المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطبقة الثالثة: وهم من التابعين - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌الطبقة الثالثة: وهم من التابعين

‌الطبقة الثالثة: وهم من التابعين

1-

يحيى بن وثاب الأسدي الكوفي القارئ العابد أحد الأعلام، مولى بني أسد

روى عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وعن مسروق وعبيدة السلماني وزر، وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي عمرو الشيباني وعلقمة والأسود، وقرأ على بعضهم.

قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضا عن علقمة والأسود ومسروق والشيباني وأبي عبد الرحمن، قلت: الثابت هكذا بالأصل ولعله الثابت أنه قرأ القرآن كله على عبيد بن نضيلة صاحب علقمة كل يوم آية.

قال أبو بكر بن عياش عن عاصم، قال: تعلم يحيى بن وثاب من عبيد بن نضيلة آية آية، وكان والله قارئا.

قلت: قرأ عليه الأعمش وطلحة بن مصرف وأبو حصين الأسدي وحمران بن أعين، وحدث عنه عاصم بن أبي النجود وأبو العميس عتبة المسعودي، وأبو حصين عثمان بن عاصم وآخرون.

قال محمد بن جرير الطبري: يحيى بن وثاب مولى بني كاهل من بني أسد بن خزيمة، كان مقرئ الكوفة في زمانه.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي:1 تابعي ثقة الكوفة، وكان يؤم قومه، فأمر الحجاج أن لا يؤم بالكوفة إلا عربي.

فقال ليحيى قومه: اعتزل. فقال الحجاج: من هذا؟ قالوا: يحيى بن وثاب.

1 العجلي هو: هارون بن سعد العجلي ويقال: الجعفي الكوفي الأعور روى عنه أبو حازم الأشجعي وأبو إسحاق السبيعي وأبو الضحى والأعمش وغيرهم، وعنه شجت والثورى وشريل وقيس بن الربيع والحسن بن حسين وعبد الرحيم بن هارون الغساني، وآخرون. قال أحمد: روى عنه الناس وهو صالح. وكان عثمان الدارمي عن ابن معين ليس به بأس. وكان ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا بأس به. وذكره ابن حيان في الثقات. "التبصير ص75. وتهذيب التهذيب 11/ 6".

ص: 33

قال: ما له؟ قالوا: أمرت أن لا يؤم إلا عربي فنحاه قومه، فقال: ليس عن مثل هذا نهيت، وقال: فصلى بهم يوما. ثم قال: اطلبوا إماما غيري، إنما أردت أن لا تستذلوني، فإذا صار الأمر إلي فأنا لا أؤمكم.

وقال الأعمش: كان يحيى بن وثاب إذا قضى الصلاة مكث ما شاء الله تعرف فيه كآبة الصلاة، وقال عبيد الله بن موسى: كان الأعمش يقول: يحيى بن وثاب أقرأ من بال على تراب.

وقال شعيب الصريفيني: ثنا يحيى بن آدم سمعت حسن بن صالح يقول: قرأ يحيى على علقمة وقرأ علقمة على ابن مسعود، فأي قراءة أفضل من هذه.

وروي عن زائدة قلت للأعمش: على من قرأ يحيى؟ قال: على علقمة والأسود ومسروق.

وقال يحيى بن معين: ثنا ابن أبي زائدة قال: قال الأعمش: كان يحيى بن وثاب لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لا في عرض ولا في غيره، وقال يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش، قال: كان يحيى بن وثاب من أحسن الناس قراءة، وربما اشتهيت تقبيل رأسه لحسن قراءته وكان إذا قرأ لم يحس في المسجد حركة كأن ليس في المسجد أحد.

قلت: كان يحيى بن وثاب ثقة إماما كبير القدر، قال الأعمش: كنت إذا "رأيته قلت: هذا قد وقف للحساب يقول: أي رب أذنبت كذا أذنبت"1.

قال أبو محمد بن قتيبة: توفي سنة ثلاث ومائة.

أحمد بن عبد العزيز 2:

أبو جعفر بن القاص البغدادي القطفتي3 الزاهد المقرئ، قرأ الروايات على ابن بدران الحلواني، وأبي الخير المبارك بن الغسال، وسمع أبا القاسم بن بيان.

أقرأ الناس وحدث عنه أبو القاسم بن صصري وجماعة، توفي سنة ثلاث وسبعين

1 انظر/ تذكرة الحفاظ "1/ 106". تهذيب التهذيب "11/ 294". شذرات الذهب "11/ 125". طبقات ابن الجزري "2/ 380".

2 ما بين المعكوفتين تراجم لا علاقة لها بطبقة التابعين أثبتناها كما هي في الأصل "أ" فتنبه.

3 نسبة إلى قطف بضمتين قرية دون ثنية العقاب في طرف البرية من ناحية حمص.

ص: 34

وقد قرأ أيضا عليه أبو بكر محمد بن علي بن سلامة الأيدي، وقرأ عليه بالسبع عبد العزيز بن دلف1.

القاسم بن عبد الرحمن بن دحمان، أبو محمد الأنصاري المالقي.

أخذ عن منصور بن الخير وجماعة وبرع في العربية والقراءات وعللها، وتصدر مدة للأقراء أخذ عنه السهيلي وابن خروف، توفي في سنة خمس وسبعين وقد نيف على ثمانين سنة2.

يوسف بن إبراهيم بن عثمان الإمام أبو الحجاج العبدري الغرناطي المقرئ الحافظ، المعروف بالغزي ذكره الأبار.

فقال: أخذ القراءات عن عبد الرحيم بن الفرس الغرناطي، وأبي الحسن شريح ويحيى بن الخلوف وأبي الحسن بن الباذش.

وسمع منهم ومن أبي الحسن بن مفيث وأبي بكر بن العربي وأبي مروان الباجي، وخلق، وأجاز له أبو علي الصدفي وأبو بكر الطرطوشي، وأحكم العربية على أبي بكر بن مسعود النحوي.

قال: وكان حافظا محدثا فقيها مقرئا، راوية ضابطا مفسرا أديبا.

نزل في الفتنة نفوسة وولي خطابتها وأقرأ بها، أكثر عنه أبو عبد الله التجيبي، وقال: لم أر أفضل ولا أزهد منه ولا أحفظ لحديث وتفسير منه، روى عنه أبو عمر بن عياد وأبو سليمان بن حوط الله وأبو العباس بن عميرة، مات في شوال سنة تسع وسبعين وخمسمائة3.

محمد بن خالد بن بختيار أبو بكر الأزجي الرزاز المقرئ الضرير النحوي.

أبو بكر الأزجي4 الرزاز المقري الضرير النحوي، قرأ بالروايات على أبي عبد الله بن البارع، وأبي محمد سبط الخياط، ودعوان بن علي، وأقرأ الناس مدة وكان عارفا بوجوه القراءات، تخرج به جماعة في العربية، توفي في سنة ثمانين وخمسمائة5.

1 انظر/ طبقات ابن الجزري "1/ 70".

2 انظر/ طبقات ابن الجزري "2/ 19".

3 انظر/ طبقات ابن الجزري "2/ 136".

4 نسبة إلى محلة ببغداد تسمى باب الأزج انظر/ القاموس المحيط "1/ 176".

5 انظر/ طبقات القراء لابن الجزري "2/ 136".

ص: 35

عساكر بن علي بن إسماعيل أبو الجيوش المصري المقرئ النحوي الشافعي المعدل ولد سنة تسعين وأربعمائة.

