المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه التسعون: أن كل صفة مدح الله بها العبد في القرآن فهي ثمرة العلم ونتيجته - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الوجه الثاني عشر: أنه سبحانه جعلَ أهلَ الجهل بمنزلة العُميان الذين لا يبصرون

- ‌الوجه الرابع عشر: أنه سبحانه أمرَ بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم

- ‌الوجه الثامن عشر: أنه سبحانه أمرَ نبيَّه أن يسأله مزيدَ العلم

- ‌الوجه التاسع عشر: أنه سبحانه أخبرَ عن رِفْعة درجات أهل العلم والإيمان خاصَّة

- ‌الوجه العشرون: أنه سبحانه استشهَد بأهل العلم والإيمان يومَ القيامة على بطلان قول الكفار

- ‌الوجه الحادي والثلاثون: أنه سبحانه ذمَّ أهلَ الجهل في مواضع كثيرةٍ من كتابه:

- ‌الوجه الثاني والثلاثون: أنَّ العلمَ حياةٌ ونور، والجهلَ موتٌ وظُلمَة

- ‌الوجه التاسع والثلاثون: أنه سبحانه سمَّى الحُجَّة العلميةَ سلطانًا

- ‌الوجه الثاني والخمسون: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا لمن سمع كلامَه ووعاه وبلَّغه بالنَّضرة

- ‌الوجه الثالث والخمسون: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بتبليغ العلم عنه

- ‌الوجه الخامس والستون: أنَّ الإنسانَ إنما يُمَيَّزُ على غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان

- ‌الوجه السادس والستون: أنَّ العلمَ حاكمٌ على ما سواه، ولا يَحْكُم عليه شيء

- ‌الوجه الثامن والستون: أنَّ صفات الكمال كلَّها ترجعُ إلى العلم والقدرة والإرادة، والإرادةُ فرعُ العلم

- ‌الوجه الحادي والسبعون: أنَّ حاجةَ العباد إلى العلم ضروريَّةٌ فوق حاجة الجسم إلى الغذاء

- ‌الوجه الثاني والسبعون: أنَّ صاحبَ العلم أقلُّ تعبًا وعملًا، وأكثرُ أجرًا

- ‌الوجه الثالث والسبعون: أنَّ العلمَ إمامُ العمل وقائدٌ له، والعملُ تابعٌ له ومؤتمٌّ به

- ‌الوجه الرابع والسبعون: أنَّ العاملَ بلا علمٍ كالسائر بلا دليل

- ‌الوجه التاسع والسبعون: أنَّ اللذَّة بالمحبوب تَضْعُفُ وتقوى بحسب قوَّة الحبِّ وضعفه

- ‌الوجه الحادي والثمانون: أنَّ فضيلةَ الشيء تُعْرَفُ بضدِّه

- ‌الوجه الثالث والثمانون: أنَّ أشرفَ ما في الإنسان محلُّ العلم منه، وهو قلبُه وسمعُه وبصرُه

- ‌الوجه التسعون: أنَّ كلَّ صفةٍ مدحَ الله بها العبدَ في القرآن فهي ثمرةُ العلم ونتيجتُه

- ‌الوجه الثامن والمئة: أنَّ كثيرًا من الأئمة صرَّحوا بأنَّ أفضلَ الأعمال بعد الفرائض طلبُ العلم

- ‌لا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر

الفصل: ‌الوجه التسعون: أن كل صفة مدح الله بها العبد في القرآن فهي ثمرة العلم ونتيجته

رزقنا الله من فضله، ولا حَرَمنا بسوء أعمالنا، إنه غفورٌ رحيم.

‌الوجه التسعون: أنَّ كلَّ صفةٍ مدحَ الله بها العبدَ في القرآن فهي ثمرةُ العلم ونتيجتُه

، وكلَّ ذمٍّ ذمَّه فهو ثمرةُ الجهل ونتيجتُه.

