الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلوات مع الناس جماعة في المساجد وليس في سلوكهم ما يعكس أخلاق الإسلام، فهؤلاء - إما يجهلون الدين أو منافقون - وقد وجد أمثالهم حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الظلم أن يقال إن الذهاب إلى المسجد لا يعد دليلاً على رسوخ الإيمان.
ولعل مهمة بودلي الرئيسة بوجوده وسط بدو الحجاز هو دراسة مثل هذه الظواهر السالبة عند بعض المسلمين ليدبج التقارير إلى دول الاستعمار، ليستعينوا بها في خططهم السرية للسيطرة على هذه المناطق وغيرها من بلاد الإسلام.
46-
يُنَصِّب بودلي نفسه مفتياً في حكم الحلال والحرام في الشريعة الإسلامية
.
فتحريم لحم الخنزير عنده يرجع إلى رداءة مراعي الخنازير وقذارتها في الشرق، ولأن العرب لا يعرفون كيف يطيبون لحومها، ولا يعرفون طريقة طهيها.
ويقول عن تحريم الخمر: "ويرجع تحريم الخمر إلى شغف العرب بنوع من المشروبات الروحية المستخرجة من البلح، فلو كانت بلاد العرب، بلاد نبيذ فربما أدى ذلك إلى عدم التفكير جملة في تحريم الخمر، ولكن لم تكن بلاد العرب لتنتج نبيذاً"(1) .
نقول: إن مضار أكل لحم الخنزير وشرب الخمور وتعاطي المخدرات
(1) الرسول، ص 83.
بجميع أنواعها من الأمور التي اعترف بها العلماء من الغرب نفسه، ولم يعد الأمر بحاجة إلى زيادة على ما قالوه (1) . وفوق هذا كله فإن تحريم أكل الخنزير وشرب الخمر قد نزل به الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو العالم بأحوال الناس في كل زمان ومكان. ولا تعقيب لبشر على حكم الله. ولو كان بودلي مسلماً مؤمناً ما تجرأ على مثل هذا القول. لأن في قوله هذا تجهيلاً لله سبحانه وتعالى، القائل في الخنزير:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة:173]، و:{إِلَاَّنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، و:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] . والقائل في آخر مراحل تحريم الخمر - ومضار جميع أنواعها واحدة -: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] .
وهل اليهودية والنصرانية الصحيحة غير المحرفة تبيح أي نوع من أنواع الخمور؟! قطعاً لا.
وهل صحيح أن بلاد العرب لم تكن بلاد نبيذ كما يزعم بودلي؟ نقول: إن النبيذ كان معروفاً في مكة وغيرها قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. فمثلاً يقول
(1) انظر د. صالح بن عبد العزيز آل منصور: موقف الإسلام من الخمر، ط2، دار النصر للطباعة الإسلامية، القاهرة، 1400هـ/1980م، 218 صفحة. والأبحاث المتعلقة بمضار الخمر كثيرة، ولم يعد هناك من يكابر في هذا، وبخاصة أن شهادة الطب الحديث جاءت مطابقة لما جاء في الحديث أنها أم الخبائث وأنها رجس.
السهيلي (1) في معرض كلامه عن آبار قريش: "ذكروا أن قصياً كان يسقي الحجيج في حياض من أدم، وكان ينقل الماء إليها من آبار خارج مكة، منها: بئر ميمون الحضرمي. وكان ينبذ لهم الزبيب".
وروى الأزرقي (2) ، أن قريشاً كانت تعالج ماء زمزم بالزبيب، كانت تنبذ فيه الزبيب في مواسم الحج وتسقيه الحجاج. وعرف الزبيب كذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال عنه صلى الله عليه وسلم:"انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم"(3) .
وروى وكيع (4) - أبوبكر محمد بن خلف بن حيان - أن سعد بن إبراهيم، قاضي المدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان، كان يشرب نبيذ الزبيب، إذا نوى الصيام، ليزيل عنه البلغم والعطش.
وروى ابن شبة (5) أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يأمر فتنقع له عجوة، فينام نومة من أول الليل ثم يقوم فيأكلها ويشرب ماءها، ثم يصلي حتى يصبح، فإن لم تكن عجوة فزبيب.
وذكر المؤرخ العراقي المعاصر جواد علي (6) -بناء على مصادره الأصلية- أن العرب في الجاهلية عرفت الخمر المصنوع من الزبيب.
(1) الروض الأنف (1/172) .
(2)
أخبار مكة (1/113ـ114) .
(3)
أبو داود: السنن (2/299-300) وإسناده حسن صحيح، كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3710) ، مكتبة المعارف، الرياض، ط1 ص:561.
(4)
أخبار القضاة (1/165ـ166) ، بيروت، عالم الكتب.
(5)
أخبار المدينة المنورة، المجلد السادس، الجزء الثالث، ص 203ـ204، تحقيق عبد الله محمد الدويش.
(6)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1970م (4/669) .