المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في قوله في أصول الدين - مسند أحمد - ت شاكر - ط دار الحديث - جـ ١

[أحمد بن حنبل]

الفصل: ‌فصل في قوله في أصول الدين

بُليتُ بالشهرة، إني لأتمنى الموت صباحًا ومساءً.

وقال المرُّوذي: ذُكر لأحمد أن رجلاً يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء، يتزَّين لي وأتَّزين له؟!

وقالِ: لقد استرحت، ما جاءني الفرجُ إلا منذ حلفتُ أن لا أُحَدِّث، وليتنا نُتْركُ، الطريق ماكان عليه بشر بن الحرث.

وقال المرُّوذي: قلت لأبي عبد الله: إن فلانًا قال لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها، قد زهد في الناس، فقال. ومن أنا حتى أزهد في الناس؟! الناسُ يريدون أن يزهدواَ في.

وسمعت أبا عبد الله يِكره للرجل أن ينام بعد العصر، يخاف على عقله.

وسمعته يقول: لا يُفلح من تعاطى الكلام، ويخلو من أن يتجهم.

وسئل عن القراءة بالألحان، فقال: هذه بدعة، لا تسمع، وكان قد قارب الثمانين، رحمه الله.

‌فصل في قوله في أصول الدين

وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، البِرّ كله من الإيمان، والمعاصي تنقص من الإيمان.

وقال إسحق بن إبراهيم البغوي: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عمن يقول القرآن مخلوق؟ فقال: كافر.

وقال سَلَمة بن شَبيب: سمعت أحمد يقول: من يقول القرآن مخلوق فهو كافر.

وقال أبو إسماعيل الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.

ص: 84

وقال إسماعيل بن الحسن السراج: سألت أحمد عمن يقول القرآن مخلوق؟ فقال: كافر. وعمن يقول لفظي بالقرآن مخلوق؟ فقال: جهمى.

وقال صالح بن أحمد: تناهى إلى أبي أن أبا طالب يحكي أنه يقول لفظي بالقرآن غير مخلوق، فأخبرت أبي بذلك، فقال: من أخبرك! قلت: فلان، فقال: ابعث إلى أبي طالب، فوجهت إليه، فجاء وجاء فُوران، فقال له أبي: أنا قلت لفظي بالقرآن غير مخلوق؟! وغضب، وجعل يرعد، فقال: قرأت عليك (قل هو الله أحد) فقلت لي ليس هذا بمخلوق، فقال: فلم حكيت عني أنما قلت لك لفظي بالقرآن غير مخلوق؟! وبلغنى أنك وضعت ذلك في كتاب وكتبت به إلى قوم، فاْمحه، واكتبْ إلى القوم أنما لم أقله لك، فجعل فوران يعتذر إليه، وانصرفَ من عنده وهو مرعوب، فعاد أبو طالب فذكر أنه قد كان حَكّ ذلك من كتابه، وأنه كتب إلى القوم يخبرهم أنه وهم على أبي.

قلت: الذي استقر عليه قول أبي عبد الله أن من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع.

وقال أحمد بن زبخويه: سمعت أحمد بن حنبل يقول: اللفظية شر من الجهمية.

وقال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول: افترقت الجهمية على ثلاث فرق: فرقة قالوا القرآن مخلوق، وفرقة قالوا القرآن كلام الله تعالى وسكتوا، وفرقة قالوا لفظنا بالقرآن مخلوق.

وقال أبي: لا يصلَّى خلف واقِفِي ولا خلف لفظي.

:قال المرُّوذي: أخبرتُ أبا عبد الله أن أبا شعيب السوسِي الذي كان بالرَّقة فرق بين ابنته وزوجها لما وقف في القرآن، فقال: أحسن عافاه الله، وجعل

ص: 85

يدعو له. وقد كان أبوشُعيب شاور النُّفيلي فأمره أن يفرق بينهما.

