الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجْعُ التاريخ
وقد كان عامر بن محمد بن علي الهنتاتي، شيخ قبيل دار هجرة الإمام المهدي، وبقية رجال الكمال، الثبت الحصاة، الوقور المجلس، الوافر خلال السيادة، نافَسَ الوزير أيام نصبه الولد خلفاً من أبيه، وأنف من الانقياد في خطامه، وتمسّك بولدٍ ثانٍ كان السلطان أقامه بمراكش، فموه به ورتب له، وبُودِرَ بالجيش فاقتصر على منعته، وناصف القوم في بعض مجاولاته. فلما استقر الأمر وخَلَص الملك، روسل فأصغى وأسهل، ولحق بباب السلطان مستنيباً بمكانه أخاه عبد العزيز حامي السَّرح، وحافظ السيقة، والمُعتلق بحبل المنْعَة، فسأله لِمَا كان من نبذ موالاة هذا الأمر عند مراسلته إياه من البحر، ونِشْدَانه في صلة اليد وقد استوسقت الطاعة لمنصور بن سليمان، وقدَّر أنها صفقة لا تَحِلْ وبيعةٌ لا تنكث [لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّنيَ السوء] .
ووجّه عن منصور بن سليمان وابنه، وقد لحقا بجبال الريف، وأخذتهما يد الاضطراب، وراما التذَمُّمَ بتربة الشيخ ولي الله تعالى أبي يعقوب، ولَبِسَا الصوف، فلم يغن ذلك عن نفسه، وأسلمه الناس فتُقبُض عليه وعلى ولده، وجيء بهما مصفودين مُرْكَبيْن على الظَّهر، نُكْس العيون، ميل الأعناق، قد بدت لهما سيئات ما اكتسبا، ومُعْقِبات ما ارتكبا من الركون إلى العهد المخفور والذمام الرث، والولي المخذول، فوقفا موقف الشَّمات، وتقذعا بالمقذع من القول، ثم دفعا إلى المنايا السود فقتلا صبراً، أُمر بعضُ رَحِمِهِمَا الواشجة فناشهما بالحراب، وتخلفا مُلوثيْن في ضحضاح من الحمأة عبرة لأولي الأبصار وسعوطاً لأنوف الاغترار إلى أن نفذ الأمر بمواراتهما فمضيا لشأنهما عفا الله عنهما، ولقد كان الشيخ منهما موسوماً بإقصار عن كثير مما نَبَزَهُ إليه أولو قُعْدُدِه مرعياً على البيت متظاهراً بالخير معروفاً بالتَّصاون، ثبت الموقف في اللقاء. وكان ولده من النبل والكيس والتفطن للأمور، ومن الحدة على ثَبَج عظيم غير سِكِّير، مع جنون الشباب، وترف النشأة وحسن الرواء. ونفذ الأمر بمثل ذلك في ذمرَيْن من صقور قبيل بني مرين، منصور بن أبي منديل، وعمر ابن الزُّبير المخصوصَيْنَ بركْبَةِ الحائن، والمعيَّنَيْنِ لرياسة الحِصص القاطعة بالأمير الدايل. قِيدَا يرسُفان في قيودهما ويعالجان جَرَّ أَدَاهِمهما إلى مصرع السوء، وفي القلوب منهما كَهَفِّ الجمر وحزِّ المدا، لمكانهما من الدفاع وشهرتهما بالمضاء. وبان يومئذٍ على منصور منهما ما زكَّى عقد الشجاعة إذ غافص أحد الوَزَعَة فانتزع منه سيفه وأهوى به إلى قاتله فأثبت بجراحة لولا أنه مَنَع القيد من نقل خَطْوِه، وجُذِبَ بمعلاقه فسقط ليَدَيْهِ وفيه، لتركها جَلْوَاء.
وأقام الوزير الحسن بن عمر رسم الوزارة الكبرى على دَيْدَنِه من التقدم والاستبداد وعدم المبالاة بمن دونه، فأخذته الأَلاقيُّ وتعاورته السعايات، وخَوَّفَ السلطانَ منه أولو الدالَّةِ، ودست الدسائس حتى بألسنة الحُرَم. فاقتَضى النظر صَرْفَه عن السُدَّة والاستظهار به على المهم من الخدمة، فعُقد له على مَرَّاكُش وأحوازها، وأُتبع الجيش وأقطع العز وسُوِّغ المال، فانصرف لها يجر الدنيا وراءه، فاستقر بها أَمْلك بصقعها فأمَّن السُّبُل ودَوَّخَ الجهات واستخلص ما رسب من الجباية، وحسنت منه المناصحة.
