الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا جَحْدُ ما خَوَّلَتني مِنْ سَجِيَّتي
…
ولا كُفْرُ نُعْمَاكَ العَميمةِ من شأني
ومَهْمَا تَعَجَّلْتَ الحقوقَ لأهلِها
…
فإنَّكَ مولايَ الحَقيقُ وَسُلْطَاني
ورُكْني الذي لمَّا نَبَا بِيَ مَنْزِلِي
…
أجابَ نِدائِيَ بالقَبُولِ وآوانِي
وعالَجَ أيَّامي وكانَتْ مريضَةً
…
بِحِكْمَةِ مَنْ لم يَنتَظِرْ يوم بُحْرانِ
فَأَمَّنَني الدَّهْرَ الذي قد أخافَني
…
وَجَدَّدَني السَّعْدَ الذي كان أبْلاني
وَخَوَّلَني الفَضْلَ الذي هوَ أهْلُهُ
…
وشيكاً وأعطاني فأَفْعَمَ أعْطَانِي
تَخَوَّنَنِي صَرْفُ الحوادث فانثَنَي
…
يُقَبِّلُ أرداني وَمِنْ بَعْدُ أرْدَاني
وأَزْعَجَني عَنْ منشأي ومُبَوَّئِي
…
ومَعْهَدِ أحبابِي ومألَفِ جيراني
بلادي التي فيها عَقَدْتُ تَمَائِمي
…
وجَمَّ بِهَا وَفْرِي وَجَلَّ بها شَاني
تُحَدِّثُني عنها الشَّمالُ فَتَنْثَنِي
…
وقد عَرِفَتْ مِنِّي شمائلَ نَشْوانِ
وآمُلُ ألَاّ أستَفيقَ مِنَ الكَرى
…
إذا الحُلْمُ أوطاني بها تُرْبَ أوطانِي
تَلَوَّنَ إخواني عليَّ وقَدْ جَثَتْ
…
لَدَيَّ خطوبٌ جَمَّةٌ ذاتُ ألوانِ
وما كنتُ أدري قَبْلَ أنْ يَتَنَكَّرُوا
…
بأنَّ خِوانِي كانَ مَجْمَعَ إخْوَانِي
وكانت وقد حُمَّ القضاء صنائعي
…
عليَّ بما لا أرتضي شر أعوانِ
فلولاكَ بَعْدَ الله يا مالِكَ العُلَى
…
وقد فتَّ ما ألفَيتُ مَنْ يَتَلافاني
تَدَارَكْتَ مني بالشفاعةِ مُنْعِماً
…
بَرِيّاً رماه الدَّهرُ في موقفِ الجَاني
فإنْ عَرَفَ الأقوامُ حَقَّكَ وُفِّقوا
…
وإن جهلوا باءوا بصفقة خسرانِ
وإن خلطوا عُرْفاً بِنُكْرٍ وقَصَّرُوا
…
وَزَنْتَ بقسطاس قويم وميزانِ
وحُرْمَةُ هذا اللَّحْدِ يَأبَى كمالُها
…
هَضيمةَ دارٍ أوْ حَطيطَةَ نُقْصَانِ
وقد نِمْتُ عن أمري ونَبَّهْتُ هِمَّةً
…
تُحَدِّقُ مِنْ عُلْوٍ إلى صَرْحِ هامانِ
إذا دانت اللهَ النفوسُ وأمَّلَتْ
…
إقالَةَ دَنْبٍ أو إنَالةَ غُفْرَانِ
فمولاك يا مولاي قِبْلَةُ وجهتي
…
وَعُهْدَةُ أسراري وحُجَّةُ إعلاني
وقفتُ على مثواهُ نَفْسي قائِماً
…
بِتَرديدِ ذِكْرٍ أو تلاوةُ قُرآنِ
ولو كنتُ أدري فَوقَها مِنْ وَسيلةٍ
…
إلى مُلكِكَ الأرضي لَشَمَّرْتُ أرداني
وأبلغتُ نَفْسي جَهدها غَيرَ أنَّني
…
طِلابِيَ ما بَعدَ النِّهايةِ أعياني
قرأتُ كتابَ الحَمدِ فيكَ لعاصِمٍ
…
