الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثاني عشر
[تتمة فن الرابع في النبات]
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الخامس من الفنّ الرابع فى أصناف الطّيب والبخورات والغوالى والنّدود والمستقطرات والأدهان والنّضوحات وأدوية الباه والخواصّ
وفيه أحد عشر بابا
الباب الأوّل من هذا القسم من هذا الفنّ فى المسك «1» وأنواعه
قال محمد بن أحمد «2» بن الخليل «3» بن سعيد التّميمىّ المقدسىّ فى كتابه المترجم
(بجيب «1» العروس وريحان النفوس) : المسك أصناف كثيرة، وأجناس مختلفة؛ فأرفعها وأفضلها التّبّتىّ، ويؤتى به من موضع يقال له:(ذو سمت)«2» ، بينه وبين (التّبّت)«3» مسيرة شهرين، فيصار به إلى (التّبّت)، ثم يحمل إلى خراسان. قال: وأصل المسك من بهيمة ذات أربع، أشبه شىء بالظّبى الصغير. وقد ذكرنا غزال المسك فى (الباب الثالث من القسم الثانى من الفنّ الثالث) ، وهو فى السفر التاسع «4» من هذه النسخة
فلا فائدة فى إعادته. وقد ذكروا فى صفة تحصيل المسك من هذا الحيوان أقوالا نحن نذكرها؛ فزعم قوم أنّ الغزلان تذبح وتؤخذ سررها «1» بما عليها من الشّعر «2» ويكون فيها دم عبيط «3» ، وربّما كانت السرّة كثيرة الدم، وربّما كانت كبيرة واسعة قليلة الدم، فيجمع فيها دم عدّة سرر، ويصبّ فيها الرّصاص وهو ذائب وتخيّط بالخوص، وتعلّق فى حلق مستراح مدّة أربعين يوما، ثم تخرج وتعلّق فى موضع آخر حتّى يتكامل جفافها، وتشتدّ رائحتها، ثم تصيّر النّوافج «4» فى مزاود
صغار، وتخيّط، وتحمل من التّبّت إلى خراسان. قال: وقال أحمد بن أبى يعقوب مولى بنى العبّاس: ذكر لى جماعة من العلماء بمعدن المسك أنّ معادنه بأرض (التّبّت) وغيرها معروفة، قد ابتنى الجلّابون فيها بناء يشبه المنار فى طول عظم الذّراع، فتأتى هذه البهيمة الّتى من «1» سررها يتكوّن المسك فتحكّ سررها بتلك المنار، فتسقط السّرر هنالك، فيأتى إليه الجلّابون فى وقت من السنة قد عرفوه، فيلتقطون ذلك مباحا لهم، فإذا وردوا به إلى (التّبّت) عشّر «2» عليهم.
وقال قوم: إنّ «3» هذه الدابّة خلقها الله تعالى معدنا للمسك، فهى تثمره فى كلّ سنة وهو فضل دموىّ يجتمع من جسمها إلى سررها فى كلّ عام فى وقت معلوم، بمنزلة الموادّ التى تنصبّ إلى الأعضاء؛ فإذا حصل فى سررها ورم وعظم، مرضت له وتألّمت حتّى يتكامل؛ فإذا بلغ وتناهى حكّته بأظلافها «4» ، فيسقط فى تلك المفاوز والبرارىّ، فيخرج اليه الجلّابون فيأخذونه. قال: وهذا أصّح ما قيل فى باب المسك. قال: ويشهد بصحّة ذلك ويوافقه ما حكاه محمد بن العبّاس المسكىّ فى كتابه: أنّ تجار المسك من أهل الصّغد «5» يذكرون أنّ المسك سرّة دابّة
فى صورة ضخامة الظّبى، لها قرن واحد فى وسط رأسها. قال: ومن قرنها وعظم جبهتها تتّخذ النّصب المعروفة بنصب (الختو)«1» . قال: وذكروا أنّها تهيج فى وقت معلوم من السنة، فترم مواضع سررها، ويجتمع إليها دم غليظ أسود يفيض إليها من سائر أجسادها، وأنه يشتدّ وجعها، فتأتى مواضع فيها تراب ليّن كهيئة المراغة فى تلك البرارىّ، بين المراغة منها وبين الأخرى مسافة ليست بالقريبة وتلك الظّبىّ «2» لا تنزع سررها فى غير تلك