الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي
هو من أكبر كتب التاريخ، وأوثقها وأتقنها، ألفه رجل حافظ مدقق محقق ثقة. أثبت فيه تراجم أعلام الإسلام من السنة الأولى من الهجرة إلى آخر سنة 700 رتبه على سبعين طبقة، كل طبقة عشر سنين يذكر التراجم في كل طبقة على حروف المعجم، ويسهب فيها إسهاباً محبوباً، ترى مثاله في ترجمة الإمام أحمد التى تراها. ولا تقتصر تراجمه على صنف معين من الأعلام، ففيه أولاً سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تكاد تكون مجلدًا وحدها، ثم الصحابة، ثم التابعون، وفيه تراجم المحدّثين، والفقهاء، والأدباء، والشعراء، والمؤرخين، وغيرهم، مما لا نستطيع استيعابه في هذه الكلمة.
وهذا الكتاب إذا طبع لا أظنه يخرج في أقل من أربعين مجلداً كبارًا، بل يزيد. ونسخه الكاملة نادرة، أو هي غير موجودة فيما نعلم. وأكمل نسخة فيما علمت هي نسخة دار الكتب المصرية، وهي ملفقة من عدة نسخ، وينقصها بعض الطبقات. وقد كنت تتبعت الموجود منها في دار الكتب المصرية وفى غيرها من دور الكتب، مستعينًا بفهارس دور الكتب بالإستانة وأوربة، وبكتاب "بروكلمان" فوجدت أن من المستطاع جمع الكتاب كله إلا قليلاً، وأن هذا القليل من أواسطه، فقد نجد من مقتني الكتب في العالم الإسلامي وغيره من يرشد إلى ما نقص منه، إذا ما شرع في نشره.
وقد ذيلَ عليه العلامة ابن قاضي شهبة المتوفى سنة 851، فابتدأ من حيث انتهى الحافظ الذهبي، ووجد من هذا الذيل مجلدان بالمكتبة الأهلية بباريس، وصل فيهما إلى الكلام على أثناء سنة 806، وهي مصوران بدار الكتب المصرية، وفى الجزء الأول نقص يسير.
فهذه ثمانون طبقة من طبقات أعلام الإسلام، وهي الطبقات التي كان فيها مجد الإسلام وعزه، وفيها أئمته وعظماؤه.
وأما الحافظ الذهبي فإنه غني عن التعريف، واسمه "شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد عثمان بن قايماز، التركماني الفارقي الأصل، المعروف بالذهبى". ولد بدمشق سنة 673. قال تلميذه الحافظ الشريف أبو المحاسن محمد بن على الحسيني في "ذيل طبقات الحفاظ" ص 35 - 36: "ومصنفاته ومختصراته وتخريجاته تقارب المئة، وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان، وكان أحد الأذكياء المعدودين، والحفاظ المبرزين". ومات الذهبى بدمشق ليلة الاثنين 3 ذي القعدة سنة 748 رحمه الله تعالى.
…
والجزء من "تاريخ الإسلام" الذي نقلت منه هذه الترجمة، ترجمة الإمام أحمد، جزء قديم، فيه الطبقة الخامسة والعشرون، أي تراجم الذين توفوا من سنة 241 إلى سنة 250، وعدد أوراقه 105 ورقات، أي 210 صفحات، وأسطر الصفحة 23 سطرًا، عرض السطر نحو 12.5 سنتي.
وترجمة الإمام فيه في 49.5 صفحة.
وليس فيه تاريخ كتابته، والظاهر الراجح من النظرة الأولى أنه من خطوط القرن الثامن. وهو جيد الضبط والتصحيح، واضح القراءة، يدل على أن كاتبه ناسخ متقن، وعالم متمكن، نقله من خط المؤلف، ونص ما كتب في آخره:
"آخر الطبقة الخامسة والعشرين من تاريخ الإسلام. وعلقه من خط مؤلفه الحافظ شمس الدين بن الذهبى رحمه الله، فقير رحمة الله تعالى
محمد بن إبراهيم بن محمد البسلي عفى الله عنه، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
وكلمة "البسلي" أثبتت هكذا دون إعجام، وأعجمه واضعوا فهرس دار الكتب المصرية (ج 5 ص 71 طبعة سنة 1348) دون تثبت، هكذا "البسيلي"! فذهبت أبحث لأتثبت، فوجدت في الضوء اللامع ترجمتين لرجلين: أحدهما "محمد بن إبراهيم بن علي بن محمد النشيلي نزيل مكة" ذكر أنه ولد سنة 835 ببلدة "نشيل" من الغربية، ولم يذكر تاريخ وفاته (ج 6 ص 271 - 272). والآخر "محمد بن إبراهيم المقدسى الحنبلي ويعرف بالسبلي، بكسر المهملة ثم تحتانية بعدها لام" وذكر أنه كان "خازن كتب الضيائية" وأنه مات قريب سنة 860 (ج 6 ص 283) فظننت أنه أحدهما على تردد.
ثم وجدت اليقين، وجدت في الضوء اللامع أيضًا (6: 277 - 279) ترجمة "محمد بن إبراهيم بن محمد، الدمشقى الأصل الشاعر الشهير الطاهري، ويعرف بالبدر البشتكي" وأنه ولد بجوار جامع بشتك "الناصري"، ونشأ بخانقاه "بشتك"، وكان أحد صوفيتها، فعرف بالنسبة إليها، وذكر أنه كان ذا جلادة على النسخ مع الإتقان والسرعة الزائدة، بحيث كان ينسخ في اليوم خمس كراريس فأكثر، وأنه كتب بخطه من المطولات والمختصرات لنفسه ولغيره ما لا يدخل تحت الحصر كثرة، "خصوصًا النهر لأبي حيان، وإعراب السمين، والكرماني، وتاريخ الإسلام للذهبي" إلى آخره، فأيقنت أنه هو، بعد النص على أنه كان ينسخ تاريخ الإسلام.
ومن العجب حقّا أنه كان ينسخ في اليوم "خمس كراريس فاكثر"، ومن المعروف أن الكراس عشرون صفحة، أي أنه ينسخ في اليوم اكثر من
مائة صفحة. وها أنت ذا ترى أن ترجمة الإمام التي بين يديك كانت في نسخته في 49.5 صفحة، أي أنه ينسخ في اليوم الواحد أكثر من مثليها، مع الإتقان والضبط والدقة، ووضع علامات حمر في أوائل الكلام، فهذا عجب!
والبشتكي هذا ولد في أحد الربيعين من سنة 748، أي في السنة التي مات فيها الحافظ الذهبي، وتوفي يوم الاثنين 23 جمادى الأولى سنة 830 - وله ترجمة أخرى مختصرة في شذرات الذهب 7:195. رحمه الله تعالى وإيانا، وعفا عنا وعنه.