الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجانب العملي والفكري في سماحة الإسلام
للشيخ محمود غريب
مركز السلطان قابوس للدراسات الإسلامية بصلالة
سنة النبي صلى الله عليه وسلم نبي دائم الحياة
والجانب العملي منها كالجانب القولي كلاهما تشريع. ومن بعد القرآن وسنة النبي تأتي تجارب المربين، وهي هدى قويم، ليبقى القرآن وحدة يهدى للتي هي
(أَقْوَمُ) ومعلوم أن (أَقْوَمُ) أفعل تفضيل تفيد المشاركة والزيادة وعلى هذا فنحن بحاجة إلى تجارب المربين ونتائجها بعد حاجتنا إلى القرآن والسنة.
وهذا يغلق الباب أمام استيراد نتائج الاستشراق وتلاميذهم في بلادنا.
إننا بحاجة إلى عمل فني يعرض الشريعة الإسلامية في صورة قصص صغير ويُعرض في أجهز الإعلام أو المجلات الأدبية. إننا نشاهد كثيراً من المسلسلات تأخذ من الأمة ملايين الساعات في مجموع الأمة ولا نستفيد منها غير التسلية. وأضاعت الوقت.
سيقولون: إن هذا يشغل الناس عن القرآن والسنة. أقول لا. بل سيشغلهم بالقرآن والسنة. نعرض أحكام الشريعة في المسلسلات.
وفي الأدب الرمزي استغاثت سفينة في البحر وطلبت من السفن أن يمدّوها بالماء العذب فقد نفد منها.
فأجابتها السفن المجاورة: أنت تسبحين في ماء عذب.
هذه أمتنا وحالها من استيراد الهدي والثقافة مع أن الله فرض عليها أن تصدر هدى الله.
ومن تجارب المربين في حياتي حضرت ندوة علمية كبيرة في جامعة
(عين شمس) بالقاهرة. وسأل أستاذ سؤالاً، واجتهد عالم كبير في الإجابة وكان موضوع السؤال مما كثر فيه الاختلاف. فلما انتهى الشيخ من الإجابة وجه ظهره إلى الكرسي وقال: هذا هو الحق في الموضوع الذي طال فيه الخلاف (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) سورة يونس 32
توجهت إليه بأدب وهمست في أذنه: ما هو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال؟
فأدرك فضيلته أن التعبير قد خانه.
أدرك بذكاء ماذا أعني.
هل هناك شيء مما اختلف فيه علماء الأمة يمكن أن نقول عنه إنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال؟
إن كل إمام من أئمتنا قال: إن قولي صواباً يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب هذه سماحة الإسلام.
الكمال لله وحده، والعصمة لأنبيائه، وباب التوبة مفتوح.
قرأت قوله تعالى (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) فرأيت الحق قد ذكر في القرآن 227 مرّة. {معجم ألفاظ القرآن} ليس فيها شيء اختلفنا فيه.
أمور كبيرة في العقائد قال الله بعدها " فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ".
لا تتفق أبداً. مع سماحة الإسلام الذي يقبل الرأي والرأي الآخر في الاجتهاد.
ومشهور بين الدارسين. حديث " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فصلت طائفة في الطريق خوفاً من فوات الوقت، وأخّرت طائفة الصلاة أخذاً بظاهر الحديث إيماناً واحتساباً. وحدث أن امتنع الماء في معركة فتوضأ أحد الصحابة وصلى، فلما وجد الماء أعاد الصلاة. وصحابي آخر توضأ ولم يعد الصلاة.
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم باجتهادهما أقرأ النبي الاجتهاديين لينقل الأمة من الاعتماد إلى الاجتهاد وهذه سماحة الإسلام.
بل وصلت سماحة النبي صلى الله عليه وسلم إلى إقرار أكثر من قراءة للآية الواحدة، وأخبر أن جبريل أقرأه بالقراءتين، وهذا أساس علم القراءات وذلك لتيسير القراءة للقرآن حسب اللهجات العربية.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} سورة القمر ونشأ عن اختلاف القراءات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلاف فقهي وسع الأحكام الشرعية المستفادة من الآيات. فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} سورة المائدة 6.
قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالفتح عطفاً على اغسلوا. أي اغسلوا أرجلكم
ووردت بالجر عطفاً على امسحوا. مما سبب الاختلاف بين مذاهب المسلمين في جواز مسح الرجلين وعدم جوازه ولكل جماعة أدلتها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالقراءات لها دخل في اختلاف الأئمة. وقد أوصيت أحد تلاميذ جامع البنية ببغداد بأن يجعل هذا الموضوع لنيل درجة الماجستير وقد ذكر هذا في أكثر من موضع في رسالته - شكر الله له.
ماذا يفعل أئمتنا وللقرآن دخل في اختلاف الأئمة؟ والمسألة التي فيها أكثر من رأي أرحم من الرأي الواحد.
