الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس من القسم الخامس من الفنّ الرابع فى السّنبل «1» الهندىّ وأصنافه والقرنفل وجوهره
فأمّا السّنبل الهندىّ
- فقد قال أحمد بن أبى يعقوب: السنبل أصناف، وأجوده العصافير الحمر الألوان، المسلّل، والمسلّل هو الذى قد نقّى من زغبه ومسح منه، وبقى عصافير مجرّدة، واذا أمسكه الإنسان بكفّه ساعة ثم اشتمّه كانت رائحته كرائحة التّفّاح أو نحوها؛ ثم الذى يليه، وهو نوع من العصافير أصفر «2» كثير البياض والشّمط، طيّب الرائحة، قريب من الأوّل. ثم أدناه، وهو دقاق من السّنبل وجلال، ليس ممّا يدخل فى جيّد العطر.
وأمّا أصله
- فهو حشيشة تنبت بأرض الهند، وببلد التّبّت «3» أيضا.
وقيل: إنّها تنبت فى أودية بالهند كما ينبت الزّرع، ثم تجفّ فيأتى قوم فيحصدونه ويجمعونه. وقيل: إنّ الأودية التى ينبت فيها هذا السّنبل كثيرة الأفاعى وليس يأتيها أحد إلّا وفى رجله خفّ طويل غليظ منعّل بالخشب أو الحديد.
قالوا: وتلك الأفاعى ذوات قرون فيها السّمّ القاتل الذى يقال له: (البيش) ؛ فيقال: إنّه من قرون الأفاعى. وقال قوم من أهل العلم: إنّه نبات «1» ينبت بتلك الأودية؛ وهو ضربان: ضرب خلنجىّ، يضرب فى لونه إلى الصّفرة، وهو أفضله؛ وضرب آخر يضرب إلى السواد، وهم يعرفونه فيتوقّونه؛ وربّما جهله بعضهم فمات عند مسّه، سيّما «2» إن كانت يده قد عرقت، أو هى رطبة. وقد كان بعض الخلفاء يأمر بأن يوكّل بالمراكب التى تأتى من بلد الهند إلى الأبلّة وغيرها من الفرض من يكشف السّنبل ويعتبره، فيخرج منه البيش، فيؤخذ بكلبتين من حديد وليس يمسّه أحد إلّامات لوقته، فكان يجمع ذلك فى وعاء ويلقى فى البحر.
وأمّا القرنفل «1» وجوهره
- فقال أحمد بن أبى يعقوب: القرنفل كلّه جنس واحد، وأفضله وأجوده الزّهر، القوىّ اليابس الجافّ الذّكىّ، الحرّيف الطّعم الحلو الرائحة؛ ومنه الزّهر، ومنه الثمر؛ والزّهر منه هو ما صغر وكان مشاكلا لعيدان فروع الخربق «2» الأسود فى المنظر. والثمر منه ما غلظ وشاكل نوى التّمر، أو عجم الزّيتون. وقيل: هو ثمر شجر عظام «3» يشبه شجر السّدر. وقال آخرون: يشبه شجر
الأترجّ. وقال آخرون: هو ثمر شجر ورقه الساذج «1» الهندىّ، واستدلّوا على ذلك بما فى طعم الساذج من القرنفليّة. قال: ويجلب من بلاد سفالة الهند وأقاصيها؛ وله بالمواضع التى هو بها روائح ذكيّة ساطعة الطّيب جدّا، حتى إنّهم يسمّون أماكن القرنفل:«ريح الجنّة» ، لذكاء رائحته. وهو حارّ يابس، لطيف غوّاص، مقوّ للقلب نافع لبعض الأكباد التى فيها عفونة، قاطع للغثيان المولّد من الرّطوبة والقىء الكائن من التّخمة والهيضة «2» ؛ وإذا دقّ مع التّفّاح الشامىّ واعتصر ماؤه مع شىء من قلوب النّعناع وأعطى الوصب نفعه؛ وقطع عنه الغثيان والقىء؛ وهو يطيّب النّكهة؛ والذّكر منه- وهو الزّهر- أقوى من فعل الأنثى. قال: وقد يصعّد منه ماء يفوق فى الطّيب ماء الورد، ويدخل فى كثير من مكلّسات «3» الطّيب والذّرائر، وفى كثير
من المعاجين الكبار والأدوية، وفى عامّة طيب النساء، وفى اللّخالخ «1» والمخمّرات كلّها.
