الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . .
…
تَرَى الْكُتْبَ تُؤْتَى بِالْمَيَامِنِ وَالْيُسْرِ (1)
111 -
وَمُنْقِذُنَا مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ
…
إِذَا مَا دَعَا الدَّاعِي إِلَى سَبَبٍ نُكْرِ (2)
الفصل السابع
مدح النبي صلى الله عليه وسلم
-
112 -
فَيَا أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ يَا خَيْرَ مُصْطَفَى (3)
…
إِلَى (4) الْخَلْقِ مِنْ عَرَبٍ وَعُجْمٍ وَمِنْ حَضَرِ (5)
(1) ظاهر هذا البيت أنه يقصد الشفاعة العظمى، وعليه فيكون المقصود من قول الناظم:(شفيع لنا) أي ولغيرنا، استعجالاً للفصل بينهم.
(2)
أي إلى أمر منكر، فظيع، وهو موقف الحساب، وما فيه من البلاء، والزلازل، والأهوال، ويشير الناظم إلى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لآهل الكبائر الذين استوجبوا النار بذنوبهم، ولم تدركهم رحمة الله حتى دخلوا النار، والعياذ بالله.
(3)
بالأصل: مرسل، وفي الهامش تصحيحها إلى: مصطفى.
(4)
بالأصل: من، وفي الهامش تصحيحها إلى: إلى.
(5)
كنت قد بينت أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق عند الكلام على البيت (77)، وأحلت لهذا الموضع للكلام على المفاضلة بين الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ومسألة المفاضلة قد وردت فيها بعض الأدلة التي ظاهرها التعارض، وقد اختلفت مذاهب العلماء في التوفيق بينها، وقد كنت قد بحثت هذا الموضوع عند شرحي لسنن الدارمي - يسر الله عز وجل إتمامه - عند الكلام على أثر ابن عباس رقم (46) والذي سبق نقله عند الكلام على البيت رقم (77) في هذه المنظومة، وسوف أنقل هنا خلاصة ما ذكرته هناك باختصار، والله الموفق.
أولاً: بعض الأدلة الواردة في جواز المفاضلة بين الأنبياء: قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقرة: 253)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} (الإسراء: 55).
ثانياً: بعض الأدلة الواردة في النهي عن المفاضلة بين الأنبياء: ما رواه البخاري (2/ 850)(2281)، ومسلم (4/ 1845) (2374) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً:(لا تخيروا بين الأنبياء)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
، وما رواه البخاري (3/ 1254)(3233)، ومسلم (4/ 1843) (2373) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:(لا تفضلوا بين أنبياء الله).
ثالثاً: مسالك العلماء للجمع بين هذه الأدلة:
1 -
منهم من قال: إن النهي عن التفضيل إنما هو في حالة التشاجر، والتخاصم، أو إذا كان التفضيل يجر إلى التخاصم، والتشاجر، ذكر هذا الوجه ابن ككثير في تفسيره، والنووي، وابن حجر في شرحهما للصحيحين.
2 -
ذكر ابن حجر عن الحليمي أن النهي إنما هو في حق المجادلة الواقعة بين أهل دينين لأنها قد تؤدي إلى الازدراء المفضي إلى الكفر.
3 -
ومنهم من قال: إن النهي لمن يقول برأيه، وهواه لا لمن يستند لدليل، ذكره الطحاوي في مشكل الآثار، وابن كثير، وابن حجر.
4 -
ومنهم من قال: إن التفضيل ليس إلينا، بل هو إلى الله، ذكره ابن كثير، والشوكاني في تفسيريهما.
5 -
ومنهم من قال: إن التفضيل يجوز إجمالاً لا على وجه الخصوص، ذكره ابن عطية في تفسيره، والطحاوي في معاني الآثار، وابن أبي العز في شرح الطحاوية.
6 -
ومنهم من قال: إن النهي عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول والإزراء به، والإخلال بالواجب في حقه، ذكره البغوي في شرح السنة، والقركبي، والنووي، وابن حجر، وشارح الطحاوية، والقاضي عياض في الشفا.
7 -
ومنهم من قال: إن النهي عن تفضيل المفاخرة، ذكره المناوي في فيض القدير، وشارح الطحاوية.
