المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في إقباله على العلم واشتغاله وحفظه - مسند أحمد - ت شاكر - ط دار الحديث - جـ ١

[أحمد بن حنبل]

الفصل: ‌فصل في إقباله على العلم واشتغاله وحفظه

‌فصل في إقباله على العلم واشتغاله وحفظه

قال الخلال: أخبرنا المرُّوذي أن أبا عبد الله قال له: ما تزوجتُ إلا بعد الأربعين.

وعن أحمد الدورقيّ عن أبي عبد الله قال: نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة وجوه، لم نضبطه، كيف يضبطه من كتبه من وجه واحد!.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا زُرعة يقول: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.

وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: حفظت كل شىء سمعته من هشيم وهشيم حيَّ.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سعيد بن عمرو البرذعي: يا أبا زرعة، أنت أحفظ أم أحمد بن حنبل؟ قال: بل أحمد، قلت: وكيف علمت؟ قال: وجدت كتبه ليس في أوائل الأجزاء ترجمة أسماء المحدثين الذين سمع منهم، فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه، وأنا لا أقدر على هذا.

وعن أبي زرعة قال: حُزِرَتْ (1) كتب أحمد يوم مات فبلغت اثني عشر حملاً وعدلاً، ما كان على ظهركتاب منها "حديث فلان" ولا في بطنه "حدثنا فلان" وكل ذلك كان يحفظ على ظهر قلبه.

(1) في الأصل "حزر".

ص: 70

وقال الحسن بن منبه: سمعت أبا زرعة قال: أخرج إلي أبو عبد الله أجزاء كلها "سفيان""سفيان"، ليس على حديث منها حدثنا فلان، فظننتها عن رجل واحد، فانتخبت منها، فلما قرأ علي جعل يقول: حدثنا وكيع ويحيى حدثنا فلان، فعجبت من ذلك، وجهدت أن أقدر على شيء من هذا، فلم أقدر.

وقال المرُّوذي: سمعت أبا عبد الله يقول. كنت أذاكر وكيعًا بحديث الثوري، وكان إذا صلى العشاء الآخرة خرج من المسجد إلى منزله، فكنت أذاكره، فربما ذكر تسعة، عشرة، أحاديث (1) فأحفظها، فإذا دخل قال لي أصحاب الحديث: أمل علينا، فأملها عليهم (2).

وقال الخلال: حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: كان وكيع إذا كانت العتمة ينصرف معه أحمد بن حنبل، فيقف على الباب فيذاكره، فأخذ وكيع ليلة بعضادتي الباب، ثم قال: يا أبا عبد الله: أريد أن أُلقي عليك حديث سفيان، قال: هات، قال: تحفظ عن سفيان عن سلمة بن كهيل كذا؟ قال: نعم حدثنا يحيى، فيقول: سلمة كذا وكذا؟ فيقول: حدثنا عبد الرحمن، فيقول، وعن سلمة كذا وكذا؟ فيقول: أنت حدثتنا، حتى يفرغ من سلمة، ثم يقول أحمد: فتحفظ عن سلمة كذا وكذا؟ فيقول وكيع: لا، ثم يأخذ في حديث شيخ شيخ، قال: فلم يزل قائمًا حتى جاءت الجارية فقالت: قد طلع الكوكب، أو قالت: الزهرة.

وقال عبد الله: قال لي أبي: خذ أيَّ كتاب شئت من كتب وكيع، فإن

(1) يريد "تسعة أحاديث"، عشرة. "أحاديث" فساق العددين مساق العد، فاختصر.

(2)

أملها عليهم: أملاها. يقال "أمله" و"أملاه" علي تحويل الضعيف. وفي التنزيل: (فليملل وليه بالعدل).

ص: 71

شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك الإسناد، وان شئت بالإسناد حتى أخبرك عن الكلام.

وقال الخلال: سمعت أبا القاسم بن الجبُّلي (1) وكفاك به، يقول: أكثر الناس يظنون أن أحمد إذا سئل كأنّ علم الدنيا بين عينيه.

