الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قصة مسطح، قال أبو عبد الله: العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم في سببك!
فصل في محنته من الواثق
قال حنبل: ولم يزل أبو عبد الله بعد أن بريء من مرضه يحضر الجمعة والجماعة، ويفتى- ويحدث، حتى مات المعتصم وولي ابنه الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه، فلما اشتد الأمر على أهل بغداد، وأظهر القضاة المحنة، وفرق بين فضل الأنماطي وامرأته وبين أبي صالح وامرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول: الجمعة تؤتى لفضلها، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة، وجاء نفر إلى أبي عبد الله وقالوا: هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه علي أكثر من هذا، وذكروا أن ابن أبي دؤاد على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن: القرآن كذا وكذا، فنحن لا نرضى بإمارته، فمنعهم من ذلك وناظرهم.
وحكى حنبل قصده في مناظرتهم وأمرهم بالصبر، فبينا نحن في أيام الواثق إذ جاء يعقوب ليلا برسالة إسحق بن إبراهيم إلى أبي عبد الله: يقول لك الأمير، إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعنَّ إليك أحد، ولا تساكنّي بأرضٍ ولا مدينةٍ أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض الله. فاختفى أبو عبد الله بقية حياة الواثق، وكانت تلك الفتنة وقتل أحمد بن نصر.
فلم يزل أبو عبد الله مختفيا في غير منزله في القرب، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر أو سنة لما طفيء خبره، ولم يزل في البيت مختفيا لا يخرج إلى الصلاة ولا غيرها حتى هلك الواثق.
وعن إبراهيم بن هانيء قال: اختفى أحمد بن حنبل عندي ثلاثة أيام،
ثم قال: اطلب لي موضعاً، قلت: لا آمن عليك، قال: افعل، فإذا فعلت أفدتك، فطلبت له موضعًا فلما خرج قال لي: اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول (1).
قلت: أنا أتعجب من الحافظ أبي القاسم (2)، كيف لم يسق المحنة ولا شيئًا منها في تاريخ دمشق، مع فرط استقصائه، ومع صحة أسانيدها!! ولعل له نية في تركها (3).
(1) زاد ابن الجوزي 350 بقية كلام الإمام أحمد: "وليس ينبغي أن تتبع سنة رسول الله في الرخاء وتترك في الشدة". وهي حكمة بالغة من الإمام، ليت الناس فهموها وعملوا بها.
(2)
يريد الحافظ ابن عساكر، مؤلف تاريخ دمشق.
(3)
ساق ابن الجوزي 350 - 352 وابن كثير 10 - 321 سبب ترك الواثق للمحنة، المعنى واحد واللفظ لابن كثير، قال:"وذكر عن محمد المهتدي بن الواثق: أن شيخًا دخل يوماً على الواثق، فسلم فلم يردّ عليه الواثق، بل قال: لا سلم الله عليك! فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك معلمك، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} فلا حييتنى بأحسن منها ولا رددتها! فقال ابن أبى دؤاد: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم، فقال: ناظره، فقال ابن أبى دؤاد: ما تقول يا شيخ في القرآن؟ أمخلوق هو؟ فقال الشيخ: لم تنصفني، المسألة لي، فقال: قل، فقال: هذا الذي تقوله، علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أو ماعلموه؟ فقال ابن أبي دؤاد: لم يعلموه؟ قال: فأنت علمت ما لم يعلموا؟! فخجل وسكت، ثم قال. أقلنى، بل علموه، قال: فلم لا دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت؟ أما يسعك ما وسعهم؟ فخجل وسكت، وأمر الواثق له بجائزة نحو أربعمائة دينار، فلم يقبلها، قال المهتدي: فدخل أبى المنزل فاستلقى على ظهره، وجعل يكرر قول الشيخ على نفسه، ويقول: أما وسعك ما وسعهم؟! ثم أطلق الشيخ وأعطاه أربعمائة دينار ورده إلى بلاده، وسقط من عينيه ابن أبى دؤاد، ولم يمتحن بعده أحداً".