الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاع أعزك الله على ألسُنِ أصحابك ممن عرف نبله وعقله، وصحَّ في الاختبار نقله، أنك جواد الوقت، الآمن من المقت، وإنك مخلي التخت، ومعيد البخت، ومأوى الضيف، في الشتاء والصيف، وأنا ما علمتَ ضيفُ الكرام حيث حللت، ونزيلُ الأجواد متى نزلت، أرحلُ عنهم والثياب تضيق بها العِيَاب، والجياد يَجْنُبُها القياد، والصُّرر، قد أشرقت منها الغرر، حرصاً على ثناء يخلّد ومعنى يولّد، ودولة تحلى بالمكارم، ومُروة يهون عليها ضرب المغارم، فَبِتُّ بجوارك ليلتين أكلت فيهما من زادي، وشربت من ماء الوادي، وجعلتُ الأرض مِهادي، وطال لأجل البراغيث سُهادي، ولقد سألني الوزير أبقاه الله عن طريقي ورفيقي وفريقي، فأجملت المُفَسَّر، وألممت من الكذب بما تيسر، وقلتُ عُلم استدعاؤك إياي، واستقدامي من مثواي، فآثر الناس بجملتهم هواي، وأما في الأياب بعد أن بوأت البيت، وأوليتَ ما أوليت، فالأمر أكبر، والخبر لا يفي به المَخْبَر، فخاطبتك أعزك الله مخاطبة من يَغار على شُهرةِ جودك، والحكم لك بالثناء قبل وجودك، فإما أن يقع الصلح على ضريبةٍ قريبة، ويرتفع عن وجه المُحَادَّةِ نقابُ الريبة، أو يكذِبَ النقل، ويكون قِرى ضيفك الماء والبقل، اللهم إلا إن كان قبولُك خاصاً بمن راق خدُّه، وحسن قدُّه، وتبللت طُرَّتُه، وأخجلت البدرَ غرته، فحظنا لديك الخيبة، ولو قصدناك من مكة وطيْبة، وموصلُه يقرر المطلب، ويخبر منك البارقَ الخُلَّب، والقصد المشاركة فيما أمر بشرائه، ومحاولة نقله بما يستحقه من كرائه وأنا أرتقب وصولَه وأنتظر حصولَه، وعلى كل حال فشكري لشكر الخلق فيك تَبَع، وإن لم يقع في جوارك ريٌّ ولا شِبَع؛ وثنائي جميل وإن لم يُقْضَ من برك تأميل، وما ألممت به إنما هو دعابة تخف على أهل النُّبْل، ومن يسلك من التظرف أوضحَ السُّبْل، والله يمنع بعدُ بلقائك، ويجلي غررَ الفضل من تلقائك. والسلام.
رَجْعُ التاريخ
تولية السلطان أبي سالم المريني ونهايته
وفي ليلة التاسع عشر من شهر ذي قعدة عام اثنين وستين وسبعمائة وقعت بأمير المغرب إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن، الدَّبرة وأخذته في مَجْثَمه الصيحة لتوفر أسباب البِغضَة، وتكاثر دواعي الخلعان، إذ كان هذا الصبي ذاهلاً عن الحزم، مثلاً في البلادة وكَلاًّ، مؤثراً للحجبة، معوضاً للبطالة، مسلوب الغَيْرة على المال، قنوعاً من الإمرة بالاسم، مجتزئاً من انفساح الخطة بالكِسْر، كاسدَ سوقِ العطاء، معطياً لِعِداه الضمَّة، معطلاً رسم المشورة، استقر لأول تصيُّر الأمر لأخيه أمير المؤمنين، الحية الذَّكَرْ مغرَّباً بغرناطة دار ملك الأندلس، وهو صبي ذو وسامة، في جملة من أخوة وبني عم، ثم