وسطه وفي آخره، وهو الأكثر.

ودواعي الإدراج كثيرة، منها:(1) تفسير الألفاظ الغريبة في الحديث. (2) استنباط حكم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. (3) تبيان حكم شرعي.

ويعرف الإدراج بأمور، منها:

ص: 393

- 31 -

(ألف) أن يرد رواية مفصلة للقدر المدرج مما أدرج فيه، بأن يصرح بعض الرواة أو الراوي الذي ذكر ذلك الكلام بفصل تلك العبارة المدرجة عن متن الحديث ويضيفها إلى قائلها.

(ب) أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي صلى الله عليه وسلم.

(ج) أن يستحيل أن يكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: المقلوب: ويسمى المنقلب من الانقلاب، والمقلوب لغة: اسم مفعول من "قلب الشيء" إذا صرفه عن وجهه، واصطلاحاً: هو ما كانت المخالفة فيه بالتقديم والتأخير، أو هو ما انقلب فيه على أحد الرواة لفظ في متنه أو اسم راوٍ أو نسبة في سنده، فقدم ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم، أو وضع شيئاً مكان شيء آخر فتغير بذلك معناه.

وتبين من التعريف أن المقلوب قسمان: (1) المقلوب في المتن. (2) المقلوب في السند، وهو أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه راوٍ آخر، أي يبدل براوٍ آخر من طبقته، أو يكون مشهوراً بإسناد فيأتي بإسناد آخر مكانه لغرض الإغراب ونحوه، أو يقع القلب في اسم الراوي بالتقديم والتأخير، ومن القلب أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر، ويؤخذ متن هذا فيجعل بإسناد آخر، كما فعل أهل بغداد مع الإمام البخاري امتحاناً واختباراً، فردها كلها على وجهها، ويشترط لجواز ذلك عدم الاستقرار عليه بعد انتهاء الغرض.

الثالث: المزيد في متصل الأسانيد: وهو ما كان المخالفة فيه بزيادة راوٍ في أثناء السند الذي ظاهره الاتصال، ومن لم يزدها أتقن ممن زادها.

وشرطه أن يصرح من لم يزدها بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان الإسناد الخالي من الزيادة معنعناً في موضع الزيادة ترجحت الزيادة، وكان الحكم للإسناد المزيد فيه.

الرابع: المضطرب: بكسر الراء - من الاضطراب، وهو لغة: الاختلاف، من قولهم: اضطرب القوم، إذا اختلفت كلمتهم، واصطلاحاً: هو أن تقع المخالفة فيه بإبدال راوٍ براوٍ، أو مروي بمروي، ولا مرجح لإحدى الروايتين على الأخرى، وقيل: المضطرب ما روي على أوجه مختلفة متفاوتة من غير ترجيح لإحدى الطرق سواء كان الاختلاف من راوٍ واحد، بأن رواه مرة على وجه ومرة على وجه أخرى مخالف للأول، أو أكثر من واحد بأن رواه جماعة كل على وجه مخالف للآخر، فإن ترجحت إحدى الطرق لا يكون الحديث مضطرباً.

وينقسم المضطرب إلى ثلاثة أقسام: (1) مضطرب سنداً فقط. (2) مضطرب متناً فقط. (3) مضطرب فيهما.

الخامس: المصحّف: وهو ما كانت المخالفة فيه بتغيير حرف فأكثر بتغيير النقط مع بقاء صورة الخط كمراجم ومزاحم وستاً وشيئاً وحميل وجميل.

ص: 394

- 32 -

والتصحيف لغة: الخطأ في الصحيفة باشتباه الحروف مؤلدة، وقد تصحف عليه لفظ كذا.

والتصحيف أكثر ما يقع في المتون، وقد يقع في الأسماء.

السادس: المحرف: هو ما كانت المخالفة فيه بتغيير حرف فأكثر بتغيير في الشكل مع بقاء صورة الخط: كسَلِيم وسُلَيم، وأبي وأُبَي، ولا يجوز التغيير في الحديث سواء كان تغيير كلمة بكلمة أو حرف بحرف أو هيأة بهيأة، وكذا اختصار الحديث ورواية بعضه دون بعض، أو رواية الحديث بالمعنى، إلا لعالم بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يحيل معانيها، وإذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة إذا قطع بأداء المعنى.

الوجه الثامن: الجهالة - بفتح الجيم -، وهي عدم معرفة عيب الراوي أو حاله، بأن لا يعلم فيه تجريح أو تعديل، وأسبابها ثلاثة:

1-

كثرة نعوت الراوي من اسم أو كنية أو لقب أو حرفة أو صفة، فيشتهر بشيء منها، فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض، فيظن أنه آخر، فيحصل الجهل بحاله.

2-

كون الراوي مقلاً من الحديث فلا تكثر الرواية والأخذ عنه.

3-

عدم تسمية الراوي اختصاراً من الراوي عنه، كأن يقول: أخبرني رجل أو شيخ أو فلان، ويسمى هذا القسم الأخير المبهم.

فالمبهم: هو من لم يصرح باسمه لأجل الاختصار ونحوه، وحكم روايته عدم القبول على الأصح ولو أبهم بلفظ التعديل كأن يقول أخبرني الثقة.

والمجهول نوعان: (1) مجهول العين. (2) مجهول الحال.

(1)

مجهول العين: هو ما انفرد بالرواية عنه راوٍ واحد، فلا يقبل حديثه كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه، وكذلك من انفرد عنه إذا كان من أهل الجرح والتعديل.

