الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما اتصل هذا الخبر بالسلطان طالِب حقِّه وناشِدِ ضالة ملكه، وانصرف عنه الجيش المرتزق من الدول المرينية بجملته والشيخ يحيى بن عمر بن رحو مؤمل الكرة من إمارة جنده والرّيس الذي خف لمظاهرته محمد بن يوسف بن نصر، وفرّ الكثير إلى عدوِّه، ومن وجوههم ابن وزيره المشؤوم الطائر، المهدى لقبه فأل الانكماش، المقطوع بالمنْحسة مع استبطانه هَوَجاً وخَوَراً وأَفَناً وهذراً ونَهماً وبُخلاً وبَخَراً وسوء خلة، يُبِرَّ عليه ابنه المأبون بالتطفيف في مكيال أكثر هذه الخلال، فانكفأ أدراجه على قرب عهد من وصوله إلى الأندلس فاحتل مالقة، وبها أشياخ النَّكْراء من بني شعيب المتظاهرين بالسذاجة الأندلسية وعدم التصنع وإرسال السجية، وأكل الأطعمة التي يحضرها التظرف، وفي مسْلاخ كل تيس منهم وَالِبَةُ بن الحُبَاب والعباس بن الأحنف والحسن الحكمي من اللَّوْذَعِية والفطنة والمعرفة بطرق المجانة، ويمتُّ إليهم بصهر، فقاموا به وانصرف عنهم إلى السلطان بغرناطة، فحين توسط طريقه بدا له فجعل وجهه إلى بلد النصارى وارتكب خطراً عظيماً ولحق بمنشأ فراره آيباً بِخَفِيِّ عاره. وحسبك بها مجادة وحياء ودهياً، والولد من طينة أبيه، وتوجه على آل شعيب نكير السلطان لإغفالهم إصحابه إليه وهو المعتاد في مثله بما أوجب نقلهم عن مالقة في هذه الأيام مورياً بالحاجة إليهم وفي سبيل مظاهرته.
وانحاز السلطان جبره الله بمن استمسك معه إلى صاحب قشتالة وقدم عليه فآنسه واعتذر له على التقاصر في نصرته المجدية لهيض جناحه بهلاك سلطان المغرب ثالث أثافيهم وهجوم فصل الشتاء، وضيق الزمن عن احتفاله بحركة تجيشه، وأسكنه بمن معه بلد اسْتِجَّة الكائنة على ضفة شنجل، الرَّحْبَة الساحة، المجدية الفلاحة، الأنيقة الكريمة، المطلة على ثغور بلاد المسلمين، فاستقر بها في دَعَة، وتحت نُزلٍ وجراية.
رَجْعُ التاريخ
استبداد الوزير عمر بن عبد الله
واضطراب الحالة في المغرب
وفي غرة شهر ذي حجة اتصل بالوزير الثائر بالسلطان الآخذ بخطام الدولة المستبد بالأمر عمر بن عبد الله بن علي ما كان من محط الأمير المتوقع نجومه بالمغرب، بساحل تلمسان، وشروعه في الحركة إلى طلب الأمر، وهو على العلم يهوي الناس إليه على فرضه رجلاً من مُدَجّنة الأشبونة أو عمل بنبلونة تناهياً في فساد السيرة والانقياد إلى النبيذ وارتباكاً في حبال الشيطان، وخَوَراً في الطباع، فضلاً عن كونه صميماً من عِيص الملك كامل شروط البيعة، موصوفاً بالرجاحة. فاستراب بمن لديه وأعمل النظر وقدح زناد الفكرة، وهمّ بأن يصيّر الملك إليه وراسله زعموا في السر، ثم أوحشه مكان أتراب له لحقوا به، منهم الحالُّ الناجم المذكور محل الوزارة محمد بن موسى بن إبراهيم، المنبز بالسبيع، المشهور بفروسية وثقافة ودربة، وأوْلي القوم سفرته، فعمل حينئذٍ على استجلاب أميره محمد بن أبي عبد الرحمن تاشفين ابن السلطان أمير المسلمين أبي الحسن، المستقر في إيالة سلطان قشتالة نازعاً إليه من جملتهم بغرناطة عند القبض عليهم، وأن يمسك عليه البلد الجديد على الحصْر حتى يصل إليه. فوجه إلى سبتة مُعتقله سليمن بن داود، أنشَقه ريح الحياة، وكان في أضيق من الخرتْ وامتَنَّ عليه أيْأَس ما كان، وطوقه الخلعة وأركبه الفارِه، وسوغه الولاية، وجعل لنظره طنجة وأقامه بالمرصاد لإيواء مُستدعاهُ والذبّ عنه والممانعة دونه إلى أن يتصل به حَبْله، وارتهن ابنه بِكْر ولدِه وشُقَّة نفسه، وثقة في الوفاء بطلبته منه، فانطلق يقول قول عمران بن حِطَّان، غَلَّ يداً مُطِلِقُها واستحق رَقَبَةً مُعْتِقُها. واستحضر الوزير مسعود بن رحّو بن علي الشاخص في النصل المرتقب للغيله نِفَاساً على الخطة، وسُمُوّاً إلى المال العريض وخوفاً من الوثوب، وقد كان، اتصل منه بصهر عالج به قرحاً دامياً أثاره بينهما التحاسد فسوغه دنياه بجَمَّتِها لم يرْزُؤُهُ منها قِطْمير، وصرفه إلى مراكش يجرُّ الدنيا برَسَن، وقد وجع من الالتفات لِيتُه وأَخْدَعُه، زعموا أن مطايا عيالِه بلغت نيفاً وثلاثين من ذوات الحَكَمات والأرائك والقِباب. ووجه لنظر أخيه عمر بن رحو ظِئْر ذلك السلطان الهالك مَظْؤورَه الولد في لمة من الخيل، وأوعز إلى أوليائه بالجهة أن يظاهروا مسعود بن رحو التئاماً على الولد إن لحقه ضيق أو تعذر لمستدعاه قصد. وعند استقرار القوم بمراكش، انتدب أشياخ العرب من العاصم والخلط وسفيان والجابر والحارث ومن حالفهم، فوصلوا إلى مراكش وشاع عنهم مُعاقدة بقبر الولي القطب المقصود التربة أبي العباس السبتي.