حركه القدر بطلب الملك، وهاجته دعوات سماسرة الفتن على نبأة هلاك أخيه، وأخذ البيعة بعده لولده الصبي الصغير بعد قتل كبيره ولي العهد بتدبير الوزير الحسن بن عمر بن يخلف العدودي في خبر طويل، فرقَّقَ هذا الأمير المستَدعى عن صبوح مغزاه لسلطانها، فلم يَشْك بثّه ولا راش عزمه توقعاً أن يُخفِقَ مسعاه فيبوءَ من وطن المغرب بإِحْنةِ تُطَوِّقُ الأندلس طوق خِزْيةٍ وتجر عليها ذيل نكيرةٍ ومعْتبةٍ مع الافتقار لمن علا هضْبتَها وتملك ناصيتها. فلما يئس من الإنجاح، وتشكَّى إلى غير المنصت عوَّل على نفسه، واقتصر على عزمه، وركب الخطر طوع همه، فخرج عن الحضرة ليلاً، على بعض مجاري الرُّحَضَاء من أسوارها في زُعْنُفَة يسرت له ذلك إشارةً واستظهاراً وانتشالاً وقوْداً ثم وضوءاً ونضحاً، حتى استقلَّ راكباً بظاهر البلد ولحق بقلعة يَحْصِب ثغر العدو المطل ذي الجوار المُكَتَّبْ، والعادية المشافهة، فأراح هنيهة ثم انصرف مُصحباً إلى إشبيلة وبها ملك قشتالة يقدح زناد حرب له على عدوه من روم برشلونة، فطرح عليه نفسه، وتذمم به، وعرض عليه خطاب استدعائه ودس له المطامع المرتبطة بحصول غايته فقَبل صاغيته، وَعَصى نصحاء دينه المشيرين بتثبيطه والتثاقل عن إعانته، إذ غَرَّتهم المخيلة، وظنوا به المَضَاء كميناً في لِفْق الوسامة، ولَىْ الأبهة، وآثروا الرضا بمكان الوليد الذي مُوِّهَ به للمسلمين، وكونُه غير مظنة للدفاع، ولا أهلٍ لاجتماع الكلمة، وجهَّز له جَفْناً من أساطيله سُكَّيتاً من عَرَضِها بعد أن عرضَه على جبل الفتح متعلق طمعه، وحذْقِ شَرْطه، وقد دسَّ الأمير المذكور زعموا إلى من به دسيساً في الاستبصار، فنبا عودهم عن غمزه، وانصرف الطاغية مشرقاً إلى طِيَّتِه، وقصد الفُلكُ المشحون بالأمير وبمن لف لفَّه إلى بحر المغرب يلوذ بساحله لياذ الماء بأقطار الزجاجة، ويستنجز وعود خطَّابه، فانتهى إلى مرسى مازيغان من أحواز أزمور، وأقام به شاهراً أمره، وعارضاً وجهه، ومستنجزاً وعده، وقد كان الناس حَطَبُوا في حَبْلِ سواه، ونقروا عن غيره، وجهروا بسآمتهم من مِلْكة آل السلطان أبي الحسن، والتأم خاصتهم وعامتهم على منصور بن سليمان بن منصور بن عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق، جِذْمٌ من قبيلتهم عَلِق به من تصيَّر الأمر إليه، درءٌ منذ زمن شبيبته إلى توسطه الاكتهال، دمثٌ مُتَنَزِّلٌ، مظنة ترشيح ومرمى أمل، لمكانه من البيت سيما بعد إقفاره وتداعي عمده، ولفضل شهامة كانت فيه يعارضها الجانب السَّهل والتقارب، وسبب ذلك الوزير كافل الولد المموه منه بخيال، والمُهَلِّل بآل، والمُعَيِّد بما غامر به لولا القدر الذي يُنْمِي كُلاًّ إلى حدِّه، وغايته، ويَقفُه رغم أنفه عند نهايته.
