الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الفقير إلى الله - تعالى -: يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد السرمري، عفا الله - تعالى - عنه:
المقدمة
(1)
1 -
بَدَاتُ اعْتِقَادِي بِاسْمِ ذِي الْعَفْوِ وَالْغُفْرِ (2)
…
. . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) وهذه العناوين، والتقاسيم ليست من صلب المنظومة، وإنما هي من عمل المحقق.
(2)
بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة لأمور: منها - التأسي بفعل الصحابة رضي الله عنهم في افتتاحهم المصحف الإمام بالتسمية وتبعهم جميع من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار، سواء من يقول بأن البسملة آية من الفاتحة، ومن لا يقول ذلك.
ومنها - الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم، كما في رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، في الحديث المتفق عليه.
ومنها - العمل بحديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر)، أي ذاهب البركة، والحديث لا يثبت فقد رواه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "(1210)(2/ 69)، ومن طريقه السمعاني في " آداب الإملاء والاستملاء"(ص/52)، ورواه السبكي في "طبقات الشافعية"(1/ 6) - كلهم - من طريق أحمد بن محمد بن عمران - وأسقطه السمعاني - عن محمد بن صالح البصري عن عبيد بن عبدالواحد بن شريك عن يعقوب بن كعب الأنطاكي عن مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به. وأحمد بن محمد بن عمران، هو المعروف بالجنيدي، قال عنه الخطيب في "تاريخه": كان يضعف في روايته.، وقال الزهري: ليس بشيء. وقد أفرد العلماء هذا الحديث بالتصنيف، وقد حكم عليه الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (1)(1/ 29) بأنه ضعيف جداً، وقد اختلف العلماء في جواز العمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال، والراجح المنع، وانظر " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" للحافظ السخاوي، ومقدمة " صحيح الترغيب والترهيب " للشيخ الألباني، وبحث "تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف" للدكتور: عبد العزيز عبدالرحمن بن محمد العثيم.
فائدة: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 9): [وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة، وكذا معظم كتب الرسائل، واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا، فجاء عن الشعبي منع ذلك، وعن الزهري قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك، وتابعه على ذلك الجمهور، وقال الخطيب: هو المختار].
. . . . . . . . . . . . . . . .
…
وثَنَّيْتُ أَنَّ الْحَمْدَ لِلْوَاحِدِ الْبَرِّ (1)
2 -
وَأَنْ لَاِ إِلَهَ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَالْخَفَا
…
سَوَى بِارِئِ خَلْقِهِ مُنَزِّلِ الْقَطْرِ (2)
3 -
وَأَهْدَيْتُ مِنّيِ لِلْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ
…
صَلَاةً كَمَا مَرَّ النَّسِيمُ (3) عَلَى الزَّهْرِ (4)
4 -
وَعِتْرَتِهِ (5). . . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . .
(1) البدء بالحمدلة فيها نحو الوجوه الثلاث السابقة فقد ابتداء الصحابة كتابة المصحف الإمام بالفاتحة، وهي تبدأ بالحمد بعد البسملة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ خطبته بالحمد، وأيضاً قد ورد في ذلك حديث مرسل لا يثبت، رواه أبو داود (4840) (4/ 262) وقال:(رواه يونس، وعقيل، وشعيب وسعيد بن عبدالعزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)، وكذا صوب الدارقطني الإرسال في الحديث في سننه (1/ 229) ولفظه:(كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع)، وقد اشتهر الكلام على هذا الحديث وانظر الإرواء (2)(1/ 32).
فائدة: ظاهر صنيع الناظم هنا من البدء بالبسملة، ثم التثنية بالحمدلة، يحتاج لتوجيه للجمع بين الحديثين - على فرض ثبوتهما، أو اختيار العمل بالحديث الضعيف في الفضائل - ووجه الجمع: أن الأولية في البدء بالبسملة أولية حقيقية مطلقة، وأما الأولية في البدء بالحمدلة فهي أولية نسبية، أي بالنسبة لما يأتي بعدها.
(2)
أي المطر.
(3)
قال الثعالبي في فقه اللغة: (النَّسِيمُ حَرَكَةُ الرِّيحِ في لِينٍ وضُعْفٍ).
(4)
ووجه الشبه هنا قد يكون فيه تكلف وبعد، ولولا خشية إفساد عروض البيت لقلت: الأولى في هذا البيت: إبدال كلمة (كما) بـ (كلما).
