المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذكر العودة إلى مدينة سلا - نفاضة الجراب في علالة الاغتراب

[لسان الدين بن الخطيب]

الفصل: ‌فصل في ذكر العودة إلى مدينة سلا

والقِري قد كُفِي القاضي والحمد لله مؤنته الثقيلة، ولم يُحْوَج إلى تشويش العقل واستخدام العقيلة، وهذا القِسْم غير معدود ولا تقع المشاحَّةُ إلا في مَوْدود. وَهمَّ بتحفة شعره ثم قال بالبداء وناداه الإنجاز فصمَّ عن النداء فاطَّرد باب الشُّحِّ حِسَّاً ومعنى، وموحداً ومثنى حتى دُكَّالة، شرَّابةٌ لسَرْو القضاة أكَّالة، وبيدها لتحجير أيديهم وكالة. وهذه الحركة كانت لمحبة حركة الفتح، ووجهة المد والمنْح، فلو لم يقع فيها بُخْلُه تَمِيمة، لَلَقَعَتْها العين وعَسُر الهَيْن، والقاضي أعزه الله كمال، وعيب الكمال لا يُنكر، والغالب الفضل، وغير الغالب لا يذكر، وهو على التَّافه يُشكر. داعبتُه حفظه الله مداعبة من يعتقد خلاف مقاله، ويَرْجُح القناطر المقنطرة بمثقاله، ولا يقول في حال سَرْوه بانتقاله، ومع اليوم غد، ولكل شيء أمَد، ويُرجَّى أن يمتع الله منه بوقت يقع فيه استدراك، ويرتفع باختصاص النزول لديه اشتراك إن شاء الله.

وكان المبيت بحصن أسَايس من حصون دُكَّالة شأنه ما قبلُه بطلل، دار عادية ملوكية الوضع، تنسب لأحد أشياخ الوطن ممن غَمَسَ يده من الجباية في الدم والفَرْث تدل على انسحاب دنيا كانت سحابة صيف، والله يتجاوز عما جرت من نكير، فهو الذي يؤاخذ بما كسبت الأيدي ويعفو عن كثير.

ورحلنا من الغد ف يسهل اقتحمنا به حدود الصَّناهِجَة، وبتنا بموضع يعرف باسكاون بازاء رَجُلٍ مُنْتَمٍ للصوفية أَعجم اللسان، قام بالنزول على خصاصة واضطرار، فأنَبْنَا له واحتسبنا كَدْحه.

وعُدنا من الغد إلى أزَمُّور، فرأينا صدق المثل في قولهم العود أحمد، فتلقينا بها أصناف الفضلاء مصحرين، ولوظائف البر متممين، وقاهم الله معَرَّات السنين، وكرَّم وجوههم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه في يوم العرض والدين.

وبرز إلينا الحسن بن يحيى بن حَسُّون، فتى الفتيان بالمغرب، وغاية السَّرو، وآية المروءة، والمثل البعيد في الإيثار على الخصاصة، ومخجل الضيف وريحانة التلطف، فأربى الخُبْرُ على الخَبَر والحمد لله.

وكان السفر عن تشييع تتعلق بالأهداب أظفاره، وفضل عمَّ الخافقين اعتذاره وأوجب ذلك ما خاطبتهم به:

إحسانكم يا بني يحيى بن حسُّون

أزرَى على كل منثور وموزون

قد جددت زينةَ الدنيا برامكةٌ

منكم مكارِمُها لم ترض بالدون

أبناء يحيى وَقَتْهُمْ كلما وُلدُوا

عناية الله من موسى وهارون

بالأحسن الندب زاد الله بيتكم

حُسناً فأهلاً بطلْق الوجه ميمون

ما زالَ يكْلَفُ بالعَليا ويُمْحَضُها

هوى يعود على الأموال بالهون

ما زلتُ أسمع عنكم كل مكرَمة

والآنَ كم بين معلوم ومظنون

أثْرَتْ بكم كفُّ أزمور دياركم

فأيُّ دُرٍّ بصون المجد مكنون

أبقاكم الله في سعدٍ عقائله

تبدي لكم غرر الأبكار والعون

وردَّني لبلادي شاكراً لكُمُ

بأمر ربي بين الكاف والنون

إلى مدينة آنفا، واستدرك استدعائنا منهم إلى كل احتفاء واحتفال، أفاضل ذهبوا من البر كلَّ مذهب كالقاضي بها الشيخ الفقيه الحاج البادي القشف والسذاجة أبي بكر عثمان بن صالح المْسراتي المراكشيِّ النشأة، قرأ بمراكش على أبي الحسن المُرسي وأبي عبد الله العَبْدَري؛ وبحَاحَة، على أبي زكريا يحيى ابن سعيد، وأبي زيد بن عبد الله وأخيه أبي بكر. وبأغمات: على أبي العباس المعروف بأيَّزْم. وحج سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ووَليَ القضاء بقصر كتامة، وحصن القاهرة وأزمور وآنفا. وأقرأ بمدرستها كتاب أبي عمرو بن الحاجب. مولده في حدود عشرة وسبعمائة. والعدل السريّ أبي العباس أحمد بن شرف بن علي السَّلي من أهل تامسنا، نبيه المسكن فَعْم الخوان، مُنْجِبِ غلمان. والعدل الفاضل أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن موسى البرغَواطي خير منقبض متحلٍّ بسكينة. والشيخ الخطيب الخَيِّر أبو الحسن علي بن أبي حَدّوا الأصيل البيت النابه الأبوَّة المحمول عليه في سبيل بغي زعموا. والنجباء السراة أولاد الفقيه القاضي الرائق الخط، الجَمَّاعة للدفاتر، الموسوم بالرجاحة أبي علي عمر بن محمد الزناتي، كافأ الله ما بذلوا من رغبة، وخَطَوْا من إلمام.

‌فصل في ذكر العودة إلى مدينة سلا

ص: 13

ثم كان الارتحال إلى التربة المولوية المحترمة بشالة - فألقيت بها البَرْك، وحططت الرَّحْلَ، وَفَصَّلْت الخطة، وخاطبت اللسان المنعم المولى بما نصه بعد البسملة:) مولاي، المرجو المؤمَّل لإتمام الصنيعة، وصلة النعمة وإحراز الفخر، أبقاكم الله تضرب بكم الأمثال في البر والرضا وعلو الهمة ورعي الوسيلة، مقبِّل موطئ قدمكم، المنقطع إلى تربة المولى والدكم، ابن الخطيب، من الضريح المقدس بشالة وقد حط رحل الرجاء في القبة المقدسة وتذمم بالتربة الزكية وقعد بازاء لحد المولى أبيكم ساعة إيابه من الوجهة المباركة، وزيارة الرّثبُط المقصودة والتُرَب المعظمة، وقد عزم ألَاّ يبرح طوعاً من هذا الجوار الكريم والدخيل المرعي، حتى يصله من مقامكم ما يناسب هذا التطارح على قبر هذا المولى العزيز على أهل الأرض، ثم عليكم والتماس شفاعته في أمر يسهل عليكم لا يجرُّ إنفاذَ مال، ولا اقتحام خطر ولا التهجم على خطة، إنما هو إعمال لسان، وخط بنان، وصرف عزم وإحراز فخر وأجر، وإطابة ذكر. وذلك أن العبد عرفكم يوم وداعكم أنه ينقل عنكم إلى المولى المقدس والدكم بلسان المقال ما يَحضُر مما يفتح الله فيه ثم ينقل عنه لكم بلسان الحال ما يتلقى عنه من الجواب، وقال لي صدر دولتكم وخالصتكم وخالصة المولى والدكم سيدي الخطيب) يعني ابن مرزوق (سنّي الله أمله من سعادة مقامكم وطول عمركم:) يا فلان، أنت والحمد لله ممن لا ينكر عليه الوفاء بهذين الغرضين (، وصدر عنكم من البشر والقبول والإنعام ما صدر، جزاكم الله جزاء المحسنين، وقد تقدم تعريف مولاي بما كان من قيام العبد بما نقله إلى التربة الزكية عنكم حسبما أدَّاه من حضر ذلك المشهد من خدامكم، والعبد يعرض عليكم الجواب وهو: إني لما فرغت من مخاطبته بمرأى من الملأ الكبير، والجم الغفير، أكببت على اللحد الكريم داعياً ومخاطباً. وأصغيت بأذني عند قبره وجعل فؤادي يتلقى ما يوحيه إليه لسان حال فكأني به يقول لي:) قل لمولاك يا ولدي وقرة عيني المخصوص برضاي وبري الذي ستر حريمي وردّ ملكي وصان أهلي وأكرم صنائعي ووصل عملي، أسلّم عليك وأسأل الله أن يرضى عنك ويُقبل عليك) الدنيا دار غرور، والآخرة خير لمن اتقى (.) وما الناس إلا هالك وابن هالك (