المراغات، قد ألفت التّمعّك فيها، والتمرّغ فى تربها، واعتادته على ممرّ السنين؛ فإذا نالها ذلك أمسكت عن الرّعى وعن ورود المياه، ولا تزال تتقلّب فيه حتّى تسقط تلك السّرر عنها، وهى دم عبيط. قال: وربّما سقطت قرونها أيضا كما يفصل الإيّل «3» قرنه فى كلّ سنة. قال: وربّما اجتمع فى المراغة الواحدة مائتان من تلك الظّباء، فإذا ألقت تلك السّرر خرج شباب أهل الصّغد وأهل التّبّت «4» فى وقت الإمكان إلى تلك المفاوز الّتى فيها تلك المراغات
فيتفرّقون فى طلب النّوافج، فربّما وجدوا فى المراغة ألوفا من تلك السّرر: من بين رطب وجامد ويابس. قال: واذا سقطت السّرّة عن الظّبى كان فى ذلك إفاقته وصحّته فيثبت حينئذ فى الرّعى وورود الماء. وقال محمد بن العباس: أجود المسك الصّغدىّ، وهو ما اشتراه تجار خراسان من التّبّت «1» وحملوه على الظهر الى خراسان ثم يحمل من خراسان إلى الآفاق؛ ثم «2» يتلوه فى الجودة المسك الهندىّ، وهو ما وقع من التّبّت إلى أرض الهند، ثم حمل إلى الدّيبل «3» ، ثم حمل فى البحر الى سيراف «4» وعدن «5»
وعمان «1» ، وغيرها من النواحى، وهو دون الصّغدىّ؛ ويتلو الهندىّ المسك الصّينىّ وهو دونه، لطول مكثه فى البحر، وما يلحقه من عفونة هوائه، ولعلّة أخرى وهى اختلاف المرعى فى الأصل. قال: وأفضل المسك ما كان مرعى غزلانه حشيشا يقال له: الكدهمس «2» ، ينبت بالتّبّت وقشمير، أو بأحداهما. وذكر أحمد بن أبى «3» يعقوب أنّ اسم هذه الحشيشة الكندهسة. قال: وأفضل ما يرعى هذا الحيوان بعد هذه الحشيشة السّنبل الهندىّ، يريد سنبل «4» الطّيب، فإنّه ينبت بأرض
الهند وبأرض التّبّت كثيرا، وما كان يرعى السّنبل فإنّ المسك المتكوّن منه يكون وسطا دون الصّنف الأوّل. قال: وأدنى المسك ما كان مرعى حيوانه حشيشة يسمّى أصلها: «المرو «1» » ؛ ورائحة تلك الحشيشة كرائحة المسك، إلا أنّ المسك أقوى
وأذكى رائحة. قال محمد «1» بن أحمد بن العبّاس المسكىّ «2» : وقد ذكر بعض العرب أنّ دابّة المسك ترعى شجر الكافور، واستدلّ على ذلك بقول الشاعر العكلىّ «3» :
تكسو المفارق واللّبّات ذا أرج
…
من قصب معتلف الكافور درّاج «4»
والقصب: المعى؛ ومنه قول النّبىّ صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو «5» بن
لحىّ يجرّ قصبه فى النار» . وقال محمد بن أحمد: هذا رأى بدوىّ، وليس برأى عالم يعتمد على نقله. وقال الحسين بن يزيد السّيرافىّ- وهو من أهل الخبرة ببرّ الصّين وبحرها، ومسالكها وممالكها-: إنّ الأرض الّتى بها ظباء المسك الصّينىّ والتّبّتىّ أرض واحدة لا فرق بينهما، وأهل الصّين يجمعون من المسك ما قرب منهم وكذلك أهل التّبّت. قال: وإنما فضّل المسك التّبّتىّ على المسك الصّينىّ لأمرين:
أحدهما أنّ ظباء المسك الّتى فى حدود التّبّت ترتعى سنبل»
الطّيب، وما يلى منها أرض الصّين ترتعى سائر الحشائش؛ والثانى أنّ أهل التّبّت يتركون النّوافج بحالها؛ وأهل الصّين ربّما يغشّون فيها، ولسلوكهم بها فى البحر وما يلحقها من الأنداء؛ فأمّا إذا ترك أهل الصّين المسك فى نوافجه من غير غشّ، وأحرز فى البرانىّ، وحمل إلى أرض العرب، فلا فرق بينه وبين التّبّتىّ فى الجودة.
