المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ يزعم أن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كانوا في الغالب من التجار المخفقين - مزاعم وأخطاء وتناقضات وشبهات بودلي في كتابه الرسول، حياة محمد دراسة نقدية

[مهدي بن رزق الله أحمد]

فهرس الكتاب

- ‌ مقدمة

- ‌أبرز مزاعمه وأخطائه وتناقضاته وشبهه

- ‌التشكيك في الوحي

- ‌ الزعم بأن زيد بن حارثة كان نصرانياً وقبيحاً، تأثر به محمد:

- ‌ زعمه أن مراعي ديار بني سعد كانت خصبة ممتدة

- ‌ زعمه تحرك غرائز الرسول صلى الله عليه وسلم الجنسية في أواخر أيامه:

- ‌ الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان فاشلاً في التجارة:

- ‌ يزعم أن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كانوا في الغالب من التجار المخفقين

- ‌ يزعم بودلي أن غالب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كذلك من الساخطين على أوضاعهم

- ‌ إهمال التنبيه على التفريق بين مرويات الروافض ومرويات أهل السنة في السيرة النبوية:

- ‌ جَعْلُه عدد المهاجرين المسلمين إلى الحبشة مائتي شخص بزعامة عثمان بن عفان رضي الله عنهم

- ‌ ترديده فرية الغرانيق وبعض أخطائه التاريخية:

- ‌ إضفاء صفات غير حقيقية على النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة رضي الله عنهم :

- ‌ المبالغة في صفات بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ الزعم بأن حب الوحدة هو الغالب على حياته:

- ‌ الزعم بأن الإسلام تأثر باليهودية والنصرانية:

- ‌ الزعم باشتراك غير مسلمين في القتال مع المسلمين يوم بدر:

- ‌ تزييف الحقائق التاريخية في سيرة هند بنت عتبة رضي الله عنها:

- ‌ ويشوه سيرة والدة عمرو بن العاص رضي الله عنه:

- ‌ يزعم بودلي أن هنداً بنت عتبة رضي الله عنها وعدت وحشياً الحبشي بالعتق إن هو قتل حمزة بن عبد المطلب

- ‌ هل كانت مقاطعة الثلاثة الذين خُلفوا مدة شهر

- ‌ هل خضعت الطائف للإسلام بالطريقة التي صورها بودلي

- ‌ هل حكم سعد بن معاذ بالإعدام على بني قريظة لتسببهم في جرحه

- ‌يشكك في براءة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها من إفك:

- ‌ ولم يكتف بودلي بالتشكيك في براءة عائشة رضي الله عنها التي حسمها الوحي قبل الكل، بل نراه يكيل الاتهامات لها

- ‌ ويزعم بودلي أن علياً رضي الله عنه شبَّ على الوثنية الهاشمية

- ‌ ولا يؤمن بودلي بالمعجزات كغيره من كثير من المستشرقين

- ‌ ويقول: إن خبر بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة من أساطير العرب

- ‌ يُنَصِّب بودلي نفسه مفتياً في حكم الحلال والحرام في الشريعة الإسلامية

- ‌ ويزعم بودلي بأن محمداً رسول لا نبي

- ‌ يذكر بودلي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مسترضعاً في بني ساعدة

- ‌ يوزع بودلي الشتائم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة وبغير مناسبة

- ‌ يرسم بودلي الاسم " مخيريق" هكذا " مقريش

- ‌‌‌خلاصة البحث

- ‌خلاصة البحث

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ يزعم أن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كانوا في الغالب من التجار المخفقين

أبوابها الشرعية التي حددها الله سبحانه وتعالى على الفور. وقصته مع زوجاته في أمر الإنفاق مشهورة وثابتة بالقرآن وصحيح السنة، وسيأتي ذكرها إن شاء الله.