ص: 14

ولا تجد إلا ما قدمت من عمل يقتضي العفو والمغفرة، أو ثناء يجلب الدعاء بالرحمة. ومثلك من ذُكِّر فتذكر وعُرِّفَ فما أنكر، وهذا ابن الخطيب وقف على قبري وتهمَّم بي، وسبق الناس إلى رثائي، وأنشدني ومجدَّني وبكاني ودعا لي وهنأني بمصير أمري إليك، وعفر وجهه في تُربي، وأمَّلني لمّا انقطعت مني آمال الناس، فلو كنت يا ولدي حياً لما وسعني إلا أن أعمل معه ما يليق بي، وأن أستقل فيه الكثير، وأحتقر العظيم، لكن لما عجزت عن جزائه، وكلتهُ إليك وأحلته يا حبيب قلبي عليك، وقد أخبرني أنه سليبُ المال، كثيرُ العيال، ضعيف الجسم، قد ظهر في عدم نشاطه أثر السن، وأمَّل أن ينقطع بجواري ويستتر بدخيلي وخِدْمتي ويرّد عليه حقه ووجوه من ضاجعني من سَلفي، ويعبد الله تحت حُرمَتك وحرمتي. وقد كنت تشوفت إلى استخدامه في الحياة حسبما يعلمه حبيبنا الخالصُ المحبة، وخطيبنا العظيم المزية، القديم القُربة، أبو عبد الله بن مرزوق فاسألهُ يُذكّرْك، واستخبره يخبرك، فأنا اليوم أريد أن يكون هذا الرجل خديمي بعد الممات إلى أن نلحق جميعاً برضوان الله ورحمته التي وسعت كل شيء. وله يا ولدي ولد نحيف يخدم ببابك، وينوب عنه في ملازمة بيت كُتّابك، وقد استقر بدارك قراره، وتعيَّن بأمرك مرتبَّه ودثاره، فيكون الشيخ خديم الشيخ، والشباب خديم الشباب، هذه رغبتي منك وحاجتي إليك، واعلم أن هذا الحديث لا بد أن يُذكر ويُتحدث به في الدنيا وبين أيدي الملوك والكبار، فاعمل ما يبقى لك فخره، ويتخلّد ذكره، وقد أقام مجاوراً ضريحي تالياً كتاب الله عليّ، منتظراً ما يصله منك ويقرؤه عليَّ من السَّعي في خلاص ماله والاحتجاج بهذه الوسيلة في جبره، وإجراء ما يليق بك من الحرمة والكرامة والنعمة، فالله الله يا إبراهيم، اعمل ما يُسمع عني وعنك فيه، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال،: انتهى. والعبد يا مولاي مقيم تحت حرمته وحرمة سلفه منتظر منكم قضاء حاجته، ولتعلموا وتتحققوا أني لو ارتكبت الجرائم، ورزأت الأموال، وسفكت الدماء، وأخذت حسائِفَ الملوك الأغرة ممن وراء النهر من التَّطَر، وخلف البحر من الروم، ووراء الصحراء من