المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الطبقة الرابعة: 1- أبو عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحوي البصري - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌ ‌الطبقة الرابعة: 1- أبو عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحوي البصري

‌الطبقة الرابعة:

1-

أبو عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحوي البصري الإمام، مقرئ أهل البصرة.

اسمه زبان على الأصح وقيل: العريان.

وقيل: يحيى.

وقيل: محبوب.

وقيل: جنيد.

وقيل: عيينة.

وقيل: عثمان.

وقيل: عياد، وهو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان.

وقيل: ابن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحسين بن الحارث بن جلهمة بن خزاعي بن هازن بن مالك بن عمرو بن تميم التميمي، ثم المازني.

وقال الأصمعي: وعمر بن شبة اسمه كنيته.

وعن الأصمعي1، رواية أخرى مرت قال: اسمه زيان وله إخوة: سفيان ومعاذ وأبو حفص، ولد أبو عمرو سنة ثمان وستين وقيل سنة سبعين، وأخذ القراءة عن أهل الحجاز، وأهل البصرة، فعرض بمكة على مجاهد وسعيد بن جبير، وعطاء وعكرمة بن خالد، وابن كثير.

وقيل: إنه قرأ على أبي العالية الرياحي، ولم يصح مع أنه أدركه، وأدرك من حياته نيفا وعشرين سنة.

وقيل: إنه عرض بالمدينة على أبي جعفر ويزيد بن رومان، وشيبة.

1 هو العلامة: أبو سعيد عبد الملك بن قريب، الأصمعي، الباهلي، البصري، اللغوي، الإخباري: سمع ابن عون، وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء، وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته، وقد صنف كثيرا، ومات في سنة 216 وله ثمان وثمانون سنة "العبر: 1/ 370، وشذرات الذهب؛ 2/ 46".

ص: 58

وعرض بالبصرة على يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم، والحسن وغيرهم وحدث عن أنس بن مالك وعطاء بن أبي رباح، ونافع وأبي صالح السمان.

قرأ عليه خلق كثير؛ منهم: يحيى بن المبارك اليزيدي1، وعبد الوارث التنوري، وشجاع البلخي، وعبد الله بن المبارك.

وأخذ عنه القراءة والحديث والآداب أبو عبيدة، والأصمعي وشبابة، ويعلى بن عبيد والعباس بن الفضل ومعاذ بن معاذ، وسلام أبو المنذر وعلي بن نصر الجهضمي، ومحبوب بن الحسن ومعاذ بن مسلم النحوي، وهارون بن موسى، وعبيد بن عقيل.

قال أبو عمرو الداني: يقال: إنه ولد بمكة سنة ثمان وستين، ونشأ بالبصرة، ومات بالكوفة، وإليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة.

قال الأصمعي: سمعت أبا عمرو يقول: كنت رأسا والحسن البصري حي.

وقال اليزيدي: كان أبو عمرو قد عرف القراءات، فقرأ من كل قراءة بأحسنها، وبما يختار العرب ومما بلغه من لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء تصديقه في كتاب الله عز وجل.

وروى اليزيدي عن أبي عمرو قال: سمع سعيد بن جبير قراءتي، فقال: الزم قراءتك هذه.

وقال أبو عبيد: حدثني شجاع بن أبي نصر وكان صدوقا، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فعرضت عليه أشياء من قراءة أبي عمرو فما رد علي إلا حرفين أحدهما {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} 2 والآخر قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} 3.

وقال أبا عمرو: كان قراءته "أَوْ نَنْسَاهَا".

1 يحيى بن المبارك اليزيدي هو السند المتوسط بين أبي عمرو وراوييه وهما: أبو عمرو الدوري وأبو شعيب السوس. قال الشاطبي رحمه الله: أفاض علي يحيى اليزيدي سيبه. فأصبح بالعذاب الفرات معللا أبو عمرو الدوري وصالحهم أبو شعيب هو السوسي عنه تقبلا والمراد بـ"أفاض" أبو عمرو. "انظر شرح الشاطبية لعبد الفتاح القاضي ص15".

2 من الآية 128 سورة البقرة. لأن السوسي يقرأ بإسكان الراء والدوري باختلاس كسرتها وكلاهما راويا أبي عمرو قال الشاطبي: وأرنا وأرني ساكن الكسر "د" م "ي" دا إلى قوله وأخفاهما "ط" لعه فالدال رمز ابن كثير والياء رمز السوس والطاء رمز دوري أبي عمرو.

3 من الآية 106 سورة البقرة. لأن أبي عمرو ومعه ابن كثير يقرآن "نَنْسَأْهَا" بفتح النون الأولى وهمزة ساكنة بين السين والهاء. ولا إبدال للسوس من همزتها لأنها من المستثنيات. وقرأ الباتون بضم النون الأولى. وكسر السين من غير همز. قال الشاطبي: ونفسها مثل من غيرهم. "ذ" كت "إ" لى.

ص: 59

وقال ابن مجاهد حدثني جعفر بن محمد، قال محمد بن بشير: قال سفيان بن عيينة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي القراءات، فبقراءة من تأمرني أن أقرأ، فقال: اقرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء.

وقال وهب بن جرير:

قال لي شعبة: تمسك بقراءة أبي عمرو، فإنها ستصير للناس إسنادا وقال الأصمعي: سمعت أبا عمرو يقول: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت حرف كذا وحرف كذا، وسمعته يقول: خذ الخير من أهله ودع الشر لأهله.

وقال وكيع: قدم أبو عمرو بن العلاء الكوفة، فاجتمعوا إليه كما اجتمعوا على هشام بن عروة1.

وقال أبو العيناء عن أبي عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب، والشعر وأيام الناس.

أبو العيناء عن الأصمعي قال لي أبو عمرو: لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها.

ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا وكذا، وذكر حروفا، قال إبراهيم الحربي وغيره، كان أبو عمرو من أهل السنة وقال اليزيدي ومحمد بن حفص، تكلم عمرو بن عبيد2 في الوعيد سنة.

1 هو هشام بن عروق بن الزبير الفقيه أحد حفاظ الحديث، قال: مسح ابن عمر برأس ود عالي. وقال وهيب: قدم علينا هشام بن عروق فكان مثل الحسن وابن سيرين وحدث عن أبي وعمه، وكان ثبتا متقنا توفى ببغداد وصلى عليه المنصور ودفن بمقبرة الخيزران، قيل إنه ولد وعمر بن عبد العزيز والزهرة وقتادة والأعمش ليالي قتل الحسين بن علي من المحرم سنة إحدى وستين وتوفي سنة ستة وأربعين ومائة. "انظر شذرات الذهب ص218 جـ1".

2 ورد في سبب قول أبي عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد إنك لألكن الفهم. إن عمرو بن عبيد القدزي قال لأبي عمرو بن العلاء: وقد ورد من الله تعالى الوعد والوعيد، والله تعالى يصدق وعده ووعيده، فأراد بهذا الكلام أن ينصر بدعته التي ابتدعها من أن العصاة من المؤمنين خالدون مخلدون من النار، فقال أبو عمرو بن العلاء: إنك لأمن الفهم. فأين أنت من قول العرب: إن الكريم إذا أوعد عفاد، وإذا وعد وفى، وافتخار قائلهم بالعفو حيث قال:

وإني إذا أوعدته أو وعدته

لمخلف إبعادي ومنجز موعدي

فعده من الكرم لا من الخلق المذموم. "انظر الفرق بين الفرق ص389".=

ص: 60

فقال أبو عمرو: إنك لألكن الفهم، إذا صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء مثله في أصغر شيء، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء، إنما نهى الله تعالى عنهما لتتم حجته على خلقه ولئلا يعدل عن أمره.

ووراء وعيده عفوه وكرمه ثم أنشد1:

ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي

ولا أختتي من صولة المتهدد

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إبعادي ومنجز موعدي

قال عمرو صدقت:

وقد يمتدح العرب بالوفاء بهما كقولهم، لا يخلف الوعد والوعيد، ولا يبيت من ثأره على فوت.

فقد وافق هذا قول الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} [الأعراف: 44] فقال أبو عمرو: قد وافق الأول إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث يفسر القرآن، وقال الأصمعي: كنت إذا رأيت أبا عمرو يتكلم ظننته لا يعرف شيئا، كان يتكلم كلاما سهلا، وكان له كل يوم بفلس كوز، وبفلس ريحان، فيشرب بالكوز يوما ويهبه.

ويأمر الجارية فتدق الريحان إذا جف في الأشنان2.

وقال أبو عبيدة: كانت دفاتر أبي عمرو ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها، وكان من أشراف العرب ووجوههم.

وقال الأصمعي: قال أبو عمرو: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول، نخل طوال.