وقرأ القراءات على أبي الخير أحمد بن محمد شمول وعلي بن عبد الرحمن الحضرمي، ونفطويه، وإبراهيم بن أغلب النحوي، والشريف الخطيب، وتفقه على قاضي القضاة مجلى بن جميع.

وقرأ العربية وتصدر للإقراء بدار العلم، وبالجامع الظافري وانتفع به الناس، وكان ذا صلاح ودين، أخذ عنه علم الدين السخاوي وغيره، والحسن بن سيف المصري، والعفيف بن الرياح، ومات في المحرم سنة إحدى وثمانين وخمسمائة1.

الحسن بن علي بن عبيدة أبو محمد الكرخي 2 المقرئ النحوي.

قرأ بالروايات على سبط الخياط وأبي منصور بن خيرون، وأبي البركات عمر بن إبراهيم الكوفي، وسمع من قاضي المرستان، وأخذ العربية عن أبي السعادات بن الشجرى، والفرائض والحساب وأقرأ الناس مدة.

وكان رأسا في القراءات، توفي في شوال سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، ومن شعره:

وما شنآن الشيب من أجل لونه

ولكنه حاد إلى الموت مسرع

إذا ما بدت منه الطليعة آذنت

بأن المنايا بعدها تتطلع3، 4

2-

الحسن بن أبي الحسن البصري أبو سعيد، سيد أهل زمانه علما وعملا.

قرأ القرآن على حطان القرشي عن أبي موسى، روى القراءة عنه يونس بن عبيد، وأبو عمرو بن العلاء وسلام الطويل فيحاقيل، وغيرهم ومناقبه وأخباره يطول شرحها، توفي سنة عشر ومائة5.

3-

عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، قرأ القرآن على أبيه.

قرأ عليه أخوه محمد بن عبد الرحمن القاضي، وأبوهما ممن قرأ على علي رضي الله عنه، وعيسى وثقه ابن معين وله رواية قليلة في السنن6.

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "2/ 130". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 512".

2 نسبة إلى محلة ببغداد وتسمى الكرخ. انظر/ القاموس المحيط "1/ 226".

3 انظر/ ترجمته في طبقات القراء لابن الجزري "1/ 24".

4 إلى هنا نهاية التراجم التي لا علاقة لها بطبقة التابعين. طالب العلم/ محمد فارس.

5 انظر/ سير أعلام النبلاء "4/ 563".

6 انظر تهذيب التهذيب "8/ 219".

ص: 36

4-

مجاهد بن جبر الإمام أبو الحجاج مولى السائب بن أبي السائب المخزومي المكي المقرئ المفسر أحد الأعلام.

قرأ على ابن عباس، وروى عن عائشة وأبي هريرة، وسعد وعبد الله بن عمرو، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم قرأ عليه ابن كثير، وأبو عمرو وابن محيصن وغيرهم، وحدث عنه قتادة، والحكم، وعمرو بن دينار، وأيوب ومنصور والأعمش وابن عون وخلق، وجاء عنه أنه قرأ القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، والذي صح عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقفه عند كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟. وقال شباب العصفري عن معاذ المعلم سمع أبا مدثر سمعت مجاهدا يقول: ختمت القرآن على ابن عباس تسعا وعشرين مرة. قال قتادة: أعلم من بقي في التفسير مجاهد. وقال سلمة بن كهيل: كان مجاهد ممن يريد بعلمه الله وعن مجاهد قال: ربما أخذ لي ابن عمر بالدكاب.

وقال الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا ازدريته متبذلا كأنه خذ بندج قد ضل حماره.

قلت: توفي سنة ثلاث ومائة وقد نيف على الثمانين1.

5-

يحيى بن يعمر العدواني أبو سليمان البصري، أخذ القراءة عرضا عن أبي الأسود الدؤلي وسمع ابن عباس، وابن عمر، وعائشة وأبا هريرة وروى أيضا عن أبي ذر، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم.

قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وعبد الله بن أبي إسحاق الخضرمي وحدث عنه قتادة، ويحيى بن عقيل، وعطاء الخراساني وسليمان التيمي وإسحاق بن سويد وولي قضاء خراسان لقتيبة بن مسلم.

وهو أول من نقط المصحف، وكان فصيحا مفوها عالما، أخذ العربية عن أبي الأسود، ثم إن قتيبة عزله لما بلغه عنه شرب المنصف.

قال عمر: أنا القطان عن قتادة عن نصر بن عاصم عن عبد الله بن فطيمة، عن يحيى بن يعمر قال: قال عثمان رضي الله عنه في القرآن لحن ستقيمه العرب بألسنتها.

قال خليفة: توفي يحيى بن يعمر قبل سنة تسعين2.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "8/ 219".

2 انظر/ طبقات ابن سعد "7/ 368". سير أعلام النبلاء "4/ 441".

ص: 37

6-

سعيد بن جبير بن هشام الإمام العالم أبو عبد الله الأسدي الوالي مولاهم الكوفي.

قرأ على ابن عباس قرأ عليه أبو عمرو والمنهال بن عمرو وقد حدث عن ابن عباس وعدي بن حاتم وابن عمر وعبد الله بن معقل وأبي هريرة رضي الله عنهم وغيرهم، روى عنه الحكم وأيوب وجعفر بن أبي المغيرة ومحمد بن سوقة والأعمش وخلق كثير، فعن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال لسعيد بن جبير جهبذ1 العلماء وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: يا أهل الكوفة، تسألوني وفيكم سعيد بن جبير! خرج سعيد مع ابن الأشعث على الحجاج ثم اختفى وتنقل في النواحي ثم أتى به الحجاج فقتله، لكونه قوى نفسه ولم يعتذر إليه، وكان سعيد من سادة التابعين علما وفضلا وصدقا وعبادة.

ثبت عنه أنه قال لابنه: ما يبكيك ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة. قال الفضل بن سويد الضبي: دعاه الحجاج وأنا شاهد فأقبل يعاتبه معاتبة الرجل ولده، فانفلتت من سعيد كلمة، فقال: إن ابن الأشعث عزم علي، قال ربيعة الرأي: كان سعيد بن جبير من العلماء العباد.

قلت: استشهد بواسط2 في شعبان، سنة خمس وتسعين، وروى عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال: مات سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه3.

وقال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد، وعن هلال بن يساف، دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة، وقيل إنه كان يختم في كل ليلتين4.

7-

حمران بن أعين مولى بني شيبان، كوفي مقرئ كبير.

قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضا وسماعا عن عبيد بن نضيلة، وأبي حرب بن أبي الأسود ويحيى بن وثاب.

1 الجهبذ بالكسر النقاد الخبير. "الظن القاموس المحيط ص349ج".

2 واسط بلد سمي بالقصر الذي بناه الحجاج بين الكوفة والبصرة مذكر مصروف. "انظر مختار الصحاح ص720 مادة وس ط".

3 وفي طبقات ابن سعد ج1 ص257. قال كان ابن عباس بعد ما عمي إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه قال: تسألوني وفيكم ابن أم دهماء. قال يعقوب: يعني سعيد بن جبير.

4 انظر/ طبقات القراء لابن الجزري "1/ 305". تذكرة الحفاظ "1/ 76". تهذيب التهذيب "4/ 11". الحليلة "4/ 272". الخلاصة "116". الشذرات "1/ 108". طبقات ابن سعد "6/ 178". طبقات الشيرازي "82". طبقات المفسرين للدواوي "1/ 181". المعارف "445". وفيات الأعيان "1/ 204".