(5)
روى الترمذي (5/ 663)(3788)، وغيره عن أبي سعيد، وزيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من
الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما] وقال: وهذا حديث حسن غريب.
وقد اختلف العلماء في بيان درجة هذا الحديث، وفقهه اختلافاً كثيراً، فقد ضعفه الإمام أحمد، وغيره. قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (7/ 394):[أما قوله: [وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض] فهذا رواه الترمذي وقد سئل عنه احمد بن حنبل، فضعفه، وضعفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصح، وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة، قالوا: ونحن نقول بذلك كما ذكر القاضي أبو يعلي، وغيره. ولكن أهل البيت لم يتفقوا، ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء منه].
وهذا الحديث قد ورد من طرق أخرى كثيرة عن جابر بن عبد الله، أبي هريرة، وابن عباس، وعلي، وزيد بن ثابت، وغيرهم، وقد تتبع الشيخ الألباني طرق الحديث، وصححه بالشواهد، وكذا فعل الشيخ الأرناؤوط في تحقيق المسند حيث صححه بالشواهد، ما عدا قوله:[ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض].
وسوف أنقل هنا ما وجه به الشيخ الألباني الحديث بعد تصحيحه، وما ردَّ به على الشيعة في تفسيرهم المنحرف له، قال رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (4/ 359): [من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة ، ويلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك ، وهم جميعا واهمون في ذلك ، وبيانه من وجهين: الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: " عترتي " أكثر مما يريده الشيعة ، ولا يَرُدَّه أهل السنة بل هم مستمسكون به ، ألا وهو أن: العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة: " عترتي أهل بيتي " وأهل بيته في الأصل هم: نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا - كما هو صريح قوله تعالى في (الأحزاب): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) ، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء، وما في معناه غاية ما فيه: توسيع دلالة الآية، ودخول علي وأهله فيها، كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره،
وكذلك حديث " العترة " قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته - قلت: أي بطريق التبعية، لا الأصالة -، وعلي، وأهله. ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " (5/ 600):" عترة الرجل: أهل بيته، ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك نسله، وعصابته الأدنين، وأزواجه ".
والوجه الآخر: أن المقصود من " أهل البيت ": إنما هم العلماء الصالحون منهم، والمتمسكون بالكتاب، والسنة ، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:" (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه، وعلى التمسك بأمره ". وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: " إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت، وأحواله ، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه، وحكمته. وبهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة). قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ). فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم فتكون هي المقصود بالذات في الحديث ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن ، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية ": " سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل ، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل) ، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما ".
قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين
…
". قال الشيخ القاريء (1/ 199): " فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ:" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنة رسوله ". وهو في "المشكاة"(186). وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. والله المستعان
…
].
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المراد بعترته: أهل بيته، وسوف يأتي في التعليق التالي - بمشيئة الله - زيادة بيان للمراد بالأهل.
وِالْأَهْلِ (1) وَالصَّحْب والذي
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) فرَّق أبو هلال العسكري في "معجم الفروق اللغوية" بين معنى العترة، والآل، والأهل حيث قال:[الفرق بين العترة والآل: أن العترة على ما قال المبرد: " النصاب، ومنه عترة فلان أي منصبه "، وقال بعضهم: " العترة أصل الشجرة الباقي بعد قطعها قالوا فعترة الرجل أصله "، وقال غيره: " عترة الرجل أهله وبنو أعمامه الأدنون " واحتجوا بقول أبي بكر رضي الله عنه عن عترة رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يعني قريشا فهي مفارقة للآل على كل قول لان الآل هم: الأهل والأتباع، والعترة هم: الأصل في قول والأهل وبنو الأعمام في قول آخر].
وقال أيضاً: [الفرق بين الأهل والآل: أن الأهل يكون من جهة النسب والاختصاص، فمن جهة النسب قولك: أهل الرجل لقرابته الأدنين، ومن جهة الاختصاص قولك أهل البصرة، وأهل العلم، والآل خاصة الرجل من جهة القرابة، أو الصحبة تقول: آل الرجل لأهله وأصحابه، ولا تقول آل البصرة وآل العلم، وقالوا: آل فرعون أتباعه، وكذلك آل لوط، وقال المبرد: إذا صغرت العرب الآل قالت أهل، فيدل على أن أصل الآل الأهل، وقال بعضهم: الآل عيدان الخيمة وأعمدتها، وآل الرجل مشبهون بذلك لأنهم معتمده، والذي يرفع في الصحارى آل لأنه يرتفع كما ترفع عيدان الخيمة، والشخص آل لأنه كذلك.] وانظر أيضاً جلاء الأفهام لابن القيم (ص/203: 209) لبيان وجوه التفريق بين: الآل، والأهل.