= وأما عمرو بن عبيد فهو: أبو عثمان: عمرو بن عبيد بن باب، البصري، الزاهد، الكابد، المعتزلي، القدري، قال ابن قتيبة:"كان يرى رأى القدر، ويدعو إليه، واعتزل الحسن هو وأصحاب له فسموا المعتزلة" ا. هـ. وقال الذهبي: "صحب الحسن، ثم خالفة واعتزل حلقته، فلذا قيل: المعتزلي" ا. هـ. ومات عمر في طريق مكة سنتة 142 ودفن بمران على ليلتين من مكة، وصلى عليه سليمان بن علي ورثاه أبو جعفر المنصور ومن شكره فيه: كلكم يمشي رويدا كلكم يطلب صيدا. غير عمرو بن عبيد "الكبر: 1/ 193 والمعارف 483، وتاريخ بغداد رقم 6652، ومروج الذهب: 3/ 313، 314".

1 الشعر لعامر بن الطفيل انظر/ ديوانه "ص58".

2 "الإشنان": شجر يثبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده من غسل الثياب والأيدي. "انظر المعجم الوجيز ص19".

ص: 61

قال ابن معين: أبو عمرو ثقة.

وقال أبو حاتم: لا بأس به.

قلت: ليس له في الكتب الستة شيء.

وعن أبي عمرو قال: نظرت في هذا العلم قبل أن أختن، ولي أربع وثمانون سنة وروى أبو مجاهد عن جعفر بن محمد عن أحمد بن الأسود أن أبا عمرو كان متواريا فدخل عليه الفرزدق فأنشده:

ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

حتى أتيت أبا عمرو بن عمار

حتى أتيت فتى ضخما وسميته

مر المريرة حر وابن أحرار

تنميهم مازن في فرع نبعتها

جد كريم وعود غير خوار

قال أبو عبيدة: حدثني عدة عن أبي عمرو، أنه قرأ القرآن على مجاهد.

وقال بعضهم: وعلى سعيد بن جبير.

قال ابن مجاهد: حدثونا عن محمد بن سلام، قال: مر أبو عمرو بمجلس فقال رجل من القوم: ليت شعري من هذا، أعرابي أم مولى وهو على بغلة.

فقالت: النسب من مازن والولاء للعنبر، وقال عدس للبغلة ومضى.

قال ابن مجاهد: حدثني بعض أصحابنا عن أبي بكر بن خلاد، عن وكيع، قال: قرأت على قبر أبي عمرو بالكوفة هذا قبر أبي عمرو بن العلاء مولى بني حنيفة.

قلت: لعله ولاء خلق؛ ابن دريد.

حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة، قال: قال أبو عمرو بن العلاء: أنا زدت هذا البيت في أول قصيدة الأعشى، وأستغفر الله منه:

وأنكرتني وما كان الذي نكرت

من الحوادث إلا الشيب والصلعا

قال الأصمعي وغيره: توفي أبو عمرو سنة أربع وخمسين ومائة1.

2-

يحيى بن الحارث الذماري الغساني الدمشقي إمام الجامع ومقرئ البلد، وذمار قرية من قرى اليمن، من أعمال صنعاء، أبوه منها وهو الذي خلف ابن عامر بدمشق، وانتصب للإقراء، أخذ عن ابن عامر.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "12/ 178". شذرات الذهب "1/ 237، 238". سير أعلام النبلاء "6/ 407".

ص: 62

وقيل: إنه قرأ أيضا على واثلة بن الأسقع، وحدث عن واثلة وسعيد بن المسيب، وأبي سلام وأبي الأشعث الصنعاني وسالم بن عبد الله وجماعة.

قرأ عليه أئمة مثل عراك بن خالد وأيوب بن تميم، والوليد بن مسلم1 ومدرك بن أبي سعد، وسويد بن عبد العزيز، وهشام بن الغازي ويحيى بن حمزة، وصدقة بن عبد الله.

وسمع منه الأوزاعي2 وسعيد بن عبد العزيز، وصدقة بن خالد، وصدقة بن عبد الله السمين، ومحمد بن شعيب بن شابور وغيرهم، ذكره أبو حاتم، فقال: ثقة عالم بالقراءة في دهره بدمشق.

وروى ابن ذكوان عن أيوب بن تميم، قال: كان يحيى بن الحارث يقف خلف الأئمة، لا يستطيع أن يؤم من الكبر.

كان يرد عليهم إذا غفلوا وقال سويد بن عبد العزيز: سألت يحيى بن الحارث عن عدد آي القرآن، فأشار إلي بيده اليسار ستة آلاف، ومئتان وست وعشرون.

وقال مروان الطاطري: حدثنا أبو عبد الملك القارئ؛ حدثنا يحيى بن الحارث، قال: لقيت واثلة بن السقع فقلت: هل بايعت بيدك هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: فأعطنيها حتى أقبلها، فأعطانيها، فقبلتها.

قال أبو حاتم الرازي: عاش يحيى الذماري تسعين سنة.

وقال خليفة توفي سنة خمس وأربعين ومائة.

قلت: وحديثه في السنن الأربعة3.

1 هو محدث الشام: أبو العباس الوليد بن مسلم، روى عن يحيى الذماري ويزيد بن أبي مريم والأوزاعي وابن جريج وخلق آخرين، وروى عنه الليث بن سعد وبقية بن الوليد، وقد أغرب بأحاديث صحيحة، لم يشركه فيها أحد، وصنف تصانيف كثيرة، مدحه عبد الله بن أحمد، وقال أبو مسهر: كان مدلسا، وتوفي من سنة 195، وقيل 194 وقيل 196 "العبر: 1/ 319، تهذيب التهذيب: 11/ 151".

2 هو إمام الشاميين أبو عمرو عبد الرحمن بن الأوزاعي الفقيه، روى عن عطاء والقاسم بن مخيمرة وخلق كثير من التابعين. وكان رأسا في العلم والعمل كثير المناقب. وقال أبو مسهر: كان الأوزاعي يحيي الليل صلاة وقرآنا وبكاء، ولد في سنة 80 ومات ببيروت في الحمام: أغلقت عليه امرأته باب الحمام ونسيته فمات من سنة 157. "العبر: 1/ 227، مشاهير علماء الأمصار رقم 1425 -ووفيات الأعيان رقم334".

3 انظر/ تهذيب التهذيب "11/ 193، 194". شذرات الذهب "1/ 217". سير أعلام النبلاء "6/ 189". طبقات القراء لابن الجزري "2/ 367".

ص: 63

3-

نافع بن عبد الرحمن ابن أبي نعيم الليثي، مولاهم أبو رويم المقرئ المدني.

أحد الأعلام، هو مولى جعونة بن شعوب الليثي، حليف حمزة بن عبد المطلب أو حليف أخيه العباس.

وقيل يكنى أبا الحسن، وقيل أبا عبد الرحمن، وقيل أبو عبد الله.

وقيل: أبو نعيم وأشهرها أبو رويم.

قرأ على طائفة من تابعي أهل المدينة، وكان أسود اللون حالكا وأصله من أصبهان.

قال أبو قرة موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين.

قال أبو عمرو الداني: قرأ على الأعرج وأبي جعفر القارئ، وشيبة بن نصاح، ومسلم بن جندب ويزيد بن رومان، وصالح بن خوات.

قلت: وسمع الأعرج ونافعا مولى ابن عمر وعامر بن عبد الله بن الزبير، وأبا الزناد، وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم، وأقرأ الناس دهرا طويلا، فقرأ عليه من القدماء مالك وإسماعيل بن جعفر، وعيسى بن وردان الحذاء، وسليمان بن مسلم بن جماز.

وممن بعدهم إسحاق المسيبي والواقدي، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وقالون وورش، وإسماعيل بن أبي أويس، وهو آخر من قرأ عليه موتا.

وروى عنه الليث بن سعد، وخارجة بن مصعب، وابن وهب وأشهب، وخالد بن مخلد، وسعيد بن أبي مريم والقعنبي، ومروان الطاطري.

وسقلاب ومعلي بن دحية، وكورم المغربي والغاز بن قيس. وخلق كثير، وكثير منهم قرأ عليه. وبعضهم حمل عنه الحروف. قال سعيد بن منصور: سمعت مالكا يقول: قراءة أهل المدينة سنة. قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن فقراءة عاصم. وقال مالك: نافع إمام الناس في القراءة، وروى أبو خليد الدمشقي واسمه عتبة عن الليث بن سعد أنه قدم المدينة سنة عشر، فوجد نافعا إمام الناس في القراءة لا ينازع.

قلت: المحفوظ عن الليث أنه قال: في سنة ثلاث عشرة، قال ابن وهب وغيره عنه، وقال أحمد بن هلال المصري: قال لي الشيباني: قال لي رجل ممن قرأ على نافع: إن نافعا كان إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك. فقلت له: يا أبا عبد الله أو يا أبا أتتطيب كلما قعدت تقرئ؟ قال: ما أمس طيبا ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم. وهو يقرأ في في، فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة.

ص: 64

وقال الأصمعي: عن فلان قال: أدركت المدينة سنة مائة ونافع رئيس في القراءة.