ص: 38

عرض عليه حمزة الزيات، وقد سمع من أبي الطفيل عامر بن وائلة وأبي جعفر الباقر، حدث عنه الثوري وإسرائيل، قال الكسائي: قلت لحمزة على من قرأت؟ قال: على ابن أبي ليلى وحمران بن أعين. قلت: فحمران على من قرأ، قال: على عبيد بن نضيلة، رواه ابن مجاهد عن شيخين كلاهما عن هارون عن الكسائي.

وقد خولف فيه، فقال محمد بن الحسن بن عطية: قرأت على أبي وقرأ على حمزة، وقرأ حمزة على حمران، وقرأ حمران على يحيى بن وثاب، عن عبيد بن نضيلة، وقرأ عبيد على ابن مسعود، وقد اختلف في عبيد بن نضيلة المقرئ، والثابت أنه قرأ على علقمة عن ابن مسعود، وكذا اختلف في حمران، فقيل أيضا قرأ على أبي الأسود الدؤلي نفسه، والله أعلم، وقراءة حمزة عليه متيقنة، قال ابن معين: حمران ضعيف.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال أبو داود: وكان رافضيا، توفي في حدود الثلاثين ومالية1.

8-

نصر بن عاصم الليثي ويقال الدؤلي البصري النحوي.

قرأ القرآن على أبي الأسود وسمع من مالك بن الحويرث، وأبي بكرة الثقفي.

قال الداني: روى عنه القراءة عرضا عبد الله بن أبي إسحاق الخضرمي، وأبو عمرو بن العلاء، وسمع منه قتادة، وروى عنه الحروف مالك بن دينار، ويقال إنه أول من نقط المصاحف2 وخمسها3 وعشرها4.

وقال خالد الحذاء: هو أول من وضع العربية.

1 انظر/ طبقات ابن الجزري "1/ 261".

2 قوله أول من نقط المصاحف المراد به: نقط الإعجام والمراد به النقط الذي يميز الحروف المتماثلة رسما من بعضها مثل: ب، ت، ث، ج، ح، خ. وهكذا: فإن أرجح الأراء في أن الواضع له: نصر بن عاصم، يحيى بن يعمر. وذلك صيانة للقرآن من الخطأ الذي تفشى على ألسنة الكثيرين الداخلين في الإسلام. فخيف على القرآن أن تمتد إليه أخطاء المخطئين في النطق العربي. الأمر الذي حمل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان أن يعمل جاهدا على إزالة هذا العبث فأمر الحجاج بن يوسف وكان واليا على العراق أن يزيل أسباب هذا التحريف عن القرآن. فكلف الحجاج اثنين من علماء المسلمين الذين لهم قدم راسخة من فنون العربية وأسرارها بوضع علامات تميز الحروف من بعضها موضعا النقط المسمى بنقط الإعجام. أما نقط الإعراب فالمخترع له أبو الأسود الدؤلي. وذلك بتكليف من زياد بن أبيه بذلك. طالب العلم/ محمد فارس.

3 وقوله خمسها أي: بوضع لفظ خمس عند انقضاء خمس آيات.

4 وقوله عشرها أي: بوضع لفظ عشر عند انتهاء عشر آيات. وهكذا وبه لفظ خمس وعشر مع تكرار هذا العدد من الآيات من كل سورة من نهاية السورة يؤخذ هذا من قول قتادة وربد أو اقتقطوا ثم خمسوا ثم عشروا "2" طالب العلم/ محمد فارس.

ص: 39

وقال أبو داود: كان من الخوارج1، قلت وممن روى عنه الزهري وعمرو بن دينار وحميد بن هلال، وثقه النسائي وغيره، وتوفي قديما قبل سنة مائة2.

9-

يزيد بن القعقاع أبو جعفر القارئ أحد العشرة.

مدني مشهور رفيع الذكر، قرأ القرآن، على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وفاقا.

وقال غير واحد: قرأ أيضا على أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، عن قراءتهم على أبي بن كعب، وصلى بابن عمر وحدث عن أبي هريرة وابن عباس، وهو قليل الحديث، تصدى لإقراء القرآن دهرا. فورد أنه أقرأ الناس من قبل وقعة الحرة3، حتى قيل إنه قرأ على زيد بن ثابت ولم يصح، قرأ عليه نافع بن أبي نعيم، وسليمان بن مسلم بن جماز، وعيسى بن وردان الحذار وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحدث عنه مالك الإمام، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وقد وثقه يحيى بن معين والنسائي.

قال أبو عبيد في كتاب القراءات: كان أبو جعفر يقرئ الناس قبل وقعة الحرة، ثنا بذلك عنه إسماعيل بن جعفر، أخبرنا عمر الطائي أخبرنا زيد الكندي إجازة، أنبئنا أبو الحسن بن توبة، أخبرنا ابن هذارمدد حدثنا عمر الكناني حدثنا ابن مجاهد حدثنا محمد بن الجهم حدثنا سليمان بن داود حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: قال لي سليمان بن مسلم: أخبرني أبو جعفر أنه كان يقرئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحرة، وكانت الحرة سنة ثلاث وستين. وأخبرني أنه كان يملك المصحف على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وكان من أقرأ الناس، قال: وكنت أرى كل ما يقرأ وأخذت عنه قراءته.

وأخبرني أبو جعفر أنه أتي به إلى أم سلمة وهو صغير فمسحت على رأسه ودعت له بالبركة.

1 يقال لهذه الطائفة: الخوارج، والحرورية، والنواصب، والشراة، والحكمية، والمارقة. فأما الخوارج فجمع خارج، وهو الذي خلع طاعة، الإمام الحصر، وأعلن عصيانه، وألب عليه، بعد أن يكون له تأويل، وعلماء الشريعة يسمونهم "بغاة" "مقالات الأشقوي: 1/ 156".

2 انظر/ طبقات ابن الجزري "2/ 336".

3 الحرة: موضع معروف قريب من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيه حدثت موقعة عظيمة بين أهل المدينة من أبناء الأنصار والمهاجرين وجيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ومسلم بن عقبة المزي. وقد قتل فيها خلق كثير من بني هاشم وسائر قريش ومن الأنصار. والإسراف مسلم في القتل سماه كثير من المؤرخين مسرفا "مروج الذهب: 3/ 79".

ص: 40

وعن ابن أبي الزناد قال: كان أبو جعفر يقدم في زمانه على عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.

وعن سليمان بن عباد سألت أبا جعفر متى علمت القرآن؟ قال: زمن معاوية.

وروى مطرف بن عبد الله عن مالك عن أبي جعفر القارئ قال: رأيت ابن عمر إذا أهوى ليسجد يمسح الحصا لموضع جبهته مسحا خفيفا.

وروى محمد بن إسحاق المسيبي عن أبيه عن نافع قال: كان أبو جعفر يقوم الليل فإذا أصبح جلس يقرئ الناس، فيقع عليه النوم فيقول لهم: خذوا الحصا فضعوه بين أصابعي، ثم ضموها فكانوا يفعلون ذلك وكان النوم يغلبه، فقال: أراني أنام على هذا، فإذا رأيتموني قد نمت فخذوا خصلة من لحيتي فمدوها.