قال المروذي: ولما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف حذَّر أبو عبد الله عنه، وأمر بهجرانِه وهجران من كلمه.

قلت: ولأبي عبد الله في مسألة اللفظ نصوص متعددة.

وأول من أظهر اللفظ الحسين بن علي الكرابيسي، وذلك في سنة أربع وثلاثين ومائتين. وكان الكرابيسي من كبار الفقهاء.

وقال المرّوذي في كتاب القصص: عزم حسن بن البزّار وأبو نصر بن عبد المجيد وغيرهما على أن يجيئوا بكتاب المدلّسين الذي وضعه الكرابيسي يطعن فيه على الأعمش وسليمان التيمي، فمضيت إليه في سنة أربع وثلاثين فقلت: إن كتابك يريد قوم أن يَعرضوه على أبي عبد الله، فأظهِرْ.

أنك قد ندمت عليه، فقال: إن أبا عبد الله رجل صالح، مثله يوفَّق لإصابة الحق، قد رضيتُ أن يعرض عليه، لقد سألني أبو ثور: أن أمحوَه، فأبيت.

فجيء بالكتاب إلى أبي عبد الله، وهو لا يعلم لمن هو، فعلَّموا على مستبشعات من الكتاب، وموضع فيه وَضْعٌ على الأعمش، وفيه: إن زعمتم أن الحسن بن صالح كان يرى السيف فهذا ابن الزبير قد خرج. فقال أبو عبد الله: هذ أراد نصرة الحسن بِن صالح فوضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقد جمع للروافض أحاديث في هذا الكتاب، فقال أبو نصر: إن فتياننا يختلفون إلى صاحب هذا الكتاب؟ فقال: حذروا عنه، ثم انكشف أمره فبلغ الكرابيسي، فبلغني أنه قال: سمعت حسينًا الصائغ يقول: لأقولن مقالةً حتى يقول أحمد بن حنبل بخلافها فيكفر، فقال:(1) لفظي بالقرآن مخلوق،

(1) بهامش الأصل "يعنى الكرابيسى".

ص: 86

فقلت لأبي عبد الله: إن الكرابيسي قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقال أيضًا: أقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقل إن لفظي بالقرآن مخلوق فهوكافر، فقال أبو عبد الله: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟! قالوا: كلام

الله، ثم قالوا: مخلوق، وما ينفعه وقد نقص كلامه الأخير كلامَه الأول حين قال لفظي بالقرآن مخلوق؟ ثم قال أحمد: ما كان الله ليَدعَه وهو يقصد إلى التابعين، مثل سليمان الأعمش وغيره، يتكلم فيهم، مات بشر المَريسي وخلَفه حسين الكرابيسي، ثم قال: أيش خبر أبي ثوْر؟ وافقه على هذا؟ قلت: قد هجره، قال: قد أحسن، قلت: إني سألت أبا ثور عمن قال لفظي بالقرآن مخلوق؟ فقال: مبتدع، فغضب أبو عبد الله، وقال أيش مبتدع؟! هذا كلام جهل بعينه، ليس يفلح أصحاب الكلام.

وقال عبد الله بن أحمد: سئل أبي وأنا أسمع عن اللفظية والواقفية؟ فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي.

فقال الحكم بن معبد: حدثني أحمد أبو عبد الله الدوْرَقي قال: قلتُ لأحمد بن حنبل: ما تقول في هؤلاء الذين يقولون لفظي بالقرآن مخلوق؟ فرأيته استوى واجتمع وقال: هذا شرّ من قول الجهمية، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل تكلم بمخلوق وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق!

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي سمعت أبا طالب أحمد بن موسى بن حميد قال: قلت لأحمد بن حنبل: قد جاءت جهمية رابعةٌ، فقال: ما هي؟ قلت: قال إنسان من زعم أن في صدره القرآن فقد زعم أن في صدره من الإلهية شيء! فقال: من قال هذا

ص: 87

فقد قال مثل قول النصارى في عيسى أن كلمة الله فيه! ما سمعت بمثل هذا قط! قلت: أهذا الجهمية؟ قال: أكبر من الجهمية، ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يُنْزَع القرآن من صدوركم.

