الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرغب في تمريض النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة رضي الله عنها في حين كان اليوم يوم ميمونة أخت زوجته، ليستغل آخر لحظات حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الإشارة إلى أحقية بني هاشم بالخلافة من بعده (1) .
وهل هذه الشتائم والتخرصات تستحق أن نقف عندها؟!
(1) المرجع نفسه، ص 297.
51-
يرسم بودلي الاسم " مخيريق" هكذا " مقريش
" (2) وهذا خطأ، والصواب ما ذكرناه " مخيريق" (3) . ويزعم أنه لم يُسْلم أبداً، ولكنه كان معجباً بمحمد، فشاء أن يقدم بعض دلائل تقديره، ولذا أوصى بأمواله لمحمد يضعها حيث يشاء إذا مات. ويزعم أنه عندما مات دفنه محمد خارج مقابر المسلمين مباشرة (4) .
لقد ذكر الواقدي (5) إسلام مخيريق، ونص روايته: قالوا: وكان مخيريق اليهودي من أحبار اليهود، فقال يوم السبت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد: يا معشر اليهود، والله إنكم لتعلمون أن محمداً نبي، وأن نصره عليكم لحق. قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت! ثم أخذ سلاحه، ثم حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابه القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مخيريق خير يهود" وقد كان مخيريق حين خرج إلى أحد قال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراد الله! فهي عامة
(2) المرجع نفسه، ص 206.
(3)
انظر مثلاً: ابن هشام (3/129) ؛ ابن سعد (1/501) .
(4)
الرسول، ص 207.
(5)
المغازي (1/262ـ263) ، وقال الشامي في السبل (4/312) ك "ذكر محمد بن عمر الأسلمي الواقدي" أنه أسلم.
صدقات النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابنُ شَبَّة (1) روايتين من حديث الواقدي في وصية مخيريق بماله لمحمد صلى الله عليه وسلم يضعه حيث شاء، الأولى بسنده إلى عبد الله بن كعب بن مالك، والثانية بسنده إلى عثمان بن وثاب. وروى بسنده إلى الزهري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة"(2) .
وأورد ابن حجر (3) من رواية الزبير بن بكار في أخبار المدينة بسنده إلى عثمان بن كعب بن محمد بن كعب بمثل رواية الواقدي في قصة مخيريق يوم أحد. وروى ابن سعد (4) خمس روايات من طريق شيخه الواقدي بمعنى روايتي ابن شيبة من حديث الواقدي، الأولى موقوفة على محمد بن كعب القرظي، والثانية على عبد الله بن كعب بن مالك - وهي أولى روايات ابن شبة - والثالثة على عمر بن عبد العزيز، سمعها عمر من مشيخة المهاجرين والأنصار عندما كان والياً على المدينة، والرابعة على أبي وَجْزَة يزيد بن عبيد الأنصاري، والخامسة على عثمان بن وثاب، وهي الثانية عند ابن شبة.
وروى كذلك ابن إسحاق (5) قصة مصرعه يوم أحد ووصيته بماله لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:"مخيريق خير يهود"(6) .
من الواضح أن ابن حجر عندما عدَّ مخيريق من الصحابة وترجم له في
(1) أخبار المدينة، م6، ج1، ص 171.
(2)
المصدر نفسه، ص 169.
(3)
الإصابة (3/393) .
(4)
الطبقات (1/501-502) .
(5)
ابن هشام (3/129ـ131) .
(6)
المصدر نفسه، (3/131) ، بلاغاً.
الإصابة كان يستند إلى هذه الروايات التي تدل على أن لقصته وإسلامه يوم أحد أصلاً.
ومن العجيب أن يهمل بودلي رواية الواقدي التي ذكرت إسلام مخيريق أو على الأقل إيمانه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويستند في زعمه على عدم إسلامه ودفنه خارج مقابر المسلمين مباشرة، على رواية أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي عند ابن سعد (1) من حديث الواقدي، التي فيها:".. وجد مخيريق مقتولاً به جراح، فدفن ناحية من مقابر المسلمين، ولم يصلِّ عليه، ولم يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ولا بعده يترحم عليه، ولم يزده على أن قال: مخيريق خير يهود. فهذا أمره".