وروى هارون بن موسى القروي عن أبيه عن نافع بن أبي نعيم أنه كان يجيز كل ما قرئ عليه، إلا أن يسأله إنسان أن يقفه على قراءته فيقفه عليها. وعن الأعشي قال: كان نافع يسهل القرآن لمن قرأ عليه، إلا أن يسأله. وقال نافع: تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفا. وجلست إلى نافع مولى ابن عمر ومالك صبي. رواها الأصمعي عنه.

أبو مصعب الزهري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: كنا نقرأ على ابن جعفر القارئ، وكان نافع يأتيه فيقول: يا أبا جعفر ممن أخذت صرف كذا وكذا؟ فيقول: من رجل قارئ من مروان بن الحكم. ثم يقول له: ممن أخذت صرف كذا وكذا؟ فيقول: من رجل قارئ من الحجاج بن يوسف فلما رأى ذلك نافع، تتبع القراءة يطلبها.

وقال إسحاق المسيبي: قال نافع: قرأت على هؤلاء فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة.

وقال الأصمعي: سألت نافعا عن "الذئب" و"البئر" فقال: إن كانت العرب تهمزها فاهمزها.

وروى الحلواني عن قالون أن نافعا كان لا يهمز همزا شديدا ويمد ويحقق القراءة ولا يشدد، ويقرب بين الممدود وغير الممدود. وقال عبيد بن ميمون التبان: قال لي هارون بن المسيب: قراءة من تقرئ؟ قلت: قراءة نافع، قال: فعلى من قرأ نافع؟ قال: على الأعرج وقال الأعرج: قرأت على أبي هريرة رضي الله عنه. وقال عثمان بن خرزاذ: حدثنا عبد الله بن ذكوان حدثنا إسحاق بن محمد المسيبي عن نافع أخبره أنه أدرك أئمة يقتدى بهم في القراءة منهم: الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، ومسلم بن جندب وغيرهم.

قلت: وروي أن نافعا كان صاحب دعابة وطيب أخلاق، وثقه يحيى بن معين، ولينه أحمد بن حنبل.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال أبو حاتم: صدوق.

قلت: لم يخرجوا له شيئا في الكتب الستة.

قال ابن عدي لنافع عن الأعرج: نسخة مائة حديث رواها جعفر بن محمد الرازي عن سعيد بن هاشم عنه، وله نسخة أخرى أكثر من مائة حديث عن أبي الزناد عن الأعرج، رواها ابن أبي فديك عنه، وله من التفاريق قدر خمسين حديثا أيضا.

ولم أر له شيئا منكرا وأرجو أنه لا بأس به، أخبرني عمر بن عبد المنعم عن الكندي أنا

ص: 65

ابن توبة أنا الصريفيني أنا عمر بن إبراهيم، حدثنا ابن مجاهد حدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي بكر بن حماد المقرئ حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق عن أبيه قال: لما حضرت نافعا الوفاة، قال له أبناؤه أوصنا قال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} قال: ومات سنة تسع وستين ومائة -رحمه الله تعالى1.

4-

عيسى بن وردان الحذاء أبو الحارث المدني القارئ.

قرأ على أبي جعفر القارئ وشيبة بن نصاح ثم عرض على نافع بن أبي نعيم، وهو من قدماء أصحابه. ولعله مات قبله، روى عنه القراءة عرضا إسماعيل بن جعفر المدني، وقالوان والواقدي وغيرهم2.

5-

حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الإمام، أبو عمارة الكوفي مولى آل عكرمة بن ربعي التميمي الزيات أحد القراء السبعة.

ولد سنة ثمانين، وأدرك الصحابة بالسن فلعله رأى بعضهم، وقرأ القرآن عرضا على الأعمش؛ وحمران بن أعين، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومنصور وأبي إسحاق وغيرهم.

وقرأ أيضا على طلحة بن مصرف، وجعفر الصادق3، وتصدر للإقراء مدة، وقرأ عليه عدد كثير، وقد حدث عن طلحة بن مصرف، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم وعمرو بن مرة، وعدي بن ثابت، ومنصور وعدة قرأ عليه الكسائي وسليم بن عيسى وهما أجل أصحابه، وعبد الرحمن بن أبي حماد، وعابد بن أبي عابد، والحسن بن عطية، وإسحاق الأزرق، وعبيد الله بن موسى، وحجاج بن محمد، وإبراهيم بن طعمة.

ويحيى بن علي الجزار، وسعيد بن أبي الجهم، ويحيى بن اليمان، وخلق، وحدث عنه الثوري، وشريك ومندل بن علي، وأبو الأحوص وشعيب بن حرب، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى بن آدم، وقبيصة بن عقبة وبكر بن بكار، ومحمد بن فضيل، وعبد الله بن صالح العجلي، وأمم سواهم.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "10/ 407، 408". شذرات الذهب "1/ 270". سير أعلام النبلاء "7/ 336". طبقات القراء لابن الجزري "2/ 330".

2 انظر/ طبقات القراء لابن الجزري "1/ 616".

3 هو أبو عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب، كان سيد بني هاشم في زمانه، وقد توفي في آخر سنة 148 عن ثمان وستين سنة "العبر: 1/ 208".

ص: 66

وكان إماما حجة قيما بكتاب الله تعالى، حافظا للحديث، بصيرا بالفرائض والعربية، عابدا خاشعا قانتا لله، ثخين الورع عديم النظير.

قال البخاري: حمزة بن حبيب الزيات، مولى بني تيم الله بن ربيعة.

وقال سليم: حمزة مولى بني تيم الله بن ثعلبة بن عكاية.

وقال محمد بن الحسن: النقاش مولى بني عجل، من ولد أكثم بن صيفي وقال كان حمزة يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، ويجلب من حلوان الجوز والجبن إلى الكوفة.

وقال أبو عبيد1: حمزة هو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته، غير أن يطبق عليه جماعتهم، وعن شعيب بن حرب.

قال: أم حمزة الناس سنة مائة.

قال: ودرس سفيان الثوري2 على حمزة القرآن أربع درسات.

وقال أبو عمر الدوري: حدثنا أبو المنذر يحيى بن عقيل، قال:

كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل، قال: هذا حبر القرآن، وعن مندل قال: إذا ذكر القراء فحسبك بحمزة في القراءة والفرائض.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثنا أبي قال: حمزة سنة يكون بالكوفة، وسنة بحلوان فختم عليه رجل من أهل حلوان من مشاهيرهم، فبعث إليه بألف درهم.

1 هو أبو عبيد القاسم بن سلام، أحد الفقهاء والمحدثين والنحويين والعلماء بالكتاب والسنة، وكان مؤدبا لم يكتب الناس أصح من كتبه ولا أكثر فائدة، وكان إسحاق بن راهويه يقول: يحب الله الحق، أبو عبيد أعلم مني ومن أحمد بن حنبل ومحمد بن إدريس الشافعي، وأبو عبيد مولى للأزد من أبناء خراسان، وولي قضاء طرسوس أيام ثابت بن نصر بن مالك ولم يزل معه ومع ولده، وقد اختلف في وفاته، فقال البخاري: مات في سنة 224، وقال غيره: مات في سنة 223، وقيل: في سنة 222 "المنهج الأحمد: 1/ 80 بتحقيقنا، وطبقات الزبيدي ص217، والعين 1/ 392، وطبقات الحفاظ للذهبي ص417، وشذرات الذهب؛ 2/ 54".

2 هو الإمام العالم: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حمزة بن حبيب الثوري نسبة إلى ثورة، وهو بطن من تميم -الكوفي، الفقيه سيد أهل زمانه علما وعملا، ولد في سنة خمس وتسعين، وروى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب، قال عنه أحمد بن حنبل: لا يتقدم سفيان في قلبي أحد، وقال يحيى بن معين: مهدي أمير المؤمنين في الحديث، وقال يحيى القطان: ما رأيت أحدا أحفظ من الثوري، وقال سفيان عن نفسه: ما استودعت قلبي شيئا قط فخافني، ومات بالبصرة مختفيا عند عبد الرحمن بن مهدي وفي داره، في شعبان من سنة 161 "العبر: 1/ 235، مشاهير علماء الأمصار رقم349 وفيات الأعيان رقم252".

ص: 67

فقال لابنه: قد كنت أظن لك عقلا، أنا آخذ على القرآن أجرا، أرجو على هذا الفردوس، قال عبد الله العجلي: ومات حمزة فترك عليه ألف درهم دينا، فقضاها عنه يعقوب بن داود، قال عبد الله، وقال أبو حنيفة1: لحمزة شيآن غلبتنا عليهما، لسنا ننازعك فيهما، القرآن والفرائض.

قال عبد الله: وقال حمزة نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري، قال: وكان مصحفه على هجاء مصحف ابن الزبير.

وقال: إنما تعلمت جودة القراءة على ابن أبي ليلى.

قال: وقرأ على ابن أبي ليلى فأخطأ، فلم يأخذ عليه، فقال حمزة: ما لك لم تأخذ علي؟

قال: خفت الله، أن تكون أنت المصيب وأنا المخطئ.