فَصَحَّ أدائي واقتِدائي وإتقاني
فَدُونَكَها مِنْ بَحْرِ فِكْرِيَ لؤلؤاً
…
يُفَصَّلَ مِنْ حُسنِ النظام بِمَرْجانِ
وكانَ رسولُ الله بالشِّعْرِ يَعْتَني
…
وكَمْ حُجَّةٍ في شِعْرِ كَعْب وحَسَّانِ
ووالله ما وَفَّيْتَ قَدْرَكَ حَقَّهُ
…
ولكنَّهُ وُسْعِي ومَبْلَغُ إمْكَاني
فصل في إدالة الدولة بالأندلس ثانية
ولم يكد الرسول يتوسط سفره، حتى أظلّ ما كان من استلحام سلطان الأندلس إسماعيل بن الأمير أبي الحجاج بن نصر، الباغي على أخيه أحانه الله لسوء سيرته وشؤم مولده، من رَبِيَّ مومسة وحبيس سجن لم يكسبه اعتباراً ولا خشية، مضفور الوفرة بخيوط الإبريسم إلى عُصْعُصِه، قد فَضَلَت من لحمه ضفيرة جَمَّة ذات عُقَدٍ مموَّهة، شديد الخِفَّة والتَّنَزُّل، يعكف وأمُّه العُشبة الناشئة في المنبت السوء، والأَرُومة الخبيثة على أسلاب المنكوبين، وماعون المحرومين يتجاذبان آلة الغزل، ودقيق الخرط، ويمسحان بأكمامهما ما علاه من الشَّعَث، ويختبران بألسنتهما قُوَى المُرَكَّبات، وبرز إلى الجو من قَفَص العُقْلة، ملقياً بيده في مساقط المئجنة والتخلف، غير مسستر بالقاذورات، ولا مُوَرّ بأخابث الشهوات. وغصَّ بمكان ابن عمه مولاه لغة وعرفاً، الذي أوطأه السَّنام والذَّروة، واستخلص له المُلك من لَهاة اللَّيْث، واستنزله من سُكَاكِ الجو، فتجهَّم له، وانفرد بالخالص دونه، وشرع في القبض عليه لو وفِّق، فأقصر المذكور ملياً إياه بانقباضه، ومتمكناً من استجماعه، آخذاً صفقة سر أخيه.
وفي زوال يوم ثامن شعبان كبس مثواه، المضاع القَفل، الخامل المَسْلحة، فتخطاه بالرجال بعد أن ألزم حفظه، وانحدر من الدار العليا خَلَل الدَّوْح الأشِب، والمسالك المفروشة إلى الدار السفلى ذات الصرح الهائل، فاقتحمها، ولجأ الحائن إلى الذروة في طائفة من الأحداث الزغب الحواصل ممن لا يُجَلِّي في الكريهة، ولا يُغني في الجُلَّى، ولا يعمل بالسلاح، إلاّ ما كان من علْج أبيه المسمى عباداً، المعين على حياته لتهذيبه وتأديبه بِحكَم الفرس وسياسة يونان ومكارم الدولتين، من خبيث جماعة، سامري السجية، معدن من معادن الجهل، مثل في زمانه ذمر المروءة، على فروسة وثقافة وخفوف إلى العيهات، يحمل السيف بين يديه مبان السبابة، ظاهر الطيرة، احتجن ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، لم يفرض الله فيه زكاة ولا عين فيه مواساة.