قال: فيمر عبد الله بن عياش مولاه، فيرى ما يفعلون به فيقول أيها الشيخ ذهبت بك الغفلة، فيقول أبو جعفر: إن هذا الشيخ في خلقه شيء دوروا بنا وراء القبر موضعا لا يرانا، رواها ابن مجاهد.

حدثنا عبد الله ابن أبي بكر حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق.

قال عبد الله بن وهب: حدثنا ابن زيد بن أسلم. قال: قال رجل لأبي جعفر مولى ابن عياش، وكان في دينه فقيها وفي دنياه أبله: هنيئا لك ما أتاك من القرآن، فقال: ذاك إذا أحللت حلاله وحرمت حرامه وعملت بما فيه.

وروى ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: أكان أبو جعفر يصلي خلف القراء في رمضان يلقنهم يؤمر بذلك.

وكان بعده شيبة جعلوه لذلك، وعن مالك بن أنس قال: كان أبو جعفر القارئ إذا مر سائل بالليل وهو يصلي دعاه فيستتر منه ثم يلقي إليه إزاره.

وعن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه قال: قال لي مالك: كان أبو جعفر القارئ رجلا صالحا يفتي الناس بالمدينة.

وقال يونس بن حبيب: حدثنا قتيبة بن مهران، حدثنا سليمان بن مسلم بن جماز، سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة، في إذا الشمس كورت، يحزنها شبه الرثاء، فأما قراءة أبي جعفر فدارت على أحمد بن زيد الحلواني، عن قالون عن عيسى بن وردان الحذاء، عن أبي جعفر قرأ بها الفضل بن شاذان الداري، وجعفر بن الهيثم عن الحلواني، وأقرأ بها الزبير بن محمد العمري، عن قراءته على قالون بإسناده.

وأقرأها سليمان بن داود الهاشمي عن سليمان بن مسلم بن جماز، عن أبي جعفر،

ص: 41

وأقرأها الدوري عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي جعفر، أو عن رجل عنه، وأقرأه أبو جعفر طرقا عدة، مذكورة في الكامل.

قال ابن وهب: حدثني ابن زيد بن أسلم عن سليمان بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر القارئ على الكعبة فقلت: أبا جعفر قال: نعم، أقرئ إخواني السلام، وخبرهم أن الله تعالى جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين.

وأقرئ أبا حازم السلام وقل له: يقول لك أبو جعفر الكيس الكيس، فإن الله تعالى وملائكته يتراءون مجلسك بالعشيات، قال: وحدثنا سليمان بن مسلم أخبرني أبو جعفر حين كان يمر به نافع، يقول: أترى هذا كان يأتيني وهو غلام، فيقرأ علي ثم كفر بي وهو يضحك.

قال سليمان: وشهدت أبا جعفر حين احتضر، جاء أبو حازم ومشيخة، فأكبوا عليه يصرخون به فلم يجبهم، قال شيبة: وكان ختنه على ابنة أبي جعفر، ألا أريكم منه عجبا، قالوا: بلى، فكشف عن صدره فإذا دوارة بيضاء مثل اللبن فقال أبو حازم وأصحابه: هذا والله نور القرآن.

قال سليمان: فقالت لي أم ولده بعد ما مات: صار ذلك البياض غرة بين عينيه.

وروى محمد بن إسحاق المسيبي، حدثني أبي عن نافع، قال: لما غسل أبو جعفر القارئ نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك من حضره أنه نور القرآن، رحمه الله.

قلت: قد اختلفوا في تاريخ وفاته.

فقال محمد بن المثنى العنزي: توفي سنة سبع وعشرين ومائة.

وقال آخر: سنة ثمان وعشرين.

وقال خليفة: سنة اثنتين وثلاثين.

وقيل: سنة إحدى وثلاثين.

وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، عن نيف وتسعين سنة1.

10-

يزيد بن رومان المدني أبو روح القارئ مولى آل الزبير بن العوام.

قرأ القرآن على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وسمع من عروة بن الزبير وصالح بن خوات.

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "5/ 287". طبقات ابن الجزري "2/ 382".

ص: 42

وقيل: إنه روى عن أبي هريرة، وقرأ على ابن عباس وليس بشيء، وهو ثقة ثبت حديثه في الكتب الستة، وهو أحد شيوخ نافع في القراءة، وثقه ابن معين وغيره.

وكان فقيها قارئا محدثا.

قال ابن سعد: كان عالما ثقة كثير الحديث، قلت: حدث عنه أبو حازم الأعرج، وعبد الله بن عمر ومحمد بن إسحاق، وجرير بن حازم ومالك بن أنس وجماعة.

قال وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: رأيت محمد بن سيرين ويزيد بن رومان يعقدان الآي في الصلاة.

وروى مطرف عن مالك عن يزيد بن رومان، أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاث وعشرين ركعة في رمضان، توفي سنة عشرين ومائة، وقيل سنة تسع وعشرين.

وقيل: سنة ثلاثين ومائة، ولم يذكر أبو عمرو الداني إلا هذا القول1.

11-

عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أبو داود المدني مولى محمد بن ربيعة.

أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة، وأكثر من السنن عن أبي هريرة، قرأ عليه القرآن نافع بن أبي نعيم وغيره.

وقال إبراهيم بن سعد: كان الأعرج يكتب المصاحف، وقال مصعب الزبيري: هو مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

وقال الأصمعي حدثنا نافع حدثنا الأعرج، أنه قرأ {لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] قال: لا تأخذها عنه، فإنه لم يكن عالما بالعربية، وروى مالك عن داود بن الحصين2، أنه سمع عبد الرحمن الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان.

وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بهم في اثنتي عشرة ركعة،

1 انظر/ طبقات ابن الجزري "2/ 381".

2 هو داود بن الحصين المدني مولى بني أمية، روى عن عكرمة وجماعة، قال في المغني: داود بن الحصين أبو سليمان المدني. عن عكرمة: صدوق يغرب ووثقه غير واحد كابن معين، وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة فمنكر، وقال أبو حاتم الرازي: لولا مالكا روى عنه لنزل حديثه. توفيى سنة خمس وثلاثين ومائة. "انظر شذرات الذهب ص192 جـ1".

ص: 43

رأى الناس أنه قد خفف، وقد روى الأعرج أيضا عن أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن بحينة رضي الله عنهما وجماعة، حدث عنه أبو الزناد، وابن شهاب وصالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن لهيعة وطائفة سواهم.

وروى ابن لهيعة عن أبي النضر قال: كان عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أول من وضع العربية، وكان أعلم الناس بأنساب قريش، قلت: كان الأعرج أحد من برز في القرآن والسنة.

وقالوا: هو أول من وضع العربية بالمدينة، أخذ عن أبي الأسود، وله خبرة بأنساب قريش، وافر العلم مع الثقة والأمانة، اتفق أنه خرج إلى الإسكندرية فأدركه أجله بها في سنة سبع عشرة ومائة.

وأرخه مصعب الزبيري وغير واحد1.

12-

شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب المدني المقرئ الإمام.

مولى أم سلمة رضي الله عنها، وأحد شيوخ نافع في القراءة، وقاضي المدينة ومقرئها مع أبي جعفر.

أدرك أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وقرأ القرآن على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، ووهم من قال إنه قرأ على أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما، فإنه لم يدرك ذلك.