وقال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين. وعن أحمد بن سعيد الرازي قال: ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه ومعانيه من أحمد حنبل.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سلمة سمعت إسحق بن راهويه يقول: كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأصحابنا، وكنا نتذاكر الحديث من طريقين وثلاثة، فيقول يحيى من بينهم: وطريق كذا، فأقول: أليس قد صح هذا بإجماع منا؟ فيقول: نعم. فأقول: ما تفسيره؟ ما فقهه؟ فيقفون كلهم إلا أحمد بن حنبل.

وقال الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها، ثم لم يلتفت إليها. وقال أحمد بن سنان: ما رأيت يزيد بن هرون لأحد أشدّ تعظيمًا منه لأحمد بن حنبل ولا رأيته أكرم أحداً مثله، وكان يقعده إلى جنبه ويوقره ولا يمازحه.

وقال عبد الرزاق: ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل ولا أورع.

وقال إبراهيم بن شماس: سمعت وكيعا يقول: ماقدم الكوفة مثل ذاك الفتى، يعني أحمد، وسمعت حفص بن غِياث يقول ذلك.

(1) بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة. واسمه "إسحق بن إبراهيم" انظر المشتبه 89 وتاريخ بغداد 2786ولسان الميزان 348.

ص: 72

وعن عبد الرحمن بن مهدي، قال مانظرت إلى أحمد بن حنبل إلا تذكرت به سفيان الثوري.

وقال القواريري: قال لي يحيى القطان: ما قدم عليّ مثلُ أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.

وقال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطاة بن المنذر (1).

وقال الهيثم بن جميل: إن عاش هذا الفتى سيكون حجة على أهل زمانه، يعني أحمد.

وقال قتيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب، يعني أحمد بن حنبل. وقال أبو داود: سمعتَ قتيبة يقول: إذا رأيتَ الرجل يحبُّ أحمد فاعلم أنه صاحب سنة.

وقال عبد الله بن أحمد بن شبويه عن قتيبة: لو أدرك أحمد عصر الثوريّ والأوزاعي ومالك والليث لكان هو المقدم، فقلت لقتيبة: تضم أحمد إلى التابعين؟ فقال: إلى كبار التابعين. وسمعت قتيبة يقول: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين.

وقال أحمد بن سلمة: سمعت قتيبة يقول: أحمد بن حنبل إمام الدنيا.

وقال العباس بن الوليد البيروتي: حدثنا الحرث بن عباس قال: قلت لأبي مسْهِر: هل تعرف أحدًا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها؟ قال: لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق، يعني أحمد بن حنبل.

قال المزني: قال لي الشافعى: رأيت ببغداد شابًا إذا قال "حدثنا" قال الناس

(1) أرطاة بن المنذر بن الأسود الألهاني الحمصي: تابعي ثقة حافظ فقيه، قال محمد بن كثير. "ما رأيت أحداً أعبد ولا أزهد ولا الخوف عليه أبين منه" مات سنة 163.

ص: 73

كلهم: صدق. قلت: من هو؟ قال: أحمد بن حنبل.

وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفتُ بها رجلاً أفضلَ ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل.

وقال الزعفراني: قال لي الشافعي: ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي.

وقال محمد بن إسحق بن راهَويه. سمعت أبي يقول: قال لي أحمد ابن حنبل: تعالَ حتى أريَكَ رجلاً لم تَر مثلَه، فذهب بي إلى الشافعي، قال أبي: وما رأى الشافعي مثلَ أحمد بن حنبل، وْلولا أحمد وبَذل نفسه لما بذلها له لذَهَب الإسلام.

وعن إسحق قال: أحمد حجةٌ بين الله وبين خلقه.

وقال محمد بن عبدويه: سمعت علي بن المديني، وذكرَ أحمد بن حنبل، فقال: هو أفضل عندي من سعيد بن جبيرٍ في زمانه، لأن سعيدًا كان له نظراء، وإن هذا ليس له نظير، أوكما قال.

وقال علي بن المديني: إن الله أعز هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الرِدة، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنَة.

وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم.

وذكر الحكاية.

وقال محمد بن نصر الفراء: سمعت أبا عبيد يقول: أحمد بن حنبل إمامُنا، إني لأتَزين بذكره.