وصاح صائحهم بالناس، ورددوا هاء الاستغاثة، إنك لا تشكو إلى مصمت، ثم حملوه على الإلقاء باليد، لما عملت الصواقر في الأبواب جنوحاً إلى الخلع والعودة إلى كسر البيت. فنزل وتقبض عليه فأوسعه ما شاء من تقريع وخزي، ومؤلم عتب، ثم أمر بثقافه بالطبق، وأوعز إلى تاليه بالإجهاز عليه، فتعاورت النصال منه مطية امرئ القيس، وحزّ رأسه معززاً برأس صنوه قيس، وألحق بهما عباد وابنه، وماردان من أخابث الخراب، فلم تبك عليهم سماء ولا أرض ولا حق فيهم غير هذا، ووزيره الحر الأمين محمد بن أبي الفتح المواصل للجشأ من خوانه، المُفْعَم المعا من سريط جفانه، المغرى اليد باكتساح ذخيرته، المحشو الكم بدسائس الرشا الجانية على ماله. وابن عمه العضر فوط ثور النقل وبالوعة النبيذ، الباكي خَزُّ خِلَعه من روحه المتظلمة بكنف من أنفاس حُثِّه، وثقة بابه الموروري، الموطوء العقب بعزه، والأعصم المؤمر على التيوس بصكه، والأمير المعتقد كرسي الشرطة العليا بتنويهه. وسكك القلعة تغص بأتباعهم، وتضيق عن زَرَعتهم، وطائفة الوثوب بالحائن تعادل معشار جملتهم بين كاسع في كسره، ناظر من خُرْت غلقه، مرتقب للإجهاز على سلطانه، جاعل دبر أذنه مسمع صراخه، واثق لمكان عهد الخَتْر بانسحاب عزه واتصال جاهه، من غير إحنة نشأت بينهم وبين ذيالك المحرمان، ولا تقصير عن رسم، ولا استئثار بفائدة دونهم. وحسبك من كرم طباعهم ووفاءِ عهودهم ودسائس عروق أحسابهم، وطيب مراضعهم، ولمّا تم الأمر خرجوا من أحجارهم يرون البعد عن الدخلة، والله يبلو سرائرهم، إذ يبيتون ما لا يرضي من القول، إلا ما كان من التيس الموروي فإِنه جاهر بالختر، وآزر الدائل، وفتح له باب السلطان المحدود، وأمكنه من نفسه، فانطلقوا يجعجعون في أعقاب الفتكة وينتضحون بالداء الجامدة، ويتجملون بالسلاح المخضوب. وأخذوا مراكزهم بين يديه كما تعود قطع الشطرنج إلى بيوتها من صفرته، ولم يعلموا ما خبأ الله لهم على يده من الأخذة الرابية، والنكبة القاضية، فلا بالدنيا استمتعوا ولا بالذمام تمسكوا، ولا بحبل الله اعتلقوا، ألا في الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فشاهت منهم وجوه الكلاب، وسبال التيوس، وهمم البغايا.
لا بأسَ بالقومِ مِنْ طولٍ وَمِنْ عِظَمٍ
…
جِسْمُ البِغالِ وأحلامُ العَصافيرِ
إلاّ طِعَانَ ولا فِرسانَ غادِيةً
…
إلا بِحَسْوِكُم عِنْدَ التَنَانير
فكان من اجتثاث شجراتهم الخبيثة من فوق الأرض، وهُوِيِّهم في دركات سخط الجبار جل جلاله ما يأتي به الذكر إن شاء الله.
وأطل صاحب الأمر على الناس من رواحة البهو غابطاً إياهم بنفسه، مقرراً رأيهم في إراحتهم من تخلفه، وطرح رأسه فاحتمله بعضهم صوباً بكاملِ مِعْلاقة، وأخذ البيعة لنفسه فلم يختلف عليه أحد، وعلك الأمر منه أشد لحس وأشاع الخلع، وأقرّ أمر البطانة على غرة بوصل استكفاء إبراهيم بن أبي الفتح، الأصلع الغوي، وجدد وزارة ابن عمه محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح، العقرب الردي، فنكأ ذيالك المشئوم القرح بالقرح، وسمل في باب السفق عنده العيون وبقر البطون، وسولت له نفسه غدره إذ كان غير ما جرى، يعده ويمنيه، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، لمكان ما لقه من مال الجباية ووقوع القحط في رجال الدولة.
