المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالثدور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات - موت الألفاظ في العربية

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الباب الأول: الممات من الأسماء

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولالممات من أسماء الأيام

- ‌الفصل الثانيالممات من أسماء الشهور

- ‌الفصل الثالثالممات من أسماء متفرقة

- ‌الفصل الرابعأسماء أميت مفردها

- ‌الفصل الخامسأسماء مصغرة أميت مكبرها

- ‌الباب الثاني: الممات من الأفعال

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولأفعال أميتت صيغها وتصريفاتها

- ‌الفصل الثانيأفعال اختلف في موتها

- ‌الفصل الثالثأفعال أميت المجرد منها دون المزيد

- ‌الفصل الرابعأفعال أميتت بعض تصريفاتها

- ‌الفصل الخامسأفعال مبنية للمجهول أميت المبني للمعلوم منها

- ‌الباب الثالث: أسباب إماتة الألفاظ

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولالعامل الصوتي

- ‌الفصل الثاني: العامل الدلالي

- ‌المبحث الأول: زوال المعنى

- ‌المبحث الثاني: الاستغناء

- ‌المبحث الثالث: العامل الديني

- ‌المبحث الرابع: العامل الاجتماعي

- ‌الباب الرابع: إحياء الممات

- ‌الفصل الأول: الحاجة إلى إحياء الممات

- ‌الفصل الثانيموقف العلماء من إحياء الممات

- ‌الفصل الثالثدور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الفصل الثالثدور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات

‌الفصل الثالث

دور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات

تنطلق مجامع اللغة العربية في عنايتها باللغة وحرصها على نقائها وإثرائها بما يضمن لها النماء والحيوية ومسايرة مستجدات العصر من نظرتين متوازيتين:

إحداهما: الحفاظ على التراث اللغوي للعربية، وتقريب بعيدة، وتيسير غريبة، وإحياء مماتة.

ثانيهما: الاقتراض والترجمة.

ولهذه المجامع نشاط ملحوظ في إحياء الممات يتلخص في التشجيع على الاستفادة من ممات العربية فيما استجدّ من المعاني والمصطلحات، وإحياء ما يلائم روح العصر منه، والحدّ من تسرّب الدخيل المعاصر إلى اللغة، ليكون الممات أحد الوسائل النافعة التي تمدّ العربية بكلمات جديدة تدعو إليها الحاجة ومقتضيات العصر.

ولكن المجامع اللغوية التي تكاثر فيها الأعضاء المجددون اتجهت بتأثير منهم نحو اعتماد آراء أكثر جرأة في التجديد والانفتاح على اللغات الحية عن طريق التعريب والترجمة، فانعكس ذلك سلباً على نشاط المجامع في إحياء الممات أو العودة إلى الغريب والحوشي والمهجور.

ومن هذا المنطلق تعالت الأصوات الداعية إلى ترك الممات وإهمال المهجور والألفاظ الحوشية الجافية بحجة عدم الحاجة إليها أو قلة الفائدة منها.

ومن هؤلاء علي الجارم الذي ذكر أنه وجد بمجلة المجمع القاهرة ألفاظاً

ص: 460

قديمة غير مستعلمة، وقد اعتمدت للتعبير عن أشياء جديدة تختلف معانيها عن معانيها القديمة، وهو لا يستسيغ هذه الطريقة1.

وقدم الأستاذ أحمد أمين اقتراحاً يقضي بالتخفف من كثير من مفردات اللغة، وهو يرى "أن أولى الكلمات بالإعدام هي تلك الكلمات الحوشية فلا بد من استبعادها وعدم إدخالها في المعاجم الجديدة"2.

وعلق عليه الدكتور إبراهيم أنيس مؤيداً تخليص اللغة من الألفاظ الحوشية والمهجورة3 وأدى هذا الاقتراح للأستاذ أحمد أمين إلى صدور قرار لمجمع اللغة بالقاهرة في الدورة الثلاثين سنة 1964م وفيما يلي نص القرار:

"من الواجب أن يكون من المعاجم ما يتضمن كل كلمات اللغة، أما وصف بعض الألفاظ بأنها حوشية فذلك اعتبار بلاغي لا لغوي، ولا يستبعد اللفظ من المعاجم بأنه حوشي"4.

وبهذا رد المجمع الاعتبار للألفاظ القديمة وفتح الباب للإفادة منها في المصطلحات العلمية الجديدة، فأصبحت القاعدة تنص على تفضيل المصطلحات العربية القديمة على المصطلحات المستحدثة شريطة ألا تكون المصطلحات المستحدثة شائعة في الاستعمال، وأن تكون المصطلحات القديمة معبرة عن المقصود تعبيراً دقيقاً5.

وكان لتدخل الشيخين حسين والي وأحمد الإسكندري6 أثر ظاهر في

1 ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 166، ومحاضر الجلسات 2/77.

2 في أصول الفقة 71.

3 في أصول اللغة 109.

4 في أصول اللغة 71.

5 محاضر الجلسات 1/432.

6 ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 405.

ص: 461

ترجيح كفة المحافظين الداعين إلى الاستعانة بالتراث اللغوي القديم بجميع أوجهه، ومنها الغريب والحوشي والمهجور والممات.