(2)

مجهول الحال: ويسمى مستور الحال، وهو أن يروي عنه اثنان فصاعداً ولم يوثقه أحد، وحكم روايته التوقف فيها حتى تتبين حاله وتتضح.

الوجه التاسع: البدعة، وهي لغة: مأخوذة من الابتداع، وهو الاختراع على غير مثال سابق، وشرعاً: المحدث في الدين، أي ما لم يكن عليه أمره صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، أي ليس عليه أثارة من كتاب الله ولا من سنة رسوله، ولا فعله أو أمر به أصحاب رسوله، ويعتقد من الدين، وهو نوعان:

1-

ما يوجب كفر صاحبه، كأن يكون منكراً لأمر مجمع عليه متواتر من الشرع معلوم من الدين بالضرورة، فهذا لا يقبل حديثه مطلقاً.

2-

ما يستلزم فسق صاحبه، وهذا يقبل منه الرواية إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا راوياً لما يقوي

ص: 395

- 33 -

بدعته، فإن كان داعية إليها أو روى ما يقويها ردت روايته، وهذا على المذهب المختار عند الجمهور، وهو الصحيح.

الوجه العاشر: سوء الحفظ، والمراد بسيء الحفظ هو من لم تترجح إصابته على خطئه.

وسوء الحفظ نوعان: (1) ما كان ملازماً للراوي في جميع حالاته، وسيء الحفظ من نشأ على سوء الحفظ ولزمه ذلك في جميع أحواله، ويسمى حديث من هذا شأنه شاذاً على رأي بعض المحدثين. (2) ما طرأ عليه سوء الحفظ لكبر سنه أو لذهاب بصره أو لضياع كتبه، بأن كان يعتمدها فرجع إلى حفظه فساء، ويسمى هذا المختلط، وحكم روايته أن ما حدث به قبل الاختلاط وهو معلوم متميز يقبل، وما حدث به بعده لا يقبل، وإذا لم يتميز توقف فيه.

وإذا توبع حديث من لازمه سوء الحفظ أو طرأ عليه ولم تتميز روايته بمعتبر فوقه أو مثله صار حديثهما حسناً لغيره، ومثل رواية هذين الموصوفين بسوء الحفظ في هذا الحكم بعد المتابعة، رواية المستور والإسناد المرسل وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه، والحاصل أنه إذا توبع من سيء الحفظ والمختلط والمستور والمرسل والمدلس بمن يعتبر ويخرج حديثه للمتابعة والاستشهاد يصير حديثهم حسناً لغيره باعتبار المجموع من المتابِع والمتابَع.

تنبيه

لم يذكر النووي وابن الصلاح لقبول الحديث الضعيف سوى هذا الشرط "كونه في فضائل الأعمال ونحوها"، وذكر الحافظ له ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه، نقل العلائي الاتفاق عليه. الثاني: أن يندرج تحت أصل معمول به. الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.

مباحث الإسناد

الإسناد: حكاية طريق المتن أي رفع الحديث وعزوه إلى قائله.

السند: بالتحريك، لغة: المعتمد، واصطلاحاً: هو الطريق الموصلة إلى المتن، أي سلسلة الرجال الموصلين إلى المتن، وسمي بذلك لاعتماد المحدث في صحة الحديث وضعفه عليه، فالسند رواة الحديث، والإسناد فعل الرواة، وقد يطلق الإسناد على السند أيضاً فيكون الإسناد مرادفاً للسند.

المتن: بالسكون، لغة: ما صلب وارتفع من الأرض، واصطلاحاً: ما ينتهي إليه السند من الكلام، وسمي بذلك لأن المسند يقوي الحديث بالسند ويرفعه إلى قائله.

المسند: بفتح النون، له ثلاثة معانٍ:

ص: 396

- 34 -

1-

الحديث المرفوع المتصل سنداً، يعني ما اتصل سنده من راويه إلى منتهاه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي أيضاً.

2-

كل كتاب جمع فيه مسندات كل صحابي، أي مروياته على حدة، فهو اسم مفعول.

3-

أن يطلق ويراد به الإسناد فيكون مصدراً ميمياً.

المسند: بكسر النون، هو من يروى الحديث بسنده سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد روايته، وتميز في ذلك حتى اشتهر فيه.

المحدث: هو من يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية، ويطلع على كثير من الروايات وأحوال رواتها، فهو أرفع من المسند.

الحافظ: هو مرادف للمحدث عند كثير من المحدثين، وقيل: الحافظ أرفع درجة من المحدث بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله.

والحديث ينقسم باعتبار منتهى الإسناد إلى ثلاثة أقسام: مرفوع، موقوف، مقطوع.

المرفوع: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، صريحاً أو حكماً، وأنواعه ستة:

1-

المرفوع القولي صريحاً: قول الصحابي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو قوله أو قول غيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا.

2-

المرفوع الفعلي صريحاً: قول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، أو قوله أو قول غيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا.

3-

المرفوع التقريري صريحاً: قول الصحابي: فعلت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا، أو قوله أو قول غيره: فعل فلان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ولا يذكر إنكاره.

4-

المرفوع القولي حكماً: أن يخبر الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات بما لا مجال للاجتهاد فيه كالإخبار عن الأمور الماضية من بدأ الخلق وقصص الأنبياء، أو عن الأمور الآتية كالفتن وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص.