الحبشة وأمكنهم الله مني من غير عهد، بعد أن بلغهم تذدُّمي بهذا الدخيل، ومقامي بين هذه القبور الكريمة، ما وسع أحداً منهم من حيث الحياء والحشمة من الأموات والأحياء وإيجاب الحقوق التي لا يغفلها الكبار للكبار، إلا الجود الذي لا يتعقبُه البُخل، والعفو الذي لا تفسده المؤاخذة، فضلاً عن سلطان الأندلس، أسعده الله بموالاتكم، فهو فاضل وابن ملوك أفاضل، وحوله أكياسٌ ما فيهم من يجهل قدركم وقدر سلفكم لا سيما مولاي والدكم الذي أتوسل به إليكم وإليهم، فقد كان يتبنّى مولاي أبا الحجاج ويشمله بكنفه، وصارخه بنفسه، وأمدَّه بأمواله، ثم صيَّر الله ملكه إليكم وأنتم من أنتم ذاتاً وقبيلاً، فقد قرَّت يا مولاي عين العبد بما رأت بهذا الوطن المراكشي من وفور حُشودكم وكثرة جنودكم، وترادف أموالكم وعُدَدِكم، زادكم الله من فضله. ولا شك عند عاقل أنكم إن انحلّت عروة تأميلكم أو أعرضتم عن ذلك الوطن، استولت عليه يد عدوه، وقد علم تطارحي بين الملوك الكرام الذين خضعت لهم التيجان، وتعلقي بثوب الملك الصالح والد الملوك مولاي والدكم، وشهرة حُرْمةِ شالَة معروفة، حاشَ لله أن يضيعها أهل الأندلس، وما تُوسل إليهم قط بها إلى الآن، وما يجهلون اغتنام هذه الفضيلة الغربية. وأملي منكم أن يتعين من بين يديكم خَديمٌ بكتاب كريم يتضمن الشفاعة في ردِّ ما أُخِذَ لي، ويخر بمثواي مترامياً على قبر والدكم ويقرر ما لَزِمكم بسبب هذا الترامي من الضرورة المهمة والوظيفة الكبيرة عليكم، وعلى قبيلتكم حيث كانوا، وتطلبون منهم عادة المُكارَمَة بحل هذه العقدة. ومن المعروم أني لو طلبت بهذه الوسائل من صُلب ما لهم، ما وَسِعَهُمْ بالنظر العقلي إلا حفظُ الوجه مع هذا القبيل وهذا الوطن، فالحياء والحشمة يأبيان العذر عن هذا القبر الكريم بي وتعينوني لخدمة هذا المولى وزيارته وتَفَقُّدِه ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المولد في جواره وبين يديه، وهو غرض غريب مناسبٌ لِبركم به إلى أن حج بيت الله بعناية مقامكم وأعود داعياً مُثنياً مستدعياً للشكر والثناء من أهل المشرق والمغرب، وأتعوض من ذمتي بالأندلس ذمة عند الرباط