وقال أبو بكر الأثرم عن أبى عبيد، مارأيت رجلاً أعلم بالسنة من

ص: 74

أحمد.

وقال أحمد بن حسن الترمذي: سمعت الحسن بن الربيع يقول: ماشبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وجِماعة، فجعلوا يثنون علىِ أحمد بن حنبل، فقال رجل: لا تكثروا، بعض هذا! فقال يحيى بن معين: وكثرة الثناء على أحمد تستكثر! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ماذكرنا فضائله بكمالها.

وقال عباس عن ابن معين- ما رأيت مثل أحمد وقال أبو جعفر النُّفيلى: كان أحمد من أعلام الدين.

وقال المرُّوذي: حضرت أبا ثور سئل عن مسئلة، فقال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا كذا وكذا.

وقال إبراهيم الحربي: قال ابن معين: ما رأيت أحداً يحدّث لله إلا ثلاثة: يعلى بن عبيد، والقعنبي، وأحمد بن حنبل.

وقال عباس الدُّوري: سمعت ابنَ معين يقول: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبداً.

وقال أبو خيثمة: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ولا أشدَّ قلباً منه.

وقال على بن خشرم: سمعت بشر بن الحرث وسئل عن أحمد بن حنبل، فقال: أنا أُسأل عن أحمد؟! إن أحمد أُدخِلَ الِكيرَ فخرج ذهباً أحمر. رواها جماعة عن ابن خشرم.

ص: 75

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أصحاب بشر بن الحرث حين ضُرب أحمد في المحنة: يا أبا نصر، لو أنك خرجت فقلت إني على قول أحمد بن حنبل! فقال بشر: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء! رويت من وجهين عن بشر، وزاد أحدهما: قال بشر: حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه.

وقال القاسم بن محمد الصائغ سمعت المرُّوذِيَّ يقول، دخلت على ذي النون السجن ونحن بالعسكر، فقال: أي شيء حال سيدنا؟ يعني أحمد ابن حنبل.

وقال إسحق بن أحمد سمعت أبا زرعة يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل في فنون العلم، وما قام أحد مثل ما قام أحمد به.

وقال ابن أبى حاتم: قالوا لأبي زرعة: فإسحق بن راهويه؟ قال أحمد ابن حنبل أكبر من إسحق وأفقه، قد رأيت الشيوخ، فما رأيت أحدًا أكمل منه، اجتمع فيه زهد وفضل وفقه وأشياءكثيرة.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن علي بن المدينى، وأحمد بن حنبل، أيهما أحفظ. فقال: كانا في الحفظ متقاربين، وكان أحمد أفقه.

وقال أبي: إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة. وسمعت أبي يقول: رأيت قتيبة بمكة، فقلت لأصحاب الحديث: كيف تَغْفلون عنه وقد رأيتُ أحمد بن حنبل في مجلسه؟! فلما سمعوا هذا أخذوا نحوه وكتبوا عنه.

وقال محمد بن حماد الطهراني: سمعت أبا ثور يقول: أحمد بن حنبل أعلم أو أفقه من الثوري.

ص: 76

وقال محمد بن يحيى الذهلي: جعلت أحمد بن حنبل إمامًا فيما بيني وبين الله.

وقال نصر بن علي الجَهْضَمي: كان أحمد أفضل أهل زمانه.

وقال عمرو الناقد: إذا وافقنى أحمد على الحديث لا أُبالي من خالفني.

وقال محمد بن مهران الجمال وذكر له أحمد بن حنبل، فقال: ما بقي غيره.

وقال الخلال: حدثنا صاح بن علي الحلبي سمعت أبا همَّام السَّكُوني يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ولارأى أحدٌ مثله.

وقال محمد بن إسحق بن خزيمة: سمعت محمد بن سختويه البرذَعي يقول: سمعت أبا عمير عيسى بن محمد الرملي، وذكر أحمد بن حنبل، فقال: رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عرَضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.

وقال أبو حاتم الرازي: كان أبو عمير بن النحاس الرملي من عباد المسلمين، فقال لي: كتبت عن أحمد بن حنبل شيئا؟ قلت: نعم، قال: فأمْل علي، فأمليت عليه شيئًا.