واللغة العربية التي نزل بها القرآن فيها الحقيقة والمجاز. مع محاولة بعض العلماء أن ينكر وجود المجاز ولكنه إذا اضطر أوّل - وكلمة واحدة في القرآن تثبت هذا. كلمة (السدّ) وردت في القرآن حقيقة لغوية في سورة الكهف
{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}
ووردت مجازا في سورة يس {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}
ومن الخلافات الفقهية بسبب (الحقيقة والمجاز) ما ذهب إليه الأحناف في قوله تعالى في عقاب الخارج على الجماعة: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} سورة المائدة
ذهب الأصناف إلى أن النفي من الأرض كناية عن السجن.
لأن الحاكم إذا أخرجه إلى بلد من بلاد الكفر فقد أعطاه حرية أن يرتدّ عن الإسلام وأن فسرها بقتله ففي الآية تكرار لأنها ذكرت القتل كعقوبة من عقوباتها، وذكرت النفي من الأرض فلا بد من المغايرة بينهما أي بين أن يقتلوا وأن ينفوا من الأرض.
ففهم الأحناف أن النفي من الأرض كناية عن السجن لمن خرج على الإمام والجماعة. فالحقيقة والمجاز قضية لغوية، ولها دخل في اختلاف الأئمة.
ومع أن القرآن لا يشك عاقل أنه عربيّ إلا أن الله ذكر أكثر من عشر مرات ما يؤكد أنه عربي. فلا بد من فهمه فهماً عربياً.
ومن سماحة الإسلام تعدّد فهم الناس لمعنى (أمر الله) في القرآن.
جاء الأمر في القرآن الكريم وحاول العلماء معرفة معناه وقد جمعتها حوالي خمسة عشر معنى تدور بين الوجوب والندب في كتابي " أوامر الله في القرآن الكريم.
وهذه درجة عالية من سماحة القرآن. فقد يستدل أحد العلماء بآية من القرآن على رأى فيقول له صاحب الرأي الثاني: الأمر هنا ليس للوجوب، ولكن الأمر للندب - سبحان الله - الدليل من القرآن ومع ذلك الإسلام يقبل منهما الاختلاف. أسوق لهذا دليلاً واحداً من سورة الطلاق آية 3.
وأعنى: هل يجب أن يشهد المطلق على طلاقه. وهل يقع الطلاق بدون إشهاد؟
وهل يجب أن يشهد إذا راجع مطلقته؟ القرآن يقول:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} موضوع الإشهاد هو الطلاق فهل الأمر للوجوب؟ مع أنه قرآن " قال الأحناف الأمر للندب وليس للوجوب مثل آية الدين. لأن الله بعد أن أمر بكتابة الدين في أول الآية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
خفف الأمر فقال {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}
من غير كتابة للدين.
وقد اقترض النبي عدة مرّات ولم يكتب وكذلك الصحابة. فأمر هنا يفيد الندب.
فهل الإشهاد على الطلاق واجب أم مستحبّ؟
الأحناف قالوا الأمر للندب.
والطلاق يقع من غير إشهاد عليه.
والشافعي قال الإشهاد على الطلاق مندوب وعلى إرجاع المطلقة واجب.
وعلماء الشيعة أخذوا الأمر على الوجوب فالإشهاد ضروري عندهم في الطلاق والإرجاع هكذا وسع الإسلام للاجتهاد واحترام نتائج اجتهادهم.
ومعلوم أن أكثر من رأي أيسر على صاحب المشكلة من رأي واحد. ثم نقول لصاحب المشكلة أنت السبب. هذا أو الطوفان.
ومن يسر الإسلام مراعات الجانب النفسي الفطري لكل مسلم.
فمن الناس من يحمل عقلاً عسكريا. لا يعرف إلا الأمر والتنفيذ. (بلغتنا المعاصرة)" تمام يا سيدي "
ومن الناس من يناقش الأمر، ويتعمق في فهمه. الإسلام ملأ عليهم جوانبهم النفسية ويتجلى هذا في أدلة كثير من الأحكام.
قد يرد في القرآن اللفظ بصيغة عامة ويصرّ بعض الشباب على عمومه تقدياً للقرآن الكريم. شكر الله لهم.
ولو كان الأمر هكذا لاستغنا العالم عن كليات الدراسات الإسلامية. إن اللفظ العام لا بد أن نبحث له عن مخصص، فإذا لم نجد فاللفظ على عمومه.
قوله تعالى " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ " الرحمن 26
" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ " القصص 88
هنا اللفظ على عمومه.
أما إذا قال القرآن إن الملائكة تستغفر لمن في الأرض في سورة فلا بد للبحث عن مخصص يبين من الذين تستغفر لهم الملائكة؟
لقد بينتهم سورة " غافر " في آية {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} إنهم {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} سورة غافر 7 فسور غافر خصصت العموم في قوله تعالى (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) وبينت من هم