وقد مسحت أم سلمة رأس شيبة وهو صغير، وقد حدث عن القاسم بن محمد وخالد بن مغيث وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيرهم، وهو قليل الحديث صدوق بعيد الصيت في القراءة.

قرأ عليه نافع وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن جماز، وحدث عنه ابن جريج وابن إسحاق وأبو ذكية يحيى بن محمد بن قيس، وأبو ضمرة أنس بن عياض وآخرون وقيل كنيته أبو ميمونة.

قال الدوري: حدثنا إسماعيل بن جعفر. قال: قرأت على شيبة بن نصاح مولى أم سلمة، فكان إمام أهل المدينة في القراءة، قال إسماعيل: وأخبرني سليمان بن مسلم، أن شيبة

1 ترجمة من مذاكرة الحفاظ "1/ 96". تهذيب الأسماء "2/ 55". تهذيب التهذيب "7/ 333". حلية الأولياء "2/ 183" خلاصة "67"، الشذرات "1/ 1135". الطبقات الكبرى "5/ 139" طبقات الشيرازي "59" العبر "1/ 132" نكت الهميان 230 ووفيات الأعيان "1/ 418".

ص: 44

أخبره أنه أتي به إلى أم سلمة وهو صغير فمسحت رأسه وبركت عليه، قلت: وكذا غلط من قال إن أبا جعفر وشيبة كانا يقرئان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحرة، قاله محمد بن سعدان عن يعقوب بن جعفر بن أبي كثير.

بل قد نقل ذلك عن أبي حعفر وحده، وهو أسن من شيبة بكثير وهو والد ميمونة زوجة شيبة، وقال قالون: كان نافع أكثر اتباعا لشيبة منه لأبي جعفر.

وقال النسائي وغيره: شيبة ثقة.

قلت: خرج له النسائي وحده. "حديثا واحدا"1.

وقال قتيبة الأصبهاني: حدثنا سليمان بن مسلم، رجع شيبة إلى قراءة أبي جعفر، حين مات أبو جعفر.

وقال خليفة بن خياط: توفي شيبة سنة ثلاثين ومائة2.

13-

مسلم بن جندب أبو عبد الله المدني القارئ القاص مولى هذيل.

قرأ القرآن على عبد الله بن عياش المخزومي مقرئ المدينة، وحدث عن أبي هريرة وحكيم بن حزام3 وابن عمر، وابن الزبير وأسلم مولى عمر وغيرهم، قرأ عليه نافع الإمام وتأدب عليه عمر بن عبد العزيز.

وحدث عنه ابنه عبد الله بن مسلم، وزيد بن أسلم ومحمد بن عمرو بن حلحلة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن أبي ذئب وآخرون، وكان من فصحاء أهل زمانه، وكان يقص بالمدينة.

وروى معمر عن يحيى بن أبي كثير عن مسلم بن جندب، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:"المكاتب عبد ما بقي عليه درهمان"، وروى ابن أبي ذئب عن مسلم بن

1 ثبت في أ "حدثنا واحد".

2 انظر/ طبقات ابن الجزري "1/ 329".

3 هو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي ابن أخي خديجة الشريف الجواد، أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير، وفعل مثل ذلك في الإسلام وأهدى مائة بدنة وألف شاة، أعتق بعرفة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها "عتقاء الله من حكيم بن حزام" وباع دار الندوة بمائة ألف وتصدق بها فقيل له: بكت مكرمة قريش فقال: ذهبت المكارم، ولدته أمه من الكعبة وعاش ستين سنة من الجاهلية وستين سنة من الإسلام، وهو من مسلمة الفتح توفي سنة أربع وخمسين للهجرة ودفن في داره بالمدينة "انظر شذرات الذهب من أخبار الذهب ص60 جـ1".

ص: 45

جندب، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، فذكر حديثا وهذا مرسل فلا يغتر به، ولا أحسب رواية مسلم عن حكيم وأبي هريرة إلا منقطعة.

وقال محمد بن الضحاك الحزامي عن مالك بن أنس، قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيب فقال: يا أبا محمد أي الأيام خير؟ قال: سل عن ذلك القاضي مسلم بن جندب، فذهب فسأله فقال: يوم النحر، ثم رجع إلى سعيد فأخبره فقال: سعيد أعرابي يعظم الدماء أعظم هذه الأيام يوم الجمعة، وقال ابن وهب: حدثني نافع قال: سألت مسلم بن جندب عن قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] قال: إلى غاية، فسألته عن {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] قال: الردء الزيادة.

وقال الحلواني عن قالون قال: كان أهل المدينة لا يهمزون، حتى همز ابن جندب فهمزوا:{مُسْتَهْزِئِينَ} و: {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} .

وقال عباس بن الفضل عن جعفر بن الزبير، قال: كان مسلم بن جندب يقرأ علينا غدوة ثلاثين آية وعشية ثلاثين آية.

قلت: وما علمت في مسلم جرحة، وقد روى له الترمذي.

ومات في خلافة هشام بن عبد الملك، بعد سنة عشر ومائة تقريبا1.

14-

عبد الله بن عامر اليحصبي إمام أهل الشام في القراءة، عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم، بن ربيعة، أبو عمران على الأصح.

وقيل: أبو عامر. وقيل أبو نعيم. وقيل: أبو عليم. وقيل: أبو عبيد. وقيل: أبو محمد. وقيل أبو موسى. وقيل: أبو معبد. وقيل: أبو عثمان الدمشقي.

1 انظر/ طبقات ابن الجزري "2/ 297".

ص: 46

ثابت النسب إلى يحصب بن دهمان. أحد حمير، وحمير من قحطان، وبعضهم يتكلم في نسبه، والصحيح أنه صريح النسب1.

قال خالد بن يزيد المري: سمعت عبد الله بن عامر يقول: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي سنتان، وانتقلت إلى دمشق، ولي تسع سنين، وعن خالد بن يزيد عن أبي عامر قال: قرأت على أبي معاذ وأبي الدرداء، روى ابن زيد عن أبي عامر، قال: قرأت على معاوية2، وعلى واثلة بن الأسقع3، وفضالة بن عبيد.

وروى القراءة عرضا على ابن فضل.

وعن يحيى بن الحارث الذماري. قال: ولد ابن عامر سنة إحدى وعشرين من الهجرة.

قال أبو عمرو الداني: عبد الله بن عامر القاضي اليحصبي يكنى أبا عمران.

وقيل: أبا نعيم.

أخذ القراءة عرضا عن أبي الدرداء، وعن المغيرة بن أبي شهاب صاحب عثمان، وقيل عرض على عثمان نفسه رضي الله عنه "وروى عنه القراءة عرضا يحيى الذماري"4، قلت: ولي قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني، وحدث عن "معاوية وفضالة بن عبيد والنعمان بن بشير وواثلة بن الأسقع وقرأ أيضا على فضالة بن عبيد"5.

روى عنه محمد بن الوليد الزبيدي، وربيعة بن يزيد، وعبد الرحمن بن يزيد بن

1 قوله صريح النسب: أي إن ابن عامر نسبه خالص من الرق ومن ولادة العجم فهو من صميم العرب. وقال الجعبري: ابن عامر نسبه خالص من الرق وولادة العجم قال الشاطبي من فتن الشاطبية. أبو عماهم واليحصبي ابن عامر، صريح وباقيهم أحاط به الولاء. "انظر شرح الشاطبية للشيخ عبد الفتاح القاضي ص17".