ودالت الدولة بالأندلس في أثناء هذه الأحداث، وكان ما تقدم الإلماع به من الوثوب بها بالسلطان وتطريق النكبة لنا أولِي خَالِصَتِه، فمن بين ناج وشاجب، حسبما ثَبَت في موضعه من صدر هذا الديوان. واستمرت أيام الوزير المذكور بمراكش، وهو على الوصف مستوحشاً من نداء يقع من السلطان في أمره، أو غصص بمكانه، ولم يرشده الله إلى النظر لنفسه ولا يَسَّرَ عليه سبب الحيلة في خلاص مهجته، وتلك عادته جل وعلا فيمن ذهل عن حقه، وتبرأ إلى حول المخلوقين من حوله، وانغمس في سموم الأمور والسياسة بتقصير عقله. وروسل في إسلام بعض الخدام ممن أغرى به السلطان، وقلد لديه طوق عظمى الجناية وولي كِبْرَ الأحدوثة، فأجاره بقوة شكيمته وعظيم طماحه، ففتح باب الإغراء بنفسه، واستعجل التَبَار بسوء تدبيره، وجرت بينه وبين السلطان مراسلة بطن فيها من كياده والتمريض في أمره والمصانعة ما توهم أنه يحتج به من تسويغ انصرافه عنه إلى طِيَّتِه وإباحة رحيله عن إيالته، وآثر الامتناع بجبل بني جابر وقد طوق عميدهم يد الانتياش من الهلكة، وصيره طليقه، ليقرضه في الشدة ويكافيه في المعضلة، فضمن له ما ركنت إليه نفسه ولحق معه بجَبَلِه، ولما باح السر وتحقق من خروجه عن مراكش النبأ، جهز السلطان إليه الجيش لنظر وزيره الحسن بن يوسف الخيري بعد إزاحة علله وإطلاق يد اختياره. ولحق به مجرى القوم على رسمهم من خذلان المغرور بهم من كان، والمستبصر في الثقة بدفاعهم عنه. ولم يزل يركب الشاهق طَبَقاً عن طبق والجيش يشمر أذياله ويستأصل عدته حتى فُضَّ مَصَافُه وتُمُلِّكَ حريمه وانتُهب ماله وغلت ذخيرته، وارتقى إلى مسجد بذروة الجبل منبع الحوزة، صونع عليه أشراف ذلك القبيل فباعوا ذمته بدنانير، واقتادوه فأسلموه إلى يد طالبه. وورد الخبر بالقبض عليه واقتلاع ثُؤْلُولِه، فانكفأ أعلى القصر على أسفله استبشاراً ولم تمض إلا أيام، وجلس السلطان إلى وروده ببرج المُّصارة، وقد حُشر الناس عقب صلاة الجمعة، ونظم طائفتُه العتاة الوهق، ودارت أطواق القِد على أعناقهم، قد نهكهم الضرُّ، وغيَّر وجوههم بعد الترف الجُهد، ومثل بهم العرى وأركب الوزير جملاً ظالعاً بيِّن الظَّلَع هزيلاً كان بأحواز الحضرة سائبة، بعد أن ألبس جبة من الصوف التي يتخذها الساسة والملاحون، حاسر الرأس قد تصببت عرقاً في موقف الهول ومرقب الشهرة وهيضة المثلة. وأُمر بتأدية حق الخلافة فأوْمي لثقل الكُبول وتشاغله بالامتساك على السِّنام، وقد أُوعز إلى أعدائه باقتضاء ما أسلفهم من الإهانة وأُغْرِيَ به السَّبابون وأولو المهاترة وأذيال الباطل، فنالوا منه ومن زوجه سُونة زوج الوزراء قبله، ما المسئول من الله أن يخفف به حسابه ويجعله كَفَّارة لبعض ذُنوبه فهو الغني ذو الرحمة، ثم نقل إلى السلطان وقد تحول إلى مجلس القصر وكرسي الملك، وقام ابن عمه الوزير بعده يتقرَّعه والحاضرون يَجْبَهُونَه وهو غير ملتفت إليهم رابط الجأش رطب اللسان، صادعٌ بالحجة، قرر السلطانَ على حسن بلائه عنده، وضبْطِ البلد عن عدوه حتى قصده هو ومَلَكَه، ونسب الفرار إلى امتثال أمره والانتباذ إلى تسويغ رقعته. ولما استوفى ما لديه أُمر بتَلِّه فسحب بالكُبول على وجهه، وتطرقت الأيدي لسِمْطِ كريمته، وسُجن ببعض دور