وقال أحمد بن زهير وعثمان الدارمي: قال يحيى بن معين: حمزة ثقة.

وقال سفيان الثوري: غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض.

وقال عبد الله بن موسى: ما رأيت أحدا أقرأ من حمزة.

أنا عمر الطائي أنا زيد الكندي في كتابه أنا ابن توبة أنا الصريفيني أنا عمر بن إبراهيم، حدثنا ابن مجاهد حدثني ابن أبي الدنيا، حدثنا الطيب بن إسماعيل عن شعيب بن حرب سمعت حمزة يقول: ما قرأت حرفا إلا بأثر، وبه قال ابن مجاهد.

حدثنا مطين2 حدثنا عقبة بن قبيصة، حدثنا أبي، قال: كنا عند سفيان الثوري، فجاء حمزة فكلمه، فلما قام من عنده أقبل علينا سفيان، فقال: هذا ما قرأ حرفا من كتاب الله -عز

1 هو فقيه أهل العراق، العابد، الورع، السخن: أبو حنيفة النعمان بن ثابت، الكوفي، ولد في سنة ثمانين، وروى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته، وتفقه على حماد بن أبي سليمان، وكان من المبرزين المتفوقين في الذكاء وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل كان يتفق ويوانس من كسبه، وكان له دار كبيرة لعمل الخذ وعنده صناع وأجراد، قال عنه الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة، وتوفي في رجب من سنة 150 "العبر: 1/ 214، وفيات الأعيان رقم736 تاريخ بغداد: 13/ 323".

2 "مطين": لقب أبي جعفر الحضرمي، ولقب به لأنه كان وهو صغير يلعب مع الصبيان في الماء فيطينون ظهره، فقال له أبو نعيم: يا مطين لم لا تحضر مجلس العلم؟. "تيسير مصطلع الحديث د/ محمود الطحانب ص222".

ص: 68

وجل- إلا بأثر، وبه حدثني محمد بن عيسى حدثنا أبو هشام حدثنا سليم عن حمزة، أنه كان إذا قرأ في الصلاة لم يكن يهمز.

وبه حدثنا ابن أبي الدنيا، قال: قال محمد بن الهيثم أخبرني إبراهيم الأزرق قال: كان حمزة يقرأ في الصلاة كما يقرأ لا يدع شيئا من قراءته، فذكر المد والهمز والإدغام.

وحدثني علي بن الحسين سمعت محمد بن الهيثم حدثني عبد الرحمن سمعت حمزة يقول: إن لهذا التحقيق منتهى ينتهي إليه ثم يكون قبيحا، مثل البياض له منتهى فإذا صار برصا.

ومثل الجعودة1 لها منتهى تنتهي إليه فإذا زادت صارت قططا2.

أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن العلوي، وأحمد بن محمد الحافظ، قال: أنا عبد الله بن عمر أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد أنا عبد الرحمن بن أحمد.

أنا عبد الله بن محمد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش خمسمائة حديث، أو ذكر أكثر، فأخبرني حمزة الزيات، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فعرضتها عليه، فما عرف منها إلا اليسير، خمسة أو ستة أحاديث، فتركت الحديث عنه، أخرجه مسلم في صدر صحيحه، عن سويد.

وقال عبد الله بن موسى، كان حمزة يقرئ القرآن حتى يتفرق الناس، ثم ينهض فيصلي أربع ركعات، ثم يصلي ما بين الظهر والعصر، وما بين المغرب والعشاء.

وحدثني بعض جيرانه أنه لا ينام الليل، وأنهم يسمعون قراءته يرتل القرآن، رواه محمد بن علي بن عفان عنه.

وقال أبو عمر الدوري: قال حمزة ترك الهمز في المحاريب من الأستاذية.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قال أبي: أكره من قراءة حمزة الهمز الشديد، والإضجاع.

وقال يحيى بن معين: سمعت محمد بن فضيل يقول: ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة.

1 الجعودة والجعادة: اجتماع الشعر وتقبضه والتواؤه.

2 القطط: قصر الشعر وجعودته.

ص: 69

وقال إسحاق بن الجراح:

قال خلف بن تميم: مات أبي وعليه دين، فأتيت حمزة؛ ليكلم صاحب الدين فقال: ويحك إنه يقرأ علي، وأنا أكره أن أشرب من بيت من يقرأ علي الماء.

وقال أسود بن سالم: سألت الكسائي عن الهمز والإدغام، ألكم فيه إمام؟ قال: نعم.

هذا حمزة يهمز ويكسر وهو إمام من أئمة المسلمين، وسيد القراء والزهاد، لو رأيته لقرت عينك به من نسكه.

قلت: يريد بقوله: يكسر أي يميل، وقال حسين الجعفي: ربما عطش حمزة فلا يستقي كراهية أن يصادف من قرأ عليه.

وذكر جرير بن عبد الحميد قال: مر بي فطلب ماء فأتيته به فلم يشرب مني، لكوني أحضر القراءة عنده.

وعن حمزة قال: إنما الهمز رياضة، فإذا حسنها الرجل سهلها.

وكان شعيب بن حرب يقول لأصحابه الحديث: ألا تسألوني عن الدر؟ قراءة حمزة.

وقال النسائي: حمزة الزيات ليس به بأس.

قلت: وحديثه مخرج في صحيح مسلم، وفي السنن الأربعة.

وروى خلف بن هشام عن سليم قال: قرأ حمزة على الأعمش وابن أبي ليلى، فما كان من قراءة الأعمش فهي عن ابن مسعود رضي الله عنه، وما كان من قراءة ابن أبي ليلى فهي عن علي رضي الله عنه.

وقال سليم عن حمزة: قرأت القرآن أربع مرات على ابن أبي ليلى: وقال هارون بن حاتم: حدثنا الكسائي.

قلت لحمزة: على من قرأت؟ قال: على ابن أبي ليلى، وحمران بن أعين.

قلت: فحمران على من قرأ؟ قال: على عبيد بن نضلة الخزاعي.

وقرأ عبيد على علقمة عن ابن مسعود؛ وقرأ ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن أبي، وقال عبد الله بن موسى والحسن بن عطية وغيرهما: قرأنا على حمزة، وقرأ على حمران بن أعين، وعلى ابن أبي ليلى، وعلى الأعمش، وأبي إسحاق.

فأما حمران فقرأ على يحيى بن وثاب، وأما الأعمش فقرأ على زر وزيد بن وهب،

ص: 70

والمنهال بن عمرو، وقرأ زرد وزيد على عبد الله، وقال الأعمش: قرأ يحيى بن وثاب على علقمة والأسود، وعبيد بن فضيل ومسروق وعبيدة.

وكان الأعمش يقول: يحيى أقرأ الناس، قالوا: وقرأ الأعمش أيضا على إبراهيم النخعي، فأما أبو إسحاق فقرأ على أصحاب علي وابن مسعود، وأما ابن أبي ليلى فقرأ على الشعبي.

وجاءت أخبار أخر تؤذن بقراءته على الأعمش أيضا، ثم جاءت أخبار بخلاف ذلك.

قال محمد بن يحيى الأزدي: قلت لابن داود: قرأ حمزة على الأعمش؟ قال: من أين قرأ عليه، إنما سأله عن حروف.

وقال أحمد بن جبير: حدثنا حجاج بن محمد.

قلت لحمزة: قرأت على الأعمش؟ قال: لا، ولكني سألته عن هذه الحروف حرفا حرفا.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني عدة من أهل العلم عن حمزة، أنه قرأ على حمران، وكانت هذه الحروف التي يرويها حمزة عن الأعمش.

إنما أخذها عن الأعمش أخذا، ولم يبلغنا أنه قرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره.

وقال يوسف بن موسى: قيل لجرير بن عبد الحميد: كيف أخذتم هذه الحروف عن الأعمش؟

قال: كان إذا جاء شهر رمضان جاء أبو حيان التيمي وحمزة الزيات، مع كل واحد منهما مصحف، فيمسكان على الأعمش، ويقرأ فيستمعون لقراءته فأخذنا الحروف من قراءته.

وقال سهل بن محمد التميمي: قال لنا سليم: سمعت حمزة يقول: ولدت سنة ثمانين، وأحكمت القراءة ولي خمس عشرة سنة، وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمود بن أبي نصر العجلي.

قال: مات حمزة سنة ست وخمسين ومائة، وكذا وأرخه غير واحد، وقيل سنة ثمان وخمسين وهو وهم، رحمه الله1.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "13/ 27، 28". شذرات الذهب "1/ 240". سير أعلام النبلاء "7/ 90". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 261".

ص: 71

6-

عيسى بن عمر الهمداني الكوفي القارئ مولى بني أسد، لا عيسى بن عمر الثقفي البصري النحوي، كنيته أبو عمر.

قرأ على عاصم بن أبي النجود، وطلحة بن مصرف، والأعمش، قرأ عليه الكسائي وعبيد الله بن موسى، وعبد الرحمن بن أبي حماد، ومت1 بن عبد الرحمن وجماعة.