ص: 29

6-

‌ يزعم أن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كانوا في الغالب من التجار المخفقين

(1) :

لم يكن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم، بدليل سير أصحابه الكبار الذين كانوا تجاراً، أمثال: أبي بكر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف. فمثلاً: أبوبكر رضي الله عنه كان تاجراً ناجحاً، ولكنه كذلك أنفق كل ماله في سبيل الله، كما هو مشهور معروف مذكور في المصادر التاريخية الموثوق بها. فهو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:"ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر"، فبكى أبوبكر رضي الله عنه عندما سمع هذا الحديث، وقال:"وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله"(2) . وأعتق من ماله مجموعة من الأرقاء (3) لوجه الله، منهم بلال (4) .

(1) المرجع نفسه، ص60.

(2)

انظر في هذا: أحمد: المسند (2/253، 266) . قال محققو الموسوعة الحديثية ـ المسند (12/ح7446) : إسناده صحيح على شرط الشيخين.

أحمد فضائل الصحابة (1/65 ح 25، 26، 28، 29، 30، 32، وأسانيدها صحيحة أو حسنة كما ذكر المحقق وصي الله بن عباس) .

(3)

انظر في هذا مثلاً: ابن هشام (1/394) ، من حديث ابن إسحاق، بدون إسناد، البلاذري: أنساب الأشراف (1/158، 190، 194، 196) ؛ الحاكم: المستدرك (2/525) ، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي.

(4)

رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما قال ابن حجر في الفتح (4/548) ؛ والبلاذري في أنساب الأشراف (1/186) بإسناد جيد، وابن عبد البر في الاستيعاب (2/34) بإسناد قوي كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/353) .

ص: 29

ومن المشهور الذي روي عنه أنه خرج بنفسه وكل ماله في سبيل الله عندما أراد الهجرة إلى المدينة (1) . وروي أن عائشة رضي الله عنها قالت: "فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية ـ وفيه ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسكتي يا عائشة، فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع" (2) . وقال ابن حجر (3) في الإصابة:"وأخرج أبو داود في الزهد بسند صحيح عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، قال: أسلم أبوبكر وله أربعون ألف درهم، وقال عروة: وأخبرتني عائشة أنه مات وما ترك ديناراً ولا درهماً"، وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا هشام عن أبيه: أسلم أبوبكر وله أربعون ألفاً فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله، أعتق بلالاً، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وزنيرة، وجارية بني المؤمل، وأم عبيس.

والغريب أن بودلي (4) يناقض نفسه حين قال عن أبي بكر: إنه كان من أصحاب الملايين في مكة. ثم إن إميل درمنجهم (5) ـ أحد مراجع بودلي

(1) أخرجه أحمد والطبراني بنحوه من حديث ابن إسحاق، وقال الهيثمي في المجمع (6/59) : رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، فهذا يعني أنه حسن لذاته، وانظر ابن كثير: البداية والنهاية (3/179) .

(2)

انظره في السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، لمهدي، ط2، فصل الشمائل.

(3)

الإصابة (4/ 171-172) .

(4)

الرسول ص 307.

(5)

حياة محمد، ص 88.

ص: 30

الرئيسة - يقول إن أبابكر كان من ذوي الغنى واليسار بما قام به من التجارة.

وهكذا يتضح لنا أن بودلي يناقض نفسه في المسألة الواحدة وينتقي من مصادره المعلومات التي تساعده على فكرته، وهو منهج يتبعه كثيراً غلاة المستشرقين (1) .

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه تاجراً ناجحاً، ولكن بعد إسلامه أصبح مضرب الأمثال في الزهد كذلك. فقد ثبت أنه أراد أن يسابق أبابكر في التصدق، عندما حثهم الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء بنصف ماله للرسول صلى الله عليه وسلم صدقة، وجاء أبوبكر بكل ماله، ولذا أقسم عمر رضي الله عنه ألا يسابق أبابكر إلى شيء بعد هذا (2) . وتصدق بمائة أوقية لتجهيز جيش غزوة تبوك (3) .

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه تاجراً ناجحاً، ويكفي ما رواه البخاري (4) والترمذي (5) وغيرهما من أنه جهز جيش العسرة، جيش غزوة تبوك. وروى أحمد (6) والترمذي (7) والحاكم (8) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن عثمان في ذلك اليوم:"ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم"(9) . وأخباره في الإنفاق في سبيل

(1) انظر كتاب مناهج المستشرقين في الدراسات الإسلامية.