ولقد كان الولد أهلاً لما رشح إليه نبلاً وإدراكاً ورواء، فقد أتقن الخَطَّ، وحَفَظ المُنَزَّلَ، رشداً شيئاً من العربية على انحطاطه في دركات الحداثة وخفاء مكانه للضئولة - أسمع صوتاً ولا أرى أحداً - عهدي به يتدحرج بين يدي الوزير إلى مصلى الجُمُعة، أو يجلس كفرخ الحمام المطوَّق مخضوب الرُّجَيلة، مُشَمِّرَ الذيل، حسن القبض على المنديل والمُدْية، قد دارت العمامة منه على قمر، لا يزال في الأريكة يتوقد كالذُّبال في مشكاته نُبْلاً وهِشَّة سآَّلاً عن أعيان الوافدين مشيراً بالأخذ لرقاع المتظلمين، ناهضاً إلى غاية النُّبل والسداد لو أن الليالي أمهلته، ورام لعظم مُنَّتِه وشدة أسره وقوة شكيمته واغتراره بمن لديه أن يُجري أمر خليفته الماضي الشَّبا، السامي العلى، البالغ بمجده وجدوده أسباب السَّما، أبي عنان رحمه الله على سبيله فيحوط البيضة ويملك القلوب بالرَّهبة، ويتمسك بالأطراف النائية، والعِمَالة القاصية، ويخيف من يجاوره من الملوك المضطهدين بخليفته المصنوع له، فبادر إلى تثبيت من أسندوا إليه أمر بجَاية، ووعده إياه بالمدد، وخاف على مملكة تلمسان لِدَةِ عقيلةِ الملك الذي بيده المبرّة بخلال عظيمة الجدوى من الماء الرَّوي، ودرور رسل المَحْيَا، وكثف العمارة، وعائد الإثارة. فجهز إليها الجيش الخشن المناهز خمسة الآلاف إلى من كان بها من حاميته، وأمر عليها ابنَ عم له وزير الولد قبل عموم وزارته وفي نفسه ضَرَم، ولديه بث لكبحه إياه عن الطماح، وحمله على التطامُن له. ولما حلّ الجميع تلمسان وقد كان أهلها غلبوا عليها واستخلصوها لذهاب حرمتها، وما أوقعه رأي الخليفة الهالك من هدم سورها ومحو منعتها، فأجفلوا عنها وكان الجيش أملك بها، فحسنت المخيلة وَيَمُنَتْ النقيبة، وصدرت مخاطبته بذلك إلى الأندلس بما نصه:
من عبد الله أبي بكر السعيد أمير المسلمين في سبيل رب العالمين بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي عنان بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، وصل الله نصراً موثق الخمائل، وفتحاً صادق المخائل، ومنحاً ثابت الدلائل، وعضداً كريم المقاصد والوسائل، إلى محل أخينا الذي أهلّ وداده من ميقات الإخلاص، وراق اعتقاده في مشاهد الاختصاص، وطلعت بدور محبته آمنة من الانتقاص، السلطان الأجل الأعز الأسنى الأود الأفضل الأخلص الأصفى الأكمل أبي عبد الله بن السلطان الأجل الأغر الأسنى الماجد الرافع الأسمى الأسعد الأصعد الأرقى الهمام الأحفل المجاهد الأمضى الأكمل المقدس المرحوم أبي الحجاج بن السلطان الأجل الأعز الأسنى الماجد الرافع الأسمى الأسعد الأصعد الأرقى المجاهد الأمضى الأطول المبرور الأحفل الأكمل المقدس المرحوم أبي الوليد بن نصر، وصل الله له سعادة تُستجلى أنوارها وعادة تستملي أخبارها وإفادة يروق زهواً أزهارها. سلام يروي النسيم حديثَ طيبه، ويعبق إلا بسراه وتأويبه، ويخص ذلكم الإخاء الباهرة إياته المحكمة آياته، ورحمة الله تعالى وبركاته، أما بعد حمد الله منجز وعده، ومجزل رفده الذي أمدنا بنصره، وما النصر إلا من عنده، والصلاة التامة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي اختصه بحمده، وأمده بجنده، وأنزل عليه [سبحان الذي أسرى بعبده] ، والرضا عن آله وصحبه حفظة عهده ولحظة رشده وقَوَمةِ الدين من بعده، والدعاء لهذا المقام العلي المؤيد الكريم الإمامي المجاهدي السعيد السعيدي بدوام سعده، واتصال عضده، والفتح الذي تُحَلّى أجياد الزمان بعقده، فإنا كتبناه كتب الله لإخائكم سروراً يبوئكم سرره، وحبوراً يلبسكم حِبَرَه، وظهوراً يمطيكم مظهره، من حضرتنا العلية المرينية البيضاء، كلأها الله تعالى، ونعم الله تعالى منسكبة الغمايم، زصنائعه الجميلة مفترة المباسم، ومُكيِّفاته البديعة عاطرة النواسم، والحمد لله على ذلكم حمداً يعرِّف يمن الفواتح والخواتم، وودكم الود الذي له في ديوان المحافظة رسوخٌ وثبوت، وشكركم على الإخاء كتاب موقوت، وثناؤكم على ترائب الولاء درٌّ وياقوت، ومحبتكم أفضل ما تهادته أحيان ووقوت. وأما الذي لكم عندنا من حسن المعاضدة وجميل المساعفة والمساعدة، فذلكم مما لا تزال سُوَره متلوَّة، وصوره مجلوة، ومُسمياته بأحب الأسماء مَدْعُوَّة، فالله يصل ذلكم في ذاته، ويمده بمقتضياته وموجباته، وإلى هذا وصل الله لكم نعماً لا تبلى رُسومها، وسعوداً لا تغور نجومها، فإنكم قد علمتم ما كان من اغترار الشقى.
