المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آثار العمل في الفرد والمجتمع - مقالات الشيخ محمود غريب (الجزء الأول)

[محمود محمد غريب]

فهرس الكتاب

- ‌خواطر الملائكة ليست مظاهرة

- ‌الشقيقتان بنات إبليس

- ‌وقفهَ خالدة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌اعتصام الشباب في التاريخذكر وتذكرة

- ‌أبو لبابه يعتصم بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ظريف يدَّعي النبوَّة في عصر الرشيد

- ‌يا شباب لا بد من الزمن

- ‌علمني الهدهد

- ‌تقارب السن بين الزوجين

- ‌القرض الحسن بين الأجر من الله ، والمنفعة ، وسلامة الدين

- ‌القرآن بين التفسير والفهم

- ‌آثار العمل في الفرد والمجتمع

- ‌الجانب العملي والفكري في سماحة الإسلام

- ‌الفصل الثاني من الدراسةعندما أرسل الله نبيين في وقت واحد اختلفا

- ‌المشهد الأخير من القصة القرآنية

- ‌في رحاب امرأة عظيمة

- ‌المشهد الأخير لبني إسرائيل

- ‌اختلاف الأئمة بل اختلاف الأنبياء

- ‌أمم أمثالكم

- ‌مستقبل الأولاد

- ‌التأمين على الأطباء

- ‌علاقة الحكم الشرعي بمصدره

- ‌سيدتي هل دائما شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌معاني الأمر في القرآن وأثرة على اجتهاد الأئمة

- ‌ جلست بالأمس القريب .. أستعيد ذكريات الماضي المجيد .. فانبعث مني زفرة مهموم .. ونفثة مكظوم

- ‌ حديث الإفك في عصرنا إفك أم كفر

الفصل: ‌آثار العمل في الفرد والمجتمع

‌آثار العمل في الفرد والمجتمع

قد عالجت النظرية الكلاسيكية في الفكر الاقتصادي الغربي الأسس التي بناءً عليها تتخذ المؤسسات الإنتاجية (عناصر الإنتاج) والأسعار التي تبيع بها منتجاتها على أساس أنها تعمل من اجل تحقيق أقصى ربح ممكن وفقاً لمعلوماتها الكاملة والمؤكدة عن التكاليف الخاصة بعناصر الإنتاج وعن الطلب المتوقع على منتجاتها.

لذلك تبدو النظرية تجديداً فكرياً معزولاً عن الواقع العملي، الذي يتعرض لتقلبات وتغيرات مستمدة فالرشد الاقتصادي للمؤسسات الإنتاجية الذي يركزه علماء الفكر الكلاسيكي في العمل على تحقيق أقصى ربح ممكن، يبدو عند مقارنته بالواقع مجرد مقتضيات نظرية تتجاهل كل المشاكل الإدارية والتسويقية والصعوبات الخاصة بإمكانيات توفر المعلومات الدقيقة، التي يمكن أن تنبني عليها القرارات الرشيدة، التي يجب أن تتخذ بالنسبة لتوظيف المستخدمات الإنتاجية وتحديد حجم الإنتاج وأسعار المنتجات كذلك تبدو المنحنيات المنمقة الخاصة بالتكاليف والإيرادات والتي يستخدمها علماء الفكر الكلاسيكي مجرد رياضة ذهنية تستهوي الدارسين لتنمية أوقات فراغهم.

لذلك حاول بعض العلماء، منذ الخمسينات من القرن الحالي، الاقتراب من الواقع بعض الشيء، حيث لاحظوا انفصال إدارة المؤسسات وارتباط هذه الإدارات بعوامل سياسية على نطاق دولي كما هو الحال بالنسبة للشركات المتعددة الجنسية، لذلك حاول هذا البعض وضع نظريات جديدة تفسر سلوك هذه المؤسسات ودوافع رشدها الاقتصادي، فهنالك النظرية التي تقول بأنه طالما أن المؤسسة تحقق ربحاً معقولاً للمساهمين، يكون هدف الإدارة تحقيق سيطرتها على سوق السلع التي تنتجها بالعمل على زيادة مبيعاتها، ولذلك يزيد الإنفاق على الدعاية والإعلان؛ بالمقارنة مع ما يمكن أن يحدث إذا كان الهدف هو تحقيق أقصى أرباح ممكنة.