5-

المرفوع الفعلي حكماً: أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد والرأي فيه كصلاة علي رضي الله عنه الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين.

6-

المرفوع التقريري حكماً: أن يخبر الصحابي أنهم كانوا يفعلون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ولا ينكر عليهم، ومن الصيغ التي لها حكم الرفع قول الصحابي: من السنة كذا، وأمرنا بكذا، نهينا عن كذا، أو يحكم الصحابي على فعل من الأفعال بأنه طاعة لله تعالى أو لرسوله أو معصية.

الموقوف: ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير.

ص: 397

- 35 -

الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ذلك ردة في الأصح، فمن لقيه صلى الله عليه وسلم في كفره، أو ارتد بعد لقائه صلى الله عليه وسلم في الإسلام ومات على الردة فلا يعدّ من الصحابة.

والمراد باللقي ما هو أعم من المجالسة والمماشاة والجلوس معه صلى الله عليه وسلم قليلاً أو كثيراً، والصحبة تعرف بالتواتر أو الاستفاضة أو بإخبار بعض الصحابة أو بعض ثقات التابعين أو بإخباره عن نفسه أنه صحابي إذا كانت دعواه ممكنة.

المقطوع: ما أضيف إلى التابعي أو من دونه من قول أو فعل أو تقرير.

التابعي: من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك.

والفرق بين المقطوع والمنقطع أن القطع من صفات المتن أي المقطوع من مباحث المتن، كالرفع والوقف، والمراد به المتن الذي انتهى سنده إلى التابعي أو من دونه، والانقطاع من صفات الإسناد كالإرسال والتعليق، يعني أن المنقطع من مباحث السند، والمراد به السند الذي سقط منه واحد أو أكثر بشرط عدم التوالي كما تقدم.

والمحدثون قد يطلقون الأثر على الخبر الموقوف والمقطوع أيضاً، فكل منهما يقال له أثر.

المخضرم: هو الذي أدرك زمن الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، والمخضرمون معدودون في كبار التابعين على الأصح، سواء عرف أن الواحد منهم كان مسلماً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالنجاشي أم لا، والمخضرمون أكثر من عشرين نفساً.

المسند: هو ما رفعه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ظاهره الاتصال.

المتصل: ويسمى الموصول، وهو ما اتصل سنده سواء كان مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم أو موقوفاً.

المعنعن: هو ما يقال في سنده: عن فلان عن فلان، قيل: إنه مرسل حتى يتبين اتصاله، والجمهور على أنه متصل إذا أمكن لقاء من أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضاً مع براءة المعنعن من التدليس وإلا فليس بمتصل.

المؤنن: هو ما يقال في سنده: "حدثنا فلان أن فلاناً"، وهو كالمعنعن.

علو السند ونزوله

العلو عبارة عن قلة رجال السند، والنُزول عبارة عن كثرتهم، وهما من صفات الإسناد.

والسند من حيث علوه ونزوله قسمان: عالٍ، ونازلٍ.

السند العالي: ما كان عدد رجاله قليلاً بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه يكون عدد رجاله كثيراً.

السند النازل: هو ما كان عدد رجاله كثيراً بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه يكون عدد رجاله قليلاً.

والعلو في السند نوعان:

ص: 398

- 36 -

(1)

العلو المطلق: هو ما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدد قليل بالنسبة إلى سند آخر ورد به ذلك الخبر بعدد كثير، وضده النُزول المطلق.

(2)

العلو النسبي: هو ما انتهى سنده إلى إمام من أئمة الحديث كشعبة ومالك والبخاري وأحمد ومسلم مثلاً بعدد قليل بالنسبة إلى سند آخر ورد به ذلك الخبر بعدد كثير، وضده النُزول النسبي.

وإنما كان العلو مرغوباً فيه عند المحدثين لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان تجويز الخطأ، وكلما قلت قلت.

وإذا كانت في السند النازل مزية ليست في العالي كأن يكون رجاله أوثق منه أو أحفظ أو أفقه أو الاتصال فيه أظهر فلا تردد في أن السند النازل أولى من العالي.

وتتفرع من العلو النسبي أربعة أنواع: (1) الموافقة (2) البدل (3) المساواة (4) المصافحة.

الموافقة: هي أن يصل الراوي إلى شيخ أحد من المصنفين من غير طريقه مع علو إسناده على إسناد المصنف، كأن يكون مسلم مثلاً روى حديثاً عن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر، فترويه أنت بإسناد آخر عن يحيى بعدد أقل مما لو رويته من طريق مسلم، فقد حصلت لك الموافقة مع مسلم في شيخه يحيى مع علو الإسناد على الإسناد إليه.

البدل: ويسمى الإبدال، وهو أن يصل إلى شيخ شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وصورته في المثال السابق أن ترويه بإسناد آخر عن مالك، أو عن نافع، أو عن ابن عمر بعدد أقل أيضاً، فيكون تلميذ مالك في هذا الإسناد الآخر بدلاً عن يحيى، وقد يسمى هذا موافقة بالنسبة إلى الشيخ الذي يجتمع فيه إسنادك بإسناد مسلم كمالك ونافع.

المساواة: وهي تساوي عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد عشر نفساً، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بسند آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقع بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم فيه أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص.

قال السيوطي: ولا يوجد ذلك الآن في حديث بعينه، بل يوجد التساوي في مطلق العدد، والعلو في تلك المساواة غير ظاهر، إلا أن يقال: إن العلو فيها باعتبار أن الراوي لو روى عن أحد المصنفين للكتب المذكورة لكان العدد أكثر.

