الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رجب يتقرّب بها، ثمّ نسخت العتيرة بالأضاحي1، وقيل إنّ العتيرة هي الشّاة الّتي كانت تذبح في الجاهليّة وتقدّم للأصنام، فيصبّ دمها على رأسها2.
ومن ذلك ((الصّرورة)) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لا صرورة في الإسلام"3 وهو التّبتّل في الإسلام، وأصل الصّرورة أنّ الرّجل في الجاهليّة كان إذا أحدث حدثاً فلجأ إلى الحرم لم يُهَجْ، وكان إذا لقيه وليّ الدّم في الحرم قيل له: هو صرورة، فلا تَهُجه، ثم كَثُر ذلك في كلامهم حتّى جعلوا المتعبّد الّذي يتجنّب النّساء: صرورة، وصرورياً 4، كما تقدم في الباب الأول.
وللرّافعيّ تعليل في إماتة الإسلام هذا النّوع من الألفاظ، وهو أنّهم كرهوا النّطق بها في الإسلام لخوفهم على العرب أن يعودوا في شيء من أمر الجاهليّة، فمنعوهم من الكلام الّذي فيه أدنى متعلّق5.
1 ينظر: الجمهرة 1/392.
2 ينظر: النهاية 3/178.
3 ينظر: سنن أبي دواد 2/141، وكنز العمال 3/658.
4 ينظر الصاحبي 104.
5 ينظر: تاريخ آداب العرب 1/209.
المبحث الرابع: العامل الاجتماعي
قد تنحطّ دلالة الكلمة فتدلّ مباشرة على ما يستقبح ذكره، كدلالتها الصّريحة على قذارة أو نجس، أو عضو تناسليّ، أو غريزة جنسيّة، فيكون ذلك إيذاناً بتركها ثمّ موتها، فيبحث المجتمع عن كلمة أخرى ليس فيها ذلك المعنى المباشر، أو يلجأ إلى الكناية، ثم تستخدم الكلمة، فتحمل مع كثرة الاستعمال ما تحملته سابقتها، ومن ذلك كلمة ((الغائط)) مثلاً، فإنّها كناية عن ذلك الشّيء
في أصل الاستعمال اللّغوي، ومعناها اللّغويّ القديم المكان المنخفظ.
ويمكن القول: إن الأسباب الاجتماعية ((واضحة جداً في تغيّر الكلمات مراعاة للّياقة، إذ ليس من الّلائق أن يتكلّم في أحد المجتمعات عن أفعال معروفة بالفظاظة، أو بأنّها مما يجرح الحياء)) 1.
ويصل الحال إلى التّضييق من دائرة المفردات حتّى لا يتكلّم النّاس إلا تلميحاً أو بالكناية كما يحدث عادة في ألفاظ النّكاح، وهو ما يفسّر كثرتها؛ لأنّ النّاس يلجؤون2 إلى ترك الكلمة لمجرد ما يتعلق بها ذلك المعنى، وعلى هذا ماتت كثير من الألفاظ في العربيّة، ورصدت المعاجم بعضه مع أنّه متروك في الاستعمال اللّغويّ الرّاقيّ، والأمثلة على ذلك معروفة.
وقد يكون للكلمة مدلول اجتماعي مكروه، لا يليق بمكانة الإنسان، ومن ذلك ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد جاءه قوم من العرب، فسألهم عليه السلام فقال:"من أنتم" فقالوا: "بنو غيّان"، فقال:"بل أنتم بنو رِشْدان"3.
وعلّة ذلك ظاهرة، وهي أنّ غيّان من الغيّ؛ فكره لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم، لما يحمل في طياته من دلالة اجتماعية غير مرغوبة؛ فأمر بتركه وإماتته.
1 اللغة، لفندريس 280.
2 وتكتب أيضاً: يلجأون، وكتابة الهمزة – هنا - على الواو يرجحها كثير من العلماء. ينظر: الإملاء والترقيم 121، والهمزة في الإملاء العربي 37.
3 ينظر: المبهج 35، والمناهي اللّفظية 252.