لقد هَزُلَتْ حَتّضى بدا مِنْ هُزَالِها
…
سَلَاهَا وحتّى اسْتَامَها كُلُّ مُفْلِسِ
وما ظَنُّك برجل مجهول الجد، موصوم الأبوة، قَلِعٍ لا يحسن المجاولة، ولا يلزق بالصهوة، كثيف الحاشية، جلده على سوء الطوية، تنور خبز، وبركة مرقة، وثعبان حلواء، وفاكهة مِعى، في شح النفس، متهالك في مسترذل الطمع، يبز عليه العضرفوط ابن غمه بسذاجة زعموا مع كونه قبيح الشكل بشيع الطلعة، واتصل بي إقراره إياه على رسمه فقلت:
قُمْتَ بأمرٍ أنتَ أهلٌ لهُ
…
فَلْتاتِ ذاكَ الأمرَ من بابِهِ
لا تُدِنْ مِنْ ملكك شخصاً يرى
…
بأنّه في الناس أولى بِهِ
وعنده مال ومن خلفه
…
أيدٍ تَعَلَّقْنَ بأهدابه
لا سيما من دخَلَتْ أسته
…
وانتفخت من تحت أثوابه
وخاب منه الملك فيما مضى
…
وكان ينوي قطع أسبابه
قد أفسدَتْ أقوال كهانه
…
فكرتَه اليومَ وحُسَّابه
ينظر في المرآة من وجهه
…
بين مواليه وأحزابه
عروس مُلك طالما أُعْمِلَت
…
في عَقْدِهِ أرجُلُ خطَّابه
فَهَمُّهُ استبدال قواده
…
وفكره استنخاب كتابه
إن نام كانت حُلْمَ أفكاره
…
أو قام كانت نصب محرابه
يَنْقُدُكَ العيبة مهما خلا
…
ما بين أهليه وأصحابه
ويجذب الناس إلى نفسه
…
بخادع القول وخلَاّبه
كانَ به إذ لم تكن حازماً
…
والوفدُ يبغي إذن حجابه
والآن قد هابك فاحذرْ فما
…
يبدأ فتكاً غيرُ هيابهِ
وقاطع الدولة مستقبلاً
…
فليستعذْ من شر أوصابهِ
والله يكفيك شرور العِدى
…
لا يستعين العبد إلا بهِ
والملك لم يُقْصَر على أمة
…
وإنما الملك لغلابهِ
هذا ابنُ هودٍ بعد إرث العلى
…
بانَ بنو نصر بأسلابهِ
لا يستَلِذُّ العيشَ ليثُ الشَّرى
…
حتى يَذُودَ الأسْدَ عن غابه
وإن أضَعْتَ الحزم لم تنفلت
…
مِن ظُفُرِ الحَيْنِ ومِن نابه
لا تتهمني إنني مُمْتَلٍ
…
من حِكَم المُلك وآدابه
وعقلَكَ الموهوبَ حَكِّمْهُ في ال
…
أحوالِ وأشكرُ فَضْل وهَّابه
وكل من أذْلَلْتَهُ قبلها
…
عَلِّمْهُ بالملك وألقابه
لم يُرَ ملكٌ في زمان خلا
…
قام له رسم بأترابه
من قلتَ يا عمِّ له مرةً
…
ثق بتعاطيه وإعجابه
أو سيدي دام، يرى سيدي
…
حقاً لَهُ قمت بإيجابه
وفي العشر الأول من رمضان تقبض على الوزير المشوم، وابن عمه الغوي الغشوم، في ولد الغوى، مرسل الضفيرة، أبعد الناس في مهوى الاغترار، يختال في السرق والحليه، سم من سموم القوارير، وابتلاء من الله لذوي الغيرة، يروح نشوان العشيات، يرقص بين يديه ومن خلفه عدد من الأخلاف يعاقرون النبيذ في السكك الغاصة، وولدي العقرب الردي بضده قماءة وتقطبا، تنبو عنهما العيون ويبكي منهما الخز، كأنهما صمتا عند المحاورة، وإظلاماً عند لألاء النادرة، من أذلاء بني النضير، ومهتضمي خيبر، فثقفا ملياً، وبودر بهما إلى ساحل المنكب.
قال المخبر، فما رأيت منكوبين أقبح شكلاً ولا أفقد صبراً من ذينك التيسين الحَبَقَيْن، صلع الرءوس ضخام الكروش، مبهوري الأنفاس، متلجلجي الألسنة، قد ربت بمحل السيف من عنق كل جبار منهما شحمة أترجية كأنها سنام الحوار، وافترقت بطونهم عن سرر كأسمعة الفرا، لا يثيرون دمعاً ولا يستنزلون رحمة، ولا يمهدون عذراً، ولا يتزودون من كتاب الله آية، فقد طبع الله على قلوبهم، وأخذهم ببغيهم، وعجل لهم سوء سعيهم.