فمدَحه بالإيمان وهو رأسُ العلم ولُبُّه، ومدَحه بالعمل الصالح الذي هو ثمرةُ العلم النافع، ومدَحه بالشكر، والصبر، والمسارعة في الخيرات، والحبِّ له، والخوف منه، والرجاء، والإنابة، والحِلْم، والوقار، واللُّبِّ، والعقل، والعفَّة، والكرم، والإيثار على النفس، والنصيحة لعباده، والرحمة بهم، والرأفة، وخفض الجناح، والعفو عن مسيئهم، والصَّفح عن جانِيهم

(1)

، وبذل الإحسان لكافَّتهم، ودفع السيئة بالحسنة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر في مواطن الصبر، والرضا بالقضاء، واللِّين للأولياء، والشِّدَّة على الأعداء، والصدق في الوعد، والوفاء بالعهد، والإعراض عن الجاهلين، والقبول من الناصحين، واليقين، والتوكُّل، والطمأنينة، والسَّكينة، والتواصل، والتعاطف، والعدل في الأقوال والأفعال والأخلاق، والقوَّة في أمره، والبصيرة في دينه، والقيام بأداء حقِّه، واستخراجه من المانعين له، والدعوة إليه وإلى مرضاته وجنَّته، والتحذير عن سُبل

(2)

أهل الضلال، وتبيين طرق الغيِّ وحال سالكيها، والتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر، والحضِّ على طعام المسكين، وبرِّ الوالدين، وصِلَة الأرحام، وبَذْل السلام لكافَّة المؤمنين، إلى سائر الأخلاق المحمودة، والأفعال المَرْضِيَّة، التي أقسمَ اللهُ سبحانه على عِظَمِها، فقال

(1)

(ت): «خاطيهم» .

(2)

(ت، ح): «سبيل» .

ص: 320

تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 1 - 4].

وقالت عائشة رضي الله عنها، وقد سئلت عن خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت:«كان خُلقُه القرآن» ، فاكتفى بذلك السائل، وقال:«فهممتُ أن أقومَ ولا أسأل عن شيءٍ بعدها»

(1)

.

فهذه الأخلاقُ ونحوها هي ثمرةُ شجرة العلم.

أمَّا شجرةُ الجهل، فتثمرُ كلَّ ثمرةٍ قبيحة، من الكفر، والفساد، والشرك، والظُّلم، والبغي، والعدوان، والجَزَع، والهَلَع، والكُنود، والعجلة، والطَّيْش، والحِدَّة، والفُحْش، والبَذاء، والشُّحِّ، والبخل.

ولهذا قيل في حدِّ البخل: «جهلٌ مقرونٌ بسوء الظَّنِّ»

(2)

.

ومن ثمرته: الغشُّ للخلق، والكِبْرُ عليهم، والفخر، والخيلاء، والعُجْب، والرياء، والسُّمعةُ، والنفاق، والكذب، وإخلاف الوعد، والغِلْظة على الناس، والانتقام، ومقابلةُ الحسنة بالسيئة، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وترك القبول من الناصحين، وحبُّ غير الله ورجاؤه والتوكُّل عليه وإيثار رضاه على رضا الله وتقديم أمره على أمر الله، والتماوتُ عند حقِّ الله، والوثوبُ عند حقِّ نفسه والغضبُ لها والانتصارُ لها؛ فإذا انتُهِكَت حقوقُ نفسه لم يقُم لغضبه شيءٌ حتى ينتقمَ بأكثر من حقِّه، وإذا انتُهِكَت محارمُ الله

(1)

أخرجه مسلم (746)، والسائلُ هو سعدُ بن هشام بن عامر.

(2)

سوء الظن بالله عز وجل. انظر: «شعب الإيمان» (20/ 19)، و «تاريخ بغداد» (12/ 338)، و «شرح نهج البلاغة» (17/ 41).

ص: 321

لم يَنْبِض له عِرْقٌ غضبًا لله، فلا قوَّة في أمره ولا بصيرة في دينه.

ومن ثمرتها: الدعوةُ إلى سبيل الشيطان، وإلى سلوك طريق الغيِّ

(1)

واتباع الهوى، وإيثار الشهوات على الطاعات، وقيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ووأدِ البنات، وعقوق الأمهات، وقطيعة الأرحام، وإساءة الجِوار، وركوب مراكب الخزي والعار.

وبالجملة؛ فالخيرُ بمجموعه ثمارٌ تُجْتَنى من شجرة العلم، والشرُّ بمجموعه شوكٌ يُجْتَنى من شجرة الجهل، فلو ظهرت صورةُ العلم للأبصار لزاد حُسْنُها على صورة الشمس والقمر، ولو ظهرت صورةُ الجهل للأبصار لكان منظرُها أقبحَ منظر.