وعن حجاج بن الشاعر قال: ما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أُصَلِّ على أحمد بن حنبل.

وعنه قال: قبّلت يومًا ما بين عين أحمد بن حنبل، وقلت: يا أبا عبد الله، بلغتَ مبلغ سفيان ومالك، ولم أظنَّ في نفسي أني بقيت غايةً، فبلغ والله في الإمامة أكثر من مبلغهمَا.

ص: 77

وعن حجاج بن شاعر قال: ما رأيت عيناي روحًا في جسدٍ أفضل من أحمد بن حنبل.

وعن محمد بن نصر المَرْوَزي قال: اجتمعت بأحمد بن حنبل وسألته عن مسائل، وكان أكثر حديثًا من إسحق بن راهويه وأفقه منه.

وعن محمد بن إبراهيم البوشنجِي قال: ما رأيت أجمع في كل شىء من أحمد بن حنبل ولا أعقل.

وقال محمدِ بن مسلم بن وَارَة: كان أحمد صاحبَ فقه، وصاحبَ حفظ، وصاحب معرفة.

وقال أبو عبد الرحمن النسَائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه، والورعَ والزهد والصبر.

وقإل خطاب بن بشر عن عبد الوهاب بن الحكم الورّاق: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فَردوه إلى عالمِه" رددناه إلى أحمد بن حنبل، وكان أعلم أهل زمانه.

وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذَكر الدنيا قطّ.

وقال صالح جزَرَةَ: أفقه من أدركتُ في الحديث أحمد بن حنبل.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه، وذُكر الشافعي عنده، فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه. قال عبد الله: كل شىء في كتاب الشافعي "أخبرنا الثقة". فهو عن أبي.

وقال الخلاّل: حدثنا أبوبكر المروذي قال: قدم رجل من الزهاد، فأدخلته على أبي عبد الله وعليه فرو خَلَقٌ وحزيقةٌ على رأسه وهو حافٍ في برد

ص: 78

شديد، فسلم وقال: يا أبا عبد الله، قد جئت من موضع بعيد، وما أردتُ إلا السلًام عليك، وأريدُ عبّادَانَ، وأريد إن أنا رجعت أن أمر بك وأسلمَ عليك، فقال: إن قدّر، فقام الرجل وأبو عبد الله قاعد، قال المروذي: ما رأيمت أحدًا قط قام من عَند أبي عبد الله حتى يقوم أبو عبد الله إلا هذا الرجل، فقال لي أبو عبد الله: ما ترى، ما أشْبَهه بالأبدال؟! أو قال: إني لأذكر به الأبدال! فأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أرغفة مشطورة بكامخ، وقال: لو كان عندنا شىء لواسيناك.

قال الخلال: وأخبرنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الداعي لك! قال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا، بأي شىء هذا! وقلت لأبي عبد الله: إن رجلاً قدم من طرسوس فقال لي: إنَّا كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليلُ رفعوا أصواتهم بالدعاء: ادعوا لأبي عبد الله، وكنا نمد المنجنيق ونرمي

عنه، ولقد رمي عنه بحجر والعلْج على الحصن متقوس بدرقة، فذهب برأسه وبالدرَقة، فتغير وجهه، وقال: لَيته لا يكون استدراجًا، فقلت: كلاً.

قال الخلال: وأخبرني أحمد بن حسين قال: سمعت رجلاً من خراسان يقول: عندنا أحمد بن حنبل يروْن أنه لا يُشبه البشَر، يظنون أنه من الملائكة. وقال لي رجل: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة.

قال الخلال: وقال المروذي: رأيت بعض النصارى الأطباء قد خرج من عند أبي عبد الله ومعه راهب، فسمعت الطبيب يقول: إنه سألني أن يجيء معي حتى ينظر إلى أبي عبد الله.

وقال المروذي: وأدخلتُ نصرانيًا على أبي عبد الله يعالجه، فقال. يا أبا عبد الله، إني لأشتهي أن أراك منذ سنين، ما بقاؤك صلاح الإسلام وحدهم، بل للخلق جميعًا، وليس من أصحابنا أحد إلا رضي بك: قال

ص: 79

المرّوذي: فقلت لأبي عبد الله: إني لأرجو أن يكون يدعَى لك في جميع الأمصار، فقال: يا أبا بكر، إذا عَرَف الرجل نفسَه في ينفعه كلام الناس.