وللحين أركبوا هم وجِراؤهم في جفن غزوي تحف بهم المساعير من الرجال. واقتفى بهم إثر قرقورة تحمل حاجاً إلى الإسكندرية تورية بالقصد. فلما لججوا في البحر قذف بهم في لجه بعد استخلاص ما خبثوا به، وتلكأ الأصلع الغوي فأثبت بجراحه أشعر بها هديه، واختلط العقرب الرَّدِي رفنال من جناب الله سخطاً وضيقاً تعالى الله عن نكيره، فكان فرعون هذا الزمان جبروتاً وعتواً وميتة، عجل الله لهم العذاب وأغرقهم في اليم، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، فسبحان من لا تضيع الحقوق مع عدله ولا تنفسخ الآماد مع منازعته رداء كبريائه مرغم الأنوف، وقاطع دابر الكافرين. وفي ذلك أقول مستريحاً وإن لم يكن - علم الله - من شأني، ولا تكرر في ديواني:
وما كنتُ مِمَّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَهُ
…
ولكنّ مَنْ يُبصِر جُفُنَكَ يَعْشَقِ
ومن أمثالهم: من استغضب فلم يغضب فهو حمار. والله يقول: ومن أصدقُ من الله قيلا، وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها، والعفو أقربُ للتقوى، والقرب والبعد بيده سبحانه.
وصدرت هذه الكلمة لحين تعرف إجلائهم في الجَفَن إلى الإسكندرية وبعد ذلك صح هلاكهم:
كُنْ من صروفِ الردى على حَذَرٍ
…
لا يقبل الدهرُ عُذْرَ معتَذِرِ
ولا تُعَوِّل فيهِ على دعَةٍ
…
فأنت في قُلْعَةٍ وفي سَفَرِ
فكلُّ رِيِّ يُفْضي إلى ظمأٍ
…
وكلُّ أمرٍ يدعو إلى غَرَرِ
وكلُّ حيٍ فالموتُ غايتُهُ
…
وكلُّ نفعٍ يُدني إلى ضرَرِ
كم شامخِ الأنفِ يَنثَني فَرَحاً
…
بالَ عليه زمانُهُ وَخَري
قُل للوزيرِ البليدِ قد رَكَضَتْ
…
في رَبْعِكَ اليوم غارةُ الغِيَرِ
يا ابنَ أبي الفتح نسبةً عُكِسَتْ
…
فلا بفَتْحِ أتَتْ ولا ظَفَرِ
وزارة لم يَجِدْ مُقَلَّدُها
…
عن شُؤمِها في الوجود من وَزَرِ
في طالعِ النَحْسِ حُزْتَ رُتبتَها
…
وكلُّ شيءٍ في قبضَةِ القَدَرِ
أي اختبارٍ لم يألُ نصبتَه
…
في جسدٍ للنحوس أو نظر
باتَ لهُ المُشتَري على غَبَنٍ
…
وأحدَقَتْ فيهِ قُرْصَةُ القمرِ
يا طَللاً ما عليه مِنْ عَمَل
…
يا شجراً ما لديهِ مِن ثَمَرِ
يا مُفرِطَ الجهلِ والغباوةِ لا
…
يُحْسَبُ إلا من جُمْلَةِ البَقَرِ
يا دائِمَ الحِقْدِ والفظاظَةِ لا
…
يَفْرِقُ ما بينَ ظالِمٍ وبَرِي
يا كمد اللون ينطفي كمداً
…
من حسدٍ يستطير بالشَّرَرِ
يا عِدْلَ سَرْجٍ يادن مقتعد
…
ملآن من ريبة ومن قذر
يا واصلاً للجَشاء ناشيةَ ال
…
ليل ورَبَّ الضُّراط في السحر
من غير لب ولا مراقبة
…
لله في مورد ولا صَدَرِ
يا خاملاً جاهُه الفُروج يرى
…
صهر أولي الجاه فخر مفتَخِرِ
كانوا نَبيطاً في الأصل أو حَبَشاً
…
ما عنده عبرة بمعتبر
يا ناقص الدين والمروءة وال
…
عقل ومُجْري اللسان بالهَذَرِ
يا ولد السحق غير مُكْتَتَمٍ
…
حديثه وابن فاسد الدُّبُر
يا بغل طاحونة يدور بها
…
مجتهد السَّيرِ مغمض البصر
في أشْهُرٍ عشرةٍ طَحَنْتَهُم
…
فيا رَحَى الشؤم والبوار دُرِي
والله ما كنتَ يا مشوم ولا
…
أنت سوى عُرةٍ من العُرَرِ