ثم نظر في ضم ما يحتاج إليه المُحْتَجِر ويقتاتُه المنحَصِر، ويفتقر المستكن، فاكتسح الأدم والأدهان والكوامخ، والشحوم معلياً لأثمانها ومرضياً بايعُها، واستكثر من الوقود فأغرى الظهر بثقل أجرام الزياتين حتى رأى الحصول على كفايته. ولقبل ما كان السلطان المغرور لم يأل اجتهاداً في ضم الأقوات فكانت مخازن الحبَّتين فاهقة وأهراؤها جاشية وأبوابها على الوسع مختومة، واستوعب الفعلة والصناع من البنائين والنجارين ومن ينسب إلى مهنة الحديد وفتل الجُدل وإصلاح السلاح إلى مهرة المهندسين، وقادحي شُعَل الأنفاط، ونافضي ذوائب المجانيق، ونقَّر عن القسي بالبلد مُغرياً بها العيون فانتزعها من حيث كانت، ولفَّ ضُروب السلاح من دكاكينه المتعارفة، وبنى المراقب والمراصد ورفع الظلال واتخذ أبراج الخُشُب والبناء ومظاهر الحرس ومناظر حذاق الرماةِ، وضم المال على ضروبه من الأوقاف والأمانات، واستدعى الرماة من الرَّجْل أولي الفرنجيات، وسواهم من فُره الدَّربين على العقارة واللولبية، والحضَر أولي الاتصاف بهذه المزية، واستلحق من يجيد الرمي فيها بالعربية، واستظهر من الرجال الأندلسيين أولي العصي والوَفْرات والوصفان المساعير والصقور والحراب بأمم يعيى عدُّها ويعجز حصرها. وأخذ مواثيق من لديه من النصارى بعد أن أكثر عُرفاءهم، وخصَّ بالإحسان فقهاءهم مقتضياً إياها في بيعة نُسكهم حسبما يستدعيه ترجمانُه ويُهذبه قسيسهم ثم تخللهم بأصنافٍ مباينين لهم في اللسان والنحلة. ولم يدع معروفاً بصناعة، ولا حامل يراعة، ولا مُصَرِّفَ آلة، ولا متقدم قوم ولا صاحب مهنة، ولا كاتب طومار أو رسالةٍ إلا حصَّله خلف سوره، إجحافاً بمُطالبه، وإخلالاً بأبَّهته، وهيضاً ظنه لجناحه. فغص البلد وضخم الملك، وتواترت الأخبار بإقبال الأمير عبد الحليم بن عمر، وقربت مراحله، وقد نَهَد من تلمسان سائراً بسيْر ضعيفه، وقد اشتمل رواقه على الجملة من الخدام بين نازع إليه ومستخلص شفاعته. واجتمع الملأ من قبيل بني مرين المعتادين في أمثالها بذل العطاء والاستظهار بهم على الحماية والذب، وقد رابهم أخذه في شأنه وازوراره بجانبه، وعدم إشراكهم في أمره، وطلبوه بالإصحار إليهم ليفاوضوه في المهمة. ونمي إليه ما أوحشه فاستأثر بمتبوأ منعته واستدعى المشيخة إليه فقارضوه النِقبة، وترددت الرسل بما أثار أنفهم واستعلاءهم ونفروا عنه بواحدة مذيعين الرغبة عنه متبرئين عن سلطانه ما دام متولي أمره. وعسكروا بالهضبة تجاه المدينة، وكانوا أملك بالبلد القديم منه، فسدوا ما يواجهه من أبوابه، وطيروا رسلهم إلى القادم يسوغونه المنحة، ويهنونه العطية، ويعطونه الصفقة، وكان وصوله إلى المدينة واضطرابه بظاهرها في السادس من شهر محرم وهو يوم السبت، في نصبة لم يُعِنْها اختيار زعموا مُحجماً عن المنزل المعتاد لِمَا كان من التقدم بهدم جُدرٍ كانت تمنع عمل فَكَّيْ آلة النفط، فنزل قِبليَّ البلد بالموضع المعروف بإِفركان بين ملتف ما به من شجر، وبرز إليه أهل البلد القديم على طبقاتهم من الشرفاء والفقهاء والخطباء والأمناء وسائر اللفيف، فقرر الرتب وقدم الحكام وعيَّن الجباة، واستكتب من أفلت من وَهَق الحصر، وتخطته أيدي القسر وقلد خُطة العلامة الفقيه الحسن الرواء، العظيم المران على الأغراض السلطانية، العذب الحديث والفكاهة، أبا سعيد بن رُشَيْد، وخُطة الأشغال الحيسوبي العريق البيت في الاصطناع وتطويق الوجاهة يوسف الكناني.