الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجدال والكلام، وعليك بالسنن وما كان عليه أهل العلم قبلكم، فإنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل البدع، وإنما السلامة في ترك هذا، لم تؤمر بالجدال والخصومات. وقال: إذا رأيتم من يحب الكلام فاحذروه.
قال ابن أبى داود: حدثنا موسى أبو عمران الأصبهاني سمعت أحمد ابن حنبل يقول: لا تجالس أصحاب الكلام وإن ذبوا عن السنة.
وقال الميمونى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما زال الكلام عند أهل الخير مذموما.
قلت: ذم الكلام وتعلمه قد جاء من طرق كثيرة عن الإمام أحمد وغيره.
فصل من سيرته
قال الخلال: قلت لزهير بن صالح بن أحمد: هل رأيت جدك؟ قال: نعم، مات وقد دخلت في عشر سنين. كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواتي، وكان بيننا وبينه باب، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله، فنأخذ منه الحبتين وتأخذ الأخوات، وكان ربما مررت به وهو قاعد في الشمس وظهره مكشوف وأثر الضرب في ظهره، وكان لي أخ أصغر مني اسمه "علي" فأراد أبي أن يختنه، فاتخذ له طعاما كثيرا، ودعا قوما، فلما أراد أن يختنه وجه إليه جدي فقال: إنه بلغني ما أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغنى أنك أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء فأطعمهم. فلما أن كان من الغد وحضر الحجام وحضر أهلُنا، فجاء جدي حتي جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وأخرج صريرة فدفعها إلى الحجام، وصريرة دفعها إلى الصبي، وقام فدخل منزله، فنظر الحجام في الصريرة فإذا درهم واحد، وكنا قد رفعنا كثيرا مما افترش، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة على شيء من الثياب الملونة، فلم ينكر ذلك. وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي، فنزل على أبي، وكان يكنى بأبي أحمد، فدخلت معه
إلى جدي، فجاءت الجارية بطبق خلَاف وعليه خبز وبقل وخل وملح ثم جاءت بغضارة فوضعتها بين أيديناَ، فيها مصلية فيها لحم وسلق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل معنا، ويسأل أبا أحمد عمن بقي من أهلهم بخراسان في خلال ما يأكل، فربما استعجم الشئ على أبي أحمد فيكلمه جدي بالفارسية، ثم أخذ طبقا إلى جنبه فوضعه بين أيدينا، فإذا تمر بري وجوز مكسر، وجعل يأكل، وفى خلال ذلك يناول أبا أحمد.
وقال عبد الملك الميموني: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء، فيقول لبيك لبيك.
وعن المروذي قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لايتكلم حتى يسأل. وإذا خرج إلي المسجد لم يتصدر، يقعد حيث انتهى به المجلس.
وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون سمعت إسحاق بن راهويه يقول: لما خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه من حمالين إلى أن جاء صنعاء، وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يقبل.
قال الفقيه على بن محمد عمر الرازي: سمعت أبا عمر غلام ثعلب سمعت أبا القاسم بن بشار الأنماطي المزني سمعت الشافعي يقول: رأيت ببغداد ثلاث أعجوبات: رأيت بها نبطيا يتنحى علي حتى كأنه عربي وكأني نبطي! ورأيت أعرابيا يلحن حتى كأنه نبطي! ورأيت شابا وخطه الشيب فإذا قال حدثنا قال الناس كلهم: صدق. قال المزني: فسألته، فقال: الأول الزعفراني، والثاني أبو ثور الكلبي، وكان لحانا، وأما الشاب فأحمد بن حنبل.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: رأيت أبي حرَّج على النمل أن يخرج النمل من داره، ثم رأيت النمل قد خرجن بعد ذلك، نملا سودا فلم أرهم بعد ذلك، رواها أحمد بن محمد اللنباني عنه.
قال أبو الفرج بن الجوزي: لما وقع الغرق سنة أربع وخمسين وخمسمائة غرقت كتبي وسلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد.
…
وزمن نهي أبي عبد الله عن الكلام: قال المرُّوذي: أخبرت قبل موت أبي عبد الله بسنتين أن رجلا كتب كتابا إلى أبي عبد الله يشاوره في أن يضع كتابا يشرح فيه الرد على أهل- البدع، فكتب إليه أبو عبد الله، قال الخلال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله، قال: وأخبرني محمد بن على الوراق حدثنا صالح بن أحمد قال: كتب رجل إلى أبي يسأل عن مناظرة أهل الكلام والجلوس معهم؟ فأملى عليّ أبي جواب كتابه:
أحسن الله عاقبتك، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله، لا تعد ذلك، ولم يزل الناس يكرهون كل محدث، من وضع كتاب وجلوس مع مبتدع ليورد عليه بعض ما يُلْبس عليه في دينه.
وقال المرُّوذي: بلغنى أن أبا عبد الله أنكر على وليد الكرابيسي مناظرته لأهل البدع.
وقال المرُّوذي: قلت لأبي عبد الله: قد جاؤوا بكلام فلان ليعرض عليك، وأعطيته الرقعة، فكان فيها: والإيمان يزيد وينقص فهو مخلوق، وإنما قلت إنه مخلوق على الحركة والفعل لا على القول، فمن قال الإيمان مخلوق وأراد القول فهو كافر. فلما قرأها أحمد وانتهى إلى قول "الحركة