قلت: الملفوظ كلام الله، وهو غير مخلوق، والتلفظ مخلوق، لأن التلفظ من كسب القاريء، وهو الحركة والصوت وإخراج الحروف، فإن ذلك مما أحدثه القاريء، ولم يحدث حروف القرآن ولامعانيه، إنما أحدثَ نطقه به، فاللفظ قدر مشترك بين هذا وهذا، ولذلك لم يجَوِّز الإمام أحمد "لفظي بالقرآن مخلوق" ولا "غير مخلوق" إذ كل واحد من الإطلاقين موهِم. والله أعلم.

وقال أبو بكر الخلال: أَخبرني أَحمد بن محمد بن مطر وزكريا بن يحيى أن أبا طالبْ حدّثهم أنه قال لأبي عبد الله: جاءني كتاب من طرسوس أن سَرياً السَّقَطيّ قال: لما خلق الله الحروف سجدت إلَاّ الألفَ فإنه قال لا أَسجد حتى أُومن! فقال: هذا الكفر.

فرحم الله الإمام أحمد، ما عنده في الدين محاباة.

قال الخلَاّل: أَنبأنا محمد بن أبي هرون أن إسحق بن إبراهيم حدثهم قال: حضرت رجلا سأل أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله، إجماعُ المسلمين على الإيمان بالقَدَر خيره وشرّه؟ قال أبو عبد الله: نعم. قال: ولا تكفر أَحداً بذنبٍ؟ فقال أُبو عبد الله: اسكت، من ترك الصلاة فقد كفر، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر.

وقال الخلال: أَخبرني محمد بن سليمان الجوهري حدثنا عبدوس بن

ص: 88

مالك العطار سمعت أحمد بن حنبل يقول: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه الصحابة، وترك البدع، وترك الخصومات والجلوسِ مع أَصحاب الأهواء، وترك المرَاء والجدال، وليس في السنة قياس، ولا يُضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وإنه من الله ليس ببائن منه، وإياك ومناظرة من أحدث فيه، ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله فهو صاحب بدعة، والإيمان بالرؤية يوم القيامة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأَى ربه، فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه قتادة والحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، والحديث عندنا على ظاهره، على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به على ما جاء على ظاهره، وأن الله يكلم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان.

قال حنبل بن إسحق: قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} ، و {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟ قال: عِلْمه عِلْمه.

وسمعته يقول: ربنا تبارك وتعالى على العرش بلا حد ولا صفة.

قلت: معنى قوله بلا صفة، أي بلا كيفيَّة ولا وصف.

وقال أبو بكر المرُّوذي: حدثني محمد بن إبراهيم القيسي: قال: قلتُ لأحمد بن حنبل: يحكي عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف ربَّنا؟ قال في السماء على عرشه، قال أحمد: هكذا هو عندنا.

وقال صالح بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: من زعم أن أسماء

ص: 89

الله مخلوقة فقد كفر.

وقال عبد الله بن أحمد في كتاب الردّ على الجهمية تأليفه: سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلَّم بصوت؟ فقال أبي: بلى، تكلَّم جل ثناؤه بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت. وقال أبي: حديث ابن مسعود "إذا تكلم الله سُمع له صوتٌ كَمَد السلسلة على الصَّفْوانِ" قال: وهذه الجهمية تنكره، وهؤلاء كفار، يريدون أَن يموهوا على الناس، ثم قال: حدثنا المحاربي عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجداً.

وقال عبد الله: وجد بخط أبي: مما يحتج به على الجهمية من القرآن {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} {رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} {وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (1){يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} .

قلت: وذكر آيات كثيرة في الصفات، أنا تركت كتابتَها هنا.