قال وأجود المسك كلّه ما حكّته الظّباء على أحجار الجبال، وذلك أنّ المادّة الغليظة الدّمويّة اذا انصبّت إلى سرر الظّباء اجتمعت «2» فيها كاجتماع الدم فيما يعرض من الدّماميل، فاذا أدرك وأضجر الظّباء، حكّت السّرر بالحجارة بحدّة وحرقة فيسيل ما فى السّرر على أطراف الحجارة؛ فاذا خرج عنها جفّت السّرر واندملت وعادت المادّة «3» فآجتمعت فيها «4» ، فيخرج أهل التّبّت فى طلب هذا الدم السائل ولهم به معرفة، فيلتقطونه ويجعلونه فى النّوافج، ويحملونه إلى ملوك خراسان، وهو نهاية المسك جودة وفضلا، إذ هو ممّا أدرك على حيوانه، فصار فضله على غيره من المسك
كفضل ما يدرك من الثّمار على أشجاره على ما يقطف قبل بلوغه وإدراكه. قال:
وغير هذا من المسك فإنّما «1» تصاد ظباؤه بالشّرك وبالسّهام، وربّما قطعت النّوافج عن الظّباء قبل إدراك المسك فيها. قال: على أنّه إذا قطع عن ظبائه كان كريه الرائحة مدّة طويلة إلى أن يجفّ على طول الأيّام، فيستحيل مسكا. قال: وظباء المسك كسائر الظّباء المعروفة فى القدر واللّون ودقّة القوائم، وافتراق الأظلاف، وانتصاب القرون وانعطافها، غير أنّ لكلّ واحد منها نابين رقيقين أبيضين، خارجين من فيه فى فكّه الأسفل، قائمين فى وجه الظّبى كنابى الخنزير، فى طول الفتر أو دونه، على هيئة ناب الفيل.