ومَنْ أبو الفتح في الكلاب؟ وهل
…
لجاهل في الأنام من خطر؟
قد ستر الدهر منك عورته
…
وكان لليوم غير مُستتر
حانوت بَزٍّ يمشي على فرس
…
وثور عُرسٍ يختال في حِبَر
لا مِنَّةٌ تُقْتَنَى لِمُعْتَرِكٍ
…
ولا لسانٌ يبينُ عن خَبَرِ
ولا يدٌ تنتمي إلى كَرَمٍ
…
ولا صفاءٌ يُريحُ مِن كَدَرِ
عهدي بذاكَ الجبينِ قد مُلِئَتْ
…
غضونُهُ الغُبْرُ بالدم الهدر
ععدي بذاك القفا الغليظِ وقد
…
مُدَّ لوقع المُهنَّدِ الذَّكَرِ
أهْدَتْكَ للبحرِ كَفُّ مُنْتَقِمٍ
…
ألقَتْكَ للحوت كفُّ مُقْتَدِرِ
يا يُتْمَ أولادِكَ الصِغارِ ويا
…
حَيْرَتَهُمْ بعد ذاكَ في الكِبرِ
يا ثُكْلَ تلكَ الصَّمَّاءِ أمِّهمُ
…
وظاعن الموت غير مُنْتَظِرِ
والله لا نال من تخلفه
…
من أمَلٍ بعدها ولا وَطَرِ
والله يا مسحقان لا انتقلت
…
رجْلُكَ منها إلا إلى سَقَر
ألحقك الله بالهوان ولا
…
رعاكَ فيمن تركت من عُرَرِ
ما عوقب الليل بالصباح وما
…
تقدم البرق عارض المطر
واستوزر من الأحداث محمد بن علي بن مسعود عَصَبِية من التيس الموروي لصيده في مرمى لَبَّيْهِ، وضربه على الرفق المشيعة في مرضاته، فقام منه على رأسه، مجنون أحول العين وحشي النظرة، يُظَنُّ به الغضب في حال الرضا، يهيج به المرار فيمكث زماناً خلف كَلَّةِ مَرْقَدِه، يُدْخَل إليه وعاء الحاجتين خوفاً من إصحاره إلى فضاء منزله، وتوحشه من أهله وولده إلى أَنْ تَضْعُفَ ثورة المِرّة فيخف أمره قد باين زوجه مع انسحاب رواق الشبيبة، وتوفر داعية الغبطة لحلف جرَّه الوسواس السوداوي، فنستدفع بالله شر بلائِه. فاستعان منه برأي الفضل بن سهل ويحيى بن خالد وأمثالهما، تدرك الله رمق الإسلام بلطفه. وأقر كاتب الحائن لانحطاطه في هواه ومناسبته المجلس الدنئ حلف الخمول وملعب الأوغاد، معززة بخطابة المنبر يخرج إليها من خلوة الاستعداد، ويراعه دامٍ من النعَم المعصومة برواق الإسلام، شَعِث لجوس خلال الديار وانتهاب الأموال، قد أعمل في سبيل الشمات التأنق السخيف والسجع الضعيف، ويردد الإذن فيما يجر تحكم الشر وتمهيد سبيل الظلم أئمتكم شفعاؤكم.
وقدم للقضاء شيخنا القاضي أبا البركات الممتحن بالدنيا على الكَبْرة والغنى، لطف الله به ونظر إليه بعين رحمته.
وفَرَّ يوم الكائنة الأمير عم الحائن وسميّه إسماعيل ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، المتصل الثقاف مدة أيام أخيه في خفارة الأجل، وفراشه نطع، وظلّه حسام صلت يهم به في اليوم مرات لحراسته إلى أن ملك، فصرف إلى شلوبانيَه بإشارتي مباحاً له التصرف خارجها، مُبَوَّأَ منزلِ السلطان مسوِّغاً الجَمَّ من مستخلصها، فَصَلُحَتْ حاله، وعَقَد السلطان بزيجة معه الصِهْر على بنته. فلما أزفت الآزفة وتصيَّر لأخيه الأمر استقدمه في يوم أغرَّ مُحَجَّلٍ برزت فيه أم السلطان بمن لَفّ لفَّها من حريمهم وأذيالهم بما لا فوقه من الزينة: مطايا فارِهَة، وحَكَمَاتٍ مُثْقَلة، وولايا مُذَهَّبَة، وقباباً مُدَبَّجَة، وأُنزل بداري الرخامية الكائنة بزقاق الرؤساء من المدينة.