الذي خيب الله مسعاه وقرب منعاه، وأنه امتدت بعد وفاة مولانا المرحوم مطامعه، وظن أنه قد صفت بعد الكدر موارده ومشارعه، وانضم إلى العرب المفسدين من بني عامر؛ وأتوا محرومين لا مُحْرمين رجالاً وعلى كلِ ضامر، فلما وصلوا تلمسان وجدوا الجيش الذي كان بها قد تفرق، وتطرق من الاختلال إلى قضائه ما تطرق فاختلسها اختلاس السارق، وظن أنه بنجوة من الخطوب الطوارق، واجتمع إليه أوباش من قومه إسار الردى، وجهلة الهدى، وبقية السيف الذي خبث معتقداً، ولم تكن أنمى عدداً ولا أنجب ولداً، فلم يكن إلا أن جهزنا إليهم جيوشاً ضاق عنها الفضاء، وكتائب أشعارها البأس والمضاء، فلم يشك الأشقياء أنها تحل قريباً من دارهم، ولا ارتابوا في أنها تقدم بتبابهم وتبارهم، ونهدوا للمبارزة، وأجمعوا على المناجزة، وخرجوا عن البلد بجموعهم محامين على ما يزعمون عن منازلهم وربوعهم، فلما طلعت جيوشنا مشرفة الهوادي، وحققت الحقائق الرائعة في قلوب الأعادي، وقرب حزب بني عبد الحق من حزب بني عبد الواد، سُقط في أيدي الأشقياء ولاذوا بالفرار والجلاء، فولوا على أدبارهم نفوراً، وصحب منهم الشؤم والخسار قوماً بوراً، وتقطعت بهم الأسباب، والتَقَمَهُم القفر اليباب، وألقت تلمسان إلى ناسنا بمقاليدها، ووجهت إلى أولياء أمرنا العزيز بأقاليدها، وعاد روحها إلى جسدها، ولم تلق إلى التهلكة بيدها، وكادت تمشي على استحياء، وتشكو بما كان أصابها من داء عياء، حتى نَفَتْ خبثها، ورفعت بالطهارة حدثها، ووقفت موقف العائذ، وعضت على طاعتها بالنواجذ، وعند فتحها اعتزم شيوخ بني مرين أعزهم الله ومن معهم من العربان وأهل تلكم الأوطان، وبادروا لاتباع الفل الخاسر ورأوا في الموارد حسن المصادر، وأمر الأحلاف بأن يتقدموا في الصحراء، ويكونوا بالمرصاد لجموع الأعداء وكأنكم بدابرهم إن شاء الله قد قطع، وبشملهم الجميع قد شت وصدع، وحديث النصر المتجدد قد أسند ورفع، وأعلمنا بذلكم لما نتيقنه من حبكم الفائق، وخلوصكم الممطور الحدائق، وسروركم بما يسنيه الله عز وجل من الصنع الرائق، والفتوحات التي تهوى إليها أفئدة الخلائق، ولم يبق والحمد لله إلا أن نستعد للجهاد، ونصرف نظرنا الجميل إلى تلكم البلاد، حتى ينعم ناظر الدين بناضر الفتح، وتجول حدقته في حديقة المنح، ونعمل إن شاء الله في مناصرتكم ومظاهرتكم ما يعود بالنجح، والله المستعان وعليه التكلان، وهو سبحانه يصل سراءكم، ويضاعف نعماءكم وآلاءكم، ويحقق في حياطة تلك الأرجاء رجاءكم بمنه، والسلام الكريم، الطيب العميم، يعتمد إخاءكم المشكور ورحمة الله تعالى وبركاته كتب في اليوم العاشر لجمادى الأولى من عام ستين وسبعمائة، وكتب في التاريخ المؤرخ أعلاه.