الثقاف إلى أن أنفذ فيه لأيام ما حَتَّمَتْه مشيئةُ ربه، فقيد إلى المصرع المعروف بباب السَّبع.) وأضحت رماح بني أبيه تنوشه (. فقضى على هذه السبيل وجُرَّ شِلْوُه فصلب بباب المحروق، ثم أرجل وأُمر أهلَه بمواراته. واسْحَنْفَرَ الناس في إطراء السلطان بهذا الصنع وتشادق الخطباء وتكلم الشعراء، حتى لقد وقف بين يدي السلطان صاحبنا الشيخ المدعو بالشريف ابن راجح، مَقدمه من الأندلس منتاباً، ورفع عقيرته يقول:[تَبَّت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد]، يشير إليه وإلى امرأته بسبابته في مقطع كل كلمة. فكان من تقدير السلطان أبي عبد الله بن نصر أن قال: كنت أنتظر أن يقول عند ذكر قوله وامرأته سونه، ويقحم ذلك في الآية إبلاغاً في إنكار هذا الأَغْبَا. والله يجعلنا من الدهر وأهله تحت تقية وحذر ةيقيناً مصارع السوء ويضفي علينا جلابيب الستر. وأنشدت السلطان في ذلك طوع اقتضائه قولي:
أيَغلِبُ مَن عاداكَ والله غالِبُه
…
ويُفلِتُ مَن ناواكَ والسيفُ طالبُه
ويَخْلُصُ مَن في راحَتَيكَ زِمامُهُ
…
فَسيبُكَ كاسيه وسيفُك سالبه
كَسَباً بعِداكَ الجدُّ لما تنكبوا
…
رضاك وطِرْفُ البغيِ يُصرعُ راكِبُه
فيا ذُلّ من عاداك يا مَلِكَ الوَرَى
…
وخابت أمانيه وساءت عواقبه
يُسَالِمُ من سالمت دهرُك مثل ما
…
يُدَافِعُ من عاديته ويحاربه
ولله في علياك سرٌ محجبٌ
…
تلوح بعز المسلمين كواكبه
أبا سالمٍ دينُ الإله بك اعتَلى
…
وأُيِّدَ ركنٌ منه واعتزَّ جانبه
دعا بابُكَ الأعلى الفتوح فأقبلت
…
أيَمْنَعُ حظاً والمهيمن واهبه
أجَرْتَ وآويتَ الغريبَ وإنها
…
سجيَّةُ من عزَّتْ وطابت مناسبه
وأضمرت يا مولَى الأئمةِ نصره
…
فملكُكَ بالنَّصرِ استقلَّتْ ركائبه
ومَنْ عَلِم الرحمان نيَّة صدقه
…
أتته بألطافِ الإله عجائبُه
هنيئاً أميرَ المسلمين بنعمةٍ
…
لها أثر في الدين تبدو مذاهبه
ولا زال صنعُ الله يضفو لباسُه
…
على أمرك العالي وتصفو مشاربُه
وقابِل صنيعَ الله بالشكر واستَزِدْ
…
من الله صُنْعاً تستهل سحائبه
وصرف السلطان وَكْدَه إلى اجتثاث شجرة أبيه وأن لا يَدَع مَنْ يصلح للملك ولا مَنْ يترشح للأمر، فالتقط من الصبية بين مراهق ومحتلم ومستجمع، طائفة تناهز العشرين غلماناً رُوقة من إخوانه وأبناء إخوانه، فأُركبُوا البحر إلى رنده، ومنهم ابن أخيه المسمى بالسعيد، المتصير إليه الأمر بعد أبيه، وأفلت منهم ولدان لحقاً بغرناطة فاستقرا بدار آمنة. ثم تعقب النظر فيهم فأركبهم جفناً غزوياً مُوَرِّياً بتغريبهم إلى المشرق مبعداً إياهم عن حدود أرضه، ثم طير إلى قائد الأسطول وهو أبو القاسم بن أبي بكر بن بنج، السابئ بضاعة الخِزي بعدهم، ثبتاً بأمره بتغريقهم مُنْصَرَفَه عن مَليله. فأُخرجوا ليلاً من جوف السفينة من بين أمهاتهم الثكالى بعد أن جلَّلَتهم الذلّة ومَسَّهم الضُّر وعاث في شعورهم الحيوان لطول مقامهم في البحر شهوراً عدة فأغرقوا: يركب الصبيُّ منهم زَبْنيَّ من تلك الزبانية ليخرجَه إلى البر، فإذا خاض به الغَمر وقارب الضحضاح قلبه، وأمسك أصحابُه بيديه ورجليه وغمسوا رأسه في الماء حتى تفيضَ نفسُه، إلى أن كمل منهم تسعة عشر بدور مُلكٍ وشُموس إمارة غُذُوا بالنعيم ومُهدت لهم الأرائك، لم تعلق بهم