2 هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. واسم أبي سفيان صخر بن حرب. أسلم عام الفتح مع أبيه، وكتب لرسول الله وولي الشام لعمر، وبقى بها إلى أن مات بدمشق يوم الخميس منتصف رجب من سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة "مشاهير علماء الأمصار رقم326 والعبر: 1/ 64".

3 هو واثلة بن الأسقع، أحد أصحاب الصفة، وكان فارسا شجاعا، شهد غزوة تبوك وأبلى فيها، ومات من سنة 285، ويقال: من سنة 86 عن ثمان وتسعين سنة "العبر: 1/ 99".

4 سقط من أ.

5 سقط من أ.

ص: 47

جابر، وعبد الله بن العلاء بن زبر وآخرون له حديث في صحيح مسلم وكان على نظر عمارة جامع دمشق.

قال هشام بن عمار: حدثنا عراك بن خالد، حدثنا يحيى بن الحارث. قال: قرأت على ابن عامر وقرأ على المغيرة بن أبي شهاب، وقرأ المغيرة على عثمان رضي الله عنه.

قال هشام: وهذا أصح عندنا، وذلك أن الوليد بن مسلم حدثنا عن يحيى بن الحارث، عن ابن عامر أنه قرأ على عثمان رضي الله عنه، أبو مسهر الغساني عن الوليد، وأيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن ابن عامر قال: قال لي فضالة بن عبيد: أمسك علي هذا المصحف ولا تردن علي ألفا ولا واوا، فسيأتي أقوام لا يسقط عليهم ألف ولا واو.

قال هشام بن عمار: حدثني الهيثم بن عمران، قال: كان رأس المسجد بدمشق زمن الوليد عبد الله بن عامر، وكان يزعم أنه من حمير، وكان يغمز في نسبه.

وقال يحيى بن الحارث: كان ابن عامر قاضي الجند، وكان رئيس المسجد لا يرى فيه بدعة إلا غيرها وروي أن ابن عامر لم يقرأ على عثمان بل سمع قراءته في الصلاة.

وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، عن يحيى بن الحارث، قال: حدثني من سمع عثمان رضي الله عنه، يقرأ غرفة يعني عبد الله بن عامر.

قال أبو مسهر عن عبد الله بن العلاء عن عمرو بن المهاجر: إن عبد الله بن عامر استأذن على عمر بن عبد العزيز فلم يأذن له.

وقال الذي ضرب أخاه يعني عطيه بن قيس: إن رفع يديه إن ذا ليؤدب عليه بالمدينة، قال سعيد بن عبد العزيز: ضرب ابن عامر عطية بن قيس، لكونه رفع يديه في الصلاة، قال عطية بن قيس: فمصعني مصعات.

القسوي في تاريخيه، حدثنا هشام بن عمار حدثنا الهيثم، بن عمران قال: كان رأس المسجد بدمشق في زمن عبد الملك وبعده، عبد الله بن عامر اليحصبي، وكان يغمز في نسبه، فجاء رمضان فقالوا: من يؤمنا؟ فذكروا المهاجر بن أبي المهاجر، فقيل ذاك مولى ولسنا نريد أن يؤمنا مولى، فبلغت سليمان بن عبد الملك.

فلما استخلف بعث إلى المهاجر فقال: إذا كان أول ليلة من رمضان قف خلف الإمام، فإذا تقدم ابن عامر فخذ بثيابه واجذبه، وقل تأخر فلن يتقدمنا دعي، وصل أنت يا مهاجر ففعل.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: ابن عامر شامي ثقة.

ص: 48

وروى محمد بن شعيب بن شابور عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر، أنه قرأ على أبي الدرداء، هذا خبر غريب، وعليه اعتمد الداني وغيره، في أن ابن عامر قرأ على أبي الدرداء.

والذي عند هشام وابن ذكوان والكبار، أن ابن عامر إنما قرأ على المغيرة المخزومي عن عثمان، وهذا هو الحق.

قال هارون بن موسى الأخفش: حدثنا عبد الله بن ذكوان قال: قرأت على أيوب بن تميم، وقال لي: إنه قرأ على يحيى الذماري، وقرأ يحيى على ابن عامر.

وقرأ ابن عامر على رجل قال هارون: لم يسمه لنا ابن ذكوان، وسماه لنا هشام بن عمار، فقال: إن الذي لم يسمه لكم ابن ذكوان والمغيرة بن أبي شهاب، المخزومي، وقد قرأ المغيرة على عثمان رضي الله عنه.

وقال علي بن موسى: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا الوليد بن مسلم عن يحيى بن الحارث، أنه قرأ على ابن عامر، وأنه قرأ على المغيرة بن أبي شهاب، وأن المغيرة قرأ على عثمان، فذكرنا رواية هشام عن الوليد، وفيها إسقاط المغيرة.

وأن هشاما ضعف ذلك ووهاه، قال: قال خليفة ومحمد بن سعد وابن جرير، وتوفي ابن عامر سنة ثماني عشرة ومائة1.

15-

عبد الله بن كثير بن المطلب الإمام أبو معبد، مولى عمرو بن علقمة الكناني الداري المكي إمام المكيين في القراءة.

أصله فارسي، وكان داريا بمكة، وهو العطار، مأخوذ من قوله عطر دارين، ودارين موضع بنواحي الهند.

وقيل في نسبته الداري: إنه قرشي من بني عبد الدار، قاله البخاري.

وقال أبو بكر بن أبي داود: الدار بطن من لحم. وهو رهط تميم الداري.

وعن الأصمعي قال: الداري الذي لا يبرح في داره، ولا يطلب معاشا.

وعنه قال: كان عبد الله بن كثير عطارا.

قلت: هذا هو الحق فلا يبطله اشتراك الأنساب، وابن كثير من أبناء فارس، الذين بعثهم كسرى إلى صنعاء فطردوا عنها الحبشة.

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "5/ 292". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 423".

ص: 49

قلت: قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي، وعلى مجاهد ودرباس مولى ابن عباس، وحدث عن عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن مطعم، وعمر بن عبد العزيز.

وتصدر للإقراء وصار إمام أهل مكة في ضبط القرآن، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، وشبل بن عباد، ومعروف بن مشكان، وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين وطائفة.

وحدث عنه أيوب السختياني، وابن جريج وجرير بن حازم، والحسين بن واقد وعبد الله بن أبي نجيح، وحماد بن سلمة وقرة بن خالد، والحارث بن قدامة وخلق سواهم.

وقال سفيان بن عيينة: رأيته يخضب بالصفرة، ويقص للجماعة.

وقال ابن معين: ثقة.

قلت: بعض القراء يغلط، ويورد هذه الأبيات لعبد الله بن كثير:

بني كثير كثير الذنوب

ففي الحل واليل من كان سبه

إنما هي لمحمد بن كثير أحد شيوخ الحديث، بعد المائتين والله أعلم. وبلغنا أن عبد الله بن كثير كان فصيحا بليغا مفوها، أبيض اللحية طويلا جسيما، أسمر أشهل العينين1، يخضب بالحناء عليه سكينة ووقار.

وقال ابن عيينة: حضرت جنازته سنة عشرين ومائة.

وقال غيره: عاش خمسا وسبعين سنة.

قلت: فيكون مولده ظنا في سنة خمس وأربعين ومات شيخه عبد الله بن السائب رضي الله عنه بعد السبعين.