وكان مقرئ أهل الكوفة بعد حمزة.

روى عن عطاء بن أبي رباح، وحماد وعمرو بن مرة وغيرهم.

وروى عنه ابن المبارك وأبو نعيم وخلاد بن يحيى ووكيع ومحمد بن يوسف القريابي وآخرون.

وثقه يحيى بن معين، قال عبد الرحمن بن أبي حماد: عن سفيان الثوري، أدركت الكوفة وما بها أحد أقرأ من عيسى الهمداني.

وقال ابن معين: عيسى بن عمر الكوفي ثقة همداني هو صاحب الحروف.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي هو ثقة: رجل صالح رأس في القرآن، قرأ على عاصم والأعمش.

وقال مطين: مات سنة ست وخمسين ومائة -رحمه الله2.

7-

علي بن حمزة الكسائي3 الإمام أبو الحسن الأسدي، مولاهم الكوفي المقرئ النحوي.

أحد الأعلام، ولد في حدود سنة عشرين ومائة، وسمع من جعفر الصادق

1 هو محمد بن عبد الرحمن النيسابوري النحوي يعرف بمت.

2 انظر/ تهذيب التذيب "8/ 222، 223". سير أعلام النبلاء "7/ 199". طبقات ابن الجزري "1/ 612".

3 الكسائي قيل سمي الكسائي لأنه كان مر بأكسايا قرية من السواد قاله الأهوازي، قال أبو جعفر: إن صح هذا فهو من شاذ النسب كمروزي والقياس باكساوي ياكسائي قال وقال آخرون: بل كان ينسج بكسا ويجلس فجلس حمزة فإذا أراد أن يقرأ يقول: اعرضوا على صاحب الكسا فسمي الكسائي لذلك ولكن الصحيح في تسميته بذلك أنه أحرم في كسائي وذلك ردا على سؤال من سأله قائلا: لم سميت الكسائي؟ فأجابه بما أوردناه سالفا وإلى ذلك أشار الشاطبي:

وأما علي فالكسائي نكته

لما كان في الإحرام فيه تسربلا

"انظر شرح الشاطبية للشيخ عبد الفتاح القاضي ص17".

ص: 72

والأعمش. وزائدة، وسليمان بن أرقم وجماعة يسيرة، وقرأ القرآن وجوده على حمزة: الزيات وعيسى بن عمر الهمداني.

ونقل أبو عمرو الداني وغيره: أن الكسائي قرأ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا، واختار لنفسه قراءة، ورحل إلى البصرة فأخذ العربية عن الخليل بن أحمد.

قال محمد بن عيسى الأصبهاني: حدثنا محمد بن سفيان قال: قال الكسائي: أدركت أشياخ أهل الكوفة أبان بن تغلب وابن أبي ليلى، وحجاج بن أرطأة وعيسى بن عمر الهمداني وحمزة.

قلت: وأخذ الحروف أيضا عن أبي بكر بن عياش وغيره، وخرج إلى البوادي فغاب مدة طويلة، وكتب الكثير من اللغات والغريب عن الأعراب. بنجد وتهامة.

ثم قدم وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبر.

قال الصولي: هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد.

قلت: قرأ عليه أبو عمر الدوري، وأبو الحارث الليث، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني.

وأحمد بن أبي سريج النهشلي، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وعيسى بن سليمان الشيرزي، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وأبو عبد القاسم بن سلام، ومحمد بن سفيان، وخلق سواهم.

وحدث عنه: يحيى الفراء، وخلف البزار، ومحمد بن المغيرة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن حنبل ومحمد بن سعدان، وعدد كثير، وإليه انتهت الإمامة في القراءة والعربية.

قال ابن مجاهد: كان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم، قال أبو عبيد، في كتاب القراءات: كان الكسائي يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا.

وكان من أهل القراءة، وهي كانت علمه وصناعته، ولم نجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه.

وقال أبو عمر الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت بعيني أصدق لهجة من الكسائي.

وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائي وهو يقرأ على الناس القرآن مرتين.

ص: 73

وقال خلف بن هشام: كنت أحضر بين يدي الكسائي، وهو يقرأ على الناس وينقطون مصاحفهم بقراءته عليهم.

قلت: لم يكن ظهر للناس الشكل بعد، إنما كانوا يعربون بالنقط، قال خلف: قرأ الكسائي على حمزة القرآن أربع مرات.

وقال أحمد بن رستم: حدثنا نصير بن يوسف، قال: قرأت على الكسائي، وأخبرني أنه قرأ القرآن على حمزة، وعلى جماعة في عصر حمزة، منهم ابن أبي ليلى، والهمداني وأبو بكر بن عياش.

وقال موسى بن عبد الرحيم: سألت الكسائي عن نسبته فقال: أحرمت في كساء.

قال الشافعي رضي الله عنه: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.

وقال أبو بكر بن الأنباري: اجتمعت في الكسائي أمور، كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وكان أوحد الناس في القرآن، فكانوا يكثرون عليه، حتى لا يضبط الأخذ عليهم.

فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره، وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ.

قلت: وكان في الكسائي تيه وحشمة، لما نال من الرياسة بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد، وتأديبه أيضا للرشيد.

فنال ما لم ينله أحد من الجاه والمال، والإكرام، وحصل له رياسة العلم والدنيا.

قال ثعلب: حدثنا خلف بن هشام، قال: عملت وليمة فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي، للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك ننكر مثلها.

فقال الكسائي: أومثلي يخاطب بهذا، وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا، ثم بصق فسكت اليزيدي.

وقال أبو طاهر بن أبي هاشم، قال محمد بن بشار: حدثني أبي عن بعض أصحابه قال: قيل لأبي عمر الدوري، كيف صحبتم الكسائي على الدعابة التي فيه؟ قال: لصدق لسانه.

وقال أحمد بن فرح: حدثنا الدوري سمعت الكسائي يقول: من علامة الأستاذية ترك الهمز في المحاريب.

أخبرنا أبو بكر العطار، أخبرنا عبد الوهاب بن رواج، أنا أبو طاهر السلفي الحافظ، أنا

ص: 74

أبو طاهر بن سوار مؤلف المستنير حدثنا الحسن بن علي العطار حدثنا إبراهيم بن أحمد الطبري المقرئ حدثنا أحمد بن فرح حدثنا الدوري قال: قيل للكسائي لم لا تهمز الذيب؟ قال: أخاف أن يأكلني.

وقيل إنه قال هذه الأبيات: قل للخليفة لا يلوم؛ ولا يصح ذلك عنه.

وقال أبو العباس بن مسروق، حدثنا سلمة بن عاصم قال: قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط، أردت أن أقول:{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، فقلت: لعلهم يرجعين، فوالله ما اجترأ هارون أن يقول أخطأت.

ولكنه لما سلم قال: أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، قال: أما هذه فنعم، أنبأني بها المؤمل بن محمد وغيره، عن الكندي عن أبي منصور الشيباني، عن أبي بكر الخطيب.

عن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، عن الخلدي، عن ابن مسروق وروى سلمة عن الفراء1 قال: قال لي الكسائي: ربما سبقني لساني باللحن، فلا يمكنني أن أرده أو كلاما نحو هذا.

وأنبأنا عن الكندي عن الشيباني عن الخطيب، قال: أنا أبو الحسن الحمامي، سمعت عمر بن محمد الإسكاف، سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدورقي يقول: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد، فحضرت صلاة فقدموا الكسائي يصلي فأرتج عليه، قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، فقال اليزيدي: قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ترتج على قارئ الكوفة.

قال: فحضرت صلاة، فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في الحمد، فلما سلم قال:

احفظ لسانك لا تقول فتبتلى

إن البلاء موكل بالمنطق

وروى الخطيب بإسناده عن خلف البزار قال: كان الكسائي يقرأ لنا على المنبر، فقرأ يوما ونحن تحته "أَنَا أَكْثَرَ مِنْك" فنصب أكثر فلما فرغ سألوه عن العلة.

فثرت في وجوههم أنه أراد في فتحه أقل: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا"} .

1 هو أبو زكريا: يحيى بن زياد بن عبد الله منصور، الفراء، الديلمي، أبرع أهل الكوفة في علمهم، نزل بغداد، وهو أجل أصحاب الكسائي، وكان رأسا في النحو واللغة، مات في سنة 207 "العبر: 1/ 354، مراتب النحويين لأبي الطيب الحلبي ص89، طبقات النحويين واللغويين الزبيدي ص143، شذرات الذهب: 2/ 19".

ص: 75

وقال الكسائي أكثر فمحوه من كتبهم ثم قال لي: يا خلف يكون أحد من بعدي يسلم من اللحن.

وعن الفراء قال: ناظرت الكسائي يوما وزدت فكأني كنت طائرا أشرب من بحر.

قال الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على كبر، لأنه جاء إلى قوم وقد أعيا فقال قد عييت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن، قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت، وإن كنت أردت انقطاع الحيلة والتحير في الأمر، فقل عييت، فأنف من ذلك.