(2)

الترمذي: السنن (9/77/3776، وقال: حسن صحيح، أبو داود: السنن (2/313) ؛ الحاكم (1/414) .

(3)

ابن عساكر: تاريخ دمشق، (1/408 ـ 409) بإسناد ضعيف.

(4)

الفتح (14/194 ـ195/ك. الفضائل /ب. مناقب عثمان رضي الله عنه .

(5)

الألباني: صحيح سنن الترمذي (3/208/ح2919، 3965) .

(6)

المسند (5/63) ، وحسن إسناده محققو الموسوعة الحديثية ـ المسند (34/ح20630) .

(7)

الألباني: صحيح سنن الترمذي (3/209/ح2920، 3967) ، وحسنه الألباني.

(8)

المستدرك (3/102) ، وصححه ووافقه الذهبي.

(9)

وانظر التفاصيل في المصادر المذكورة وغيرها.

ص: 31

الله وعلى أقاربه وأرحامه كثيرة، تجدها مبسوطة في كتب مناقب الصحابة التي أشرنا إليها في الحواشي، وذكرنا بعضها حين الكلام عن إنفاقه يوم تبوك في كتابنا السيرة النبوية.. (1) .

وكان طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه تاجراً ناجحاً، ولكنه أيضاً كان سخياً. ومن الأدلة على ذلك ما رواه أحمد (2) من أن طلحة باع أرضاً له [من عثمان](3) بسبعمائة ألف، فبات ليلة عنده ذلك المال، فبات أرقاً من مخافة ذلك المال حتى أصبح ففرقه.

روى ابن سعد (4) عدة آثار تدل على كثرة ماله وجوده وسخائه، كلها من طريق شيخه الواقدي، ما عدا الرواية المذكورة آنفاً، أي التي فيها أنه باع أرضاً له من عثمان بن عفان بسبعمائة ألف، ورواية أخرى من حديث الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى، قال: حدثتني جدتي سعدى بنت عوف المرية، قالت: دخلت على طلحة ذات يوم، فقلت: مالي أراك، أرابك شيء من أهلك فَنُعْتِبَ؟ قال: نعم، حليلة المرء أنت، ولكن عندي مال قد أهمني أو غمني، قالت: اقسمه. فدعا جاريته، فقال: ادخلي عليَّ قومي. فأخذ يقسمه، فسألتها: كم كان المال؟ فقالت: أربعمائة ألف (5) .

(1) الطبعة الأولى، وفي الطبعة الثانية بعض الزيادات والتحقيقات (2/192-194) .

(2)

فضائل الصحابة (2/745/أثر رقم 1293، بإسناد رجاله ثقات، وليس فيه سوى تدليس الحسن البصري، فهو ثقة فقيه مشهور، ولكنه كثير الإرسال والتدليس) .

(3)

هذه الزيادة في رواية ابن سعد (3/220) ، بإسناد رجاله ثقات، وليس فيه تدليس الحسن البصري.

(4)

الطبقات (3/221 - 222) .

(5)

الطبقات (3/220) ، بإسناد حسن لأن فيه طلحة بن يحيى، وهو صدوق.

ص: 32

وروى المحب الطبري (1) كذلك آثاراً في كثرة ماله وجوده، منها ما ذكرناه من مصادر أخرى، ومنها ما لم نذكره، فليراجع لزيادة الفائدة. ورحم الله من قال:

لولا المشقة ساد الناسُ كلُّهم

الجود يُفْقر والإقدامُ قَتَّال

وعرف بطلحة الخير وطلحة الفياض لكثرة إنفاقه في سبيل الله (2) .

قال ابن عبد البر (3) : إن طلحة اشترى مالاً بموضع يقال له بيسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أنت إلا فياض"، فسمي الفياض.

وروى أبو نعيم (4) أن طلحة نحر جزوراً وحفر بئراً يوم ذي قرد، وسقاهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا طلحة الفياض"، فسمي طلحة الفياض.

وروى المتقى الهندي (5) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن طلحة بن عبيد الله ابتاع بئراً بناحية الجبل، وأطعم الناس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"يا طلحة الفياض"(6) .

