الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الأول الآثار الدينية]
المطلب الأول: الآثار الدينية الدين من ضرورات الحياة الإنسانية، بل أهم الضرورات، والمحافظة عليه مما يخدشه فرض على كل مسلم.
وبضياع الدين يخسر الإنسان حياته الدنيوية والأخروية. {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3]
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
…
فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فما آثار السرف التي تنعكس على الدين سلبا؟ هنا نحاول إبرازها في النقاط الآتية: (1) .
1 -
أن في السرف مجاوزة لحدود الله التي حدها وفرضها، وقد قال الحق:. . {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229](2) .
ووجه كون السرف تجاوزا لحدود الله، أن الله تعالى نهى عنه في آيات كثيرة، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وحسبنا قوله سبحانه:. . {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141](3) .
والمسرف مرتكب للنهي، فيكون قد تجاوز حدود الله التي حدها وهي الاعتدال والتوسط.
(1) يراجع في هذا: الإسراف أسبابه وآثاره للدكتور محمد السيد نوح. مجلة الاقتصاد الإسلامي ص22 العدد 50 محرم 1406هـ.
(2)
سورة البقرة: 229.
(3)
الأنعام: 141، والأعراف:31.
2 -
الإسراف والتبذير كفر بنعمة الله، وطغيان في الأرض، قال تعالى {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27] (1) .
يقول الألوسي (ت1270 هـ) : " وفي تخصيص هذا الوصف بالذكر (2) من بين صفاته القبيحة إيذان بأن التبذير الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها من باب الكفران المقابل للشكر "(3) .
3 -
متابعة الشيطان ومؤاخاته قال سبحانه:. . {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا - إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26 - 27](4) .
" ومعنى ذلك أن التبذير يدعو إليه الشيطان؛ لأنه إما إنفاق في الفساد، وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات فيعطل الإنفاق في الخير، وكل ذلك يرضي الشيطان، فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وأعوانه، وهذا تحذير من التبذير، فإن التبذير إذا فعله المرء اعتاده فأدمن عليه فصار له خلقا لا يفارقه فشأن الأخلاق الذميمة أن يسهل تعلقهما بالنفوس. . . فإذا بذر المرء لم يلبث أن يصير من المبذرين أي المعروفين بهذا الوصف، والمبذرون إخوان الشياطين، فليحذر المرء من عمل هو من شأن إخوان الشياطين، وليحذر أن ينقلب من إخوان الشياطين "(5) .
4 -
تعريض المسرف نفسه للعقوبة الدنيوية أو الأخروية، أو كليهما، قال سبحانه:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} [القصص: 58](6) .
(1) الإسراء: 27.
(2)
أي في وصف الشيطان بأنه كفور.
(3)
روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني 15 / 63.
(4)
الإسراء 26 - 27.
(5)
التحرير والتنوير لابن عاشور 15 / 81.
(6)
القصص: 58.
وقد قص الله سبحانه في كتابه ما فعله قارون من جمع للمال، وكنز له، ومنعه حقه وزهوه به، ثم نتيجة ذلك {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص: 81] (1) .
" فكما رفع نفسه على عباد الله، أنزله الله أسفل سافلين هو وما اغتر به من داره وأثاثه ومتاعه "(2) .
5 -
الحرمان من التوفيق والهداية الإلهية، يقول سبحانه على لسان مؤمن آل فرعون في سياق دفاعه عن موسى عليه الصلاة والسلام:. . {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28](3) .
6 -
المساءلة بين يدي الله تعالى، فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» (4) .
ومن نوقش الحساب هلك.
يؤكد ذلك قوله سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8](5) .
وقد اختلف من المسؤول هنا أهو المؤمن أم الكافر، وأي شيء هو النعيم؟ قال في مفاتيح الغيب:" والحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعيم، سواء كان مما لا بد منه أو لا، لأن كل ذلك يجب أن يكون مصروفا إلى طاعة الله لا إلى معصيته، فيكون السؤال واقعا عن الكل "(6) .
(1) القصص: 81.
(2)
تيسير الكريم الرحمن ص574.
(3)
غافر: 28.
(4)
رواه الترمذي في سننه وقال: حسن صحيح، ك: صفة القيامة - الباب: 1ح / 2417، ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده: 9 / 178 الحديث رقم 5271 بلفظ فيه اختلاف.
(5)
آخر سورة التكاثر.
(6)
مفاتيح الغيب للرازي 32 / 82، الطبعة الثالثة 1405، دار الفكر.