وكان الاتجاه اللغوي في باقي مجامع اللغة العربية مشابهاً لما يدور في أروقة مجمع القاهرة فثمة تياران يتنازعان في مجمع دمشق أحدهما محافظ والآخر مجدد، يدعو أولهما إلى إحياء التراث اللغوي، والتحفظ على ظاهرة الاقتراض اللغوي، فثمة باحثون في ذلك المجمع سعوا إلى استثمار رصيد العربية اللغوي استثماراً إيجابياً1.

ومهما يكن من أمر فإن مجامع اللغة - في الجملة - تنظر إلى تراث العربية القديم بما فيه من حوشي ومهجور وممات نظرة احترام وتقدير، وتدعو إلى استثمار ذلك الرصيد الوافر لتنمية اللغة والاستعانة به في المصطلحات شريطة أن يعالج من قبل لغويين متخصصين، لا يتقيدون بالمعنى القديم لتلك الألفاظ، فقد يعمدون إلى نزع دلالي كامل يطبق على بعض تلك الألفاظ المماتة مثلما فعل العلماء الأوربيون الذين هجموا على الممات في اللاتينية واشتقوا منه كثيراً من مصطلحاتهم2 بعد تحوير المعنى اللغوي القديم، وتضمينها المعنى العلمي الجديد.

ويبدو هذا الرجوع إلى القديم واضحاً عند محمود تيمور الذي استعلمه كثيراً في (معجم الحضارة) الذي تتميز مصطلحاته بقدمها ومحافظتها3.

ومن المصطلحات القديمة أو المهجورة أو المماتة التي أحياها بعض المعاصرين

1 ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 414، والمصطلحات العلمية في اللغة العربية 65،66،75.

2 ينظر: اللغة والعلوم 24.

3 ينظر: أعمال مجمع اللغة 415.

ص: 462

ووضعها لما يقابلها من المصطلحات الأجنبية: "زُلَّخة"1 للتعبير عن (LUMBAGO) أحياها عبد الفتاح الصعيدي في بحثه (مصطلحات العلوم)2.

ومما أحياه بعض العلماء: (الوشيعة) 3 لـ: (LE GRILLAGE)

و (المَثْعَب) 4 لـ: (LE SIPHON)

و (السَّحْسَاح) 5 لـ: (LA DOUCHE)

و (الشِّمْراخ) 6 لـ: PETITE LISTE) (

و (الصَّفْنة) 7 لـ: (LA TROUSSE)

و (المَثْبَنَة) 8 لـ: (LE SACA)

وفي غير المصطلحات تدعو مجامع اللغة الأدباء والكتاب والعلماء للعناية بالمفردات المهجورة وإحيائها في كتاباتهم، لأن الكلمة التي تنقرض من لغة المحادثة تأوي إلى ركن شديد في ميادين الشعر أو الأمثال أو الآداب أو الفنون، فتتوطد لها فيه أسباب المنعة والبقاء9، وتعود إلى الاستعمال عند الحاجة، وفي هذا

1 الزُّلّخة: الزّحلوقة يتزلخ منها الصبيان، أي يتزحلقون. ينظر: القاموس المحيط (زلخ)322.

2 ينظر: مجلة مجمع القاهرة ج 13 ص 215.

3 الوشيعة: خشبة أو قصبة يلف عليها الغَزْل. ينظر: اللسان (وشع) 8/394.

4 المثعب: مسيل السطح والحوض ينظر: أقرب الموارد (ثعب) 1/88.

5 السَّحْسَح والسحساح: عرصة الدار، عرصة المحلّة. ينظر: اللسان (سحح) 2/477.

6 الشمراخ: الغرة التي دقّت وسالت في الجبهة وعلى قصبة الأنف ولم تبلغ الجحفلة. ينظر: اللسان (شمرخ) 3/31.

7 الصَّفْنة: شيء يشبه العيبة يضع فيه الرجل متاعه ينظر: اللسان (صفن) 13/274.

8 المثبنة: كيس تضع فيه المرأة مِرآتها وأداتها. ينظر: اللسان (ثبن) 13/76.

9 ينظر: علم اللغة لوافي 300.

ص: 463

يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي: (أما نشأة كلمات في اللغة فتدعو إليها - في الغالب - مقتضيات الحاجة إلى تسمية مستحدث جديد مادّي أو معنوي

ويتم ذلك بإحدى الوسائل الآتية:

1 -

إنشاء الكلمة إنشاء

2 -

انتقال الكلمة من اللغة أو اللهجة إلى لغة أو لهجة أخرى

3 -

إحياء الأدباء والعلماء لبعض المفردات المهجورة في اللغة

"1.

وبالجملة، فإن لمجامع اللغة نشاطاً ملحوظاً مشكوراً في إحياء الممات والمهجور والحوشي يتلخص في التشجيع على الاستفادة منه فيما يستجد من المعاني والمصطلحات بما يلائم روح العصر، للحد من تسرب الدخيل المعاصر إلى اللغة العربية.

1 علم اللغة لوافي 298.

ص: 464