المصافحة: هي أن يستوي عدد رجال الإسناد من الراوي إلى آخر الإسناد مع إسناد تلميذ أحد المصنفين، أو هي أن تقع المساواة للراوي مع تلميذ أحد المصنفين على الوجه المشروح، وسميت بذلك لأن العادة

ص: 399

- 37 -

جرت في الغالب بالمصافحة بين المتلاقين، فكأن الراوي لقي المصنف وصافحه، ومثالها يفهم مما ذكر في المساواة قبلها.

والنُزول أيضاً أقسام كالعلو، ويقابل كل قسم منها قسماً من أقسام العلو.

رواية الأقران: القرينان هما المتقارنان في السن والأخذ عن المشايخ، ورواية الأقران: هي أن يروي قرين عن قرينه كرواية سليمان بن مهران الأعمش عن سليمان بن طرخان التيمي وهما قرينان، وبعبارة أخرى: هي أن يشترك تلميذان في الرواية عن شيخ، ويكون أحد التلميذين قد روى عن زميله وقرينه.

المدبج: بفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة، مأخوذ من ديباجتي الوجه، وهما الخدان لتساويهما وتقابلهما، وهو اصطلاحاً: أن يشترك التلميذان في الرواية عن شيخ، ويكون كل واحد من التلميذين قد روى عن الآخر، كرواية عائشة عن أبي هريرة ورواية أبي هريرة عنها، وكرواية مالك والأوزاعي، ورواية أحمد بن حنبل وعلي بن المديني، كلٌ عن الآخر.

والمدبج أخص مطلقاً من رواية الأقران، ومن فوائد معرفة هذا النوع الأمن من أن يظن زيادة في السند، أو يظن إبدال "عن" بالواو.

رواية الأكابر عن الأصاغر: هو أن يروي الراوي عمن هو دونه في السن أو في مقدار الحفظ والعلم أو في كليهما، كرواية الزهري عن مالك، ورواية مالك عن عبد الله بن دينار.

ومن هذا النوع رواية الآباء عن الأبناء، ورواية الصحابة عن التابعين، والشيخ عن تلميذه.

ومن فوائد هذا النوع دفع توهم الانقلاب في السند؛ لأن الغالب رواية الأصاغر عن الأكابر.

رواية الأصاغر عن الأكابر: هي رواية الشخص عمن فوقه في السن أو في قدر العلم والحفظ، وهي الأصل والطريقة المسلوكة المألوفة غالباً، ومن هذا النوع رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد.

السابق واللاحق: هو أن يشترك اثنان متقدم ومتأخر موتاً في الرواية عن شيخ واحد مع التباعد بين وفاتيهما، مثال ذلك الإمام مالك روى عنه الزهري وتوفي سنة 124هـ، وأحمد بن إسماعيل السهيمي وتوفي سنة 259هـ، وبين وفاتيهما مائة وخمسة وثلاثون سنة، فالزهري يقال له السابق والسهيمي يقال له اللاحق.

ومن فوائد معرفة هذا النوع الأمن من أن يظن سقوط شيء من إسناد المتأخر، أي انقطاعه.

المهمل: هو أن يروي الراوي عن اثنين متفقين في الاسم فقط، أو مع اسم الأب، أو مع اسم الجد، أو مع النسبة، ولم يتميزا بما يخص كل واحد منهما، فإن كانا ثقتين لم تضر الجهالة بهما، وإن كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً ضرت الجهالة، مثال الأول: ما وقع من البخاري في روايته عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب، فإنه إما أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى، وكلاهما ثقة، ومثال الثاني: سليمان بن داود الخولاني، وهو ثقة، وسليمان بن داود اليمامي، وهو ضعيف.

ص: 400

- 38 -

والفرق بين المبهم والمهمل أن المبهم لم يذكر اسمه، وأما المهمل فذكر اسمه لكن مع الاشتباه.

من حدث ونسي

من حدث ونسي: هو أن ينكر الشيخ رواية ما حدث به تلميذه عنه، فإن كان الإنكار بصيغة الجزم واليقين كأن يقول: كذب علي، أو ما رويت له ذلك، أو كذبت علي، أو ما حدثتك بهذا، فحكمه رد تلك الرواية، ولا يكون ذلك قادحاً في عدالة واحد منهما، إذ ليس أحدهما أولى بالطعن فيه من الآخر، وإن أنكر على سبيل التردد والشك كأن يقول: ما أذكر هذا، أولا أعرفه، أو نحو ذلك، فيقبل هذا المروي محمولاً على نسيان الشيخ وتذكر التلميذ، إذ المثبت الجازم مقدم على النافي المتردد.

المسلسل: هو ما اتفق رواته في صيغ الأداء أو غيرها من الصفات والحالات، كمسلسل التشبيك باليد والمصافحة والقبض على اللحية.

وحالات الرواة أفعالهم وأقوالهم، وحالات الرواية ما يتعلق بصيغ الأداء أو بزمنها ومكانها.

وهو نوع واسع جداً، ومن فوائده اشتماله على مزيد الضبط من رواته، وصيغ الأداء على ثمان مراتب:

صيغ الأداء: (1) سمعت وحدثني (2) ثم أخبرني وقرأت عليه (3) ثم قرئ عليه وأنا أسمع (4) ثم أنبأني. (5) ثم ناولني (6) ثم شافهني بالإجازة (7) ثم كتب إلي بالإجازة (8) ثم عن ونحوها مثل "قال" و"ذكر" و"روى".