ص: 15

المبارك ترثها ذريتي. وقد ساوَمْتُ في شيء من ذلك منتظراً ثمنه مما يباع بالأندلس بشفاعتكم، ولو ظننت أنهم يتوقفون لكم في مثل هذا، أو تُتوقع فيه وحشة أو جفاء، والله ما طلبته، لكنهم أسرى وأفضل. وانقطاعي أيضاً لوالدكم معاً لا يسع مجدكم إلا عمل ما يليق بكم فيه، وهاأنا أرتقب جوابكم بما لي عندكم من القبول، وَيسعني مجدكم في الطلب وخروج الرسول لاقتضاء هذا الغرض والله يطَّلع من مولاي على ما يليق به والسلام.

وكتب في الحادي عشر من شهر رجب عام أحد وستين وسبعمائة وفي مُدرج الكتاب بَعْدَ نَثْرٍ اختصرناه:

مَوْلَايَ هَا أنَا فِي جِوَارِ أَبِيكَا

فَابذُلْ مِنَ البِرِّ المُقَدَّرِ فِيكَا

أَسْمِعْهُ مَا يُرْضيهِ مِنْ تَحْت الثَّرَى

واللهُ يُسمعُك الَّذِي يُرْضِيكَا

واجْعَلْ رِضَاهُ إذا نَهَدْتَ كتيبةً

تُهْدِي إلْيكَ النَّصْر أو اتَهْدِيكَا

واجْبُرْ بِجَبْرِي قَلْبَه تَنَلِ المُنَى

وتُطَالِعِ الفَتْحَ المُبِينَ وشيكا

فهو الذي سنّ البُرورَ بأُمِّهِ

وأَبِيه فاشْرَع شَرْعَه لِبَنِيكَا

وابْعَثْ رَسُولَكَ مُنْذِراً ومُحَذِّراً

وَبِمَا تُؤَمِّلُ نَيْلَهُ يَأْتِيكَا

قد هَزَّ عَزْمُكَ كُلَّ قطرٍ نَازِحٍ

وأَخَاَفَ مَمْلُوكاً بِه وَمَلِيكَا

فَإِذَا سَمَوْتَ إلَى مَرَامٍ شَاسِعٍ

فَغُصُونُهُ ثَمَرَ المُنَي تُجْنِيكَا

ضَمِنَتْ رِجَالُ اللهِ مِنْكَ مَطَالِبِي

لمَّا جَعَلْتُكَ في الثَّوَابِ شَرِيكا

فَلَئِنْ كَفَيْتَ وُجُوهَهَا فِي مَقْصِدِي

وَرَعَيْتَها بركاتُها تَكْفِيكاَ

وإذا قَضَيْتَ حَوائِجي وأَرَيْتَنِي

أملاً فَرَبُّكَ مَا أَرَدْتَ يُرِيكَا

واشْدُدْ عَلَى قَوْلِ يداً فَهُوَ الذي

بُرْهَانُه لَا يَقْبَلُ التّشْكِيكاَ

مَوْلَايَ ما اسْتَأثَرْتُ عَنْكَ بِمُهْجَتِي

أَنَّى وَمُهْجَتيَ الَّتِي تَفْدِيكَا

لَكِنْ رأيتُ جَنَابَ شَلَّةَ مَغْنماً

يُضْفي عَلَيَّ العِزَّ في نَادِيكَا

وفُرُوضُ حَقِّكَ لَا تَفُوتُ فَوَقْتُها

باقٍ إذَا اسْتَجْزَيْتَهُ يَجْزِيكَا

وَوَعَدْتَنِي وَتَكَرَّرَ الوَعْدُ الَّذِي

أَبَتِ المَكَارِمُ أَنْ يَكُونَ أَفِيكَا

أَضْفَى عَلَيْكَ اللهُ سِتْرَ عِنَايَةٍ

مِنْ كُلِّ مَحْذُورِ الصُّرُوفِ يَقِيكَا

بِبَقَائِكَ الدُّنْيَا تُحَاطُ وَأَهْلُهَا

فاللهُ جل جلاله يُبْقِيكَا

فوردت المراجعة المولوية بما نصه بعد البسملة والتصلية: من عبد الله المستعين بالله إبراهيم أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي سعيد بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، أيَّد الله أمره وأعز نصره، إلى الشيخ الفقيه الأجل السني الأعز الأحظى الأوجه الأنوه الصدر الأحفل المصنف البليغ الأعرف الأكمل أبي عبد الله ابن الشيخ الأجل الأعز الأسنى الوزير الأرفع الأمجد الأصيل الأكمل المبرور المرحوم أبي محمد بن الخطيب، وصل الله عزته، ووالى رفعته: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 16