وقد روسل السلطان زوج البنت في طريق انصرافه عن الأندلس مظنة إذعانه في حل عقدة النكاح، فتماسك ومَطل الرسول إلى أن تجاوزنا حدود إيالتهم الفاسقة، وتوفرت داعية المسرة من الدايل على بَتِّ عصمة أخيه والعَقْد عليها قصد النكاية والشَّمَات، إذ كانت شَهْوَةَ قُبلةٍ فاترة فَعَسُر ذلك لمكان العَقْدِ وقرب العهد ودُنُوِّ الدار وإمكان النفقة. وانتُدِبَ قاضيهم الشيخْ المتراخي الدين والفَك، المنحل العَصَب والعقيدة المُغرِق في العمومية، المشهور بالرشوة، الغريب الاسم والولاية، وشيوخُهم؛ فلفقوا من خيوط العناكب شُبهاتٍ تقلدوا بها حل العَقد الموثق، ديدَنَهم في معارضة صلب الملة، بالآراء الخبيثة بتحكم الوقاح منهم في الحكم الذي نزل به شديد القُوى، على الذي لا ينطق عن الهوى، بحسب شَهوَةِ تحكُّمه في عزل أمه إيثاراً للعاجل واسترابةً بالوعيد، ففسخوا النكاح، وأحلُّوا محرم البُضْع للدَّايل وقد تأذن الله بفسخه وأجرى دمه نَقْداً قبل دَفْعِ نَقْدِه سبحانه حكَم الحكّام وقَاهِر الظُّلام، ومن يلعن الله فلن تجدَ له نصيراً. وأُدْرِكَ فاراً بأحواز مالقة فتقبض عليه وأُزعج في البحر إلى سبتة مظلِّلاً بصدَقَةِ كان يُفْشِيهَا، من رجل مُرَزَّأ قد سَمَا مزاجُه لمطاولة الاعتقال، دمت بعيد من الشر، ملازم لِكسْرِ البيت، ظاهر المُرُوَّة والحشمة، أنيق الفُرُش والآنية، فائق الطعام، من أهل النبل على عدم الحنكة. فاستقر بالباب السلطاني خِدْنَ عافية، ومجتنباً فضول القول والعمل كان الله له.
وفي هذه الأيام اتصل الخبر بما كان من عزله عن إمارة الجند المغربي قطب ثقالها، وربان مركبها يحيى بن عمر بن رُّحوا بن عبد الله بن عبد الحق، المرهف الجوانب الذلق الحَد، المستولي على مدى الحنكة، العريض النعمة، الحجة في اللغة الزناتية والأنساب البربرية، السديد الرأي على الحدَّة. وقدَّم إليها إدريس ابن عثمان ابن أبي الْعُلى بن عبد الله بن عبد الحق، الكائنة تحت أبيه قبل أن يتلقَّف يحيى كُرَتَهَا. غَبَطَ به تَوحُّشُه من الجهة المرينية، إذ طرق حضرتهم فاراً هارباً إليهم من بلد برجلونه، واستحضر المعزول، وبسط له القول وأقطعه البر، وأظهر تَرفُّهَهُ أن صُرِفَ قانعاً بمخيِلته مستبقياً لعشرة حياته، فأَنِف قومُه من هضمه، وتوقعوا إيقاع المكروه به، فحركوه إلى الفرار، ولم يمهلوه فأجاب نداءهم، وبرز ضحوة وقد منطق بالصامت خصور خالصته، ورفع على الظَّهر خطير حليته ونفيس عُدَّته وأصاغر ولده، والتف فيمن كدح له وحجه حسن بلائه، وأصحر مساوقاً جهة النهر.
