الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انهزموا، وكتب كتباً يُشهد فيها بإسلامه.. وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فلما مات استغفر له (1) .
فإذا كانت روايات البخاري ومسلم وابن إسحاق لا تعتمد في إثبات الحقائق التاريخية، فروايات من تلك التي تعتمد؟! روايات الواقدي؟! ربما! فالواقدي نفسه يروي أن النجاشي أسلم عندما وصله كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه فيه إلى الإسلام، بل قال:"لو قدرت أن آتيه لأتيته"(2) . وفي رواية له ضمن حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في قصة إسلامه، أنه أعلن إسلامه لعمرو ابن العاص، بل أسلم عمرو بن العاص على يديه (3) . وصرح في رواية ثالثة له بإسلام النجاشي، من حديث إسلام خالد بن الوليد (4) .
ولك بعد هذا أن تعجب من جرأة هؤلاء المستشرقين على اقتحام ميدان التأليف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم لا يملكون أدوات هذه المهنة ولا الحياء الذي لم يحرم الله منه حتى الحيوان. والحمد لله على الابتلاء!!!
(1) ابن هشام (1/421) ، بإسناد مرسل حسن.
(2)
ابن سعد: الطبقات (1/207ـ208) ، من حديث الواقدي.
(3)
الواقدي: المغازي (2/743) .
(4)
المصدر نفسه (2/746) .
36-
و
يشكك في براءة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها من إفك:
فيقول: ".. ولما كانت عائشة هي موضوع الافتراء، كان الشك يحتمل الوجهين، فقد كان في رأس هذه الفتاة أكثر مما في رأس ألف نابه، وكان لها
قدرة الحصول على ما تبغي، فقد كانت متمتعة بكل ما يخلب الألباب، وكانت فاتنة،.." (1) . ويقول في مكان آخر من كتابه:".. وإن السؤال الذي يظهر أنه لم يجد الجواب العلمي المعقول بعد، هو: هل كانت عائشة بريئة أو غير بريئة؟ كانت حمنة (2) تصر دائماً على أن مقابلة عائشة لصفوان (3) كانت مدبَّرة، فلعلها كانت تتألم من الثمانين جلدة، وحتى لو كان الأمر كذلك ففي رواية عائشة نُقَطٌ ضعيفة. كيف تنطلق دون أن تخبر أحداً، وهي تعلم أن القافلة وشيكة الرحيل، ثم تضيّع وقتاً طويلاً في البحث عن قلادتها؟! إن عنصر الوقت هنا هام.."(4) .
لم يخل كتاب مستشرق مغرض من هذه الفرية. وهم يسيرون في طريق أسلافهم من الكفار والمنافقين الذين أثاروا الفرية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو كان هؤلاء مؤمنين بالقرآن الكريم لصدَّقوا قول الله سبحانه وتعالى في براءة عائشة رضي الله عنها من تهمة أهل الإفك، وهو الذي سمى ما أشيع حولها إفكاً، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11]، وقال:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12] . وسماه بهتاناً عظيماً، حين قال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ
(1) بودلي: الرسول، ص 195.
(2)
هي حمنة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش.
(3)
صفوان بن المعطل رضي الله عنه، هو الذي اتهمه أهل الإفك بعائشة رضي الله عنها.
(4)
بودلي: الرسول، ص 201.
مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] . ولأطاعوا أمر الله، الذي قال:{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17] . وهذه الآية صريحة في نفي الإيمان عن الذين يعودون لاتهام عائشة بما برأها الله منه. وصرحت آية أن عائشة ما كانت تصلح لرسول الله صلى الله عليه وسلم شرعاً ولا قدراً، وأن الله ما كان ليجعلها زوجاً لرسوله، إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيب من البشر، والآية المعنية هي:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26] . وهي الآية التي ختم الله بها آيات الإفك.
ولو كان هؤلاء مؤمنين كذلك بصحيح السنة والسيرة النبوية، لصدقوا ما جاء فيها من براءة عائشة رضي الله عنها. فقد روى خبر براءتها البخاري (1) ومسلم (2) وأحمد (3) وعبد الرزاق (4) والترمذي (5) وابن إسحاق (6) وأبو داود (7)
(1) الفتح (18/91057/رقم 4750) ، من حديث عائشة الطويل في قصة الإفك.
(2)
صحيحه (4/2129ـ2137/رقم 2770) ، وهو أتم سياق لحديث عائشة في قصة الإفك.
(3)
كما في الفتح الرباني (21/73ـ76) ، ومتفق عليه كما ذكر الساعاتي.
(4)
المصنف (5/410ـ419) .
(5)
السنن (5/13ـ17/ك. التفسير / ب. سورة النور) ، من حديث ابن إسحاق، بإسناد حسن.
(6)
ابن هشام (3/411ـ419) ، بإسناد حسن لذاته.
(7)
السنن (4/618ـ619/ك. الحدود /ب. في حد القذف) ، في خبر من أشاعوا الفاحشة، وجلدوا، وإسناده حسن لغيره، لأن ابن إسحاق لم يصرح بالسماع.
وابن ماجه (1) والطبراني (2) والطبري (3) والواقدي (4) وابن سعد (5) . بل من المؤمنين مَنْ رفض التشكيك في براءة عائشة قبل أن ينزل الوحي ببراءتها، أمثال: أبي أيوب وأم أيوب (6) وأبي بن كعب وزوجته أم الطفيل (7) وسعد بن معاذ (8) .
ولعلك تلحظ - أخي القارئ الكريم - أن المفسرين والمحدثين وأهل المغازي والسير قد اتفقوا على براءة عائشة رضي الله عنها، ولم يشذ منهم سوى الروافض، الذين أصبحت رواياتهم في كتب الإخباريين مرتعاً خصباً لأمثالهم من أصحاب الأهواء والأغراض الخبيثة والتعصب المذهبي الأعمى المقيت؛ فمن أين لبودلي وأمثاله الشك في هذه البراءة التي نزل بها القرآن الكريم وحسم الأمر إلى يوم الدين؟ إنها مرويات الروافض. والتفسير الوحيد لموقف هؤلاء من قصة الإفك هو رغبتهم التشكيك في القرآن والسنة وأخلاق
(1) السنن (2/857) ، من حديث ابن إسحاق بإسناد حسن، وفيه خبر جلد من أشاعوا الفاحشة في عائشة، وجلدوا.
(2)
المعجم الكبير (23/163) ، من حديث ابن إسحاق بإسناد حسن، في جلد من أشاعوا الفاحشة في عائشة.
(3)
التفسير (18/87ـ100) .
(4)
المغازي (2/426ـ439) ، وهو من حديث عائشة الطويل في قصة الإفك كما في الصحيح.
(5)
الطبقات (2/65) ، مختصراً جداً.
(6)
انظر في هذا: البخاري مع الفتح (28/110/رقم 7370) ؛ الواحدي: أسباب النزول (باب 321) ؛ ابن هشام (3/418ـ419) ، من حديث ابن إسحاق، بإسناد منقطع، ولكنْ له أصل في الصحيح، الواقدي: المغازي (2/434) .
(7)
الواقدي: المغازي (2/434ـ435) ، بصيغة التمريض.
(8)
ابن حجر: الفتح (28/110) ، وعزاه إلى تفسير سنيد من مرسل سعيد بن جبير.