وصدر الجواب عنه بما نصه:
المقام الذي تبرع سعده برد المغصوب، وتولت يد العناية الإلهية عقد تاج عزه المعصوب، وحكمت عوامله في سبيل الله بخفض الصليب المنصوب، مقام محل أخينا الذي) أتاه الله الحكم صبيا (، وأخلص الملك فيه لله نداءاً خفياً، فقال مشيراً إلى مكانه قبل تأتِّي الأمر وإمكانهِ، [ربِّ هبْ لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله رب رضيا] ، السلطان الكذا أمير المسلمين أبي عنان بن السلطان الكذا أمير المسلمين أبي الحسن بن السلطان الكذا أمير المسلمين أبي سعيد بن السلطان الكذا أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب، بن عبد الحق، أبقاه الله يرمي بسهام عزماته أغراض السداد فيصيبها، ويشير بيده الكريمة إلى مواهب الله العميمة، يستوفر لديها نصيبها، ويطلب ميراث سلفه في الأقطار بالحسام الماضي والقنا الخطار، فيفوز بأقصى الآمال والأوطار من الانفراد بتعصيبها، معظَّمٌ قدر إخائه ومرفع جانب علائه، وموجب فرض هنائه بنعم الله وآلائه ومؤملٌّ عزمه المعتد بمضائه الداعي إلى الله بدوام نصره وصلة بقائه حتى تربى مآثره في سبيل الله على مآثر آبائه، فلان سلام كريم، طيب بر عميم، يخص به مقامكم الأعلى، وأخوتكم الفضلى ورحمة الله، أما بعدَحَمْدِ الله الذي حفظ مركز العز منكم على من اختاره، وأظهر عنايته بالدين الحنيف، على يد سلطانكم المنيف، فمهد أوطانه، ويسر أوطاره فمتى شب ضرام فتنة أطفأت جداول سيوفكم ناره، ومتى خبأ قبس هداية رفعت أيدي ملككم مناره، ومتى استأثر منازع من إيالتكم بلباس، في سبيل اختلاس، استرجعت ما استعاره، وصرحت عاره، فملككم بفضل الله مستدرك ثاره، ويتقبل آثاره، والدهر بين يديكم مستقيل عثاره، والصلاة على سيدنا محمد رسوله الذي رفع شأنه في الأنبياء الكرام، وعظم مقداره، وجعل في أشرف الخلق قومه، وفي أشرف الأرض داره، وأعطاه لواء الشفاعة ليجير من أجاره، في اليوم الذي يسلم فيه الوليُّ وليه والجار جاره، فمن انتصر بجاهه في الملمات، وعول عليه في الشدائد المدلهمات، رضى انتصافه وحمد انتصاره، ومن توسل به فضلاً عمن زاره، أمن برحمة الله أوزاره، والرضا عن آله وأصحابه، وأسرته وأحزابه الذين ورثوا فخاره، واختاروا من سبل الحق ما اختاره، ومنعوا عن دينه أيدي العدى، وزينوه بحُلى البأس والندى، وكانوا سوره وسواره، وكاد بناؤه ينقض، وكنز الحق تحته يُفَض، فأقاموا ببيض المعالي وسمر العوالي جداره، والدعاءُ لمقامكم السعيد السعيدي بالعز الذي تؤيد قدرة الله اقتداره، والصنع الذي يجري على قطب التوفيق مداره، والنصر الذي يعمل في سبيل الله سنته وشعاره، والفتح الذي تسبح في بحره الأقلام، فلا يبلغ منها الإعلام، وإن جاش الكلام، وجادت الأحلام معشاره، فإنا كتبناه إليكم كتب الله لأيامكم الجديدة السعد السعيدة الجد من مواهبه الخارجة عن