وقد قرأ على أبي بن كعب، وقرأ مجاهد على ابن عباس، وحديث ابن كثير مخرج في الكتب الستة2.

1 "الشهلة" من العين ابن يشبوب سوادها زرقة وعين "شهلاء" ورجل "أشهل" العين بين "الشهل. "انظر مختار الصحاح ص350 "مادة شهل".

2 انظر/ سير أعلام النبلاء "5/ 318-322". تهذيب التهذيب "5/ 367" طبقات القراء لابن الجزري "1/ 346". شذرات الذهب "1/ 157".

ص: 50

16-

عاصم بن أبي النجود 1 الأسدي مولاهم الكوفي القارئ الإمام أبو بكر.

أحد السبعة، واسم أمه بهدلة2 على الصحيح، قرأ القرآن على أبي عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش الأسدي، وحدث عنهما وعن أبي وائل، ومصعب بن سعد بن أبي وقاص، وجماعة.

وقيل: إنه روى عن الحارث بن حسان البكري، ورفاعة بن يثربي التميمي أو التيمي رضي الله عنهما.

وهو معدود في التابعين، روى عنه عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان وهما من شيوخه ومن كبار التابعين، وقرأ عليه خلق كثير فإنه تصدى لإقراء كتاب الله تعالى، منهم الأعمش والمفضل بن محمد الضبي، وحماد بن شعيب وأبو بكر بن عياش وحفص بن سليمان ونعيم بن ميسرة.

وروى عنه أبو عمرو بن العلاء وحمزة بن حبيب والحمادان والخليل بن أحمد، أحرفا من القراءة، وسليمان التيمي، وسفيان الثوري، وشعبة وأبان وشيبان، وأبو عوانة وسفيان بن عيينة، وخلق.

وإليه انتهت الإمامة في القراءة بالكوفة، بعد شيخه أبي عبد الرحمن السلمي، قال أبو بكر بن عياش: لما هلك أبو عبد الرحمن جلس عاصم يقرئ الناس، وكان عاصم أحسن الناس صوتا بالقرآن.

وقال أبو خيثمة وغيره: اسم أبي النجود بهدلة، وقال الفلاس: اسم أمه بهدلة، وقال أبو عبيد: كان من قراء الكوفة، يحيى بن وثاب وعاصم بن أبي النجود والأعمش، وهم من بني أسد موالي.

ابن الأصبهاني، ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث بن حسان. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وبلال قائم متقلد سيفا، قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: ما رأيت أحدا أقرأ من عاصم بن أبي النجود.

1 معنى النجود في اللغة: الإبل والأتق الطويلة العنق أو التي لا تحمل والناقة الماضية والمتقدمة والمغزارة والتي تبرك على المكان المرتفع. والمرآة العاقلة والنبيلة ج: نجد "انظر القاموس المحيط ص337 جـ1 مادة: النجد".

2 التبهدلة: الخفة والإسراع في المشي واسم أم عاصم بن أبي النجود المقرئ "انظر القاموس المحيط ص329 جـ3".

ص: 51

وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن بن صالح قال: ما رأيت أحدا قط كان أفصح من عاصم بن أبي النجود إذا تكلم، كاد يدخله خيلاء.

وقال عفان: حدثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن أبي النجود، قال: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبّل كفي.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: رجل صالح خير ثقة.

فسألته أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن فقراءة عاصم أبو كريب.

حدثنا أبو بكر قال لي عاصم: مرضت سنتين فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفا، منجاب بن الحارث ثنا شريك.

قال: كان عاصم صاحب همز ومد وقراءة سديدة، أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن شمر بن عطية قال: فينا رجلان أحدهما أقرأ الناس لقراءة زيد عاصم، والآخر أقرأ الناس لقراءة عبد الله الأعمش.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي عاصم بن بهدلة: صاحب سنة وقراءة، كان رأسا في القرآن، قدم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر، وكان عثمانيا، قرأ عليه الأعمش في حداثته، ثم قرأ على يحيى بن وثاب، وقال أبو بكر بن عياش، كان عاصم نحويا فصيحا، إذا تكلم مشهور الكلام.

وكان الأعمش وعاصم وأبو حصين كلهم لا يبصرون، جاء رجل يوما يقود عاصما فوقع وقعة شديدة، فما كهره1 ولا قال له شيئا.

وقال حماد بن زيد عن عاصم؛ قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن ونحن غلمة أيفاع، وقال أبو بكر بن عياش: قال عاصم: من لم يحسن من العربية إلا وجها واحدا لم يحسن شيئا، وقال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفا، إلا أبو عبد الرحمن، وكان أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي رضي الله عنه، فكنت أرجع من عنده فأعرض على زر. وكان زر قد قرأ على عبد الله رضي الله عنه، فقلت لعاصم: لقد استوثقت.

1 أي: نهره. انظر/ القاموس المحيط للفيروزآبادي "2/

".

ص: 52

رواها يحيى بن آدم عنه، وروى جماعة عن عمرو بن الصباح عن حفص الغاضري عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه بالقراءة.

وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن في شيء من قراءته، وأن أبا عبد الرحمن لم يخالف عليا في شيء من قراءته.

وروى أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش، قال: كل قراءة عاصم قراءة أبي عبد الرحمن إلا حرفا.

وروى أبو بكر عن عاصم، كان أبو عمرو الشيباني يقرئ الناس في المسجد الأعظم.

فقرأت عليه ثم سألته عن آية فاتهمني بسهوي، فكنت إذا دخلت المسجد يشير إلي ويحذر أصحابه مني، رواها يحيى بن آدم عنه.

وروي عن حفص بن سليمان قال: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها، فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه.

وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش، عن أبي مسعود رضي الله عنه، وقال سلمة بن عاصم: كان عاصم بن أبي النجود ذا نسك وأدب وفصاحة وصوت حسن، وقال يزداد بن أبي حماد: حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر قال: لم يكن عاصم يعد ألم آية ولا حم آية ولا كهيعص آية ولا طه ولا نحوها.

وقال زياد بن أيوب: حدثنا أبو بكر قال: كان عاصم إذا صلى ينتصب كأنه عود، وكان عاصم يوم الجمعة في المسجد إلى العصر.

وكان عابدا خيرا أبدا، يصلي ربما أتى حاجة فإذا رأى مسجدا قال: مل بنا، فإن حاجتنا لا تفوت، ثم يدخل فيصلي. حسين الجعفي عن صالح بن موسى، قال: سمعت أبي يسأل عاصم بن أبي النجود.

قال: يا أبا بكر على ما تضعون هذا من علي رضي الله عنه خير هذه الأمة بعد نبيها، أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وعلمت مكان الثالث فقال عاصم: ما تضعه إلا أنه عني عثمان رضي الله عنه، هو كان أفضل من أن يزكي نفسه رضي الله عنه.

وقال أبو بكر بن عياش: دخلت على عاصم وهو في الموت فقرأ ردوا إلى الله مولاهم الحق بكسر الراء، وهي لغة هذيل.

وقال أبو هاشم الرفاعي: حدثنا يحيى حدثنا أبو بكر قال: دخلت على عاصم فأغمي

ص: 53

عليه فأفاق، ثم قرأ:{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62] . فهمز فعلمت أن القراءة منه سجية.

وثقه أبو زرعة وجماعة.

وقال أبو حاتم: محله الصدق.

وقال الدارقطني: في حفظه شيء، توفي عاصم في آخر سنة سبع وعشرين ومائة.