فلو كان بودلي منهجياً أميناً لما فعل هذا، وهذا المنهج الانتقائي للروايات ليس غريباً في كتابات المستشرقين المتعصبين. فهم لا يريدون أي بينات على تصديق اليهود والنصارى بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ولذا فهم ينتقون الروايات التي تدعم هذا الاتجاه.
وهناك حقيقة تاريخية أغفلها بودلي حين اعتمد رواية أبي وجزة دون غيرها. وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعن بغير المسلمين في جميع حروبه ضد المشركين، وبصفة خاصة رفضه الاستعانة باليهود المشركين يوم أحد. وقد أشرنا إلى هذا كله عند دحضنا لزعم بودلي اشتراك جماعة من غير المسلمين في معركة بدر الكبرى.
والسؤال البدهي: كيف يرفض الرسول صلى الله عليه وسلم اشتراك جماعة من اليهود لم
(1) الطبقات (1/502) .
يسلموا -يوم أحد- ويقبل اشتراك يهودي واحد لم يسلم؟! وكان في أمس الحاجة لقوة غير المسلمين في ذلك الوقت العصيب، وقت انسحاب عبد الله ابن أبي بن سلول بثلثي الجيش الإسلامي، ليصبح عدد المسلمين نحو سبعمائة مجاهد مقابل ثلاثة آلاف مقاتل من مشركي مكة!!
أما مسألة عدم الصلاة عليه، فلم يكن وحده الذي لم يصل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن في الصلاة على الشهداء خلاف بين العلماء. والأحاديث التي وردت في الصلاة عليهم لا تقوى على معارضة أحاديث نفي الصلاة عليهم (1) .
أما زعمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يزده على أن قال: "مخيريق خير يهود"، فهو كذلك غير صحيح، وذلك بدليل رواية الواقدي التي عند ابن شبة من حديث الزهري، والتي يقول:"مخيريق سابق يهود". وقد أهمل بودلي هذه الرواية، لأنه يمكن الاستدلال منها على إسلام مخيريق. فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هنا يعني أنه مثل سلمان وبلال رضي الله عنهم، كان مثالاً لليهود الذين سبقوا إلى الدخول في الإسلام.
وليس بمستغرب أن يكتم إسلامه أو يكون متردداً إلى أن تأتي لحظة حاسمة فيقرر ترك التردد ويبدأ إعلان إسلامه بذروة الإسلام ـ الجهاد بالسيف - مثل أصيرم بني عبد الأشهل - عمرو بن ثابت بن أقيش أو دقش - الذي كان كارهاً للإسلام حتى كان يوم أحد، فأسلم حينها ولحق بالمسلمين في ميدان المعركة بأحد، وقاتل حتى نال الشهادة، وما صلى لله صلاة
(1) انظر مهدي رزق الله أحمد: السيرة النبوية، ط1، ص 299 ـ 400.
واحدة (1) . وفي قصته الصحيحة ما يفيد بأن المسلمين ما كانوا يقبلون أن يجاهد معهم غير مسلم. فعندما رآه المسلمون في ميدان المعركة قالوا له: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت (2) . وهذا يشهد لرواية الواقدي بأن مخيريق أسلم ولحق بالمسلمين يوم أحد، ولم يردوه عنهم لما علموه من إسلامه.
وهناك سؤال بدهي يتبادر إلى الذهن، وهو لماذا اعتمد بودلي رواية الواقدي في سبب زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها، ولم يعتمد روايته في إسلام مخيريق؟! والجواب البدهي هو أن بودلي ينتقي الروايات التي يشمُّ منها رائحة الطعن في نبي الإسلام أو الإسلام ورموزه.
(1) روى قصته ابن إسحاق بإسناد حسن كما في سيرة ابن هشام (3/131) ؛ أبو داود: السنن (3/43/ك. الجهاد /رقم 3725)، الحاكم: المستدرك (3/28) ، وصححه ووافقه الذهبي.
(2)
انظر المصادر المذكورة نفسها، وكذلك الشامي: السبل (4/313) .