الحد، أفضل ما كتب، وخولكم من مقاسم النصر الشاذة عن الحصر أَجزل ما وهب، وجعل ملككم يستعتبه الدهر إذا عتب، ويقضي من فروض طاعته معلناً بضراعته إذا حمَّله القدر على تفريطه وإضاعته، ما رتَّب ووجب، من حمراء غرناطة حرسها الله، واليد بعلو يدكم عالية والنعم بتوالي سعادتكم متوالية، والآمال باستقامة الأحوال لإخوتكم الرفيعة الجلال حالية، والارتياح الذي يؤدي بشارة الرياح لا تخلو منه عالية، والمسرات لا تفد منها وافدة إلا تبعتها تالية، وإلى هذا وصل الله لملككم أسباب الانتظام والانتساق، وأهدى أنباءكم طيبة العرف حسنة المساق، وأطلع بدر سعادتكم في أسعد الآفاق، وأقام الدهر بين يديكم مهما تاب من ذنب، أو أعتب بعد عتبه، مقام الحيا والإطراق، حتى تخفق أحشاء الكفر رعباً من لوائكم الخفاق، ويتفق على عقيدة طاعتكم فيما لكم من الأقطار والأصقاع، ألسنة الإجماع والإصفاق. فقد وصل كتابكم البر الوفادة، الجمّ الإفادة، السافر غمامته البيضاء عن بدر السعادة، المُتْحف بصنع الله الذي خرق حجاب العادة، فاجتلينا البيان من خلل سطوره، وقرطنا الآذان بشذوره، وصَدَعنا في الحفل المشهود بمنشوره، عرفتمونا فيه بالفتح الذي فُتحت لكم أبوابه، والنصر الذي يُسرت لكم أسبابُه، والسعد الذي ضفى عليكم جلبابُه، والصُّنع الذي ناسب دولتكم المقتبلة الشباب فَراقَ شبابَه، وشرحتم بما آل إليه حال تلمسان تقبل الله توبتها، وأسعد أوبتها، وحال من كان قد تسور جدارها، واقتحم
دارها، ومزق بالإكراه صِدارَها، لما دلفت إليه الليوث، واستقبلته فاستقتلته الكتائب والبعوث، وأخذت عليه بعرف الطاعة، بغتة كقيام الساعة، السهولُ من الأرض والوعُوث، وما أبداه لمّا تغشّاه رداه من التمويه باللقاء، والعمل على الثبوت والبقاء، وتَظَاهر به من صيد العنقاء، والأخبار التي يستريب منها لسان الإلقاء، وما نشب لما نشب أن ركب الليل جملاً، وترك سائمته هملاً، ولم يصرف إلى غير طلب النجاة بإِفلاته ولات حين نجاته أملاً، وإن أولياء الدعوة السعيدية استولوا على المدينة فاستخلصوا حقها وأوضحوا طُرقها، وسكَّنوا واجِفَهَا، وأمنوا خائفها، ورفعوا عن رعيتها المرزَّأة كل تثريب، ولم يأخذوا بريئاً بمريب ولا بعيداً بقريب، وقبلوا الأعذار حلماً، ووهبوا ذنوب جُهَّالها وعلمائها وسفهائها وحُلمائها لمن وسع كل شيء رحمةً وعلماً. سجية من ملك فأنجح، وأبت له الهمَّة العلياء أن يتنحنح أو يتبجح، ورأى المزية بين الخطَّتَيْن فكان إلى التي هي أقرب إلى الله أجنح، فعاد الخلى إلى الجيد، بفضل ذي العرش المجيد، وعوجل الشعث بالتنجيد، وأصبحت الصهوة مركب البطل النَّجيد، وردّ سيف الطاعة بعد الإجهاد في جدال البلاد من الاجتهاد إلى التقليد، وشملت الكافة واقية كواقية الوليد، وتحلت المنابر بعد العطل، والخطأ المتعمد والخطل، بدعوة من الإمام السعيد، ورأى