تحمل الحديث وأداؤه

تحمل الحديث: هو روايته وأخذه عن المشايخ، ويشترط في الأصح في ذلك اعتبار الفهم والتمييز.

الأداء: هو تحديث الشيخ تلاميذه بما كان قد تحمله، ويشترط فيمن يحتج بروايته العدالة والضبط، وقد تقدم معنى الضبط والعدالة.

طرق تحمل الحديث وصيغ الأداء

(1)

السماع من لفظ الشيخ: وهو أعلى طرق تحمل الحديث، وكيفيته: أن يقرأ الشيخ من كتابه أو حفظه والطالب يسمع إملاء أو غير إملاء، ويقول في الأداء: سمعت أو حدثني، واللفظ الأول - أي سمعت - أصرح في التعبير عن سماع قائله؛ لأنه لا يحتمل الواسطة، وأما حدثني فقد استعملت في الإجازة تدليساً، وأرفع صيغ الأداء وأعلاها ما وقع منها في الإملاء؛ لما فيه من تثبت الشيخ وتيقظ الطالب وانتباهه فهما لذلك أبعد من الغفلة وأقرب إلى التحقيق، وقوله "سمعت وحدثني" يدلان على أن الراوي وحده سمع من لفظ الشيخ، فإنه شاركه غيره قال: سمعنا أو حدثنا، وأما الصيغة الثالثة: أي أخبرني، والرابعة: أي

ص: 401

- 39 -

قرأت عليه، فهما للقراءة على الشيخ كما سيأتي، وهما تدلان على أن التلميذ قرأ على الشيخ بنفسه، فإن جمع فقال: أخبرنا أو قرأنا عليه فهي كقوله: قرئ عليه وأنا أسمع، فإنه يدل على أن غير الراوي شاركه في القراءة والعرض على الشيخ.

ولا فرق بين التحديث والإخبار لغة، أما في اصطلاح المحدثين فالشائع عندهم التفريق بينهما بتخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ، والإخبار بالعرض والقراءة عليه.

(2)

القراءة على الشيخ: ويسميها البعض عرضاً؛ لأن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه، سواء قرأ الطالب بنفسه على الشيخ من حفظه أو كتابه، أو قرأ عليه غيره وهو يسمع، وسواء أكان الشيخ حافظاً لما يقرأ عليه أو لا، ولكن أمسك أصله هو أو ثقة غيره، ويقال في الأداء: قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع، ويجوز له أن يعبر بما سبق من صيغ الأداء بشرط أن يقيد بالقراءة لا مطلقاً، نحو حدثني فلان قراءة عليه.

واختلف في أن العرض مساوٍ للسماع من لفظ الشيخ رتبة أو فوقه أو دونه، والراجح أن العرض دون السماع من لفظ الشيخ.

والإنباء عند متقدمي المحدثين بمعنى الإخبار، أما عند متأخريهم فللإجازة كعن فإنها في اصطلاحهم للإجازة.

وعنعنة المعاصر محمولة على سماعه ممن عنعن عنه إلا أن يكون معروفاً بالتدليس فيشترط فيه ثبوت اللقاء بين الراوي والمروي عنه ولو مرة واحدة على المذهب المختار؛ ليحصل الأمن في باقي العنعنة عن كونه من المرسل الخفي.

(3)

الإجازة: وهي الإذن في الرواية لفظاً أو كتابة، أي إذن الشيخ لتلميذه بأن يروي عنه مسموعاته، وإن لم يسمعها منه أو يقرأها عليه، وهي أنواع:

1-

منها: الإجازة لمعين بمعين، نحو أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري، ولا يناوله إياه، وهي أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة، ولا خلاف في جواز الرواية بذلك والعمل بها.

2-

ومنها: الإجازة لمعين بغير معين، نحو أجزتك رواية مسموعاتي.

3-

ومنها: الإجازة لغير معين بمعين، نحو أجزت لمن أدركني رواية صحيح مسلم.

4-

ومنها: الإجازة لغير معين بغير معين، نحو أجزت لأهل زماني رواية مسموعاتي.

5-

ومنها: الإجازة لمعدوم تبعاً لموجود، نحو أجزت لفلان ومن يولد بعد بكذا.

وفي جواز الرواية بهذه الأنواع كلها خلاف ما عدا الأول.

المشافهة: هي أن يشافه الشيخ تلميذه بالإذن له بالرواية عنه، ويقول في الأداء: شافهني بالإذن، فتستعمل المشافهة في الإجازة المتلفظ بها دون الإجازة بالمكاتبة، وإنما يقال فيها: كتب إلي.

ص: 402

- 40 -

(4)

المناولة: وهي إعطاء الشيخ الطالب شيئاً من مروياته، وهي نوعان:

1-

المناولة المقرونة بالإجازة: وهي أن يناول الشيخ الطالب أصله أو فرعاً مقابلاً به، أو يحضر الطالب أصل الشيخ ويقول له الشيخ: هذا روايتي عن فلان فاروه عني، أو أجزت لك روايته.

وشرطه أن يمكّن الشيخ الطالب على أصله تمليكاً بالبيع أو الهبة أو عارية لينقل عنه ويقابل عليه ثم يرده، وأما إذا ناوله الأصل وأذن له بالرواية عنه ثم استرده في الحال فلا مزية لها على الإجازة المعينة؛ لعدم احتواء الطالب على الكتاب المجاز به، وقد تقدمت صورة الإجازة المعينة.