شُبهَةٌ توجب إباحة قطرة من دمائهم. حدثني مُتولي هذا المكروه بهم بِهَوْل مصرعهم فقال: لقد عَلَتْ منهم ليلتئذٍ الجثث حتى صارت هضبة، وحُفر لهم أخدودٌ هيل عليهم ترابه، كتب الله شهادَتَهم وجعل أصاغرهم فَرَطاً لآبائهم، وعنده جزاء الظالمين وهو أسرعُ الحاسبين سبحانَه. ونَفَذَ بعد ذلك أمره عند الوجهة إلى تلمسان بالإجهاز على طائفة من الأغفال بين مَشْيَخَةٍ وسواهم مُنْتَسِبين إلى يعقوب بن عبد الحق، نسبة دَلَّت عليهم الرَّدى وقادت إلى غَلاصِمِهم المُدى أُبيدوا ذبحاً ثم أُلحِقَ بالجملة بعد مُدَّةٍ ابن أخته الغالبة على أمرِه من أحد أبناء عمه، فنجي عليه ما أوجب أن أَثكلها به. ورأى أن قد خلا له الجو، إلَاّ أن همَّه بمن تحصَّل بالأندلس من بني عمه وبني أخوته نَغَّصَه المِنْحَة، وكدَّر الشرب. وفتل إلى المتغلب على الأندلس في الغارب والذروة، واستفزَّه عنهم بكل جهد وحيلة فلم يجد فيه من مَغْمز ولا عليه من مُعَوَّل، وسَتَر الله عنه أخاه المبايع له من بعده. وألقى بأزمة دولته لأول أمره إلى خطيبه وخطيب أبيه لوسيلة قديمة. ثم لِمَا أبلاهُ في جلب الملك إليه فلطفت المنزلة، وعظمت الألفة، وتمحضت الثقة، فخلطه بنفسه ولم يستأثر عنه ببثه، ولا انفرد عنه بما سوى أهله بحيث لا يقطع في شيء إلا عن رأيه، ولا يمحو ولا يُثبت إلا واقفاً عند حده، فغشيت بابه الوفود، وصُرفت إليه الوجوه، ووقفت عليه الآمال، وخَدَمته الأشراف وجُلبت إلى سُدته بضائع العقول والأموال، وهادته الملوك فلا تَحْدو الحُداة إلا إليه، ولا تُحَطُّ الرحال إلا لديه، إن حضر أجرى الرسم وأنفذ الأمر والنهي، لحظاً أو سراراً أو مكاتبة، وإن غاب ترددت الرقاع واختلفت الرسل. ثم انفرد أخيراً ببيت الخلوة ومنتبذ المناجاة، من دونه مصطفّ الوزراء وغايات الحجَّاب، فإذا انصرف تبعته الدنيا وسارت بين يديه الوزراء، ووقفت حِفَافَيْ بابه الأمراء وقد وسع الكلَّ لحظُه، وشملهم بحسب الرتب والأحوال رعيُه، وانسحب عليهم وعقدت ببنان عليتهم بنانه، لكنّ رضى الناس غاية لا تدرك والحسد بين بني آدم قديم، وقبيل الملك مباين لمثله بكل اعتبار، فطويت الجوانح منه على سِل، وحنيت الضلوع على بث، وبحسب ما بث الله جل جلاله من أَسْر نيات الخلق إليه، وتعطشهم إلى لقائه، ورغبتهم في إنهاضه إلى ملك أبيه، كان انقلابهم إلى ضد هذه الحال شَرَقاً بأيامه، وإحصاء لقطاته، وولوعاً باغتيابه، وتربصاً للمكروه به إذ خابت فيه آمال الآملين، وحبطت أعمال العاملين، فكان من آزره على أمره، وصَحِبَهُ في التماس ملكه أو رَفَعَهُ على كاهله، أو اقتحم الخطر من أجله هو الغُفْل من سِيما حُظوته أو المخصوص بهجرانه وَمَقْلِيَتِهِ أو المطرود عن سُدَّته. وكل ما أصدر من أمر أثناء طريقه أو أقطع من بر أو أجري من نعمة كر عليها المَحْو، وتعقبها النسخ، والقبائل التي أخذت عفو طاعته وخفت إلى بيعته لم يقسم الله لها حظاً من رفقه، ولا هضماً من غُرمه ولا مزية من ملكه. والرعايا استولت عليها المغارم ونزفها الحلْب حتى عجزت عن الفَلْح وضعفت عن الإثارة والبذر