وقال أحمد بن أبى يعقوب: أفضل المسك التّبّتىّ، ثم بعده [المسك] الصّغدى، وبعد الصّغدىّ المسك الصّينىّ، وأفضل الصّينى ما يؤتى به من خانقو «2» ، وهى المدينة العظمى الّتى هى مرفأ الصّين الّتى ترسى بها مراكب تجار المسلمين، ثم يحمل فى البحر الى الزّقاق «3» ، فإذا قرب من بلد الأبلّة «4» ارتفعت
رائحته، فلا يمكن التجار أن يستروه من العشّارين «1» ، فإذا خرج من المركب جادت رائحته، وذهبت عنه رائحة البحر. [ثم «2» المسك الهندىّ، وهو ما يقع من التّبّت الى الهند، ثم يحمل إلى الدّيبل، ثم يجهّز فى البحر] ، وهو دون الأوّل؛ وبعد الهندىّ من المسك القنبارى «3» ، وهو مسك جيّد، إلا أنّه دون التّبّتىّ فى القيمة والجوهر واللّون والرائحة، يؤتى به من بلد يقال له: قنبار «4» بين «5» الصّين والتّبّت؛ وربّما غالطوا به فنسبوه إلى التّبّت. قال: ويتلوه فى الجودة المسك الطّغزغزىّ، وهو مسك رزين يضرب إلى السواد، يؤتى به من أرض التّرك الطّغزغز «6» تجلبه التجار فيغالطون به، إلا أنّه ليس له جوهر ولا لون؛ وهو بطىء السّحق لا يسلم من الخشونة؛ ويتلوه فى الجودة المسك القصارىّ «7» ، يؤتى به من بلد يقال لها «8» قصار، بين الهند والصّين. قال: وقد يلحق بالصّينى، إلّا أنّه دونه فى القيمة
والجوهر والرائحة. قال: والمسك الجرجيرىّ «1» ، وهو مسك يشاكل التّبّتىّ ويشبهه وهو أصفر حسن، زعر «2» الرائحة. وبعده المسك العصمارىّ «3» ، وهو أضعف أنواع المسك كلّها، وأدناها قيمة، يخرج من النافجة «4» التى زنتها أوقيّة زنة درهم واحد من المسك. ثم المسك الجبلىّ، وهو ما يؤتى به من ناحية أرض السّند من أرض المولتان «5» ، وهو كبير النّوافج، حسن اللون، إلّا أنّه ضعيف الرائحة. وقال: أجود المسك فى الرائحة والمنظر ما كان تفّاحيّا، تشبه رائحته رائحة التّفّاح اللّبنانىّ، وكان لونه تغلب عليه الصّفرة، وكان بين الجلال والدّقاق وسطا؛ ثم الذى يليه وهو أشدّ سوادا منه، إلّا أنّه يقاربه فى الرائحة والمنظر، وليس مثله؛ ثم الذى هو
أشدّ سوادا منه، وهو أدناه قدرا وقيمة. وقال: بلغنى أنّ العلماء بالمسك من تجار أهل الهند يذكرون أنّ المسك ثلاثة أنواع، لا يخرجونه عن ذلك، فالنوع الأوّل- وهو أفضله وأجوده- المسك الأصلىّ الخلقة المعروف؛ ونوعان آخران متّخذان:
أحدهما يتخذ من أخلاط يابسة تكون عندهم من نبات أرضهم، وليس فيه من المسك الأصلىّ شىء، وهم يأمرون باستعماله وابتياعه من مواضع أصوله وما يليها من البلاد ومن الّذين يعرفونه، وهم أهل التّبّت؛ والآخر يتّخذونه وينهون عنه وعن ابتياعه والمتّجر فيه، وذلك أنّه يتغيّر ويفسد إذا أقام. قال: ونوع آخر، وهو مسك يجلب من قشمير «1» الداخلة وما حولها، وليس بجيّد؛ وهو يقارب المسك المصنوع المنهىّ عنه، ويكون هو أيضا متّخذا وغير متّخذ، وهو على نصف القيمة من المسك الجيّد. قال: والمسك فى طبعه حادّ لطيف غوّاص «2» ، جيّد لوجع الفؤاد، مقوّ للقلب، قاطع للدّم إذا ضمد به الجرح؛ ويدخل فى أكحال
العين وفى كثير من المعاجين الكبار؛ واذا جعل بدلا من الجندبيدستر «1» فإنّه أقرب الأشياء إليه فى طبعه وفعله. وقال محمد بن أحمد: فأمّا المسك المنسوب الى دارين، فهو من نوع المسك الهندىّ؛ تجلبه التجار الى دارين: جزيرة «2» بالبحرين ترفأ اليها سفن تجّار الهند، ويحمل منها إلى المواضع؛ وليست دارين بمعدن للمسك.