وقال إسماعيل بن مجالد: سنة ثمانٍ وعشرين رواه البخاري عن أحمد بن سليمان عنه فلعله في أولها.

مات وحديثه مخرج في الكتب الستة وليس حديثه بالكبير -رحمه الله تعالى، وأعلى ما يقع لنا القرآن العظيم من جهته، فإنني قرأت القرآن كله على أبي القاسم سحنون المالكي.

عن أبي القاسم الصفراوي عن أبي القاسم بن عطية، عن ابن الفحام عن ابن نفيس، عن السامري عن الأشناني عن عبيد بن الصباح عن حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن، عن علي وعن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل، فنسأل الله أن يجعله شاهدا لنا وشافعا1.

17-

سليمان بن مهران الأعمش الإمام العلم أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي.

أصله من أعمال الري، رأى أنسا رضي الله عنه يصلي.

وروي عن عبد الله بن أبي أوفى وأبي وائل وزيد بن وهب وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير، ومجاهد وأبي عمرو الشيباني وخلق.

وقرأ القرآن على يحيى بن وثاب، وورد أيضا أنه قرأ على زيد بن وهب وزر بن حبيش، وعرض القرآن على أبي العالية الرياحي ومجاهد وعاصم بن بهدلة.

وأقرأ الناس ونشر العلم دهرا طويلا، ويقال ختم عليه القرآن ثلاثة أنفس، قرأ عليه حمزة الزيات وغيره.

وروى عنه الحكم بن عتيبة مع تقدمه، وشعبة والسفيانان وزايدة، وجرير بن عبد الحميد وأبو معاوية ووكيع وأبو أسامة، وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم وخلق لا يحصون.

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "5/ 256-261". تهذيب التهذيب "5/ 381". شذرات الذهب "1/ 175". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 346".

ص: 54

وكان مولده سنة إحدى وستين.

قال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض، وقال أبو حفص الفلاس: كان الأعمش يسمي المصحف من صدقه.

وقال يحيى بن القطان: هو علامة الإسلام، وقال وكيع: بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.

وقال الخرشي: ما خلف الأعمش أعبد منه، وكان صاحب سنة، وللأعمش ملح ونوادر وإساءة أخلاق على المحدثين، وهم مع ذلك يحتملون أخلاقه.

خرج يوما إليهم فقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم.

وجاء أن حائكا سأله ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء.

وقيل له ما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل مع عدلين، وقال عيسى بن يونس: لم نر نحن مثل الأعمش، وما رأيت الأغنياء عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره وحاجته.

وقال علي بن عتام عن أبيه، قال: قيل للأعمش ألا تموت فنحدث عنك؟ قال: وكم من جب أصبهاني قد انكسر على رأسه كيزان كثيرة، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان الأعمش ثقة ثبتا، يقال: إنه ظهر له أربعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب.

وكان يقرئ الناس القرآن رأس فيه وكان فصيحا، وكان أبوه من سبي الديلم1، وكان لا يلحن حرفا وكان فيه تشيع يسير، ولم يختم عليه إلا ثلاثة طلحة بن مصرف، وكان أسن منه وأبان بن تغلب، وأبو عبيدة بن معن.

قلت: قد ذكرنا أن حمزة عرض عليه القرآن، توفي في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة2.

18-

حميد بن قيس الأعرج أبو صفوان المكي القارئ، أخو عمر سندل.

قرأ القرآن على مجاهد ثلاث مرات، وروى عن مجاهد وعطاء والزهري وغيرهم.

1 الديلم: جبل من العجم كانوا يسكنون نواحي إذربيجان انظر/ المعجم الوجيز "ص240".

2 انظر/ تاريخ بغداد "319". تذكرة الحفاظ "1/ 154". الخلاصة "1/ 13". شذرات الذهب "1/ 220". طبقات ابن سعد "6/ 238". طبقات القراء لابن الجذري "3/ 25". لسان الميزان "6/ 569". المعارف "489". ميزان الاعتدال "2/ 324". النجوم الزاهرة "2/ 10". وفيات الأعيان "1/ 213".

ص: 55

قال أبو عمرو الداني: روى عنه القراءة عرضا أبو عمرو بن العلاء، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن يحيى بن أبي حية، وجنيد بن عمرة، وعبد الوارث التنوري، وسمع منه مالك والثوري.

قلت: وحدث عنه أيضا معمر وابن عيينة وغيرهم، وثقه أبو داود وهو قليل الحديث.

قال ابن عيينة: حدثنا حميد بن قيس الأعرج، مولى بني فزارة.

وقال جنيد بن عمرو:

وقرأت على حميد بن قيس الأعرج، مولى آل الزبير، وقال إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أبي عن حميد بن قيس المكي، مولى بني أسد بن عبد العزى.

وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: حميد بن قيس، مولى آل الزبير.

وكان قارئ أهل مكة، وكان كثير الحديث فارضا حاسبا قرأ على مجاهد.

وقال البخاري: قال ابن معين: هو مولى منظور بن سيار الفزاري.

وقال بعضهم: مولاه من قبل الأم.

قلت: هذا الجمع بين القولين إن ولاءه لبني فزارة من قبل الأم، ولبني أسد من قبل الأب.

وقال ابن عيينة، قال حميد: كل شيء أقرؤه فهو قراءة مجاهد.

قال ابن عيينة: كان حميد بن قيس أفرضهم وأحسبهم، وكانوا لا يجتمعون إلا على قراءته، ولم يكن بمكة أحد أقرأ منه، ومن ابن كثير.

قال خليفة: توفي في سنة ثلاثين ومائة.

وقال محمد بن سعد: توفي في خلافة السفاح1.

19-

محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مولاهم المكي.

قارئ أهل مكة، مع ابن كثير وحميد الأعرج، ومنهم من يسميه عمرو ومن القراء من سماه عبد الرحمن بن محمد بن محيصن، ومنهم من سماه محمد بن عبد الله بن محيصن، حكى هذين القولين ابن مجاهد.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "3/ 46-47". طبقات ابن الجزري "2/ 167".

ص: 56

وقال مصعب الزبيري: هو عبد الرحمن بن محيصن بن أبي وداعة، ولابن محيصن رواية شاذة في كتاب المبهج وغيره.

وهو في الحديث ثقة، احتج به مسلم، وقرأ القرآن على سعيد بن جبير، ومجاهد ودرباس مولى ابن عباس، وحدث عن أبيه، وصفية بنت شيبة، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وعطاء.

قرأ عليه شبل بن عباد، وأبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر القارئ.

وحدث عنه ابن جريج، وهشيم وابن عيينة وعبد الله بن المؤمل المخزومي.

قال ابن المديني: قلت: لسفيان هذا يعني عمر بن محيصن الذي كان قارئا ههنا قال: نعم.

وقال بعضهم: هذا الصواب، فإن محمدا أسن من عمر كذا قال هذا، وقد سماه محمد بن عبد الرحمن شبل بن عباد، وغير واحد، وسماه أبو عبد الله الحاكم، وأبو أحمد السامري، عبد الله بن محيصن، وسماه ابن معين وابن عدي عمر.

فهذه ستة أقوال في اسمه، والله أعلم، توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة بمكة -رحمه الله تعالى1.

1 انظر/ شذرات الذهب "1/ 162". طبقات القراء لابن الجزري "2/ 167".

ص: 57