وقال محمد بن العبّاس المسكىّ «2» : رأيت قوما ببغداد يدورون على الصّيارفة يشترون منهم الدّنانير المروانيّة التى أمر بضربها عبد الملك بن مروان، وعلى سكّتها:«الله أحد» ؛ فسألتهم عن ذلك، فذكروا أنّها تحمل فى البحر فى أكياس قد كتب على كلّ كيس منها اسم صاحبه ووزنه، فإذا صاروا بالقرب من جزيرة عظيمة بناحية سفالة الهند وضعوا «3» الأناجر «4» ، وشدّوا المراكب ناحية، وركبوا قوارب ومعهم تلك الأكياس وأنطاع قد كتب على كلّ نطع منها اسم صاحبه أيضا؛ فيخرجون إلى موضع من تلك الجزيرة، فيبسط كلّ واحد منهم نطعه، ويحمل كيسه فوق النّطع مغطّى ببعض النّطع، حتّى اذا فعل ذلك جماعتهم، وعادوا إلى القوارب، ورجعوا إلى المراكب آخر النهار، باتوا ليلتهم تلك فى مراكبهم، ثمّ غدوا فى القوارب إلى الجزيرة، فيجدون فوق كلّ نطع من أنطاعهم من القرنفل بحسب ماله من
المال، ولا يجدون الأكياس؛ فإن رضى القوم بما وجدوا من القرنفل على أنطاعهم أخذوه، ومن لم يرض منهم تركه وعاد إلى مركبه، ثم يعود فى اليوم الثانى فيجد كيسه بحاله، ولا يرى للقرنفل أثرا، ولا تقع عين أحد من التّجار على أحد ممّن هو فى تلك الجزيرة، ولا يقفون على موضع القرنفل ولا على شجره. وهذه الحكاية شبيهة بما ذكرناه فى أمر العود. قال التّميمىّ: وقد كان وقع إلىّ ذكر هذا بعينه؛ وزعم الّذى أخبرنى: أنّهم قديما كانوا يجدون أكياسهم مع القرنفل على الأنطاع بحالها، فكان الرجل إن اختار القرنفل حمله وترك الكيس، وإن اختار المال أخذه وترك القرنفل، الى أن غدر التّجار بهم فى بعض السنين، فحملوا المال والقرنفل، وانقطع جلب القرنفل سنين كثيرة، وغلا حتّى لم يقدر عليه، ثمّ عادوا ولزموا العدل مع أهل الجزيرة، فصاروا عند ذلك لا يجدون فوق الأنطاع غير القرنفل فإن رضوا به حملوه، وإن سخطوا تركوه ليلتهم، ثم عادوا فى اليوم الثانى فوجدوا أموالهم. وهذه الحكاية نحو ما قدّمناه فى العود.
الباب السادس من القسم الخامس من الفنّ الرابع فى القسط «1» وأصنافه
ويقال فيه: الكست «2» بالكاف والتاء، بدل القاف والطاء؛ وقد تكرّرت الأحاديث الصحيحة النبويّة- على قائلها أفضل الصلاة والسلام- بمنافعه وما فيه من الأشفية؛ فمنها ما رواه البخارىّ بسنده عن أمّ قيس «3» بنت محصن أخت عكاشة،- وكانت من المهاجرات الأول اللّاتى بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّها قالت: أتيت «4» النّبىّ صلى الله عليه وسلم بآبن لى قد علّقت «5» عليه «6» من
العذرة «1» فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: «اتّقوا الله، على «2» ما تدغرون «3» أولادكم بهذه الأعلاق «4» ، عليكم بهذا العود الهندىّ فإنّ فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب» يريد الكست، يعنى القسط.
وللقسط أصناف ذكرها محمّد بن أحمد التّميمىّ فى جيب العروس فقال:
منه ما يجلب من بلاد الحبشة؛ ومنه البحرىّ الذى يسمّى الجلود؛ وأجوده الأبيض الرقيق القشرة الّذى هو كأمثال الأصابع وأكبر، والمشقّق اليابس. ويقال: إنّهم يأكلونه فى بلادهم رطبا. وقال محمد بن العبّاس المسكىّ «5» : أخبرنى بعض البحريّين أنّه يكون فى جبال الماهات «6» ، ينبت فى شقوق الصّخور وأعالى الجبال؛ ويقال
له [الكى «1» ] ويؤكل «2» ، غير أنّه ردىء الجوهر، اذا جفّ لا تكون له صلابة، ويشبه أصله أصل الكرفس الجبلىّ، وكذلك ورقه يشبه ورق الكرفس الجبلىّ أيضا.
قال المسكىّ: فلمّا صرت إلى الجبل جرّبت ذلك فوجدته كما قال، ورأيته كثيرا فى جبال أبهر «3» وزنجان «4» . قال التّميمىّ: ومن القسط الحلو أيضا صنف آخر غليظ الرائحة يسمّى القرنفل، ليس بطائل، ويدخل فى الدّخن «5» .
وأمّا القسط المرّ- وهو الهندىّ- فيجلب من أرض الهند؛ وأجوده ما ابيضّ ورزن؛ ومن الهندىّ صنف يضرب إلى السواد لا خير فيه. قال: ومن المرّ نوع يسمّى القرنفلىّ، ليس بطائل. وهذا النوع من القسط والذى يضرب الى السواد أدناه وأسقطه ثمنا وقيمة. والقسط المرّ الأبيض يدخل فى كثير من الأدوية والمعاجين الكبار؛ ومنه يعمل دهن القسط؛ ويشرب فينتفع به من أوجاع الجنبين والخواصر ويدرّ البول ويفتّح سدد الكبد؛ وهو حارّ يابس قوىّ الحرارة [واليبس «6» ] .