ص: 44

وهناك النظرية التي تقول بأن هدف المؤسسة - في الغالب - التوفيق بين القرارات المختلفة التي تواجهها مثل قرارات نقابات العمال والقيود المفروضة على بعض الأسواق وقرارات الحكومة بشأن الإنتاج والأسعار إذا وجدت مثل هذه القرارات، وذلك حتى تستطيع أن تستمر في عملها وتحقق النمو الذي تنشده لنشاطاتها المختلفة وهو النمو الذي يتمثل في حجم المبيعات وحجم الأرباح التي تترتب على ذلك كما إن المؤسسة تكون في الغالب من فئات مختلفة وكل فئة منها لها مطالبها، ولذلك تواجه الإدارة مطالب المساهمين ومطالب العمال والموظفين ومطالب المشترين لمنتجاتها والقيود المختلفة التي قد تفرضها الحكومة ومنافسة المؤسسات التي تقوم بنشاطات مشابهة ولذلك لا تستطيع المؤسسة أن تتخذ موقفاً جامداً إزاء ما يجب أن تحققه من أرباح، إذ لا بد أن تكون أكثر مرونة في قراراتها حتى تستطيع التنسيق والتوفيق بين هذه المطالب المختلفة لتحدد السلوك الأفضل الذي يجب أن تتبعه وقد لا يتفق هذا السلوك مع تحقيق أقصى أرباح ممكنة في الأجل القصير، ولكنه في الأجل الطويل لا بد أن يتحقق النمو الذي تنشده.

ص: 45

إن الصفة الأساسية لكل هذه النظريات هي أنها جميعاً تبحث عن أهداف للمؤسسة وتتركز حول تحقيق النهاية العظمى لشيء ما خاص بها، قد يكون الأرباح، وقد يكون المبيعات، وقد يكون السيطرة على الأسواق، وقد يكون السيطرة السياسية في مختلف أنحاء العالم لترسيخ دعائمها وبالتالي تعظيم النشاطات التي تقوم بها، وهي جميعاً أهداف مادية بحتة لا يدخل في اعتبارها أي اهتمام بالصالح الاجتماعي العام أو أي احترام للقيم الأخلاقية المثلى التي توصي بها جميع الأديان. ولعل ذلك يشكل أحد أسباب تفسخ المجتمعات وانهيارها ونزوعها إلى العنف والتدمير، الأمر الذي يقودهم في النهاية إلى عيادات الأمراض العقلية والعصبية ومصحات المعاقين. فالفكر الاقتصادي الغربي فكر مادي بحت، ولذلك يعتبر الثروة ممثلة في الأرباح أو المبيعات دون أي اهتمام بما يمكن أن يصيب أفراد المجتمع جميعاً في رفاهية هي نتيجة تعظيم هذه العناصر المادية التي تسعى المؤسسات إلى تحقيقها لذلك يؤيد علماء الاقتصاد الغربي كل ما يؤدي إلى زيادة قدرة المؤسسات على الإنتاج وعلى تحقيق الأرباح دون أن يأخذوا في اعتبارهم ما يمكن أن يترتب على ذلك من اتساع في التفاوت بين دخول الفئات المختلفة التي يتكون منها المجتمع وغير ذلك من الأضرار المعنوية والصحية التي لا بد أن تصيب البشر جميعاً والأمثلة على ذلك كثيرة فمنها إنتاج السكائر والمسكرات والمخدرات وأدوات الخلاعة والمواد الغذائية الكيمائية الضارة والإعلانات البذيئة التي تروج لهذه المنتجات .. ولا يجب أن نعجب لهذا الموقف الذي يتخذه علماء الاقتصاد الغربي من دوافع الإنتاج وحوافزه ذلك لأن الحضارة الغربية تطورت في اتجاهات مادية بحتة حتى أصبحت النقود في مجتمعاتنا الحاضرة مقياساً لعلاقات البشر وعواطفهم، كما اصبح تجميعها والإكثار من حيازتها دافعاً إلى الاحترام.

ص: 46