إلا أن ظاهر صنيع ما وقفت عليه من كلام العلماء التسوية بين المعاني الاصطلاحية لـ: العترة، وأهل البيت، وآل النبي.
وقد اختلف العلماء في المراد بالآل على أقوال كثيرة ذكرها ابن القيم في جلاء الأفهام (ص/210)، وما بعدها، وغيره، وأقوى الأقوال عندى ما رحجه الشيخ: عبد المحسن بن حمد العباد البدر في رسالته: "فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة"حيث قال: [القولُ الصحيحُ في المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ، وهم أزواجُه وذريَّتُه، وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلب، وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف؛ قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص:14): (وُلِد لهاشم بن عبد مناف: شيبةُ، وهو عبدالمطلب، وفيه العمود والشَّرف، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلَاّ مِن عبدالمطلب فقط).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وانظر عَقِبَ عبدالمطلب في: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص:14 ـ 15)، والتبيين في أنساب القرشيِّين لابن قدامة (ص:76)، ومنهاج السنة لابن تيمية (7/ 304 ـ 305)، وفتح الباري لابن حجر (7/ 78 ـ 79).
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم في صحيحه (1072) عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما صلى الله عليه وسلم:((إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنَّما هي أوساخُ الناس))، ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
وقد ألْحَق بعضُ أهل العلم منهم الشافعي وأحمد بنِي المطلب بن عبد مَناف ببَنِي هاشم في تحريم الصَّدقة عليهم؛ لمشاركتِهم إيَّاهم في إعطائهم من خمس الخُمس؛ وذلك للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (3140) عن جُبير بن مُطعم، الذي فيه أنَّ إعطاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لبَنِي هاشم وبنِي المطلب دون إخوانِهم من بنِي عبد شمس ونوفل؛ لكون بنِي هاشم وبَنِي المطلب شيئاً واحداً.
فأمَّا دخول أزواجه رضي الله عنهن في آلِه صلى الله عليه وسلم، فيدلُّ لذلك قول الله عز وجل:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} ، فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتماً؛ لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم (2424) عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت:((خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}))؛ لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ؛ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث، وتخصيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى، وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه
…
وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ ((الآل))؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد))، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (3/ 214) بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة:((أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها، وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة)).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه ((جلاء الأفهام)) (ص:331 ـ 333) للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه صلى الله عليه وسلم في آل بيته قوله: ((قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصاً أزواجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ مرتفع، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قائمٌ مقامَ النَّسَب، وقد نصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على الصلاةِ عليهنَّ، ولهذا كان القولُ الصحيح ـ وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم.
ويا لله العجب! كيف يدخلُ أزواجُه في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتاً)، وقوله في الأضحية:(اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد)، وفي قول عائشة رضي الله عنه:(ما شبع آلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خُبز بُرٍّ)، وفي قول المصلِّي:(اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد)، ولا يَدخُلْنَ في قوله:(إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد)، مع كونِها من أوساخِ الناس، فأزواجُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها؟!
فإن قيل: لو كانت الصَّدقةُ حراماً عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وهي مولاةٌ لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالةِ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه صلى الله عليه وسلم، وإلَاّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلاً استتبَع ذلك مواليهم، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَعاً لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ.
قالوا: وقد قال الله تعالى: {يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَاتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} وساق الآيات إلى قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ} ، ثم قال: فدخَلْنَ في أهل البيت؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم)).
ويدلُّ على تحريم الصَّدقة على موالِي بَنِي هاشِم ما رواه أبو داود في سننه (1650)، والترمذي (657)، والنسائي (2611) بإسنادٍ صحيح ـ واللفظ لأبي داود ـ عن أبي رافع:((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على الصَّدقة مِن بَنِي مخزوم، فقال لأبي رافع: اصْحَبنِي فإنَّك تُصيبُ منها، قال: حتى آتِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولَى القوم مِن أنفسِهم، وإنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقة)).]. وانظر أيضاً جلاء الأفهام (ص/210) وما بعدها، ومقالة:" آلُ البَيْتِ" للشيخ: عثمان الخميس.