الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خواطر الملائكة ليست مظاهرة
بقلم فضيلة الشيخ / محمود غريب
مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية
{
…
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
…
} الآية (30) من سورة البقرة - الجزء الأول لم تكن مظاهرة قام بها الملائكة كما يتصور بعض العامة، لأن الملائكة { .. لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} كما هو وارد فى سورة التحريم - الجزء الثامن والعشرون، وهم لا يقترحون على الله. {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} ، سورة الأنبياء - الجزء السابع عشر
إن ما حدث هو خواطر نفسية عند الملائكة والخواطر النفسية لا تدخل دائرة المحاسبة، مثال -
{ .. وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} سورة يوسف - الجزء الثاني عشر، الهمُّ مجرّد مرحلة نفسيَّة
النبي محمد صلى الله عليه وسلم همَّ أن يوقد النار على قوم يتأخرون عن صلاة العشاء! ولكنه امتنع مراعاة للنساء والأولاد - رواه أحمد.
وأهل بدر خطر لهم الفشل إذا دخلوا المعركة لن ينتصروا - هذا ما خطر في بال بعضهم {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} سورة آل عمران - الجزء الرابع
ولو كان الهمُّ معصية ما قال القرآن {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} إن الهمَّ مجرَّد مرحلة من خواطر النفس وهو من الملائكة هكذا {
…
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
…
}
نعم لهذا خلقهم الله، ولقد غاب عن الملائكة ما حدث مع الأنبياء الذين مع قدرتهم على فعل المعصية لا يفعلونها.
هل علمت الملائكة يومها شيئا، عن إبراهيم عليه السلام إذ رأى في المنام أن يذبح ولده الوحيد! ولو علموا الخبر فسوف لا يعلمون وقعه على النفس. لأنهم لا يعرفون الأبوَّة ولا الأمومة في عالمهم وهم لا يعرفون سياط الشهوة عندما تكون المراودة من حسناء ذات منصب وجمال كامراة العزيز، شيء لا تعرفه الملائكة.
هؤلاء هم الأنبياء. فهل تذكَّرتهم الملائكة ساعة أن قالوا هذا؟!
ومن غير الأنبياء منهم من يعيش لله، يعطي آخرته ما بقي من دنياه فهم يعيشون لآخرتهم. والملائكة وإن عاشوا لله إلا أنهم لم تشغلهم هموم دنياهم فعالمهم بلا هموم يعانون منها.
إن من أبناء آدم {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)} سورة الفرقان - الجزء التاسع عشر
فإذا جن عليهم الفجر دعوا ربّهم {
…
رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)} سورة الفرقان - الجزء التاسع عشر
وهم الذين جاء وصفهم في قوله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} سورة الذاريات - الجزءالسابع والعشرون
وكانوا يخافون أن ترد عليهم حسناتهم أكثر مما يخافون أن يعذبهم الله بسيئاتهم.
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} سورة المؤمنون - الجزء الثامن عشر
فهم يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ (خانفة) أن ترد عليهم ولا يقبلها الله
…
هذا ما يتعلق بأبناء آدم - أما يتعلق بالله سبحانه وتعالى في حدود علمنا فهو أن لله سبحانه وتعالى صفات جمال وصفات جلال
ومن صفات الجمال أنه غفور رحيم وقد ذكر القرآن صفات المغفرة في (228) آية فإذا لم يخلق ربنّا سبحانه وتعالى من يسفك الدماء ويفسد في الأرض، تعطلت صفات الجمال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» رواه مسلم (2749). وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد ..
إن الملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، وما خطر في نفوسهم أمر مباح لنا ولهم، والله لا يؤاخذ على خواطر السوء إلا في الحرم الشريف. والمغفرة صفة من صفات الجمال، والكريم يحب أن يعطي، ولسنا بالذين يستطيعون إدراك حكمة الله ولكننا ندرك أنه حكيم.
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
{فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
وحتى نلتقي إن شاء الله.