أما بعد حمدِ الله تعالى، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم المصطفى والرضا عن آله وصحبه أعلام الإسلام وأئمة الرشد والهدى وصلة الدعاء لهذا الأمر العلي العزيز المنصور المستعيني بالنصر الأعز والفتح الأسنى، فإنَّا كتبناه إليكم - كتب الله لكم بلوغ الأمل، ونجح القول والعمل - من منزلنا الأسعد بضفة وادي ملوية يمّنه الله، وصُنع الله جميل، ومَنُّه جزيل، والحمد لله، ولكم عندنا المكانة الواضحة الدلائل، والعناية المتكفلة برعي الوسائل، ذلكم لِمَا تميزتم به من التمسك بالجناب العلي، المولوي العلوي، جدد الله عليه ملابس غفرانه، وسقاه غيوث رحمته وحنانه. وما أهديتم إلينا من التقرب إلينا بخدمة ثراه الطاهر، والاشتمال بمطارف حرمته السامية المظاهر، وإلى هذا، وصل الله حظوتكم ووالى رفعتكم، فإنه ورد علينا خطابكم الحسن عندنا قصدُه المُقابل - بالإسعاف المستعذب ورده، فوقفنا على ما نصه واستوفينا ما شرحه وقصه، فآثرنا حسن تلطفكم في التوسل بأكبر الوسائل إلينا، ووعينا أكمل الرعاية حق ذلكم الجناب العزيز علينا، وفي الحين عيَّنا لكمال مطلبكم، وتمام مأربكم والتوجه بخطابنا في حقكم والاعتمال بوفقكم، خديمنا أبَا البقاء بن تاسكورت وأبا زكريا بن فرقاجة أنجدهما الله وتولاهما.. وأمس تاريخه انفصلا مودّعين إلى الغرض المعلوم، بعد التأكيد عليهما فيه، وشرح العمل الذي يوفيه، فكونوا على علم من ذلكم، وابسطوا له جملة آمالكم، وإنا لنحتسب ثواب الله في جبر أحوالكم وبرء اعتلالكم، والله سبحانه يصل مبرتكم ويوالي تكرمتكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتب في الرابع والعشرين لرجب عام أحد وستين وسبعمائة. فراجعت أيده الله وشَكَر نعمته بما نصه: مولاي خليفة الله بحق، وكبير ملوك الأرض حجّة، ومعدن الشفقة والحرمة ببرهان وحكمة، أبقاكم الله عالي الدرجة في المنعِمين، وافر الحظ عند جزاء المحسنين، وأراكم ثمرة بِرّ أبيكم في البنين، وصنع لكم في عدوكم الصنع الذي لا يقف عند معتاد، وأذاق العذاب الأليم من أراد في مثابتكم بإلحاد، عبدكم الذي ملكتم رِقَّه، وأويتم غربته، وسترتم أهله وولده، وأسنيتم رزقه، وجبرتم قلبه، يقبل موطئ الأخمص الكريم من رجلكم الطاهرة، المستوجبة بفضل الله لموقف النصر، الفارعة هضبة العز، المعملة الخطو في مجال السعد، وميَّسر الحظ فلان: من شالة التي تأكد بمُلْكِكُم الرِّضيِّ احترامها وتجدد برعيكم عهدها واستبشر بمُلْكِكُم دفينها، وأشرق بحسناتكم نورها، وقد ورد على العبد الجواب المولوي البر الرحيم، المنعم المحسن بما يليق بالمُلك الأصيل، والقدر الرفيع، والهمة السامية، والعزة القعساء، من رعى الدخيل والنصرة للذمام، والاهتزاز لبر الأب الكريم، فثاب الرجاء، وانبعث الأمل وقوى القصد، وزار اللطف فالحمد لله الذي أجرى الخير على يدكم الكريمة، وأعانكم على رعي ذمام الصالحين، المتوسل إليكم أولاً بقبوركم، ومتعبداتهم وتراب أجداثهم، ثم بقبر مولاي ومولاكم ومولى الخلق أجمعين الذي تسبب في وجودكم، واختصكم بحبه، وغمركم بلطفه وحنانه، وعلمكم آداب الشريعة، وأورثكم ملك الدنيا، وهيأتكم دعواته بالاستقامة إلى ملك الآخرة بعد طول المدى وانفساح البقاء، وفي علومكم المقدسة ما تضمنت الحكايات عن العرب من النصرة عن طائر داست أفراخه ناقة في جوار رئيس منهم، وما انتهى إليه الامتعاض لذلك مما أُهِينَتْ فيه الأنفس وهلكت الأموال، وقُصارى من امتعض لذلك أن يكون كبعض خدامكم من عرب تامسنا فما الظن بكم وأنتم الكريم ابن الكريم ابن الكريم فيمن لجأ أولاً إلى حماكم بالأهل والولد عن حسنة تبرعتم بها، وصدقة حملتكم الجرية على بذلها؟ ثم فيمن حطّ رحل الاستجارة بضريح أكرم الخلق عليكم دامع العين خافق القلب دامي القرحة، يتغطى بردائه، ويستجير بعليائه، كأنني تراميت عليه في الحياة أمام الذعر الذي يذهل العقل، ويحجب عن التمييز، بقصر داره ومضجع رقاده. ما مِنْ يوم إلا وأجهر بعد التلاوة بلفظ: يا آل يعقوب، يا آل مرين نسأل الله أن لا يقطع عني معروفكم ولا يسلبني عنايتكم، ويستعملني ما بقيت في خدمتكم، ويتقبل دعائي فيكم.

ص: 17