وقال عبد الله بن أحمد: خرج أبي إلى طرسوس ماشيًا، وحج حجتين أو ثلاثًا ماشيًا، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبشرٌ فيما كان فيه لم يكن يصبر على الوحدة، كان يخرج إلى ذا وإلى ذا.

وقال عباس الدوري: حدثني علي بن أبي فزارة جارُنا، قال: كانت أمي مقعدةً من نحو عشرين سنة، قالت لي يوماً: اذهبْ إلى أحمد حنبل فسلْه أن يدعو لي، فأتيت فدققت عليه وهو في دهليز، فلم يَفْتَح لي، وقال: من هذا؟ قال: أنا رِجل سألتني أمي وهِي مقعدة أن أسألك أن تدعو الله لها، فسمعت كلامه كلامَ رجل مغْضب، فقال: نحن أحوج إلى أن تدعو الله لنا، فوليْتُ منصرفًا، فخرجت عجوزٌ فقالت: إني قد تركتُه يدعو لها، فجئت إلى بيتنا دققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي، وقالت: قد وهب الله لي العافية. رواها ثقتان عن عباس.

وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مائةَّ وَخمسين ركعة.

وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا علي بن الجَهْمِ قال: كان لنا جار فأخرج إلينا كتابًا، فقال: أتعرفون هذا الخط؟ قلنا: هذا خط أحمد بن حنبل، فكيف كَتب لك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة، ففقدنا أحمد أيامًا، ثم جئنا لنسأل عنه، فإذا الباب مردود عليه وعليه خلِقان، فقلتُ: ما خَبرُك؟ قال: سُرقت ثيابي، فقلت له معي دنانير، فإن شئت صلةً وإن شئت قرضًا، فأبى، فقلت: تكتُب لي بأجرةٍ؟ قال: نعم، فأخرجت

ص: 80

دينارًا، فقال: اشتر لي ثوبًا واقطعْه نصفين، يعني إزارًا ورداءً، وجئنى ببقية الدنانير، ففعلتُ وجئت بورَق، فكتب لي هذا.

وقال عبد الرزْاق: عرضت على أحمد بن حنبل دنانير فلم يأخذها.

وقال إسحق بن راهويه: كنت أنا وأحمد باليمن عند عبد الرزّاق، وكنت أنا فوق الغرفة وهو أسفل، وكنت إذا جئتُ إلى موضع اشتريت جارية، قال: فاطلعت على أن نفقته فنيتْ، فعرضتُ عليه فامتنع، فقلت: إن شئت قرضًا، وإن شئت صلة، فأَبَى، فنظرت فإذا هو ينسج التكك ويبيع وينفق. رواها أبو إسماعيل الترمذي عنه.

وعن أبي إسماعيل قال: أتى رجل بعشرة آلاف درهم من ربح تجارته إلى أحمد، فأبَى أن يقبلها.

وقال عبد الله عن أبيه قال: عرض عليّ يزيد بن هرون نحو خمسمائة درهم فلم أقبلها. فقيل إن صيرفيًا وصل أحمد بخمسمائة دينار فردها.

وقال صالح: دخلت على أبي أيام الواثق، والله يعلم كيف حالنا، فإذا تحت لبده ورقة فيها: يا أبا عبد الله، بلغني ما أنت فيه من الضيق، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم. فلما ردَّ أبي من صلاته قلت: ما هذا؟ فاحمر وجهه، فقال: رفعتها منك، ثم قال: تذهب بجوابه، فكتب إلى الرجل:

وصل كتابك ونحن في عافية، فأما الديْنُ فلرجل لا يُرهقنا، وأما العيال فهم في نعمة الله، فذهبت بالكتاب، فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك، فامتنع، فلما مضى نحو سنة ذكرناها، فقال: لو انا قبلنا كانت قد ذهبت.

وقال جماعةٌ: حدثنا سَلَمة بن شبيب قال: كنا في أيام المعتصم عند

ص: 81