الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
جلست بالأمس القريب .. أستعيد ذكريات الماضي المجيد .. فانبعث مني زفرة مهموم .. ونفثة مكظوم
.. ولوعة محزون .. ومرّ خياله أمام ناظري .. وتذكرت ملامح وجهه .. كأني أراه
رأى العين ..
كان يسكن بجواري .. شاباً قاسياً .. تنكب الطريق .. وضل السبيل .. وأخطأ القصد ..
فأطلق العنان لنفسه .. حتى أصبح عبداً لشهواته .. وأسيراً لملذاته .. ورفيقاً لشيطانه ..
وكان سليط اللسان .. سئ الخلق .. مشين الطبع .. فلم يرض عنه جميع من عرفوه .. فنفر منه
أهل الحيّ .. وابتعد عنه الأهل .. ونأى عنه الناس .. وازورَّ عنه القريب .. وقلاه الجار والرفيق
وهجره الصاحب والرفيق .. وكره الناس لقاءه .. ومجالسته .. والحديث معه .. فأصبح وحيداً ..
طريداً .. شديداً .. ضاقت عليه نفسه .. ولم تسعه الأرض بما وصيت ..
* وشاءت إرادة الله أن يتطهر الحي من سلوكه .. وأن يرحم الله الناس من شروره .. فنقله عمله
إلى أقصى جنوب البلاد .. فسافر سعيداً عله يجد هنا لك قلبا لا يعرفه فيحبه ..
أو أذنا تسمع لقوله .. أو كريما يخدعه .. أو صالحاً يكيد له .. ولكنه الغريب الذي لا يعرف أحداً.
فاستبدّ به القلق .. واستوحش نفسه .. وأظلمت الدنيا في عينية وشعر بألم الغربة والوحدة ..
فذهب إلى بيت الله .. ينشد الراحة .. ويؤنس وحدته .. فلما دخل المسجد شعر بقشعريرة في بدنه
ورجفة في قلبه .. فانطلق إلى حيث يجلس شيخ المسجد على عجل .. وفي قلبه وجل .. وقصّ
على الشيخ قصته .. فعرف الشيخ أنه يسكن في بيت سيء السمعة ..
فتغير وجه الشيخ .. وغابت بسماته .. وتصّور أن واجبه الذي يفرضه عليه دينه .. أن يكشف له
عن بعض ما يعرفه أهل البلد عن البيت وصاحبته ..
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة .. ومن الخير إيصال الخير إلى الغير .. والغريب
أعمى ولو كان بصيراً.
فقال الشيخ في غضب: يا ولدي إن البيت الذي تسكن فيه سمعته سيئة .. وصاحبته أرملة ترفض
الزواج لتعيش كما تريد .. وخوفي عليك من التردى في الضلال يجعلني أنصحك طالباً منك أن
تبتعد عنها فهي كما قال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إمرأته لا ترديد لا مس
قال صلى الله عليه وسلم طلقها .. قال: أنا أحبها .. !!
قام الشاب .. وقبل يد الشيخ وعانقه وانصرف ..
فلما جنّ عليه الليل .. وأرخى سدوله .. وغارت نجومه وستره بظلامه .. شعر أن الشيخ قد أرشده إلى صيده بعد صبر طويل .. وتساءل في نفسه: كيف كان في غيبة عن جارته الحسناء
…
؟
ذهب إلى البيت .. وطرق الباب في رفق .. ففتحت .. فتعلل بأنه نسى مفتاح الباب داخل البيت .. ولم يتمكن من إحضار صانع يفتح الباب ..
فرحبت الحسناء بالضيف .. البيت واسع .. والأطفال نيام .. والشيطان مستيقظ .. والضمير مات ..
ودخل الشاب .. وجلس عندها .. وكلام الشيخ يدفعه أن يقرأ ما في عينيها من حبّ ودلال .. دعوة للفحشاء ..
هكذا استطاع الشيخ أن يفتح باباً للشيطان عندما أرشد الغريب إلى صيده .. !!
ترى .. من الزاني .. ؟ .. !! علق الأديب خديوي حلاوة على القصة بقوله: إن الأمر بالمعروف فريضة ولكنه فن لا يجوز كشف الأسرار من أجل النهي عن المنكر.