الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشهد الأخير من القصة القرآنية
للشيخ محمود غريب
مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية
نشاهد كثيراً من الأعمال الفنية على الشاشة الصغيرة، ونتابع باهتمام الحوار الذي يدور، والحوادث التي تتابع، ولكن المشهد الأخير لأي عمل قصص الذي يثبت في الأذهان. وقد تتبعت القصة القرآنية، وحاولت أن أدر المشهد الأخير في كل قصة. وأعني بالمشهد الأخير آخر ما نزل من القصة في القرآن الكريم.
* قصة إبراهيم .. شغلت مساحة كبيرة من القرآن الكريم، ولكن المشهد الأخير في ترتيب النزول هو قوله " وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا " سورة الحج 27
وأسدل الستار على إبراهيم ليبقى صوته إلى يوم القيامة وهو يأذن في الناس بالحج. والناس يأتونه " يأتوك " ولم يقل - سبحانه يأتونني فالحجيج ضيوف على إبراهيم وإبراهيم وضيوفه (ضيوف الرحمن) وقد أكرم ضيوف الرحمن عندما جاءه ملائكة ثلاث فبالغ إبراهيم في إكرامهم فأكرم الله إبراهيم وضيوفه من الحجيج.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)).
راغ إلى أهله حتى لا يعرف الضيف مقاصدة والروغ الحركة السريعة مع الخفية، ولم يستعمل القرآن كلمة المراوغة إلى مع إبراهيم عليه السلام وفي قصته، فإبراهيم أكرم ضيوف الله فأكرم الله ضيوف إبراهيم وجعل مشهده وهو يؤذن في الناس بالحج. هو آخر ما نزل من قصته.
آخر ما نزل في قصة امرأة العزيز ..
أكثر من يذكرها يتذكر وهي تراود يوسف عن نفسه. ولكنني أبحث عن المشهد الأخير المشهد الأخير في قصة امرأة العزيز هو إعلانها " قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي "
الكلام متصل، وهو لامرأة العزيز، وهذا هو الرأي الذي أرتاح له. ألقيت محاضرتي عن النبي المظلوم 1960 بمجلس مدينة الزقازيق وكنت طالبا بالإعدادية الأزهر قلت يومها.
· إن الكلام متصل فلا يفصل من غير فاصل
· والملك طلب إحضار يوسف، ولو كان يوسف هو المتكلم ما طلب الملك إحضاره لأن إحضار الحاضر تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل محال.
" وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي " سورة يوسف 54
* وأن نفس يوسف نفس نبي لا تأمر بفحشاء ولا منكر، فقوله تعالى " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ".
من كلام امرأة العزيز
فالكلام من قوله تعالى " قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ "
هو آخر ما نزل في قصة أمرأة العزيز.لتبعث يوم القيامة إماماً للتائبات. لقد غيرها الإيمان بيوسف، وزاد قربها من الحق أنه لم يذكر مرادوتها له عندما أرسل للملك ليسأل. وذكر مراودة بقية النساء الآتي قطعن أيديهن " قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) " 50 يوسف
حفظت له رغبته في سترها. أما نساء المدينة فشهادتهن بلغة الدبلوماسية المعاصرة. فعندما سألهن الملك: قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء " ولم يذكرن مراودة امرأة العزيز له مع أنها أعلنت هذا صراحة في خطبتها عندما فضحها نساء المدينة " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30).
وكان ردها عليهن بعد أن قطعن أيديهن من جمال يوسف.
فشهادة النسوة " قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ " وهذا سكوت عن موقفها، وإخفاء أيضا لما علمن به من موقف يوسف وعفافه، لأن عدم علمهن عنه السوء ليس علماً بالعدم.
لذلك لم تقبل هي شهادتهن، وأعلنت الحق في المشهد الأخير من قصتها
" الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ".
وأسدل الستار عليها وهي تقود مسيرة التائبات إلى الله.