بل كلُّ خيرٍ في العالم فهو من آثار العلم الذي جاءت به الرسلُ ومسبَّبٌ عنه، وكذلك كلُّ خيرٍ يكونُ إلى قيام الساعة وبعدها في القيامة، وكلُّ شرٍّ وفسادٍ حصل في العالم ويحصلُ إلى قيام الساعة وبعدها في القيامة فسببُه مخالفةُ ما جاءت به الرسلُ في العلم والعمل.

ولو لم يكن للعلم أبٌ ومُرَبٍّ وسائسٌ ووزيرٌ إلا العقل الذي به عمارةُ الدَّارين، وهو الذي أرشدَ إلى طاعة الرسل، وسلَّمَ القلبَ والجوارحَ ونفسَه إليهم، وانقاد لحكمهم، وعَزَل نفسَه، وسلَّمَ الأمرَ إلى أهله= لكفى به شرفًا وفضلًا.

وقد مدحَ الله سبحانه العقلَ وأهلَه في كتابه في مواضع كثيرةٍ منه، وذمَّ من لا عقلَ له، وأخبر أنهم أهلُ النار الذين لا سمع لهم ولا عقل، فهو آلةُ كلِّ علم وميزانُه الذي يُعْرَفُ به صحيحُه من سقيمه وراجحُه من مرجوحه،

(1)

(د، ت، ق، ن): «البغي» . والمثبت من (ح)، وهو أشبه.

ص: 322

والمرآةُ التي يُعْرَفُ بها الحسنُ من القبيح.

وقد قيل: «العقلُ مَلِك، والبدنُ روحُه، وحواسُّه وأفعاله

(1)

وحركاتُه كلُّها رعيَّةٌ له؛ فإذا ضَعُفَ عن القيام عليها وتعهُّدها وصلَ الخللُ إليها كلِّها»

(2)

.

ولهذا قيل: «من لم يكن عقلُه أغلبَ خصال الخير عليه كان حَتْفُه في أغلب خصال الشرِّ عليه»

(3)

.

ورُوِي أنه لمَّا هبطَ آدمُ من الجنة أتاه جبريل، فقال: إنَّ الله أحْضَرَكَ العقلَ والدِّين والحياء لتختارَ واحدًا منها؛ فقال: أخذتُ العقل

(4)

، فقال الدِّينُ والحياء: أُمِرنا أن لا نفارق العقلَ حيثُ كان. فانحازا إليه

(5)

.

والعقلُ عقلان:

* عقلٌ غريزيٌّ

(6)

؛ وهو أبُ العلم ومربِّيه ومُثْمِرُه.

(1)

ليست في (ق).

(2)

قاله علي بن عبيدة الريحاني (ت: 219). انظر: «البصائر والذخائر» (1/ 28)، و «نثر الدر» (4/ 56)، و «شرح النهج» (20/ 42).

(3)

نُسِبَ لبعض العرب في «الجليس والأنيس» (4/ 182)، و «المصُون» (141)، وغيرهما. ولأردشير في «التذكرة الحمدونية» (3/ 233)، و «ربيع الأبرار» (3/ 141). ولبعض الأولين في «البيان والتبيُّن» (1/ 86).

(4)

(ت): «اخترت العقل» .

(5)

أخرجه ابن الدنيا في «العقل» (27، 28)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (7/ 444) عن رجلٍ من أهل مكة.

وأخرجه ابن حبان في «روضة العقلاء» (20) من وجهٍ آخر لا يصح.

(6)

(د، ح، ق، ن): «عقل غريزة» .

ص: 323

* وعقلٌ مُكتَسبٌ مستفاد؛ وهو ولدُ العلم وثمرتُه ونتيجتُه.

فإذا اجتمعا في العبد فذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء، واستقامَ له أمرُه، وأقبلت عليه جيوشُ السعادة من كلِّ جانب، وإذا فقدهما فالحيوانُ البهيمُ أحسنُ حالًا منه، وإذا انفردا نقصَ الرجلُ بنقصان أحدهما.

ومن الناس من يرجِّحُ صاحبَ العقل الغريزيِّ، ومنهم من يرجِّحُ صاحبَ العقل المكتَسب.

والتحقيقُ أنَّ صاحبَ العقل الغريزيِّ الذي لا علم ولا تجربة عنده آفتُه التي يؤتى منها الإحجامُ وترك انتهاز الفرصة؛ لأنَّ عقلَه يَعْقِلُه عن انتهاز الفرصة لعدم علمه بها، وصاحبُ العقل المكتَسب المستفاد يؤتى من الإقدام؛ فإنَّ علمَه بالفُرص وطرقها يلقيه على المبادرة إليها، وعقلُه الغريزيُّ لا يطيقُ ردَّه عنها؛ فهو غالبًا يؤتى من إقدامه؛ والأولُ من إحجامه.