2-

المناولة المجردة عن الإجازة: بأن يناوله أصله أو ما قام مقامه مقتصراً على قوله: هذا سماعي أو روايتي عن فلان، ولم يعتبر بها عند الجمهور.

وصورة الأداء بالإجازة أو المناولة: حدثني فلان إجازة، أو مناولة، وكذا أخبرني إجازة، أو مناولة، أو نحو ذلك.

(5)

المكاتبة: وهي أن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر أو غائب، سواء كتب بخطه أم كتب عنه بأمره، وهي نوعان أيضاً:(1) مقرونة بالإجازة، وهي في الصحة والقوة مثل المناولة المقرونة بالإذن. (2) مجردة عنها، فهي في الحكم كالمناولة المجردة عن الإذن.

وصورة الأداء: حدثني فلان مكاتبة، أو كتب إلي فلان، أو نحو ذلك.

(6)

الإعلام: وهو أن يقول الشيخ للطالب: إن هذا الكتاب أو الحديث من مسموعاتي عن فلان.

(7)

الوصية: وهي أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص معين بكتاب مروي له، ويقال في الأداء: أوصى إلي فلان، أو حدثني فلان وصية.

(8)

الوجادة: وهي أن يجد الطالب كتاباً أو حديثاً بخط يعرف كاتبه، فيقول في الأداء: وجدت بخط فلان كذا وكذا، أو قرأت بخط فلان كذا وكذا، والمروي بالوجادة من قبيل المنقطع الذي فيه شائبة الاتصال.

ويشترط لصحة الرواية بكل من الإعلام والوصية والوجادة أن يكون مقروناً بالإجازة والإذن بالرواية على الصحيح، وإلا فلا عبرة بها كالإجازة العامة في المجاز له.

الإجازة العامة في المجاز به: كأن يقول الشيخ لتلميذه: أجزت لك أن تروي عامة مروياتي، وما أشبه ذلك، وتقبل على الأصح.

الإجازة العامة في المجاز له: وهي أن يقول الشيخ: أجزت لجميع المسلمين أو لمن أدرك حياتي أو نحوه، فلا عبرة بها على الأصح عند المحدثين.

المتفق والمفترق: هو أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا أو كناهم أو أنسابهم وتختلف أشخاصهم، كالخليل بن أحمد - يطلق على جماعة، منهم النحوي صاحب العروض، ومنهم المزني.

ص: 403

- 41 -

وفائدة معرفة هذا النوع الأمن من اللبس، فربما يظن الأشخاص شخصاً واحداً كما وقع لجماعة.

المؤتلف والمختلف: هو أن تتفق أسماء الرواة خطاً وتختلف نطقاً، سواء كان مرجع الاختلاف النقط أو الحركات، كسلَام وسلاّم، ومِسوَر ومُسوِّر.

وفائدة هذا النوع الأمن من التصحيف والتحريف.

المتشابه: هو أن تتفق أسماء الرواة نطقاً وخطاً وتختلف أسماء آبائهم نطقاً لا خطاً، وسمي بذلك لتشابهه بالنوعين اللذين قبله؛ لأنه مركب منهما، نحو محمد بن عَقِيْل ومحمد بن عُقَيْل، أو بالعكس نحو شريح بن النعمان، وسريج بن النعمان، ويتركب من المتشابه ومما قبله من المؤتلف والمختلف أنواع.

معنى الطبقة ومراتب الجرح والتعديل

الطبقة: عبارة عن جماعة اشتركوا في السن واللقي الذي هو الأخذ عن المشايخ، مثل الصحابة والتابعين.

وفائدة معرفة طبقات الرواة الأمن من تداخل المشتبهين، وإمكان الوقوف على تبيين التدليس والاطلاع على حقيقة المراد من العنعنة.

وللجرح مراتب أسوأها الوصف بما دل على المبالغة، مثل قولهم: فلان أكذب الناس، أو إليه المنتهى في الوضع، أو هو ركن الكذب، أو معدنه، أو نحو ذلك، ثم دجال، أو كذاب، أو وضاع، أو يضع الحديث، أو يكذب.

وأسهل الألفاظ الدالة على الجرح قولهم: فلان لين، أو سيء الحفظ، أو فيه أدنى مقال.

وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب، مثل قولهم: فلان متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث، وهي أشد من قولهم فلا ضعيف، أو ليس بالقوي، أو فيه مقال.

وأرفع مراتب التعديل الوصف بما دل على المبالغة فيه، كالوصف بأفعل، مثل فلان أوثق الناس، وكذا قولهم: فلان إليه المنتهى في التثبت، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين من الصفات الدالة على التعديل، مثل: ثقة ثقة، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط.

وأدنى مراتب التعديل ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح، مثل قولهم: فلان شيخ، يروى حديثه، ولا بأس به، ونحو ذلك.

واعلم أنهم اختلفوا في عدد مراتب ألفاظ التجريح والتعديل وبيانها وترتيبها، فجعل ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل وتبعه ابن الصلاح في مقدمته، لكل منهما أربع مراتب، وجعل العراقي في شرح ألفيته خمس مراتب، والسخاوي في شرح الألفية، والسندي في شرح النخبة ست مراتب، من أحب الوقوف عليها وعلى أحكامها رجع إلى الكتب المذكورة وغيرها من الكتب المبسوطة في أصول الحديث.