من الاعتزال الهرج رجحان القول بإخلاف الوعيد، فكأنما كانت فلتة تلك الإيالة، الطامعة في الإدالة، وارتشاف البُلَالَة، سهواً في عِبَادَه، وتقصيراً في إجَادَه، ولحناً في وجادة، وغلطاً في استغفار، وقذى بين أشفار، ودخيلاً في قطار، ولحقاً عيباً بين أسطار، وحلماً محت اليقظةُ غروره، وتمويهاً ذهب الحق بنوره، وقلماً أدبر شيء فأقبل، وهل عند رسم دارس من معول، ومكابر الحق موكوس القسم، وضِدُّ السعيد معروف الاسم، وما كان الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه وصفاتُه وأفعاله، لينثر قلادة الدين بعد نظامها، وينسخ ثابت أحكامها بعد إحكامها، بل هو نورٌ وعد بإِتمامه، والوعد حق، وقاعدة لا يدخلها فرق، ومُلك تعلق بأذياله غرب وشرق، ومزن أومض في برده للغيث برق، فإن أذنب الدهر فقد استقال، وإن ضَحَى الملك بها فقد قال، ووجد لسانُ الصارم القوْل فقال، والحمد لله حمداً يدر من النعم السحب الثقال، ويقر أحوال السعادة فلا يعرف الانتقال، وقد كنا على علم قطعي، في سبيل شرعي، نرى أن الذي اختاركم لحمل هذه القلادة، من بين من يشارك في نسب أو ولادة، وألبسكم ملابس المَجَادة، وحلاكم لمَّا تولاكم قبل أن ولَاّكم بِحُليِّ السيادة، وجعل جبل الفتح أفق بدركم، وصدفة دركم، وبدأ بفاتحة الجهاد، وهي أم ذلك الكتاب، كتاب أمركم، لا يُهمل سلطانكم، ولا تذعر بالخلاف أوطانكم، وأن له فيكم خبيئة نصر يرتقب أوانه، وينتجز وعده ويقتضي ضمانه، حتى تُبلغ الآمال، وتنجح في مرضاة الله الأعمال، ففي التماس ما عنده سبحانه يجب أن تجمع الرحال وتفرق الأموال، وفضله تعالى لا يَخيمُ معه السؤل، ولا يخيب فيه السؤال، فلما وردت الأخبار بما منحكم الله من الفتوحات التي أبلغت البلاد والعباد أملها، ووفرت سرورها وجذلها، وما يفتحُ الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، خاطبناكم نهنيكم بما وهب الله ومنح، ونرى أن ما فتح الله به عليكم فعلينا به فتح، فمقامكم العدة التي نباهي بها ونباهر، ونضاهي ونظاهر، ونطافئ ونكاثر، ونصادم ونصادر، أَبقاكم الله لآمال كريمة تُقتَضى، وخلال شريفة ترتضى، ومقاصد مبرورة تُنسِي ما سلف للسلف ومَضَى، ونحن أيضاً نعدُّ إيثاركم إيانا بالتعريف بهذا التَّكييف هدية ودية تقل لها المكافآت وإن جلَّت، وفضلٌ عميم أشرقت أنواره وتجلّت، وتستدعي القيام بحق مقامكم وهو المرام البعيد، وتجهد طرف اللسان في ميدان الشكر وأين يقع جهده مما تريد، فإلى الله نكل ما ننطوي لكم عليه من ود كريم، وحب صميم، فهو بالبواطن عليم، ولا ينفع لديه مال ولا بنون إلا مَنْ أتاه بقلب سليم، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوالي نصركم وعضدكم، ويبلغكم من خير الدنيا والآخرة قصدكم. والسلام الكريم الطيب البر العميم يخص مقامكم الأعلى، وأخوتكم الفضلى، ورحمة الله وبركاته.