(1) قراءة حفص وبعض القراء "كلمة ربك" بالإفراد، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وغيرهما (كلمات ربك) بالجمع. انظر النشر 2:252.

ص: 90

وقال يعقوب بن إسحق المطوّعي: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التفضيل؟ فقال: على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أبو بكر وعمر وعثمان.

وقال صالح بن أحمد: سئل أبي وأنا شاهد عمن يقدم عليَّا على عثمانِ، يُبَدَّع؟ فقال: هذا أهل أن يُبَدَّع، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قدّموا عثمان.

وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي مَنْ الرافضي؟ قال: الذي يشتم رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتعرض لهم، ما أُراه على الإسلام.

وقال أبو بكر المروذيّ: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان بين عليّ ومعاوية؟ فقال: ما أقول فيهم إلا الحسنى.

- وكلام الإمام أحمد كثير طيب في أصول الديانة، لا يتسع هذا الكتاب لسياقه، قد جمعه الخلال في مصنَّف سماه (كتاب السنة من أحمد بن حنبل) في ثلاث مجلدات.

فمما فيه أخبرنا المروذي سمعت أبا عبد الله يقول: من تعاطى الكلام لا يفلح، من تعاطى الكلام لم يَخلُ من أن يتجهم.

وسمعت أبا عبد الله يقول: لست أتكلم إلا ما كان من كتابِ أو سنةٍ أو عن الصحابة والتابعين، وأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود.

ص: 91

وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: من أحب الكلام لم يفلح، لايؤول أمرهم إلى خير. وسمعته يقول: عليكم بالسنة والحديث، وإياكم والخوض والجدال والمراء، فإنه لايفلح من أحب الكلام. وقال لي: لا تجالسهم ولاتكلم أحدا منهم. ثم قال: أدركنا الناس وما يعرفون هذا، ويجانبون أهل الكلام. وسمعته يقول: مارأيت أحدا طلب الكلام واشتهاه فأفلح، لأنه يخرجه إلى أمر عظيم، لقد تكلموا يومئذ بكلام واحتجوا بشىء فما يقوى قلبى ولاينطلق لساني أن أحكيه.

قال الخلال: أخبرني محمد بن هرون حدثنا أبو الحرث: سمعت أبا عبد الله يقول: قال أيوب: إذا تمرق أحدهم لم يعد.

وقال الخلال: أخبرنا أحمد بن أصرم المزني قال: حضرت أحمد بن حنبل قال له الهمداني: إني ربما رددت عليهم، قال أحمد لا ينبغي الجدال.

ودخل أحمد المسجد وصلى، فلما انفتل قال: أنت عباس؟ قال: نعم، قال اتق الله، ولاينبغي أن تنصب نفسك وتشتهر بالكلام ولا بوضع الكتب، لو كان هذا خيرا لتقدمنا فيه الصحابة، ولم أر شيئا من هذه الكتب، وهذه كلها بدعة. قال: مقبول منك يا أبا عبد الله. أستغفر الله وأتوب إليه، إني لست أطلبهم ولا أدق أبوابهم، ولكن أسمعهم يتكلمون بالكلام وليس أحدا يرد عليهم فأغتم ولا أصبر حتى أرد عليهم، قال: إن جاءك مسترشد فأرشده، قالها مرارا.

قال الخلال: أخبرنا محمد بن أبى هرون ومحمد بن جعفر أن أبا الحرث حدثهم قال: سألت أبا عبد الله، قلت: إن ههنا من يناظر الجهمية ويبين خطأهم ويدقق عليهم المسائل، فما ترى؟ قال: لست أرى الكلام في شيء من هذه الأهواء، ولا أرى لأحد أن يناظرهم، أليس قال معاوية بن قرة: الخصومات تحبط الأعمال؟ والكلام رديء، لا يدعو إلى خير، تجنبوا أهل

ص: 92