الباب الثانى من القسم الخامس من الفنّ الرابع فى العنبر «1» وأنواعه ومعادنه
قال محمد بن أحمد التّميمىّ: حدّثنى أبى عن أبيه عن أحمد بن أبى يعقوب أنه قال: العنبر أنواع كثيرة، وأصناف مختلفة، ومعادنه متباينة؛ وهو يتفاضل بمعادنه وبجوهره؛ فأجود أنواعه وأرفعه وأفضله وأحسنه لونا وأصفاه جوهرا وأغلاه قيمة، العنبر الشّحرىّ، وهو ما قذفه بحر الهند إلى ساحل الشّحر من أرض اليمن؛ وزعموا أنّه يخرج من البحر فى خلقة البعير أو «2» الصخرة الكبيرة. قال التّميمىّ:
والأصل الصحيح فيه أنه ينبع من صخور فى قرار الأرض ومن عيون، ويجتمع فى قرار البحر؛ فاذا تكاثف وثقل جذبته «3» طبيعة الدّهانة «4» التى فيه، واضطرّته إلى الانقطاع من المواضع التى يتعلّق بها عند خروجه من الأرض، وطلعت به إلى وجه الماء
فطفا على وجه الماء وهو جار ذائب؛ ومنه ما تقطّعه الأمواج فتخرجه الى السواحل قطعا كبارا وصغارا. قال: وحدّثنى أبى عن أبيه عن أحمد بن أبى يعقوب قال:
تقطّعه الرّيح وشدّة الموج فترمى به إلى السواحل وهو يفور، لا يدنو منه شىء لشدّة حرّه وفوارانه؛ فاذا أقام أيّاما وضربه الهواء جمد، فيجمعه الناس من السواحل المتّصلة بمعادنه. قال: وربّما أتت السمكة العظيمة التى يقال لها: «البال «1» » فابتلعت من ذلك العنبر الصافى وهو يفور، فلا يستقرّ فى جوفها حتى تموت وتطفو، ويطرحها البحر إلى الساحل؛ فيشقّ جوفها، ويستخرج ما فيه من العنبر، وهو العنبر السّمكىّ
ويسمّى أيضا: المبلوع. قال: وربّما طرح البحر قطعة «1» العنبر فيبصرها طير أسود شبيه بالخطّاف، فيأتى اليها ويرفرف بجناحيه، فإذا دنا منها وسقط عليها تعلّقت مخاليبه ومنقاره فيها فيموت ويبلى، ويبقى منقاره ومخاليبه»
فى العنبر، وهو العنبر المناقيرىّ «3» . قال النّميمىّ:
وزعم الحسين بن يزيد السّيرافىّ أنّ الذى يقع من العنبر الى سواحل الشّحر شىء تقذفه الأمواج إليها من بحر الهند، وأنّ أجوده وأفضله ما يقع الى بحر البربر وحدود بلاد الزّنج وما والاها، وهو «4» الأبيض المدوّر، والأزرق النادر. قال: ولأهل هذه النواحى نجب يركبونها مؤدّبة يركبون «5» عليها فى ليالى القمر على سواحلهم، وهذه النّجب تعرف العنبر، وربّما نام الراكب عليها أو غفل، فإذا رأى النجيب العنبر على الساحل برك بصاحبه، فينزل ويأخذه. قال: ومنه ما يوجد فوق البحر طافيا فى عظم
الثّور. قال: وبعد العنبر الشّحرىّ العنبر الزّنجىّ، وهو الّذى يؤتى به من بلاد الزّنج إلى عدن، وهو عنبر أبيض؛ وبعده العنبر الشّلاهطىّ «1» ، وهو يتفاضل، وأجود الشّلاهطىّ الأزرق الدّسم الكثير الدّهن، وهو الذى يستعمل فى الغوالى «2» . وبعد الشّلاهطىّ العنبر القاقلّىّ، وهو أشهب «3» ، جيّد الرّيح، حسن المنظر، خفيف، وفيه يبس يسير، وهو دون الشّلاهطىّ لا يصلح للغوالى ولا للتّغلية «4» والتّطهير «5» إلّا