(1) الرياض النضرة في مناقب العشرة (4/261 ـ 263) .

(2)

ابن عبد البر: الاستيعاب (2/219/ ترجمة طلحة) ، بهامش الإصابة لابن حجر.

(3)

المصدر نفسه والمكان نفسه.

(4)

معرفة الصحابة (1/329/أثر 373، تحقيق د. محمد راضي بن حاج عثمان، وخرجه المحقق من مصادر أخرى، وحكم على إسناده بالصحة؛ وانظر ابن أبي عاصم: كتاب السنة، ص 600، ح1404) .

(5)

في منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، بهامش مسند الإمام أحمد (5/67) ، وعزاه إلى الحسن ابن سفيان وأبي نعيم في المعرفة، وانظر كتاب السنة لابن أبي عاصم، ح1403، ص 599، وفيه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه طلحة الخير، وفي غزوة ذات العشيرة سماه طلحة الفياض، ويوم حنين طلحة الجود، وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة.

(6)

انظر هنا أيضا: الحاكم (3/369، 377)، الطبراني: الكبير (1/70)، ابن عساكر: التاريخ (8ق، ص283) .

ص: 33

وروى ابن سعد (1) والطبراني (2) وابن عساكر (3) وأبو نعيم (4) من حديث قبيصة بن جابر، قال:"صحبت طلحة فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل مال من غير مسالة منه".

وكان الزبير بن العوام تاجراً ناجحاً. قال ابن عبد البر (5) : كان الزبير تاجراً مجدوداً (6) في التجارة، فقيل له يوماً: بم أدركت في التجارة ما أدركت؟ قال: لأني لم أشتر معيباً، ولم أرد ربحاً، والله يبارك لمن يشاء.

ويروى أنه كان له ألف مملوك يؤدون الخراج، ما يدخل بيته من خراجهم درهم (7) .

وروى أبو نعيم (8) أن الزبير ترك أربع نسوة [حين استشهد يوم الجمل] فورثت كل امرأة منهن ربع الثمن ألف ألف درهم، وخلَّف عشرين ولداً: عشرة ذكوراً، وعشرة إناثاً.

وكان كريماً جواداً، ينفق من ماله على أبناء أصحابه الذين يوصونه بهم،

(1) الطبقات (3/221) .

(2)

المعجم الكبير (1/70) ، بمثل رواية ابن سعد، وحسن الهيثمي في المجمع إسناده (9/147) .

(3)

تاريخ دمشق (8/ق2، ص282) .

(4)

معرفة الصحابة (1/329/ح374) ، وإسناده حسن.

(5)

الاستيعاب (1/ 583) ، بدون إسناد.

(6)

مجدوداً: أي محظوظاً، والجد: الحظ، والجديد: الحظيظ، فعيل بمعنى مفعول.

(7)

ابن عساكر: التاريخ (1/ق2، ص 190، أبو نعيم: المعرفة (1/357)، رقم 437؛ ابن عبد البر: الاستيعاب (1/583) ؛ ابن حجر: الإصابة (1/527) ، وإسناده حسن.)

(8)

المعرفة (1/358/)

ص: 34

وممن أوصى إليه: عثمان والمقداد وابن مسعود وابن عوف ومطيع بن الأسود وأبو العاص بن الربيع (1) . ومن هؤلاء من كان من أثرياء تجار الصحابة، وهم: عثمان وابن عوف وأبو العاص بن الربيع.

وروى المحب الطبري (2) أن ابن إسحاق السبيعي قال: سألت أكثر من أربعين رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: من كان أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: الزبير وعلي رضي الله عنهما.

وقصته في وفاء دينه وفيما وقع في تركته من البركة مذكور في صحيح البخاري (3) .

وكان عبد الرحمن بن عوف تاجراً ناجحاً، فقد روى البخاري (4) أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، طلب ابن الربيع من ابن عوف أن يشاطره ماله، فرفض ابن عوف أخذ شيء من مال أخيه سعد، وطلب منه فقط أن يدله على سوق المدينة، فدله على سوق يهود بني قينقاع. فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن؛ ثم أخذ يتردد إلى السوق، يبيع ويشتري، حتى استغنى بماله عن مال أخيه سعد وغيره، وتزوج، وكثر ماله.

