الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة]
مشكلة السرف في المجتمع المسلم وعلاجها في ضوء الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة حمداً لك اللهم. وصلاة وسلاما على خاتم رسلك.
أما بعد:
فإن الإنسان بطبعه ميال إلى المال، يحب جمعه والتكاثر به {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] العاديات / 8.
كما يحب - من خلال المال - أن يحقق رغباته ويشبع نهمه، ففي الحديث:«منهومان لا يشبعان: منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع» رواه الحاكم في المستدرك 1 / 92، وكل ذلك غريزة لا فكاك منها {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14] آل عمران / 14.
والإسلام لا يعادي هذه الغريزة ولا يتجاهلها، ولكنه ينظمها ويوجهها بما يليق بالمسلم ووظيفته في الحياة.
فيطالب المسلم بالكسب الحلال الطيب، وصرفه في مصارفه المشروعة (الواجبة والمندوبة والمباحة) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168] البقرة: 168.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] البقرة: 267.
ولا يجوز له أن ينفقه فيما فيه ضرر عليه أو على مجتمعه، بل عليه أن يتصرف فيه بالحكمة، وفقاً لمراد الشارع.
وعندئذ يكون معتدلا في نفقته، قائماً بالقسط. فإن تجاوز الحد المشروع فإنه
يكون قد دخل في دائرة الإسراف والتبذير.
وهما (الإسراف والتبذير) من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد الأمم والشعوب بالوقوع في الترف والبذخ، والأشر والبطر، ومن ثم تعرضها للهلاك العام والعاجل.
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] الإسراء: 16.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] النحل: 112.
والإسلام وهو يحارب هذه الآفة (الإسراف والترف) فإنه يحارب كذلك ما يقابلها من الآفات، من البخل والشح والتقتير ومنِعِ الزكاة ونحو ذلك.
إذ الأمر وسط بين الإفراط والتفريط {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] الإسراء: 29.
والمجتمعات المسلمة في عمومها قديمها وحديثها لا تخلو من وجود هذه المشكلات المتناقضة، وتفشيها أحياناً، حتى تكون ظاهرة عامة.
ولئن كانت تختلف تلك المشكلات من زمان إلى زمان ومن بيئة إلى أخرى، فإن المعاناة والشكوى قاسم مشترك.
ومجتمعنا المعاصر ولا سيما في منطقة الخليج العربي سرت فيه ظاهرة السرف حتى تحولت إلى مشكلة تستحق الدراسة والمعالجة.
وبتوفيق من الله تعالى ثم بتشجيع من وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية قمت بهذه الدراسة النظرية المختصرة لهذه المشكلة رغبة في الإسهام مع أهل العلم والفكر والرأي بتشخيص هذه المشكلة ومحاولة معالجتها في ضوء الإسلام والواقع.
فشكر الله لهذه الوزارة - ممثلة بمعالي وزيرها ونائبه ووكلائه - صنعهم ومؤازرتهم.
وإذا كانت هذه الدراسة قد ركزت على الجانب النظري من المشكلة، فإنها لم تخل من الإشارات إلى الواقع الاجتماعي، وضرب بعض الأمثلة من تطبيقاته، على أن تكون عبرة.
وبهذا نكون اعتمدنا المنهج الوصفي والتحليلي أولا، ثم التطبيقي ثانيا.
وقد تكونت خريطة البحث إجمالا من:
تمهيد وخمسة مباحث وخاتمة.
أما التمهيد فعن وسطية الإسلام.
وأما المباحث فهي كالآتي:
الأول: في مفهوم السرف.
الثاني: السرف في نصوص القرآن والسنة وكلام أهل العلم والحكمة.
الثالث: أقسام السرف ومجالاته.
الرابع: الآثار السلبية للسرف.
الخامس: علاج مشكلة السرف.
وأما الخاتمة: فجاء التركيز فيها على ذم التكلف وبيان خطره.
وقد أسميت هذا البحث (مشكلة السرف في المجتمع المسلم وعلاجها في ضوء الإسلام) .
وأسأل الله العلي القدير أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه وعلماً نافعاً لخلقه، يرتفع لنا به الذكر، ويعظم به الأجر.
إنه خير مسؤول.
المؤلف
في 20 / 4 / 1419 هـ