يستصفي أموالها بعصَاب الضيق والإلحاح، فإذا ركبت الطريق وأقلها الظَّهر وشد عَناقها القِد، نكبت عن سبل بيت المال وغاصت في كل بالوعة فاغرة. وأخذ الناس حرمان العطاء، فلا يلمحون للإسعاف مخيلة، ولا يرتشفون للإحسان بُلالة فافتتحت أبواب الأرجاف وتربصت الدوائر، وقُصَّت الرؤى، وعُبِّرَت الأحلام، وحُدَّت القواطع، وعُدت الأيام. وكان شديد الميل إلى علم القضاء بالأحكام النجومية، قد مرن على العمل بآلة الاسطرلاب، وشَدَى شيئاً من التعديل، مختصاً لذلك طبيب قصره أبا الحسن المراكشي من أهل قسنطينة والمتصف بالإجادة في ذلك. وتوعد المرْجِفِين وعزم على إنفاذ النكال بهم عند مُجاوزة الوقت المعطى للقاطع. وممن تناول السعي طائفة من الخواص والكتاب دبت عقاربهم وأرهفت مكائدهم بين يدي التوقع، وكان ذلك أقوى الأسباب فيما نزل به. وتحول من دار سكناه بالبلد الجديد إلى القصبة القُدْمَى على ضيق المحل وقُصور قُصوره عن نباهة غيرهما. وأسند حفظ مدينتهم البيضاء مستقر صامتهم وذخيرتهم وخزانة عُدَّتهم ومثوى حريمهم إلى ابن وزير أبيه المرشح ببابه لعلياء الوزارة بمزية النبل ونباهة البيت ووراثة الخطة وسعة مجال الإدراك، والرُّشوق إلى أهداف الأغراض وفضل الذكاء والنبل وغموض الحيلة وحسن التأتي، ولطاقة الإدراك وَرَهْفِ الجانب. وأوحشه زعموا بنكير علَّقه عاتق وجهته رسولاً عنه إلى بني زيان، فبانت له الغرة فلم يمهلها وأمكنته الفرصة فلم يُضعها، ورأى أنه يقوم على الموتور من قومه بفرض الكفاية من الإدالة والإراحة، فأعمل التدبير وفتك الفَتْكة التي لم تُبق للبَرَّاضِ من ذكر، ولا للسُلَيْك بن السلكة من خطر، ولا لحادي الأسد من مزية.
ودَاخَل زعيم المشركين من الروم صبياً من عنصر أهل قطلونية، شامخ الأنف، شديد البأو، طافحاً من خمر الاغترار، راقصاً على إيقاع جُنُون الشبيبة. قاسمه الجرأة شق الأُبْلمة، وأعطاه صفقته، وقد أَسَفَّتْه الدولة بقِضاضه. فلما كمل ما أبرماه استركبا قومهما واستخرجا الطبول والأعلام، وفَضَّ ختام صُرر المال، وقيد للسلطان جواد من مراكب الوزير خالص الحلية، وقصد إلى محل ثقافة وقد تجافت به عن المحن، لاشتهاره باللوثة وعدم الصُّلُوح للولاية. زعموا أنه تستَّر بذلك دَهْياً، فتخطته المتالف لأجله، وسلم من مغرَّة إخوته مجراه. فبايعه بالولاية وأركب للناس، وَوَجه عن الشيخ عيسَى بن الزَّرقا المستنام إليه بالأمانة على الأيام، الراجع لنظره أمر الرماة ومقاعد الحرس، السّارح في ظل البيت وخَلْف الشهرة، المنطوي على جم الانطباع والتلون والمَذَق، حالباً بذلك ضَرع السعادة في عمره حتى اضْطَبَن المال الدَّثْر المحوط بسد يأجوج من الضنانة، فجيء به من سريره إليه، فحمله على البيعة في ظل الحسام الصلت. ورتب ليلتئذٍ الأمور وأحكم التعبئة، إلا أن النار لكثرة المشاعل واقتحام الخزائن عَدَتْ على هذه المدينة فاصْطَلَمت القصر المعروف بأبي قير مطرح الأموال المجموعة وسَمَرِ الركاب المجنوبة، ومُخْرس الألسنة الناطقة، ومرجع العيون الطامحة، المشتملة دُوره وزواياه على الكثير من عُدد المُلك وآلات الحركات وأجرام المنشآت وثمين السلع من الَّلك والنَّيلج والعاج والأبنوس والصندل وَشِبْهه. ثم تعدّت إلى دار الصنعة وبه مالا يأخذه الوصف من السُّروج والمهندات والسلاح ونقر الذَّهب والفضة، إلى المواعين والموازين وآلات الخيل، ثم اتصلت بدار الديباج