(1) ابن حجر: الإصابة (1/546/ ترجمة الزبير) .

(2)

الرياض النضرة (4/210)، وقال: أخرجه الفضائلي.

(3)

مع الفتح (2/208 ـ 216/ رقم 3129) .

(4)

مع الفتح (12/133ـ134/رقم 2048) ، فانظره بطوله هناك.

ص: 35

قال أبو عمر - ابن عبد البر (1) -: "كان تاجراً مجدوداً في التجارة، وكسب مالاً كثيراً، وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع.."، وروي أنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبداً (2) . وروى أبو عمر (3) أثراً من حديث الإمام أحمد وغيره بأسانيدهم إلى أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما، قالت: دخل عليَّ عبد الرحمن بن عوف، فقال: يا أمه، قد خفت أن يهلكني كثرة مالي، أنا أكثر قريش مالاً، قالت: يا بني: أنفق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه.." الخبر.

ليت بودلي تابع إميل درمنجهم ـ شيخه ـ في إقراره بحذق ابن عوف التجارة وما ناله من ثراء (4) .

وروى ابن أبي عاصم (5) بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهلي من بعدي"، قال: فباع عبد الرحمن بن عوف حديقة بأربعمائة ألف، فقسمها في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".

ورويت عنه أخبار كثيرة في الإنفاق في سبيل الله منها الضعيف والقوي، فقد روى الطبري (6) - مثلاً - عدة آثار، في بعضها أنه تصدق يوم تجهيز

(1) الاستيعاب (2/396) ، وسيأتي ذكر هذه الرواية من حديث الواقدي.

(2)

الاستيعاب (2/396) .

(3)

المصدر نفسه (2/397 ـ 398) .

(4)

حياة محمد: ص 177.

(5)

كتاب السنة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة، للألباني، ص 602، الرقم 1414.

(6)

التفسير (4/382ـ391) ، وانظر دراسة شاكر لأسانيد المرويات الواردة في تفسير الآية 79 من سورة التوبة، وهي صالحة للاحتجاج بها بمجموع طرقها وشواهدها.

ص: 36

جيش تبوك بأربعين أوقية من ذهب، وفي بعضها مائة أوقية من ذهب، وفي بعضها أربعة آلاف دينار، وفي بعضها ألفي دينار، وفي بعضها أربعمائة أوقية، وفي بعضها أربعة آلاف درهم.

وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "تسمى في السماء أميناً، يسلطك الله على مالك بالحق"(1) .

لا عجب أن يكون من هذا حاله مضرب الأمثال في الإنفاق. فهو الذي روى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " قال الشيطان لعنه الله: لن يسلم مني صاحب المال من إحدى ثلاث: أغدو عليه بهن، وأروح بهن، أخذه المال من غير حله وإنفاقه في غير حقه، وأحببه إليه فيمنعه من حقه"(2) .

وروى ابن سعد (3) من حديث شيخه الواقدي أن عبد الرحمن أوصى أن يعطى من ماله في سبيل الله خمسين ألف دينار، وفي رواية ثانية له - كما سبق ذكرها - أنه ترك ألف بعير وثلاثة آلاف شاة بالبقيع ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً، وكان يدخل قوت أهله من ذلك سنة (4) . وفي رواية ثالثة أن نصيب زوجته تماضر بنت الأصبغ كان مائة ألف.

(1) الطبراني: المعجم الكبير (5/221) ، ضعف محققه حمدي السلفي إسناده، قلت: يُستأنس به في فضائل الأعمال لورود روايات أخرى عند الطبري في تفسيره (10/ 194-198) وعند غيره قواها عبد القادر السندي في الذهب المسبوك.... (1/213- 223) .

(2)

أبو نعيم الأصبهاني: المعرفة (1/397/رقم 496) ؛ الطبراني: الكبير (1/97) ، وحسن الهيثمي إسناده، كما في المجمع (10/245) .

(3)

الطبقات (3/136) .

(4)

وهذه الرواية عند ابن عبد البر في الاستيعاب (2/396) .

ص: 37