فإذا رُزِقَ العقلُ الغريزيُّ عقلًا إيمانيًّا مستفادًا من مشكاة النبوَّة

(1)

، لا عقلًا معيشيًّا نِفاقيًّا يظنُّ أربابُه أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون، فإنهم يرون العقلَ أنْ يُرْضُوا الناسَ على طبقاتهم، ويسالِمُوهم، ويستجلبون

(2)

مودَّتهم ومحبَّتهم.

وهذا مع أنه لا سبيل إليه، فهو إيثارٌ للراحة والدَّعة على مُؤْنة

(3)

الأذى في الله والموالاة فيه والمعاداة فيه، وهو وإن كان أسلمَ في العاجلة فهو

(1)

استطرد المصنف فلم يذكر جواب الشرط، وهو مفهومٌ من السياق.

(2)

كذا في الأصول، على الاستئناف.

(3)

في الأصول: «ومونة» . وبما أثبت يستقيم السياق.

ص: 324

الهُلْكُ في الآجلة، فإنه ما ذاق طعمَ الإيمان من لم يوالِ في الله ويعادِ فيه؛ فالعقلُ كلُّ العقل ما أوصلَ إلى رضا الله ورسوله. والله الموفِّقُ المعِين.

وفي حديثٍ مرفوعٍ ذكره ابن عبد البرِّ وغيرُه: «أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: قل لفلانٍ العابد: أمَّا زهدُك في الدنيا فقد تعجَّلتَ به الراحة، وأمَّا انقطاعُك إليَّ فقد اكتسبتَ به العزَّ، فما عملتَ فيما لي عليك؟ قال: وما لك علي؟ قال: هل واليتَ فيَّ وليًّا أو عاديتَ فيَّ عدوًّا؟»

(1)

.

وذُكِر أيضًا: «أنه أوحى الله إلى جبريل: أن اخسِف بقرية كذا وكذا، قال: يا ربِّ إنَّ فيهم فلانًا العابد. قال: به فابدأ، إنه لم يتمعَّر وجهُه فيَّ يومًا قطُّ»

(2)

.

(1)

أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 432)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 202)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 316)، والقاضي عياض في «الغنية» (208)، وغيرهم من حديث ابن مسعود بإسنادٍ ضعيفٍ جدًّا؛ فيه علل:

الأولى: أنه من رواية حُميد الأعرج، وهو ضعيف، وأحاديثُه عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود خاصَّةً منكرة، كما قال الإمام أحمد وجماعة (انظر:«المنتخب من العلل للخلال» : 165، و «التهذيب»: 3/ 53)، وهذا الحديث منها. وقد أعلَّ الحديث بهذه العلة ابنُ عبد البر.

الثانية: أن محمد بن محمد بن أبي الورد (ولم يَرِد فيه توثيقٌ معتبر) انفرد برفع الحديث، والناس يوقفونه على ابن مسعود. قاله عبد الله بن عبد الرحمن الأزدي (له ترجمة في «تاريخ دمشق»: 29/ 320). رواه عنه ابن عبد البر.

الثالثة: أن الخبر قد رُوِيَ مقطوعًا من قول الفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك. أخرجه الدينوري في «المجالسة» (962، 3044). وهو أشبه.

(2)

أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7661)، والبيهقي في «الشعب» (13/ 274) من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا بإسنادٍ ضعيف.

وضعَّفه البيهقي. وانظر: «مجمع الزوائد» (7/ 270).

وأخرجه البيهقي (13/ 274) من قول مالك بن دينار، وقال:«هذا هو المحفوظ من قول مالك بن دينار» .

وروي من أوجه أخرى عن بعض السلف.

انظر: «العقوبات» لابن أبي الدنيا (14، 16)، و «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لعبد الغني المقدسي (42).

ص: 325

الوجه الحادي والتسعون: حديث ابن عمر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا مررتُم برياض الجنة فارتعوا» ، قالوا: يا رسول الله، وما رياضُ الجنة؟ قال:«حِلَقُ الذِّكر؛ فإنَّ لله سيَّاراتٍ من الملائكة يطلبونَ حِلَقَ الذِّكر، فإذا أتوا عليهم حَفُّوا بهم»

(1)

.