ص: 404

- 42 -

التعديل والتزكية تقبل إذا صدرت من عارف بأسبابها ولو كان واحداً على الأصح، ويقدم الجرح على التعديل إذا تعارضا؛ لأن المجرح معه زيادة علم خفيت على المعدل، ولكن يشترط لتقديم الجرح على التعديل أن يكون الجرح مفسراً ومبيناً، ويصدر من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن كان صادراً من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً غير مبين السبب.

ومن الأمور المهمة فيما يتعلق بالرواة معرفة طبقاتهم ومواليدهم ووفياتهم وأحوالهم.

1-

ومنها معرفة كنى المسمين ممن اشتهر باسمه وله كنيته لئلا يظن أنه آخر.

2-

ومعرفة من اشتهر بكنيته وله اسم.

3-

ومعرفة من كنيته اسمه.

4-

ومعرفة من كثرت كناه.

5-

ومعرفة من اختلف في كنيته.

6-

ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه.

7-

ومعرفة من وافق اسمه كنية أبيه.

8-

ومعرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه.

9-

ومعرفة من وافق اسم الراوي عنه اسم شيخه.

10-

ومعرفة من اتفق اسمه اسم أبيه واسم جده.

11-

ومعرفة من اتفق اسمه واسم شيخه واسم شيخ شيخه.

12-

ومعرفة من نسب إلى غير أبيه.

13-

ومعرفة من نسب إلى أمه.

14-

ومعرفة من نسب إلى غير ما يسبق إلى الذهن والفهم.

15-

ومعرفة المفردة من الأسماء والكنى والأنساب: وهي التي لم يشارك صاحبها أحد في التسمية والكنية واللقب، أي التي لم يسمع بها إلا واحد.

16-

ومعرفة الأنساب والألقاب، والنسبة تقع تارة إلى القبائل، وتارة إلى الأوطان، وقد تقع إلى الصنائع والحرف والعاهات.

وقد تقع الأنساب ألقاباً، ومن المهم أيضاً معرفة أسباب الألقاب والأنساب، إذ قد تكون على خلاف الظاهر.

17-

ص: 405

- 43 -

ومنها معرفة الموالي من الرواة، والولاء ثلاثة أنواع:

(1)

ولاء العتاقة، وهي الأكثر، وكثير من الرواة نسب إلى قبيلة معتقه.

(2)

ولاء بالإسلام: وهو أن يسلم رجل على يد رجل آخر فينسب إلى قبيلته.

(3)

ولاء بالحلف - بالكسر - وهي المعاقدة والمعاهدة على التناصر والتآزر، ولفظ المولى مشترك بين المولى الأعلى، هو المعتق - بالكسر -، والمحالف - بالفتح -، ومن أسلم على يديه غيره، وبين المولى الأسفل وهو العتيق، والمحالف - بالكسر -، والمسلم على يد الغير.

18-

ومنها معرفة الإخوة والأخوات؛ للأمن من اللبس والسلامة من أن يظن المتعدد واحداً، أو يظن غير الأخ أخاً للاشتراك في اسم الأب، وارجع لأمثلة ذلك كله إلى الكتب المبسوطة في علم مصطلح الحديث.

الرحلة في طلب الحديث، وكيفية كتابته وتصنيفه

صفة كتابة الحديث: هي أن يكتبه بخط واضح جلي مبيناً مفسراً، ويشكّل المشكل منه، وينقط ويكتب الساقط من أصله على الحاشية اليمنى إن أمكن وإلا ففي اليسرى، ولا يكتب بين الأسطر.

الرحلة في طلب الحديث: ينبغي للطالب قبل الرحلة أن يبدأ بحديث أهل بلدته فيستوعبه، ثم يرحل لتحصيل ما ليس عنده من المتون والأسانيد، ويكون اعتناؤه بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشيوخ.

سماع الحديث: أن يكون الطالب يقظاً عند سماع الحديث من لفظ الشيخ أم القراءة عليه، وأن لا يتشاغل بما يخل من كلام أو قراءة أو كتابة شيء غير المسموع.

عرض الحديث: هو أن يقابل الطالب مع الشيخ سواء كان مع الشيخ أصله أم عول على حفظه، أو يقابل مع ثقة غيره، أو يقابل بنفسه على أصل الشيخ أو فرع مقابل عليه.

إسماع الحديث: هو أن يكون الشيخ يقظاً وقت الإسماع والتحديث، غير مشغول بما يخل، وأن يكون أداؤه من أصله الذي سمع فيه، أو من فرع مقابل عليه، فإن تعذر فيجبره بالإجازة.

آداب الشيخ والطالب

يشتركان في تصحيح النية، وبذل النصيحة للمسلمين، وتطهير القلب من أغراض الدنيا، والعمل بالعلم، وتحسين الخلق.

وينفرد الشيخ بأن يسمع إذا احتيج إليه مع رغبته في الخير للطالب، ويقبل على الحاضرين، ويفتتح مجلسه بالتحميد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويختمه كذلك، وأن يجلس بالوقار والسكينة، وأن يستنصت الطلاب، وإن رفع أحدهم صوته زجره؛ لأن رفع الصوت عند حديثه عليه الصلاة والسلام

ص: 406

- 44 -

مثل رفعه عنده، وقد نهى الله عن ذلك، وأن لا يقوم لأحد أثناء التحديث، ولا يحدث قائماً ولا عجلاً ولا في الطريق إلا لحاجة.

