الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيوانات والنباتات والجمادات. وقد ذكرنا أمثلة لهذا كثيرة في الفصل الذي عقدناه عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم من كتابنا: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، الطبعة الثانية.
أبعد هذا يحق لبودلي وغيره أن يتهم حتى القرآن الكريم بالتناقض وفقدان خاصية الفنية فيه (1) ؟ !
(1) الرسول، ص 7.
14-
الزعم بأن الإسلام تأثر باليهودية والنصرانية:
يزعم بودلي -وغيره من غلاة المستشرقين- أن الإسلام تأثر بالديانة اليهودية والنصرانية، عن طريق أشخاص بأعيانهم، ولفظه:".. وأما حقيقة القوى النابتة في الديانتين القديمتين ظاهرة في كل وجه من وجوه الديانة الجديدة، فترجع إلى ما سمعه محمد في رحلاته، وتعود إلى تعاليم بحيرى وورقة ابن نوفل وقس بن ساعدة حبر نجران،. وحالة محمد هي حالة وثني تحوَّل إلى التوحيد، وقد امتص نظرياته وتطبيقاته من حلقات العابدين والإنصات إلى الوعاظ المرشدين، وما درس سطراً واحداً مكتوباً من كتاب مقدس"(2) .
ويقول في مكان آخر من كتابه: ".. وكان معظم ما عرفه محمد عن التوراة والتلمود والإنجيل نتيجة محاوراته ورقة بن نوفل وما التقطته أذناه في رحلاته، وإن هذه المعلومات مجتمعة، لهي التي جعلت محمداً يشرد بذهنه أثناء عمله، ويتكاسل فوق راحلته.."(3) .
ويقول: ".. وما نعلمه عن بداية المسيح جد قليل، ولكن هذه البداية
(2) الرسول، ص نفسه 76.
(3)
المرجع نفسه، 73.
تتشابه عموماً مع حالة محمد، فقد كان المسيح غلاماً ذكياً تعلم سريعاً، واحتمال حصوله على عمل في يسر، كما حدث لمحمد، احتمال كبير، فقد كان يتميز مثله بالروح الواعية، التي تنبت فيها الأفكار دون وعي. وقد بقيت هذه الأفكار نائمة سنين طويلة، كما حدث لمحمد، ولم تبد هذه الأفكار في جلاء لكلا الرجلين حتى ظهرا كأصحاب وحي، فأصبح من المتعذر على كل من محمد والمسيح التعرف على ذكرياتهما التي تطورت إلى أفكار جديدة. فقد كانا يعتقدان اعتقاد اليقين أن الله يوحي إليهما، ومن المحتمل أن يكون ذلك صحيحاً " (1) .
ويقول في مكان آخر: ".. وقد اختلف محمد عن زملائه من التجار، فإنه بعد أن ينقضي يومه يقضي وقته في السوق أو في دار صديق، حيث يجتمع المغنون ورواة القصص والشعراء، ولطالما أنصت هناك إلى الفلاسفة ورجال الأديان يتلاحون في أمور دينهم وعقائدهم.."(2) .
ويقول عن لقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالراهب بحيرى، عندما سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام تاجراً وهو صغير:".. فأخبر بحيرى محمداً بعقيدة عيسى، وسفه عبادة الأصنام، أرهف محمد إلى ما ينطق به الرجل، إذ كان غريباً يخالف ما نشأ عليه واعتقد فيه.."(3) .
ويعلق مترجما كتاب بودلي إلى العربية على هذا بقولهما: "يمهد المؤلف
(1) المرجع نفسه، ص59.
(2)
المرجع نفسه، 37 ـ 38.
(3)
المرجع نفسه، ص 38.
بهذا لأن يقول في الفصول الأخيرة: إن محمداً قد تعلم من بحيرى ما جاء في القرآن من نصوص تتفق مع نصوص الكتاب المقدس، على الرغم من أن محمداً لم ير الكتاب المقدس، وإن هذا التعليل واه، فقد كان محمد في العاشرة من عمره (1) ، ومن غير المعقول أن مقابلة واحدة بين بحيرى ومحمد صلى الله عليه وسلموهو في سن العاشرة تترك كل هذا الأثر. وإن من حظ بحيرى أن قابل محمداً. فلولا هذه المقابلة لاندثر كما اندثر ملايين الرهبان قبله وبعده " (2) .
أضيف هنا إلى ما قاله المترجمان: إنه لم ترد معلومات صحيحة أو غير صحيحة في مصادر السيرة النبوية تفيد بأن بحيرى أخبر محمداً بعقيدة عيسى أو سفه ـ أي بحيرى ـ عبادة الأصنام، فكل الذي ذكرته المصادر هو أن الراهب بحيرى عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم:"يا غلام! أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه"، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تسألني باللات والعزى، فو الله ما أبغضت شيئاً بغضهما"(3) .