قال عطاء: «مجالسُ الذِّكر: مجالسُ الحلال والحرام؛ كيف تشتري

(2)

وتبيع وتصومُ وتصلِّي وتتصدَّق وتنكح وتطلِّق وتحجُّ». ذكره الخطيبُ في كتاب «الفقيه والمتفقِّه»

(3)

، وقد تقدَّم بيانُه.

الوجه الثاني والتسعون: ما رواه أيضًا عن ابن عمر يرفعُه: «مجلسُ فقهٍ خيرٌ من عبادة ستِّين سنة»

(4)

. وفي رفعه نظر.

(1)

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (6/ 354)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 93) بإسنادٍ شديد الضعف.

وروي من وجهٍ آخر أضعف منه. انظر: «اللسان» (5/ 73).

وللحديث شواهد من رواية جماعةٍ من الصحابة، لا أعلمُ يصحُّ منها شيء.

(2)

الأفعال في (ت، د، ق) بياء الغيبة. وهي كذلك في بعض المصادر.

(3)

(1/ 94)، والطبراني في «مسند الشاميين» (3/ 294)، وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 195)، كلهم من طريق أبي زرعة الدمشقي في «التاريخ» (1/ 359).

(4)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 97) بإسنادٍ ضعيفٍ جدًّا.

ص: 326

الوجه الثالث والتسعون: ما رواه أيضًا من حديث عبد الرحمن بن عوفٍ يرفعُه: «يسيرُ الفقه خيرٌ من كثير العبادة

(1)

»

(2)

. ولا يثبت رفعُه.

الوجه الرابع والتسعون: ما رواه أيضًا من حديث أنسٍ يرفعُه: «فقيهٌ أفضلُ عند الله من ألف عابد»

(3)

.

وهو في الترمذي من حديث رَوْح بن جناح، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ مرفوعًا

(4)

.

وفي ثبوتهما مرفوعين نظر، والظاهرُ أنَّ هذا وما أشبهه

(5)

من كلام الصَّحابة فمن دونهم.

الوجه الخامس والتسعون: ما رواه أيضًا عن ابن عمر يرفعُه: «أفضلُ العبادة الفقه»

(6)

.

(1)

(د، ق): «كثير من العبادة» .

(2)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 98)، والطبراني في «الكبير» (1/ 135) بإسنادٍ ضعيفٍ جدًّا، فيه خارجة بن مصعب، وهو متروك، وبه أعلَّ الحديثَ الهيثميُّ في «المجمع» (1/ 120)، وقد اضطرب في حديثه هذا على ألوان. انظر:«الكامل» (3/ 53).

(3)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 106) بإسنادٍ موضوع. انظر: «اللسان» (3/ 114).

(4)

تقدم الكلام عليه (ص: 184).

(5)

«وما أشبهه» ليست في (ت، د، ق).

(6)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 114)، والطبراني في «الأوسط» (9264)، و «الصغير» (2/ 251)، وغيرهما بإسنادٍ ضعيف.

وضعَّفه العراقيُّ في «المغني عن حمل الأسفار» (1/ 14).

ص: 327

الوجه السادس والتسعون: ما رواه أيضًا من حديث نافعٍ عن ابن عمر يرفعُه: «ما عبد اللهُ بشيءٍ أفضل من فقهٍ في دين»

(1)

.

الوجه السابع والتسعون: ما رواه عن عليٍّ أنه قال: «العالمُ أعظمُ أجرًا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله»

(2)

.

الوجه الثامن والتسعون: ما رواه المُخَلِّصُ، عن ابن صاعد: حدثنا القاسمُ بن الفضل بن بزيع: حدثنا حجَّاج بن نصير: حدثنا هلال بن عبد الرحمن الحنفي، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي هريرة وأبي ذرِّ أنهما قالا:«بابٌ من العلم نتعلَّمه أحبُّ إلينا من ألف ركعة تطوُّعًا، وبابٌ من العلم نعلِّمه ــ عُمِلَ به أو لم يُعْمَلْ به ــ أحبُّ إلينا من مئة ركعةٍ تطوُّعًا» . وقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء الموتُ طالبَ العلم وهو على هذه الحال مات شهيدًا»

(3)

.

(1)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 113)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ق: 28/أ)، والبيهقي في «الشعب» (4/ 341)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/ 79) بإسنادٍ فيه ضعف.