ولما طرق النبأ باب السلطان، استركب الجيش في أثره ووقع النَّفير، وقذفت البلدة بأفلاذها، وتلاحقت سرعان الخيل بأذياله مُحَمْحِمَةً عن شباة ثم كوْثَرَ فأعمل الطَّعن وصدقهم سنَّ بكره حسن بلاء وصدق حفيظة، وانصدع عن القتام خالصاً خُلُوصَ الزِّبْرِقَان عن السرار، وقد تناصف القوم وأُرجِلَ كثير من أوليائه، ولم يكد يستقل حتى قطعت به الفرسان من قبل تَحيُّر المُجَمِّرَةِ بثغر إلبيرة ممسين بالحُمام على كلالة، مستعدين بالرجْل ورُماة الشّعرْاء، فهناك حصحص الحق، وصَرح عن الزبدة المَخْض، ودسِّ النِّجَار الحُر، ولم يُخْذَل الصبر، فأَقصروا عنه، وأفرجوا عن طريقه، وقد أصيب بجراحه رغيبة، وجُدِّل قوم من كفلاء أمانته، ورُدَّ فتى من ولده، وزامِلَةٌ من متاعه، ولحق بقلعة يَحْصُبُ من ثغور الروم في زهاء مائتين من قرابته وفرسانه، فاهتز ملك الروم لمقدمه مغتبطاً بجواره، صتئلاً بحدِّه على عدوه. ونَغَرَ جُرحَه، فأقام بقرطبة مرَفِّهاً عليه، قد أُوعِز إلى الأسَاةِ في العناية به، وكان من الأمر ما يذكر إن شاء الله.
وقَبض على الشيخ المُنْبَتِّ في مَتِيهِ الضلال، مخيفِ السابلة وخاتر العهد، الموروي، المنحط في مهوَى عَقْدِ الإباحية بسبب الفاجرة زوجه التي أبدلت فصله، وقلبت عينه، وصيرته في الأمد القريب من طور الأمية والتوحش والفظاظة والغيرة، إلى طور السمْح بها لمدَّعى الهوى فيها طوعاً من غير خلاف يُزْوَى عليها بعده من غير سبب ولا تقرر، ويدور في ذَوْدِ الرقص مقلِباً من نَظْرَتِه، عاضاً بأسنانه على شَفَتَيْه، متدارك الدَّرج، نعَّاراً مشيراً بكُمَّيه، يعيد ألفاظاً من المقول الذي حرَّكَ ساكنَه مما يجري في لفظُ السر والذات والجمال وأمثالِه. ثم يتصبب عرقاً، ويبرُكُ كالبعير وتبادَرُ عضلاتُه وهدوته وخُصاه بالغَمْز حتى يفيق كالذي يتخبطه الشيطان من المس، مُنْكِراً وجوب التكليف لا يقف عند حد من حدود الله.
ثم ماتت تلك المومسة على وعدٍ بالرَّجْعة كان يَرْقُبُه ولقد كان يقول لي وبين يديه ولدان من تلك الإباحية: هذا - ويعنيه - ولد السِّرّ، وهذا ولد الطَّيْر لَبِسَ هذا الطَّوْر وسَرَت حُمَيَّاه في طباعه المتعاصية، وخفيت من ألفاظه الجهْوَرية، وطأطأت من حُرْمةِ الأيْدِ البادن، ودَخَلَتْه من ذلك قوة سحْريَّة أثَرت فيه تأثيرات التعليم في الحيوان من الحمير التي تنام وترقص وتُخرج الخبَّ والدنيَّة التي يصعد على الطيف الخرط وتخرج لعب الإنس، وما زاده ذلك إلا عُتُوّاً وجرأة على سفك الدماء وانتهاكِ محارم الله، فَوَغَل عليه ضدّه حذراً من جرأته، مُنْحِياً عليه الذَّنب ديْدَنَه في سواه. وعاجله بالقبض عليه موسعاً إياه ما شاء من تقريع، محملاً إياه تحيته إلى ابني أبي الفتح غرقائه في قاموس البحر على سبيل التندر والظفر، والتيس يتبرأ من الجريرة، ويذكره العهد الذي شَانَه ختره، ويشمِّتُه نقضه؛ فصُفِّد واحتمل على الظهر إلى المريه، واختلف في صورة هلاكه بين نَوْشِه بالأسنَّة أو إغراقه ببحر الشامة البيضاء من مرساها، وقد أثقلت رجلاه ببعض الأجرام استعجالاً لرسوبه، فصار إلى خزى الله وسوء المصير.