المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ثالثا أقسام السرف من حيث طبيعة ما يقع عليه الإسراف] - مشكلة السرف في المجتمع المسلم وعلاجها في ضوء الإسلام

[عبد الله الطريقي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[المبحث الأول مفهوم السرف]

- ‌[أولا التعريف بالسرف]

- ‌[ثانيا التعريف بالمصطلحات والألفاظ ذات الصلة]

- ‌[التبذير]

- ‌[إضاعة المال]

- ‌[الترف]

- ‌[الاقتصاد]

- ‌[الإنفاق]

- ‌[الجود]

- ‌[البخل]

- ‌[المبحث الثاني السرف في نصوص القرآن والسنة وكلام العلماء والحكماء]

- ‌[أولا السرف في نصوص القرآن الكريم]

- ‌[ثانيا السرف في نصوص السنة النبوية]

- ‌[ثالثا الإسراف في نصوص العلماء والحكماء]

- ‌[المبحث الثالث أقسام السرف ومجالاته]

- ‌[المطلب الأول أقسام السرف]

- ‌[أولا أقسام السرف من حيث متعلقه]

- ‌[ثانيا أقسام السرف من حيث فاعله]

- ‌[ثالثا أقسام السرف من حيث طبيعة ما يقع عليه الإسراف]

- ‌[المطلب الثاني مجالات السرف]

- ‌[المبحث الرابع الآثار السلبية للسرف]

- ‌[مدخل]

- ‌[المطلب الأول الآثار الدينية]

- ‌[المطلب الثاني الآثار النفسية]

- ‌[المطلب الثالث الآثار الاجتماعية]

- ‌[المطلب الرابع الآثار الاقتصادية]

- ‌[المطلب الخامس الآثار البدنية]

- ‌[المبحث الخامس علاج مشكلة السرف]

- ‌[المطلب الأول وسائل علاج مشكلة السرف]

- ‌[المطلب الثاني أساليب العلاج]

الفصل: ‌[ثالثا أقسام السرف من حيث طبيعة ما يقع عليه الإسراف]

[ثالثا أقسام السرف من حيث طبيعة ما يقع عليه الإسراف]

ثالثا: أقسام السرف من حيث طبيعة ما يقع عليه الإسراف: هذا فيما ظهر لي قسمان:

1 -

الإسراف في الإنفاق.

2 -

الإسراف في الاستهلاك.

وأقصد بالأول صرف المال في وجوهه المختلفة.

وبالثاني: استنفاد الممتلكات والمباحات وإهلاكها.

وفي التعريف بالمصطلحات عرفنا أن الإنفاق في اللغة هو بمعنى الإنفاد والإفناء، وعلى هذا فيدخل فيه الاستهلاك.

غير أنه لما أصبح الإنفاق قد شاع بمعنى صرف المال، رأيت الفصل بينهما من أجل التقريب والتسهيل للفهم.

(1)

أما الإسراف في الإنفاق فيدخل في مجالات ثلاثة:

1 -

الإنفاق في الطاعة (الخير) .

2 -

الإنفاق في المعصية (الشر) .

3 -

الإنفاق في المباح.

وقد بحثناها في أول المطلب في التقسيم الأول (أقسام السرف من حيث متعلقه) .

فنستغني بذلك عن التكرار.

(2)

وأما الإسراف في الاستهلاك، فأعني به استنزاف الثروات والمحاصيل والعناصر البيئية الطبيعية والمرافق العامة. فإن الله تعالى قد سخر للإنسان عموم

ص: 52

الكائنات.

قال عز وجل: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13](1) .

وقال: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20](2) .

والمطلوب من الإنسان أن يصرف هذه المسخرات في إطار وظيفته الرئيسة (عبادة الله وطاعته){وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56](3) .

وذلك فيما يحقق المصلحة العامة والخاصة، العاجلة والآجلة، حاشا ما كان فيه مفسدة عامة أو خاصة، عاجلة أو آجلة، فإنه لا يجوز أن تصرف فيه تلك المسخرات.

ومن مظاهر هذه المسخرات وعناصرها:

- الهواء.

- الماء.

- التربة.

- النبات والمحاصيل الزراعية.

- الحيوان.

وكلها من نعم الله الظاهرة التي يجب المحافظة عليها وتقييدها بالشكر {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7](4) .

وقد حذر الشارع من إتلاف هذه النعم وإفسادها بأي لون من

(1) الجاثية: 13.

(2)

لقمان: 20.

(3)

الذاريات: 56.

(4)

إبراهيم: 7.

ص: 53

ألوان الإفساد، ما لم يكن في ذلك مصلحة راجحة.

قال سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56](1) .

يقول ابن كثير (ت 774 هـ) : " ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح، فإذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان آخر ما يكون على العباد. . . "(2) .

وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ - وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204 - 205](3) .

وهذه الآية - كما يقول القرطبي (ت 671 هـ) : " تعم كل فساد كان، في أرض أو مال أو دين، وهو الصحيح إن شاء الله "(4) .

وقريب من هذه الآية قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23](5) .

يقول الشيخ الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ) : " وفي الآية إشعار بأن الفساد في الأرض وقطيعة الأرحام من شعار أهل الكفر، فهما جرمان كبيران يجب على المؤمنين اجتنابهما "(6) .

وهكذا يظهر أن الفساد جريمة اجتماعية تجب محاربتها وذلك أن من أهم مقاصد التشريع - كما يقول ابن عاشور -: " حفظ نظام العالم، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه، وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه صلاح عقله

(1) الأعراف: 56، 85.

(2)

تفسير القرآن العظيم 2 / 231.

(3)

البقرة: 204 - 205.

(4)

الجامع لأحكام القرآن 3 / 18.

(5)

محمد: 22، 23.

(6)

التحرير والتنوير 26، 113 بتصرف يسير.

ص: 54

وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه، قال الله حكاية عن بعض رسله وتنويها به. . . {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88] (1) .

وقال حكاية:. . {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142](2) فهذه أدلة صريحة كلية دلت على أن مقصد الشريعة إصلاح هذا العالم وإزالة الفساد منه، وذلك في تصاريف أعمال أهل العالم. . . . ولقد علمنا أن الشارع ما أراد الإصلاح المنوه به مجرد صلاح العقيدة وصلاح العمل بالعبادة كما قد يتوهم، بل أراد منه صلاح أحوال الناس وشئونهم في الحياة الاجتماعية، فإن قوله تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205] أنبأنا بأن الفساد المحذر منه هنالك هو إفساد موجودات هذا العالم. . . " (3) .

وإذ عرفنا أن الفساد للبيئة وعناصرها مما حظره الشارع؛ فإن الإسراف في استعمالها والاستفادة منها يعد لونا من ألوان الإفساد.

(1) هود: 88.

(2)

الأعراف: 142.

(3)

مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور ص63 - 65.

ص: 55