وقام من فوره، فسأل عمن يعلم النحو، فدل على معاذ الفراء فلزمه ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل، ثم خرج إلى بادية الحجاز.

وقال ابن الأنباري: حدثنا أبي قال قال الفراء: لقيت الكسائي يوما، فرأيته كالباكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: هذا الملك يحيى بن خالد، يحضرني فيسألني عن الشيء فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل.

فقلت: يا أبا الحسن من يعترض عليك، قل ما شئت فأنت الكسائي فأخذ لسانه بيده فقال: قطعه الله إذا إن قلت ما لا أعلم.

وقال أحمد بن أبي سريج، سمعت أبا المعاني وكان عالما بالقراءات يقول:

الكسائي القاضي على أهل زمانه.

وقال أبو عمرو الداني من ترجمة عبد الله بن ذكوان أخذ عن أيوب بن تميم وقرأ على الكسائي حين قدم الشام ثم قال: وقال محمد بن الحسن البقاش؛ قال ابن ذكوان.

أقمت على الكسائي سبعة أشهر وقرأت عليه القرآن غير مرة قلت: لم يتابع النقاش أحد على هذا والنقاش يأتي بالعجائب دائما، وذكر الداني في ترجمة الكسائي أن ابن ذكوان سمع الحروف من الكسائي.

وأما الحافظ فلم يذكر شيئا من ذلك ولا ذكر الكسائي في تاريخ دمشق أصلا، وروى عن نصير بن يوسف قال: دخلت على الكسائي في مرض موته فأنشأ يقول:

قدر أحلك ذا النخيل وقد ترى

لولاه ملك ذو النخيل بدار

ألا كداركم بذي بقر الحمى

هيهات ذو بقر من المزدار

فقلت: كلا ويمتع الله الجميع بك.

ص: 76

فقال: لئن قلت ذاك لقد كنت أقرئ الناس في مسجد دمشق فأغفيت في المحراب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم داخلا من باب المسجد فقام إليه رجل فقال: بحرف من تقرأ فأومأ إلي.

وللكسائي من التصانيف كتاب معاني القرآن، كتاب القراءات، كتاب العدد، كتاب النوادر الكبير، كتاب النوادر الأوسط، كتاب النوادر الأصغر، كتاب النحو، كتاب العدد واختلافهم فيه، كتاب الهجاء.

كتاب مقطوع القرآن وموصوله، كتاب المصادر، كتاب الحروف، كتاب أشعار المعاياة، كتاب الهاءات، قال أبو سعيد السيرافي: رثى يحيى اليزيدي محمد بن الحسن والكسائي، وكانا خرجا مع الرشيد إلى خراسان فماتا في الطريق، فقال:

تصرمت الدنيا فليس خلود

وما قد ترى من بهجة سيبيد

لكل امرئ كأس من الموت مترع

وما إن لنا إلا عليه ورود

ألم تر شيبا شاملا ينذر البلى

وإن الشباب الغض ليس يعود

سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت

فكن مستعدا فالفناء عتيد

أسيت على قاضي القضاة محمد

فأذريت دمعي والفؤاد عميد

وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا

بإيضاحه يوما وأنت فقيد

وأقلقني موت الكسائي بعده

وكادت بي الأرض الفضاء تميد

فأذهلني عن كل عيش ولذة

وأرق عيني والعيون هجود

هما عالمنا أوديا وتخرما

فما لهما في العالمين نديد

فحزني إن تخطر على القلب خطرة

بذكرهما حتى الممات جديد

قال أبو عمر الدوري:

توفي الكسائي بالري بقرية رنبوية، وقال أحمد بن جبير الأنطاكي: توفي برنبوية، سنة سبع وثمانين ومائة، وقال أبو بكر بن مجاهد: توفي برنبويه سنة تسع وثمانين، وكذا وأرخه غير واحد وهو الصحيح.

وقد قيل في وفاته أقوال واهية: سنة إحدى وثمانين، وسنة اثنتين وسنة ثلاث وسنة خمس أعني وثمانين وسنة ثلاث وتسعين والله أعلم، وقيل: إنه عاش سبعين سنة.

ولما مات محمد والكسائي قال الرشيد: دفنا الفقه والنحو بالري1.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "7/ 313، 314". شذرات الذهب "1/ 321". سير أعلام النبلاء "9/ 131". طبقات ابن الجزري "1/ 535".

ص: 77

8-

شبل بن عباد المكي.

صاحب ابن كثير، ومقرئ مكة عرض على ابن كثير وابن محيصن، وحدث عن أبي الطفيل، والمقبري.

وعمرو بن دينار، وابن أبي نجيح وجماعة، وأقرأ مدة، روى عنه القراءة عرضا إسماعيل بن عبد الله القسط، وابنه داود بن شبل، وأبو الأخريط وهب بن واضح ومحمد بن سبعون، وعكرمة بن سليمان، وآخرون.

وحدث عنه سفيان بن عيينة، وأبو أسامة، وأبو نعيم وروح بن عبادة، ويحيى بن أبي بكير وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، وعبيد بن عقيل.

روى عنه من القدماء حمزة الزيات وغيره.

ووثقه يحيى بن معين، قال ابن مجاهد: وشبل هو مولى عبد الله بن عامر الأموي، وهو أحد أصحاب ابن كثير، الذين خلفوه في القراءة بمكة.

قال خلف بن هشام: حدثنا عبيد بن عقيل قال: سألت شبل بن عباد، فحدثني بقراءة أهل مكة، وهي قراءة ابن كثير.

قلت: وحديثه مخرج في صحيح البخاري.

وفي سنن أبي داود والنسائي، وقد أرخ بعضهم وفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة، وأظنه وهما، فإن أبا حذيفة إنما سمع سنة نيف وخمسين فيحرر هذا والله أعلم1.

9-

معروف بن مشكان أبو الوليد المكي قارئ أهل مكة مع شبل.

عرض على ابن كثير، وحدث عن عطاء بن أبي رباح، ومجاهد وغيرهما، قرأ عليه إسماعيل بن عبد الله القسط، وهو رفيقه في الأخذ أيضا ووهب بن واضح.

وحدث عنه ابن المبارك، ومروان بن معاوية، ومحمد بن حنظلة المخزومي، ومطرف النهدي وهو قليل الحديث مقدم في القراءة له في سنن ابن ماجه حديث واحد.

وقد اختلف في ضبط مشكان هل يضم أوله أو يكسر توفي سنة خمس وستين ومائة -رحمه الله تعالى2.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "1/ 346". شذرات الذهب "1/ 223". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 323".

2 انظر/ تهذيب التهذيب "10/ 232، 233". طبقات القراء لابن الجزري "2/ 303".

ص: 78

10-

المفضل بن محمد الضبي الكوفي المقرئ، أبو محمد.

كان من جلة أصحاب عاصم بن بهدلة، قرأ عليه.

وتصدر للإقراء، وحدث عن سماك بن حرب، وأبي إسحاق وعاصم وغيرهم، وكان علامة إخباريا موثقا، كذا قال أبو بكر الخطيب.

وأما ابن أبي حاتم الرازي فقال: متروك القراءة والحديث، قلت: قد شذ عن عاصم بأحرف، أخذ عنه تلاوة الكسائي. وأبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس.

وجبلة بن مالك البصري، وغيرهم، وروى عنه أبو الحسن المدائني وقال أبو حاتم السجستاني: هو ثقة في الأشعار، غير ثقة في الحروف، وقيل إن ابن الأعرابي أدركه وحمل عنه، وآخر أصحابه وفاة أبو كامل الفضيل الجحدري.

ولما بلغ ابن المبارك موته قال:

نعي لي رجال والمفضل منهم

فكيف تقر العين بعد المفضل

توفي سنة ثمان وستين ومائة1.

11-

سلام بن سليمان أبو المنذر المزيي مولاهم البصري، ثم الكوفي المقرئ النحوي، المعروف بالخراساني شيخ يعقوب.

قرأ على عاصم وعلى أبي عمرو، وعلى عاصم الجحدري، وشهاب بن شرنقة، وروى عن الحسن وثابت ومطر الوراق، وجماعة، قرأ عليه يعقوب الحضري، وإبراهيم بن الحسن العلاف وأيوب بن المتوكل.

وحدث عنه عفان، وعبيد الله بن محمد العيشي، ومحمد بن سلام الجمحي، وعبد الوهاب بن غياث، وزيد بن الحباب وآخرون، وكان من جلة علماء البصرة.

قال ابن معين: لا بأس به.

وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وكانت قراءته على عاصم بالبصرة عندما قدم عليهم وورد عن يعقوب بن إسحاق.

قال: لم يكن في وقت سلام أبي المنذر أعلم منه، وكان فصيحا نحويا، ويقال إنه قرأ على الحسن البصري ولم يصح هذا، قاله أبو أحمد السامري، وهو واه لا يدري ما يقول.

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "14/ 362". طبقات ابن الجزري: "2/ 307".

