الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الخامس الآثار البدنية]
المطلب الخامس: الآثار البدنية (الصحية) تعود كثير من آثار الإسراف إلى الإنسان في بدنه، وبالأخص فيما يتعلق بالأغذية والأدوية.
فإنه متى أسرف في استعمالها أصيب بعلل كثيرة.
ولعل من المفيد - قبل الشروع في ذكر الآثار - أن نشير إلى أسباب الإسراف هذا ودواعيه.
يذكر بعض أهل الاختصاص هنا أن الأسباب تعود إلى شيء واحد هو: الشره، وهو شدة الحرص على الطعام والتعلق به.
وقد يكون سبب ذلك عضويا وقد يكون نفسيا.
فالنفس وما تعتاده.
والنفس راغبة إذا رغبتها
…
وإذا ترد إلى قليل تقنع
وكما يقول الشاعر الآخر:
فالنفس إن أعطيتها هواها
…
فاغرة نحو هواها فاها
ويقول الآخر:
إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله
…
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
ولعل من أهم أسباب الشره:
1 -
بعض الحالات المرضية الجسمية، كالإصابة بالديدان المعوية، والداء السكري والحمل والسل الرئوي.
وبالنسبة لكثرة العطش فإن من أسبابه:
الإسهال المزمن، والتعرق الشديد، وزيادة ملح الطعام.
2 -
اضطراب حياة الفرد الانفعالية، فكما يكون الشره ظاهرة للحرمان،
كذلك يمكن أن يكون ظاهرة للتدليل.
3 -
الهرب من الواقع الأليم - الذي قد يصيب الإنسان أحيانا - فيحاول التفريج عن نفسه بالأكل والشرب بدون وعي بالعواقب.
4 -
حب الملذات والشهوات والتعلق بها.
5 -
تقليد الآخرين ومحاكاتهم.
فالمرء من جليسه، فمن جالس أهل الشره والنهم تابعهم ولو مجاملة (1) .
أما الآثار البدنية فمن أهمها:
1 -
إجهاد الجهاز الهضمي - وعلى الأخص المعدة - مما يترتب عليه ظهور القرحات في أحد أعضاء الجهاز، وعسر الهضم، واحتقان الكبد، وتوسع المعدة، ومصاعب كثيرة لا حصر لها.
ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه» (2) .
2 -
الإصابة بأمراض الدُّوار، وأمراض القلب والأوعية ومرض السكر.
3 -
الإسراف يسبب البدانة أو البطنة، ذات المضاعفات الخطيرة: كالسكر وارتفاع الضغط، وأمراض الشرايين وتشكل الحصى في الكلية والمرارة، والتهاب المفاصل التي تنوء بحمل الجسم، وأرطال الدهون المتكدسة، كما تزيد العبء على القلب والدورة الدموية.
ورحم الله عمر بن الخطاب إذ يقول: " إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف، وأن الله ليبغض الحبر السمين "(3) .
(1) ينظر: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) للدكتور محمود ناظم، مقال في مجلة حضارة الإسلام رحب 1394 هـ ص 54 - 57.
(2)
رواه الترمذي في السنن، ك: الزهد الباب 47، وقال: حسن صحيح.
(3)
كنز العمال 15 / 433 - ح / 41713.
كما يقول الشاعر:
أقلل طعامك ما استطعت فإنه
…
نفع الجسوم وصحة الأبدان
لا تحش بطنك بالطعام تسمنا
…
فجسوم أهل العلم غير سمان
" ومن المفيد أن نتذكر أن ما يزيد عن حاجة الجسم من ذات الوجبة الغذائية يتحمله الجسم "(1) .
" فمقتضى العقل. . . أن يكون التناول للمطعم والمشرب مقدار الحاجة والمصلحة ليقع الالتذاذ بالعافية "(2) .
4 -
وللإسراف في الأكل والشرب مضار أخرى، ولا سيما في شهر رمضان، فإنه ينتج عنه بطء في الحركة، والإحساس بالخمول والكسل، والإصابة بالإرهاق نتيجة إرهاق الكبد وبقية أعضاء الجهاز الهضمي.
5 -
وحيث إن الإسراف سلم إلى الترف، فإن هذا الثاني يؤثر في صحة صاحبه وصحة أولاده، حتى ليجد المرء أمراضا جسدية مستعصية أحيانا، يقال لها: أمراض الأغنياء (3) .
(1) من مقالة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) د. محمود ناظم - مجلة حضارة الإسلام شعبان 1394 هـ ص 11.
(2)
صيد الخاطر لابن الجوزي ص 585. دار الكتاب العربي.
(3)
يراجع في ذلك:
- الطب من الكتاب والسنة لموفق الدين البغدادي، تحقيق عبد المعطي قلعجي ص 14 فما بعدها، مع حواشي المحقق.
- كلوا واشربوا ولا تسرفوا: مجلة حضارة الإسلام، شعبان 1394 هـ، ص 10 - 12.
- قضية الإسراف في شهر رمضان في نظر علماء الشريعة والاقتصاد والنفس والطب: في مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 178 رمضان 1416 هـ تحقيق بسيوني الحلواني ص 54 فما بعدها.
- أثر الترف في إفساد التربية والأخلاق والمجتمع: في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية، العدد 14 صفر 1391 هـ للدكتور وهبه الزحيلي ص 61.
- السياسة الاقتصادية والإسلامية ترشيد الاستهلاك الفردي للسلع والخدمات. للدكتور بيلي إبراهيم العليمي - بحث في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 24 - رجب. شعبان. رمضان 1415 هـ ص 170 فما بعدها.