وينفرد الطالب بأن يوقر الشيخ ويعظمه، ولا يمنعه الكبر أو الحياء من الاستفادة والسعي التام في التحصيل وأخذ العلم ولو عمن هو دونه في السن أو القدر أو النسب، وأن لا يكتم شيئاً من العلم، ولا يمتنع من إفادة غيره من الطلبة، وأن يصبر على جفاء الشيخ، ويعتني بالضبط والتقييد وكثرة المذاكرة لما كتبه ليرسخ في ذهنه، ويكتب ما سمعه تاماً.

التصنيف في الحديث

الكتب المصنفة في الحديث أنواع:

1-

الجوامع

الجامع: كل كتاب يكون جامعاً لأحاديث الأبواب الثمانية، أي لأحاديث العقائد، والأحكام، والرقاق، وآداب الأكل والشرب والسفر والقيام والقعود، والتفسير، والتاريخ والسير، والفتن، وأحاديث المناقب والمثالب، مثل الجامع الصحيح للبخاري.

2-

المسانيد

المسند: كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حدة من غير تقييد بصحة الحديث وحسنه، ولا بمناسبة لباب ونحوه، ووقع ترتيب الصحابة فيه باعتبار فضلهم أو سبقهم إلى الإسلام أو قرابتهم منه صلى الله عليه وسلم، كمسند الإمام أحمد بن حنبل (رح) .

3-

السنن

السنن: كل كتاب جمع فيه الأحاديث على الأبواب الفقهية، بأن يجمع في كل باب ما ورد فيه ما يدل على حكمه وجوباً أو ندباً أو كراهة أو حلاً أو حرمة، مثل السنن الأربعة.

4-

المعاجم

المعجم: كل كتاب ذكر فيه الأحاديث على ترتيب الشيوخ، سواء اعتبر فيه تقدم وفاة الشيخ أو توافق حروف التهجي أو الفضيلة أو التقدم في العلم والتقوى، والغالب فيه الترتيب على حروف الهجاء، كالمعاجم الثلاثة للطبراني.

5-

الأجزاء

الجزء: ما يجمع فيه أحاديث رجل واحد، سواء كان ذلك الرجل من الصحابة أو من بعدهم، كجزء حديث أبي بكر مثلاً، وجزء حديث مالك.

ص: 407

- 45 -

أو ما يذكر فيه الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، كجزء رفع اليدين في الصلاة للإمام البخاري، ويقال له الرسالة أيضاً، وقد يطلق كل واحد منهما على الآخر.

6-

الأربعون

الأربعون حديثاً: هو ما يجمع في باب واحد أو أبواب شتى بسند واحد أو أسانيد متعددة، كأربعين حديثاً للنووي وغيره.

7-

الأفراد أو المفردات

الفرد أو المفرد: ما لم يروه إلا راوٍ واحد، أو ما يحتوي على أحاديث شخص واحد، مثل أحاديث أبي هريرة.

8-

الغرائب

الغريب: هو ما وقع في موضع من سنده التفرد.

9-

التراجم

التراجم: هو مجموع الأحاديث التي رويت بإسناد واحد، كمالك عن نافع عن ابن عمر.

10-

المشيخة

المشيخة: هو ما جمع فيه مرويات شيخ مخصوص ومسموعاته.

11-

العلل

العلل: هي الكتب التي يجمع فيها الأحاديث المعلولة مع بيان عللها.

12-

المستخرجات

المستخرج: كل كتاب يخرج فيه أحاديث كتاب آخر بأسانيد صحيحة من غير طريق صاحب الكتاب، ويجتمع معه في شيخه أو فيمن فوقه من الرجال، كمستخرج أبي نعيم الأصبهاني على الصحيحين.

13-

المستدركات

المستدرك: كل كتاب استدرك فيه ما فات صاحب كتاب آخر على شريطته، كمستدرك الحاكم على الصحيحين.

14-

الأطراف

الأطراف: هو أن يذكر طرف الحديث الدال على بقيته، ويجمع أسانيده إما مستوعباً أو مقيداً بكتب مخصوصة، كتحفة الأشراف بمعرفة الأطرف للمزي.

ص: 408

- 46 -

15-

المسلسلات

المسلسلات: وهو كل كتاب جمع فيه الأحاديث التي تتابع رجال إسناده واحداً فواحداً على صفة واحدة أو حالة واحدة، للرواة تارة وللرواية تارة أخرى.

16-

الأمالي

الأمالي: جمع الإملاء، وهو كل كتاب جمع فيه الأحاديث التي أملاه عالم على تلاميذته، وصفة الإملاء أن يقعد عالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس، فيتكلم العالم بما فتح الله عليه من العلم، ويكتبه التلامذة، فيصير كتاباً، ويسمونه الإملاء والأمالي.

ــ

انتهت الرسالة بعونه تعالى وحسن توفيقه، وبنعمته تتم الصالحات، وقد استفدت في جمعها من الكتب المؤلفة في هذا الفن، وكان جل اعتمادي في تهذيبها وتنسيقها على "اجتناء الثمر لمصطلح أهل الأثر" و"أطيب المنح في علم المصطلح"، و"سح المطر على قصب السكر"، فجزى الله مؤلفيها، فإن الفضل في هذا الباب راجع إليهم.

وهذا آخر ما أردنا إيراده المقدمة للطبعة الثانية للجزء الأول من المرعاة، ولله الحمد أولاً وآخراً.

عبد الرحمن عبيد الله الرحماني المباركفوري

...

...

...

... 6/ رجب سنة 1393هـ.

ص: 409