فالتهمت من الحرير والأثواب وآلات النَّسج وضخام المناول وألواح الرسوم وجبال التَّمْويح وعقار الصبغ وغَزْل الذهب ما لا يأخذه الوصف. وتلاحقت ألسنة النار بأعناق السماء وفضحت أستار الظلماء، وكان اصطلام هذه الدُّور مما نغَّص المسرة وحظَّ التدبير وإلمام المنْحَسَة، وأَحْرِ بما جمعه اللَّهْفُ والقَسْر وأُغمِضَ فيه الدِّين أن تسوء عُقباه وتكون النار مأواه. ولما وضح الصباح قُرعت الطبول والناس في بُلَنْهِيةٍ، ونُشرت الأعلام، ووقع النداء بأمر السلطان الذي نقلت إليه البيعة فانكشف الخبء، واشتهر الأمر، واستركب السلطان فبرز في مركبٍ أخْشَن قد حفّه وزيراه مسعود ابن رَحُّو، وسليمان بن داود المستقدم من جبل الفتح، وخطيبه أبو عبد الله بن مرزوق، وخالصته سُليمن ن وَنْزَار، والجمُّ الغفير من الأشراف وأرباب المشورة وأشياخ القبيل، وطاف بالبلد فرأى سُخْنَةَ عينه، وشجا صدره ومَثَار حسرته. ووقع الرأي منهم على التخييم بظاهره، ونقْل الأسواق إليه، واضطراب المحلات عليه. فاستُدعيت المضارب وقد تناصف اليوم، وبدا في المصاف الاختلال وكثر إلى محل الثورة النُّزوع وبه اللحاق، والسلطان رحمه الله قد اختبل جزعاً واسْتُطيرَ فَرَقاً، وقعد بمضرب هجير نُصِب له يُقلب كَفَّيه ويلاحظ الموت صَلْتاً من خلفه وبين يديه، ويستدعي الماء لتبريد جوانحه فيُؤتَى به في أواني تَعَافُها البُهْم من مبتذلات آلات الضُّعفاء، عنواناً على الخمول ودليلاً على الإدبار. ولم يكن إلا أن انهزم النهار فانهزم عنه جمعه من غير قتال ولا مدافعة شأن مَنْ قبله، وتُرك أوحش من وتد في قاع، وولَّى العنان يخبِطُ عشواء في طائفته الخاصة به وكلهم ينجدُه ويقوي بصيرتَه ويعده بالدفاع عنه الوعد المكذوب، ويقسم له على الوفاء له القَسَم الحانث، ولم يتم ذلك، ونزل الليل إلا وقد أفردوه وخلَّفوه وحيداً مطرحاً مكفور الصنيعة مضاع الحق، ورجعوا أدراجهم فاستأمنوا لأنفسهم من الغد. ثم بدا في أمرهم فأكبلوا وضموا إلى الثقاف. وأُخرجَ للبحث عن السلطان شعيب بن ميمون ابن وادَرار، مخلفه كان على مدينة الجزائر وكان قد أوقع به سُخطة اعتيم لأجلها فعثر عليه من الغد في بيوت بعض البادية على أميال من المدينة قد استبدل ثياب الملك أسمالاً فأركبه على الظهر، واستاقه إلى قريب من البلد وطيَّر مستأذناً في أمره فاستعجل في قتله وجلب رأسه، فصدر ذلك على يد علج أو أعلاج من قاذورات المشركين، طرحوه عن ظهر الدابة التي سيق عليها وقتلوه ذبحاً عن جَزَعٍ شديد واستلطافٍ وممانعةٍ باليد عن حُلْقُومه، ثم حزُّوا
رأسه عن عُسْرٍ متصلاً ببعض تَرْقُوَته، وضمَّه بعضُهم في فضل ثوبه فأوصله إلى ما بين يدي الثائر والعيون ناظرة إلى خليفتها بالأمس على هذه الحال فلم تحرك الحَمِيَّةُ نفساً، ولم يقم حسنُ العهد رسماً، وأمر والي البلدة بمواراته، فأضيف رأسُه إلى جَسَدِه، لأَمَ غاسِلُه بينهما بطين القَيْموليا العلك. وقضى مُشَاهِدُه العجب من بدانته وفرط شحمه. واستُدْعِيَ له من سَراةِ الناس ووجوه الطبقات من حضر جنازته وقد نُوِّهَ بجهازه وخشب مواراته، ودفن بالقبلة من المقبرة بازاء المُصَلّى العيدي المطلة من كثب على باب الجيسة، فانقضى أمره على هذه الوتيرة. وكان رحمه الله على تطامُن هِمَّتِه وتقاصُر مدى خصاله، دمثاً شديدَ الحياء وسيماً غير عَرِيٍّ عن الإدراك سيما في مبادئ الحساب. وقام بالأمر على سنن الحجابة العامرية الوزير الناهض بالكَلِّ البائي بالعبئ، مكفي السماء على الأرض، وخائض بحر الهوْل، وفاصل خُطَّةِ الكريهة وابن جَلا الإقدام وطَلَاّع ثنايا الجرأة من مُرهف البدن نحيله، يتوقد ذكاء، حديد اللحظ خفيف الحركة، نومُه فكرةٌ وجوارحُه مسامع:
رَقِيقٌ كَمَا غَنَّتْ حَمَامةُ أَيْكَةٍ
…
وَجَزْل كَمَا شَقَّ الهواءَ عُقَابُ
أحسَّ لأول أمره بنث، وأوجس من بطانة السوء المتجافي لها خيفةً، فَجَرَّع الرومي مُمِدَّه في الأمر ومظاهِره على الفِتْكَةِ الشنعاء كأس الحتف وكان فَتياً حَميَّ الأنف، شديدَ الصَلَف، مترامياً إلى أقصى حدود البسالة محتقراً للأمة، بادر ثانيه من زعماء الروم بالقتل وتغالى للوقت، وأجار على الوزير من يخاف مع بقائه فسادَ أمره، فبطش به لأسبوع من الكائنة. وقد نمى إليه زعموا تدبيره عليه في طائفة، منهم الفقيه الخطيب أبو عبد الله بن مرزوق، وهي التي جنت البداء في أمره والبدار إلى ثقافه، واستخراجه من بيت سيد الشرفاء صهره، بعد أن كان مُسَوَّغ العافية مخصوصاً بخلعة الأمان، متجافي له عن القُل والكُثْر، مخيراً في الانصراف والإِقامة. وسليمان بن ونزار المغرب الشَّأو في تهتك اللذة، والسَّبْح في بحر العُهْر، المُخلَّى بينه وبين غايات المجانة، المخصوص برسم القيادة، أعجب أهل جلدته في حسن الصورة ونصاعة الظرف، وغرابة المشية وتباهي البزَّة وممن يوصف بسخاءٍ وإيثار، لكن مقصور على أبطال الكأس ووصلاء المجانة والرقاعة ومجال اللذة، وهذا السخاء الغالب على سخاء الوقت في الأحداث من أبناء النعم، وكان له بالرومي لياذٌ وإليه صاغية وقد كان تقدَّم سجن الوزيرين قبله بحال ترقيةٍ، ممسوحةٌ أعطافهما بالعُذر مُعللةٌ نفوسهما بالإيناس. فوقعت على الروم يومئذٍ وقيعةٌ سد السيف فيها وألْحَم، أجلت عن جُملةِ تناهز المائة إذ سبق عميدهم باب السلطان ونذر به الوزير، فأخذ أهبته واستعان بشيوخ الدولة وشحن الملعب بالرجال، ودخل القصر من بعض أبواب السر، واستدعى الرومي للمفاوضة في بعض الأمر فلم تسعه إلا الإجابة فدخل ممتقع اللون مستشعراً للشر، وتخلف الكماة من فرسانه الغُلْفَ وراءه، فحاوره وصَرَفه ثم أوعز إلى الرجال بالإيقاع به، فتراوغ ورام الإفلات، واعتورته السيوف فمُزّق، وتعرف قومه الأمر، فراموا المدافعة عن أنفسهم وقد شَرِهَ الناس إلى إبادتهم فتُعُوِرُوا ضرباً هبراً وطعناً دِرَاكاً، وعاث الجندُ في سلاحهم وكُراعهم واعتصم سوادُهم بالمدينة المقطعة لسكناهُم، فأحيط بهم وأُخرِجوا عن دورهم فانحازوا إلى فضاء منعوا فيه حوزتهم بخلال ما بودر بأمانهم ورفع السيف عنهم، وفد انتُهِبُوا فلم يبق لهم نافخ ضَرَمَة، وامتلأت الأيدي من أسبابهم وحَريثهم وصامتهم وحليهم وما عونهم فهلك لهم متاع جم. وللحين أُنفذ القتل في سليمن بن ونزار حليفهم واستُصْفِيت أمواله. وضم الخطيب إلى دار سكناه بالبلد الجديد قبل الحادثة، لصق قصر السلطان، وطولب بالمال فتعلل، ثم أحضر زعموا اثنتي عشر ألفاً من الذهب العين إلى الأصول والمتاع والله يلطف له وبنفس الكرب عنه برحمته.