ص: 79

وقال زكريا بن يحيى الساجي: سلام أبو المنذر صدوق، كان صاحب سنة.

وكان يؤم بجامع البصرة.

وقال غيره: كان صاحب سنة شديد الإنكار، قال أبو داود: كان نصر بن علي الجهضمي ينكر عليه شيئا من الحروف.

وعن عفان قال: كنت عند سلام أبي المنذر، فأتاه رجل بمصحف فقال: أليس هذا ورق وزاج؟ فقال: قم يا زنديق، وقال محمد بن المثنى: مات سنة إحدى وسبعين ومائة.

قلت: خرج له النسائي والترمذي، ويشتبه به رجل في طبقته ضعيف وهو سلام الطويل المدايني المعروف بالخراساني، سعدي يكنى أبا سليمان.

ولا يميز بينه وبين القارئ إلا الحذاق، روى عن منصور بن زاذان، وزيد العمي وجماعة1.

12-

أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي الإمام، أحد الأعلام مولى واصل الأحدب.

وكان حناطا بالنون2، اختلف في اسمه على عشرة أقوال، أصحها قولان، كنيته، وما رواه أبو هشام الرفاعي، وحسين بن عبد الأول، أنهما سألاه عن اسمه فقال شعبة.

وقال النسائي: ويغره، اسمه محمد.

وقيل: مطرف.

وقيل: رؤبة، وسالم وعتيق وعطاء، وحماد.

وقال هارون بن حاتم سمعته يقول: ولدت سنة خمس وتسعين.

قرأ القرآن ثلاث مرات على عاصم وروى عن إسماعيل السدي، وأبي حصين، وحصين بن عبد الرحمن، وأبي إسحاق وعبد الملك بن عمير وصالح بن أبي صالح مولى عمرو بن حريث.

حدثه عن أبي هريرة، وسليمان الأعمش، وطائفة سواهم، وعرض القرآن أيضا على عطاء بن السائب، وأسلم المنقري، وعمر دهرا.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "4/ 284، 285". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 309".

2 حناط: من يحنط الموتى والحنوط كل ما يخلط من الطيب بأكفان الموتى وأجسامهم خاصة من مسك وذريرة وصندل وعنبر وكافور وغير ذلك. "انظر المعجم الوجيز ص175".

ص: 80

وكان يقول: أنا نصف الإسلام، وكان سيدا إماما حجة كثير العلم والعمل، منقطع القرين، قرأ عليه أبو الحسن الكسائي، ويحيى العليمي، وأبو يوسف يعقوب الأعشى، وعبد الحميد بن صالح البرجمي، وعروة بن محمد الأسدي، وعبد الرحمن بن أبي حماد وسمع منه الحروف يحيى بن آدم وغيره.

وروى عنه أيضا ابن المبارك، مع تقدمه، وأبو داود الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وأبو كريب ومحمد بن عبد الله بن نمير، وعلي بن محمد الطنافسي، والحسن بن عرفة، وأبو هشام الرفاعي وأحمد بن عمران الأختسي وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وخلق لا يحصون.

قال أحمد بن حنبل: ثقة ربما غلط، صاحب قراءة، وخير.

وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش.

وقال عثمان بن أبي شيبة: أحضر الرشيد أبا بكر بن عياش من الكوفة، فجاء ومعه وكيع فدخل ووكيع يقوده، فأدناه الرشيد.

وقال: أدركت أيام بني أمية وأيامنا فأينا خير قال: أولئك كانوا أبقع للناس، وأنتم أقوم بالصلاة، فصرفه الرشيد وأجازه بستة آلآف دينار، وأجاز وكيعا بثلاثة آلاف دينار، رواها محمد بن عثمان عن أبيه.

وقال أبو داود: حدثنا حمزة بن سعيد المروزي، وكان ثقة.

قال: سألت أبا بكر بن عياش فقلت: قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن، قال: ويلك. من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو الله، لا نجالسه ولا نكلمه.

وقال أبو هشام الرفاعي:، سمعت أبا بكر يقول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن.

لأن الله تعالى قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] قالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، فمن سماه الله صادقا فليس بكذب.

قال الحافظ يعقوب بن شيبة: كان أبو بكر معروفا بالصلاح البارع؛ وكان له فقه وعلم بالأخبار، في حديثه اضطراب.

وقال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أكثر غلطا منه.

ص: 81

وقال يزيد بن هارون، كان أبو بكر خيرا زاهدا فاضلا، لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة.

وقال يحيى بن معين لم يفرش لأبي بكر فراش خمسين سنة.

وقال يحيى الحماني: حدثني أبو بكر بن عياش قال: جئت ليلة إلى زمزم فاستقيت منه دلوا عسلا ولبنا.

وقال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة: معذور، ومخبور، ومجبور، ومثبور، فالمعذور البهائم، والمخبور ابن آدم، والمجبور الملائكة، والمثبور الجن.

وقال أبو بكر: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى بها عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة وكفى بها بلية.

وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين: الحسن بن عياش وأخوه أبو بكر ثقتان، وقال أحمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش، سمعت الأعمش يقول لأصحاب الحديث: إذا حدث بثلاثة أحاديث، قد جاءكم السيل، واليوم أنا مثل الأعمش أحمد بن زهير.

أنا سليمان بن أبي شيخ. حدثني يحيى بن سعيد. قال: زاملت أبا بكر ابن عياش إلى مكة، فما رأيت أورع منه، ولقد أهدى له رجل من أهل الكوفة رطبا، فبلغه أنه من الذي قبض عن خالد بن سلمة المخزومي، فأتى إلى مكة فاستحلهم وتصدق بثمنه.

وقال الفسوي: وحدثنا أحمد بن يونس، وذكروا له حديثا أنكروه من حديث أبي بكر عن الأعمش، قال: كان الأعمش يضربهم ويشتمهم ويطردهم، ويأخذ يد أبي بكر فيجلس معه في زاوية.

فقال رجل: ولم يفعل ذا؟ قال: لحال القرآن.

وقال يحيى بن آدم: قال لي أبو بكر: تعلمت من عاصم القرآن كما يتعلم الصبي من المعلم، فلقي مني شدة، فما أحسن غير قراءته، وهذا الذي أخبرتك به من القرآن إنما تعلمته من عاصم تعلما.

وقال هارون بن حاتم: سمعت رجلًا قال: قلت لأبي بكر: قرأت على أحد غير عاصم قال: نعم، على عطاء بن السائب، وأسلم المنقري.

قلت: هذه رواية واهية، روى يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: تعلمت من عاصم

ص: 82

خمسا خمسا ولم أتعلم من غيره، ولا قرأت على غيره، واختلفت إليه نحوا من ثلاث سنين، في الحر والشتاء والأمطار.

وقال عبيد بن يعيش: سمعت أبا بكر يقول: ما رأيت أقرأ من عاصم، فقرأت عليه، وما رأيت أفقه من مغيرة فلزمته.

وروى من غير وجه عن أبي بكر، أنه مكث أربعين سنة أو نحوها يختم القرآن في كل يوم وليلة.

وعن أبي بكر قال: الدخول في العلم سهل والخروج منه إلى الله شديد.

جعفر الخلدي، حدثنا ابن مسروق حدثنا يحيى الحماني، قال: لما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة، بكت أخته فقال لها: ما يبكيك، انظري إلى تلك الزاوية قد ختمت فيها ثماني عشرة ألف ختمة.

توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة، أرخه يحيى بن آدم وأحمد بن حنبل1.

14-

سليم بن عيسى بن سليم بن عامر بن غالب، أبو عيسى ويقال أبو محمد الحنفي مولاهم الكوفي المقرئ صاحب حمزة الزيات، وأخص تلامذته به، وأحذقهم بالقراءة، وأقومهم بالحرف.

وهو الذي خلف حمزة في الإقراء بالكوفة، قرأ عليه خلف بن هشام البزار، وخلاد بن خالد الصيرفي، وأبو عمر الدوري، ومحمد بن يزيد والطيب بن إسماعيل، وعلي بن كيسة المصري، وأحمد بن جبير، وإبراهيم بن زربي، وترك الحذاء، وعدد كثير.

حتى إن رفقاءه في القراءة على حمزة، قرءوا عليه لإتقانه منهم خالد الطيب وحمزة بن القاسم وجعفر الخشكني، وإبراهيم الأزرق، وعبد الله بن صالح العجلي.

ولد سنة ثلاثين ومائة، قال: وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة، وأما خلف فقال: ولد سنة تسع عشرة ومائة.

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "8/ 495". تبصير المنتبه "2/ 516". تذكرة الحفاظ "1/ 265". تذكرة الحفاظ "1/ 265". شذرات الذهب "1/ 334". طبقات ابن سعد "6/ 269" العبر "1/ 311" النجوم الزاهرة "2/ 144" طبقات القراء لابن الجزري "1/ 325".

ص: 83

وقد سمع الحديث من حمزة وسفيان الثوري، سمع منه أحمد بن حميد، وضرار بن صرد.