عن ضرورة؛ وهو صالح للذّرائر «1» والمكلّسات «2» ؛ ويؤتى بهذا العنبر من بحر قاقلّة إلى عدن؛ وبعد القاقلّىّ العنبر الهندىّ، يؤتى به من سواحل الهند الداخلة، فيحمل إلى البصرة وغيرها؛ وبعده الزّنجىّ، يؤتى به من ساحل الزّنج؛ وهو شبيه بالهندىّ ويقاربه. هكذا ذكر التّميمىّ فى (جيب العروس)، فإنّه يجعل الزّنجىّ بعد الشّحرىّ وذكر الزّنجىّ أيضا بعد الهندىّ. وقال: وعنبر يؤتى به من الهند يسمّى الكرك «3» بالوس وينسب إلى قوم من الهند يجلبونه، يعرفون بالكرك بالوس، يأتون به الى قرب عمان، يشتريه منهم أصحاب المراكب. قال: وأمّا العنبر المغربىّ، فإنّه دون هذه الأنواع كلّها، يؤتى به من بحر الأندلس، فتحمله التّجار إلى مصر؛ وهو شبيه فى لونه بالعنبر الشّحرىّ، وقد يغالط به فيه. قال التّميمىّ: وأفضل العنبر وأجوده ما جمع قوّة رائحة وذكاء بغير زعارّة «4» . وقال أحمد بن أبى يعقوب: قال لى جماعة من أهل العلم بالعنبر: إنه بجبال ثابتة فى قرار البحر، مختلفة الألوان، تقتلعه الرّياح وشدّة اضطراب البحر فى الأشتية الشديدة، فلذلك لا يكاد يخرج فى الصيف. قال:
وألوان العنبر مختلفة، منها الأبيض، وهو الأشهب؛ ومنها الأزرق، والرّمادىّ
والجرارىّ، وهو الأبرش؛ والصّفائح، وهو الأصفر والأحمر، وهما أدنى العنبر قدرا؛ [والله أعلم «1» ] .
ومن العنبر صنف يسمّى المند «2» ، ويوجد على سواحل من البحر
- قال التّميمىّ: أخبرنى جماعة من أهل المعرفة بالعطر وأصنافه وأنسابه أنّ دابّة تخرج من البحر فترمى به من دبرها، وأنّ تلك الدابّة فى صورة البقر الوحشىّ، فيؤخذ وهو ليّن يمتدّ، فما كان منه عذب الرائحة حسن الجوهر، فهو أفضله وأجوده.
والمند أصناف، أجودها الشّحرىّ وهو أسود، فيه صفرة تخضب اليد إذا لمس؛ ورائحته كرائحة العنبر اليابس، إلّا أنّه لا بقاء له على النار؛ ويستعمل فى الغوالى «3» اذا عزّ العنبر الشّلاهطىّ «4» ؛ ومن المند الزّنجىّ، وهو نظير الشّحرىّ فى المنظر، ودونه فى الرائحة؛ وهو أسود بغير صفرة؛ ومنه الخمرىّ، وهو يخضب اليد وأصول الشّعر خضابا جيّدا، ولا ينفع فى الطّيب؛ ومنه السّمكىّ، وهو المبلوع كما قدّمنا ذكره، وهو فى لونه شبيه بالقار، وهو ردىء فى الطّيب، للسّهوكة «5» التى يكتسبها من السّمك «6» . وقال
التّميمىّ: طبع العنبر حارّ، وفيه شىء من يبس؛ وهو مقوّ للقلب، مذكّ للحواسّ محلّل للرّطوبات، نافع للشيوخ؛ وقد تضمد به المفاصل المنصبّ اليها الرّطوبات فتنتفع به نفعا جيّدا، ويقوّيها؛ ويستعمل فى الجوارشنات «1» وكبار المعاجين وفى المعاجين المقوّية للمعدة والقلب؛ ويسعط «2» به فيحلّل علل الدّماغ. قال: وقد تصطنع منه شمّامات فيشمّها من بهم اللّقوة «3» والفالج، فينتفعون بروائحها.