قال البيهقي: «وروي من وجهٍ آخر ضعيف [انظر: «اللسان» 6/ 23]، والمحفوظ هذا اللفظ من قول الزهري».

وسيذكره المصنف قريبًا من قول الزهري.

(2)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 198)، و «الجامع» (1/ 300)، والمعافى بن زكريا في «الجليس والأنيس» (3/ 77)، وغيرهما في سياقٍ طويل، بإسنادَين منقطعَين.

وأخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 519) من وجهٍ آخر ضعيفٍ جدًّا، وليس فيه موضع الشاهد.

(3)

تقدم تخريجه (ص: 193).

ص: 328

ورواه ابن أبي داود، عن شاذان، عن حجَّاج به.

قلت: شاهدُه ما مرَّ

(1)

من حديث الترمذي عن أنسٍ يرفعُه: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يَرجِع» .

الوجه التاسع والتسعون: ما رواه الخطيبُ أيضًا عن أبي هريرة قال: «لأنْ أَعْلَمَ بابًا من العلم في أمرٍ أو نهيٍ أحبُّ إليَّ من سبعين غزوةً في سبيل الله»

(2)

.

وهذا إن صحَّ فمعناه: أحبُّ إليَّ من سبعين غزوةً بلا علم؛ لأنَّ العملَ بلا علم فسادُه أكثرُ من صلاحه.

أو يريد: علمًا يتعلَّمه ويعلِّمه؛ فيكونُ له أجرُ من عمل به إلى يوم القيامة، وهذا لا يحصلُ في الغزو المجرَّد.

الوجه المئة: ما رواه الخطيبُ أيضًا عن أبي الدرداء أنه قال: «مذاكرةُ العلم ساعةً خيرٌ من قيام ليلة»

(3)

.

الوجه الحادي والمئة: ما رواه عن الحسن، قال:«لأن أتعلَّم بابًا من العلم فأعلِّمه مسلمًا أحبُّ إليَّ من أن تكون لي الدنيا كلُّها فأنفقها في سبيل الله»

(4)

.

(1)

(ص: 190). وهو ضعيف.

(2)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 102). وفي سنده من لم أعرفه.

(3)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 102). وفي إسناده انقطاع.

وأخرجه معمر في «الجامع» (11/ 36) ــ ومن طريقه البيهقي في «المدخل إلى السنن» (459) ــ، والدارمي (1/ 82) عن ابن عباسٍ من وجهين أحدهما صحيح.

(4)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 102) بإسنادٍ حسن.

ص: 329

الوجه الثاني والمئة: قال مكحول: «ما عُبِدَ اللهُ بأفضل من الفقه»

(1)

.

الوجه الثالث والمئة: قال سعيدُ بن المسيِّب: «ليست عبادةُ الله بالصوم والصلاة، ولكن بالفقه في دينه»

(2)

.

وهذا الكلامُ يرادُ به أمران:

أحدهما: أنها ليست بالصوم والصلاة الخاليَيْن عن العلم، ولكن بالفقه في الدين الذي يُعْلَمُ به كيف الصومُ والصلاة.

والثاني: أنها ليست الصومَ والصلاةَ فقط، بل الفقهُ في دينه من أعظم عباداته.

الوجه الرابع والمئة: قال إسحاقُ بن عبد الله بن أبي فروة: «أقربُ الناس من درجة النبوَّة العلماءُ وأهلُ الجهاد؛ والعلماءُ دَلُّوا الناسَ على ما جاءت به الرسل، وأهلُ الجهاد جاهدوا على ما جاءت به الرسل»

(3)

.

وقد تقدَّم الكلامُ في تفضيل العالم على الشَّهيد وعكسه.

الوجه الخامس والمئة: قال سفيانُ بن عيينة: «أرفعُ الناس عند الله منزلةً من كان بين الله وبين عباده، وهم الرسلُ والعلماء»

(4)

.

(1)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 119) بإسنادٍ شديد الضعف. وروي عنه مرفوعًا مرسلًا، ولا يصح.

(2)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 118)، وأبو الشيخ في «العظمة» (7)، وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 162). والراوي عن سعيدٍ ضعيف.

(3)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 148).

وأخرجه الذهبي في «السير» (18/ 524) من حديث ابن عباس مرفوعًا بإسنادٍ ضعيف.

(4)

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 148).

ص: 330