وقال يحيى بن سليمان الجعفي: حدثنا يحيى بن المبارك قال: كنا نقرأ على حمزة ونحن شباب، فإذا جاء سليم.

قال لنا حمزة: تحفظوا وتثبتوا قد جاءكم سليم.

وقال الدوري: حدثنا الكسائي، قال: كنت أقرأ على حمزة، فجاء سليم فتلكأت، فقال لي حمزة: تهاب سليما، ولا تهابني، فقال لي: يا أستاذ أنت إن أخطأت قومتني وهذا إن أخطأت عيرني.

وقال ضرار بن صرد: سمعت سليم بن عيسى. وأتاه رجل فقال: يا أبا عيسى، جئتك لأقرأ عليك بالتحقيق. فقال يابن أخي، شهدت حمزة، وأتاه رجل في مثل هذا فبكى.

وقال: يابن أخي إنما التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته، هذا هو التحقيق، فمضى الرجل ولم يقرأ عليه، وقال خلف: قرأت على سليم مرارا.

وسمعته يقول: قرأت القرآن على حمزة عشرة مرات، قال هارون بن حاتم: توفي سليم سنة ثمان وثمانين ومائة، وقال أبو هشام الرفاعي: سنة تسع وثمانين ومائة1.

15-

حفص بن سليمان أبو عمر الدوري مولاهم الغاضري الكوفي، المقرئ الإمام صاحب عاصم، وابن زوجة عاصم.

قال خلف بن هشام: مولد حفص سنة تسعين، ومات سنة ثمانين ومائة، قلت: روى الحديث عن علقمة بن مرثد، وثابت البناني، وأبي إسحاق السبيعي، وكثير بن زاذان ومحارب بن دثار، وإسماعيل السدي وليث بن سليم، وعاصم وخلق.

قال أبو عمرو الداني:

قرأ عليه عرضا وسماعا عمرو بن الصباح، وأخوه عبيد بن الصباح، وأبو شعيب القواس، وحمزة بن القاسم، وحسين بن محمد المروذي، وخلف الحداد، ثم سمى أبو عمرو خلقا سواهم.

وروى عنه بكر بن بكار، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن عبده، وهشام بن عمار،

1 انظر/ سير أعلام النبلاء "9/ 375". طبقات ابن الجزري "1/ 318".

ص: 84

وعلي بن حجر، وعمرو الناقد، وهبيرة التمار، وآخرون، قال أحمد بن حنبل: ما به بأس، وقال أبو هشام الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم، وقال البخاري: تركوه، وقال صالح جزرة: لا يكتب حديثه. وقال زكريا الساجي: له أحاديث بواطل. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة.

قلت: أما في القراءة فثقة ثبت ضابط لها بخلاف حاله في الحديث، وقد عاش تسعين سنة.

ويقال إنه سأل الحسن البصري مسألة.

قال أبو الحسين بن المنادي: قرأ على عاصم مرارا.

وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف، التي قرأ بها على عاصم -أقرأ الناس- دهرا.

وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي -رضي الله عنه1.

16-

إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين أبو إسحاق المخزومي مولاهم المكي المقرئ المعروف بالقسط.

قارئ أهل مكة في زمانه، وآخر أصحاب ابن كثير وفاة عرض عليه وعلى صاحبيه شبل بن عباد، ومعروف بن مشكان، وسمع من علي بن زيد بن جدعان، وأقرأ الناس دهرا، قرأ عليه أبو الأخريط وهب بن واضح، وعكرمة بن سليمان.

والإمام محمد بن إدريس الشافعي2، ومحمد بن سبعون، ومحمد بن بزيع وداود بن شبل بن عباد، وروى عنه أحمد بن موسى اللؤلؤي، ومت بن عبد الرحمن.

1 انظر/ تهذيب التهذيب "2/ 400-402". شذرات الذهب "1/ 293". طبقات ابن الجزري "1/ 254".

2 هو عالم قريش، فقيه عصره: أبو عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بين السائب، الشافعي، المطلبي، الذي لم ترعينه مثل نفسه ولم ترعين من رآه مثله، ناصر الحديث، ولد بغزة ونقل إلى مكة وله سنتان، أخذ العلم عن مالك بن أنس، ومسلم بن خالد الزنجي وطبقتهما، وكان -مع تبحره وسعة عقله- يجيد الرمي حاذقا فيه يصيب تسعة من كل عشرة، وعنه يقول المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي، ويقول أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه، توفى في مصر سنة 204 "العبر 1/ 343، تهذيب التهذيب: 9/ 25، المنهج الأحد: 1/ 63، وفيات الأعيان رقم530، الوافي بالوفيات 2/ 171، شذرات الذهب: 2/ 9".

ص: 85

وأبو قرة موسى بن طارق، وآخرون قال مضر بن محمد الأسدي: حدثنا ابن أبي بزة، أنه قرأ على عكرمة، وأخبرني أنه قرأ على شبل بن عباد وعلى إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، مولى بني ميسرة مولى العاص بن هشام المخزومي، وأخبرا أنهما قرآ على عبد الله بن كثير.

أخبرني عمر بن عبد المنعم عن الكندي، أخبرنا ابن توبة أنا العريفي، أنا الكتاني.

حدثنا ابن مجاهد حدثنا مضر بن محمد، قال: قال البزي: وقرأت على أبي الأخريط وهب بن واضح وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن عبد الله بن كثير، وخالفه ابن عون القواس وبالإسناد إلى ابن مجاهد قال: قرأت على قنبل.

وأخبرني أنه قرأ على القواس، وقال: قرأت على أبي الأخريط قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله القسط، وقرأ إسماعيل على شبل بن عباد ومعروف وقرأ على ابن كثير تابعه الشافعي، فقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: حدثنا الشافعي، قال: قرأت على إسماعيل بن قسطنطين، قال: قرأت على شبل بن عباد.

وأخبرني أنه قرأ على ابن كثير، عن قراءته على مجاهد، قلت: والقولان صحيحان، ويقوي القول الأول، ما رواه أبو جمة يوسف، حدثنا أبو قرة موسى عن إسماعيل بن عبد الله، أنه قرأ على عبد الله بن كثير، حدثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال: قال قرأت على عبد الوهاب بن فليح قال: قرأت على محمد بن سبعون، وداود بن شبل، وأخبراني أنهما قرآ على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، وأنه قرأ على ابن كثير.

قلت: والجمع بين القولين، أن يكون إسماعيل أقرأ شيخ البزي بما أخذه عن ابن كثير نفسه، وحمل قنبل في روايته، ما عند إسماعيل عن شبل، ومعروف عن ابن كثير، والله أعلم.

وقال عبد الواحد بن أبي هاشم: حدثني محمد بن موسى العباسي، حدثنا إسحاق الخزاعي.

ص: 86

قال: قال ابن فليح قرأت على داود بن شبل عن أبيه، وعن القسط فذكر لي داود أن القسط كان يقرأ على أبيه.

وقال أبو عمرو الداني: حدثنا فارس حدثنا عبد الباقي بن الحسن، عن محمد بن زريق، عن محمد بن الصباح، عن قنبل عن القواس، عن أبي الأخريط عن القسط، أنه قرأ على شبل ومعروف، قال: القسط وقرأت بعد ذلك على ابن كثير.

وقال أبو عبد الله الشافعي: قرأت على إسماعيل، وكان يقول القرآن اسم وليس بمهموز، ولو كان من قرأت كان كلما قرئ قرآنا ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل:

تهمز قرأت ولا تهمز القرآن نقل أبو عبد الله بن القصاع، أن وفاة القسط سنة تسعين ومائة فلعله سنة سبعين ومائة، فصحفت عليه1.

17-

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري مولاهم المدني القارئ أبو إسحاق.

أخو محمد ويعقوب، أخذ القراءة عرضا عن شيبة بن نصاح، ثم عرض على نافع وسليمان بن مسلم بن جماز، وعيسى بن وردان.

وبرع في القراءة، وسمع من أبي طولة وعبد الله بن دينار، والعلاء بن عبد الرحمن، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبي جعفر القارئ وغيرهم.

ونزل بغداد ونشر بها علمه، وأقرأ بها، أخذ عنه القراءة علي بن حمزة الكسائي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو عمر الدوري، وروى عنه قتيبة، وعلي بن حجر ومحمد بن سلام البيكندي.

ومحمد بن زنبور وأبو همام السكوني، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعيسى بن سليمان الشيرزي وآخرون.

قال أحمد بن زهير: قال ابن معين:

إسماعيل بن جعفر ثقة مأمون قليل الخطأ، هو وأخواه، محمد وكثير بدنيون قلت: توفي ببغداد سنة ثمانين ومائة2.

1 انظر/ شذرات الذهب "1/ 236". العبر "1/ 305". طبقات ابن الجزري "1/ 165".

2 انظر/ تهذيب التهذيب: "1/ 287". شذرات الذهب "1/ 293" تذكرة الحفاظ "1/ 250". سير أعلام النبلاء "8/ 228". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 163".

ص: 87