وتقرر الأمر على إبراز السلطان للناس جلسة الخطيب، ثم اختلى الوزير بأرباب الشورى كيحيى بن رحّو بن تاشفين بن معطي، بقية الوقت، وعمرو القبيل رجاحة ودهياً ونبلاً وألمعيَّة، وإدريس بن يوسف تلْوُهُ المُبِرُّ بالرُّوَاء والسذاجة، وبحناش ابن عمر الفسيح الذَّرع المُرْخَى العنان مع استجماع، القادح زناد السبل المستدر في مثله، إلى غيرهم من جِلَّةِ نُقاوة. وبادر مخاطبة الثائر بالأندلس يعرفه بالصنيع الذي أراح مُخَنَّقَه، وتعجل إفاقَتَه. ويوعز إليه بضبط من لنظره من اليعاقبة المرتَقبِين لحظوظهم من الدولة. وخاطب من لنظره من الجيش المستخدم في إعانة سلطاننا أبي عبد الله بن نصر بالرجوع إلى محال سُكناهم، وكتب إلى الأسطول كذلك بالقفول إلى سواحله، وخاطب من بتلمسان يعرض عليه حُسن الجوار وتهنى الأمر مع سد باب الفتنة والامتساك بمن يتصل به من مبايني الأمر وأضداد الدولة. وأَجْرَى الرسوم، وأفاضَ العطاء، وجدد الإقطاعات، وضاعف السهام، وأجرى القبيل على السَّنَن القديم مظنة الارتياش، والآن لهم القول واعترف لهم بالفضل فطابت به نفوسهم وضبثت به أيديهم ووطئوا عقبه ووعدوه المؤازرة وضمنوا له المدافعة وشرع في الاعتزاز بالوزعة، والانغماس في الحامية وراش جناحه بقبيله من بني يابان وهم عَدَد وافر، وألقى الله لهذا العهد على الخلق واقية كواقية الوليد، فاتسقت الطاعة ودانت الجبال الشم. وانتشرت الرُّفَق، وأمنت السُّبُل. وكانت قد سبقت بيني وبينه مداخلةٌ أكَّدها وصوله إلى منتبذي من مدينة سلا في بعض وجهت الخدمة، فقدمت عليه بعد استدعائي ثاني شهر ذي الحجة من العام، فأعمل الخطأ وصارفني المعاطفة وأنزلني بيت أهله ومهد لي فراش نومته، واستدعى نصحي في كثير من أمره وأنشدته شعراً بغرضي في سرعة التحول وتيسير الانصراف:
رَأَتْ والليلُ قد سَدَلَ الرّواقا
…
شعاعَ البرقِ يأْتَلِقُ ائتِلاقا
وحققت الوميضَ وميضَ نجدٍ
…
فهاج فؤادَها نَجدٌ وشاقا
ونازَعَها الزِّمامُ فما ثَناها
…
وعارَضَها العِقالُ فما أطاقا
تقولُ ليَ السُّراةُ وقد أجَدَّتْ
…
أَخَبْلاً تشتكي قُلتُ اشتياقا
إلى عمَر بن عبد اللهِ حَنَّت
…
رِكَابي فهي تستبقُ استباقا
إلى الغَيْثِ الذي إن شحَّ غَيْثٌ
…
فَمِنْ يُمْناهُ يَنْدَفِقُ اندِفاقا
إلى الليثِ الذي راعَ الأعادي
…
وأَمَّنَ رِفْقُ سيرتِه الرفاق
إلى حَبْرِ السياسة لا يُجارَى
…
ولا يبغي مُعارِضُه اللِّحاقا
إلى الفَطِن الذي لولا نَداهُ
…
إذا ما جئتَه خِفْتَ احتِراقا
إلى قَمَرِ الوزارة جلَّلَتْهُ
…
إِيَاةُ السَّعْدِ نوراً واتساقَا
وعصمةَ ربه اشتمل اشتمالاً
…
فما يَخْشَى الأُفولَ ولا المَحَاقا
وحيدُ الفضل مشترك الأيادي
…
بمِيدانِ العُلا حاز السباقا
إذا نَسَقَ الحديثَ الرَّطْبَ قلنا
…
أهذا الشهدُ أم أحلى مَذَاقا
وإنْ ذُكِرَتْ مفاخِرُهُ ابتدرْنَا
…
مهبّ الطيبِ يُنْتَشَقُ انتِشاقَا
مرينيُّ النِّجار فلا ادعاءً
…
تقولُ إذا مَدَحْتَ ولا اختلاقا
ومن كأبيه عبد الله رأياً
…
إذا ما المُعْضِل انطبق انطباقا
لَعَبْدُ الله في الوزراء مَهْما
…
تذُوكِرَ خيرُ من ركض العِتاقا
ظهيرُ الأمرِ والقِدْحُ المُعَلَّى
…
وأكرمُ مَنْ نَضَا البِيضَ الرِقَاقَا
غَدَتْ عَليَاهُ فوقَ البدرِ تاجاً
…
وللجَوْزاءِ قد مثلت نِطَاقَا
لقد غَدَتِ الوزارة منك تُزْهَى
…
بمن رقَّت سجاياهُ وَراقَا
وسيف الملك أنت وأيُّ سَيفٍ
…
كَفى الأزماتِ دون دمٍ أراقا
رَكِبتَ الهَولَ في سُبُلِ المعالي
…
فَلُقِّيتَ السعادةَ والوِفاقا
ضَرَبْتَ الصَّخْرَ فانفجر انفجاراً
…
ضَرَبْتَ البَحْرَ فانْفَرَقَ انفِراقا
وَزَارَتُكَ التي حقاً تُهَنَّي
…
فما هَدَراً وَلِيتَ ولا اتفاقا
فَلَمْ تَزْدَدْ برتبتها عُلُواً
…
ولم تَزْدَدْ بنعمتها ارتفاقا
ولكن بعضُ خقِّكَ قُمْتَ فيه
…
بحقِّكَ بعد ما استُرِقَ استراقا