إن فرية أَخْذ محمد صلى الله عليه وسلم عن بحيرى متداولة في مؤلفات المستشرقين، ومن
(1) قال الشامي في " سبل الهدى والرشاد، "(2/188) : روى ابن سعد وابن عساكر عن داود بن الحصين أن عمره كان حينها اثنتي عشرة سنة، قال البلاذري [في أنساب الأشراف (1/96) ] : وهو التثبت. وانظر مثلاً ـ الرواية المشار إليها عند ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/153) .
(2)
بودلي: الرسول، ص 34، حاشية المترجمين: محمد محمد فرج وعبد الحميد السحار.
(3)
ابن هشام (1/238) ، بدون إسناد، الترمذي: السنن (5/250/ح3624)، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/191) ما عدا ذكر أبي بكر وبلال الواردة في متنه، فهي عنده زيادة مدرجة منقطعة من حديث آخر وهماً من أحد رواته كما قال ابن حجر وغيره، ابن إسحاق: السير والمغازي، من 75، بدون إسناد، الحاكم (2/615) وصححه على شرط الشيخين، وحكم عليه الذهبي بالوضع لذكر أبي بكر وبلال في متنه. وانظر كتابنا: السيرة النبوية..
مراجع بودلي التي تناولتها بهذه الصورة: آرفنج، في كتابه:"حياة محمد "، ومما قاله بهذا الصدد:".. وأعجب بحيرى كثيراً بعقلية الصبي محمد ورغبته في الاستزادة من العلم، وبخاصة في المسائل الدينية، وتبادل الراهب مع محمد الحديث في عدة مواضيع.. وينسب الكثيرون معلومات محمد عن الدين المسيحي إلى محادثاته مع ذلك الراهب، وقد لعبت هذه المعلومات دوراً كبيراً في حياة محمد فيما بعد"(1) . ومن أساتذة بودلي الذين روجوا لهذا الزعم هنري لامنس (2) .
وقد رددنا على لامنس في هذه الفرية في بحث مستقل، بعنوا ن:" افتراءات المستشرق لامنس على السيرة النبوية"، وأنه كله لا يعدو كونه تخمينات وافتراءات وتخرصات لا تسندها نصوص قوية أو ضعيفة.
ومن مراجعه كذلك في هذه الناحية تور أندريه (Tor Andree)(3)، الذي يقول:".. لاشك أن الأصول الكبرى للإسلام مستقاة من الديانتين اليهودية والمسيحية، وهذه لا يحتاج إثباتها إلى جهد كبير".
إن مزاعم بودلي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تأثر برجال آخرين أمثال ورقة بن نوفل وقس بن ساعدة الإيادي والفلاسفة..إلخ فما ذكر فيما نقلناه عنه من نصوص، كلها مجرد استنتاجات باطلة لا تستند إلى حقائق تاريخية أو روايات
(1) واشنجطون آرفنج: حياة محمد، ص 47ـ48.
(2)
انظر كتابه الإسلام، عقائد ونظم، باللغة الإنجليزية، ث 28؛ وانظر بحثنا: افتراءات المستشرق الفرنسي هنري لامنس على السيرة النبوية.
(3)
Andree ، Tor: Mohammad ،the man and his Faith. (London-2nd ed. Impression،) ، pp. -.
صحيحة أو ضعيفة، ولذا يجب الإعراض عنها، فهي سمة بارزة مشتركة في كتابات المستشرقين من أصحاب الأهواء والأغراض، فهم يريدون أن يوهموا قراءهم بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ألَّف القرآن وفق هذه المعطيات التي يوردونها (1) .
ولا يفوتنا أن نذكر أن مزاعم استقاء أصول القرآن الكريم وتلقيها من الديانات السماوية وغير السماوية السابقة قال بها كفار قريش ويهود المدينة، وسجلها القرآن الكريم. ومثال ذلك قول الله سبحانه وتعالى في رده على كفار قريش:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] .
(1) ومن المستشرقين الذين زعموا تأثر الإسلام باليهودية والنصرانية:
Lewis. Bernard: The Arabs in History (London،1968، pp 38-39
ـ جولد تسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام، ص 13.
ـ مونتجومري واط: محمد النبي ورجل الدولة (Moh.Prophet and Statesman..) ص39ـ46؛ بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية (1/43، 52 ـ 53، 87) .
Watt، Montogmry: The Islamic Revolution In the Modern World (EU p،) ، pp. .
Watt، M.: Muhammed at Mecca (OUP.) ، pp. Cambridge Histry of Islam (/ Anderson،J.N.D: The World Religions.. ، pp. Tritton ،A.S.: Islam – Beliefs and Practices،pp.)