8 -
ومنهم من قال: إن النهي عن التفضيل بجميع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة، ذكره ابن حجر في الفتح.
9 -
ومنهم من قال: إن النهي قاله صلى الله عليه وسلم على جهة التواضع، ذكره ابن كثير، والنووي، وعزاه القرطبي لابن قتيبة، وذكره القاضي عياض في الشفا ثم قال: وهذا لا يسلم من الاعتراض.
10 -
ومنهم من قال: إن النهي كان قبل أن يعلم بالتفضيل، ذكره النووي، والقاضي عياض، والقرطبي، وابن كثير، ثم قال: فيه نظر.
11 -
ومنهم من قال: إن النهي عن التفضيل إنما هو من جهة النبوة لا من جهة الكرامات، والأحوال، ونحو ذلك، ذكره القرطبي، والنووي، وابن حجر، والقاضي عياض.
إلى غير ذلك من الوجوه. وهذه الوجوه وإن كان بعضها متداخلاً، إلا أنها حسنة، وإن كان بعضها أحسن من بعض.
113 -
عَلَيْكَ (1) سَلَامُ اللهِ (2) يَا نَجْلَ هَاشِمٍ
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) قدَّم الناظم رحمه الله هنا شبه الجملة الدالة على المدعو له، وهو النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، على لفظ السلام، امتثالا للمفهوم المستفاد من إقراره صلى الله عليه وسلم للخبر الوارد في الحديث الذي رواه أبو داود (4/ 353)(5209)، والترمذي (5/ 72)(2722)، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الكبرى (6/ 87)(10149)، والطبراني (7/ 65)(6386)، والحاكم (4/ 206)(7382)، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وصححه الذهبي، والألباني، والشيخ الأرناؤوط - كلهم من طريق - أبي تميمة الهجيمي عن أبي جري الهجيمي جابر بن سليم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله قال " لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى ".
وهذا الفهم الذي ذهب إليه الناظم قد ذهب إلى خلافه ابن القيم، وعلي القاري في المرقاة (4/ 217 - 218)، ونص على بدعيته الشيخ الألباني كما في أحكام الجنائز (ص/259 - 260)، وعبارة ابن القيم من أجمع العبارات التي وقفت عليها، قال رحمه الله في بدائع الفوائد (2/ 399 - 400): [فصل عليك السلام تحية الموتى - وأما السؤال الثامن عشر وهو نهى النبي من قال له: عليك السلام عن ذلك، وقال: لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى، فما أكثر من ذهب عن الصواب في معناه، وخفي عليه مقصوده، وسره فتعسف ضروبا من التأويلات المستنكرة الباردة، ورد بعضهم الحديث، وقال: قد صح عن النبي أنه قال في تحية الموتى: السلام عليكم دار قوم مؤمنين - رواه مسلم (1/ 218)(249) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قالوا: وهذا أصح من حديث النهي، وقد تضمن تقديم ذكر لفظ السلام فوجب المصير إليه.
وتوهمت طائفة أن السنة في سلام الموتى أن يقال: عليكم السلام فرقا بين السلام على الأحياء، والأموات، وهؤلاء كلهم إنما أتوا ما أتوه من عدم فهمهم لمقصود الحديث، فإن قوله: عليك السلام تحية الموتى، ليس تشريعا منه، وإخبارا عن أمر شرعي، وإنما هو إخبار عن الواقع المعتاد الذي جرى على ألسنة الشعراء، والناس فإنهم كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء كما قال قائلهم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحما
وقول الذي رثى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عليك سلام من أمير وباركت
…
يد الله في ذاك الأديم الممزق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا أكثر في أشعارهم من أن نذكره ههنا، والإخبار عن الواقع لا يدل على جوازه فضلا عن كونه سنة بل نهيه عنه مع إخباره بوقوعه يدل على عدم مشروعيته. - قلت: والنهي إنما هو في حق الحي لا الميت، والإقرار إنما هو في حق المتوفي فافترقا، فعدم المشروعية إنما تتجه للحي لا المتوفي. فتنبه -.
ثم قال: وأن السنة في السلام: تقديم لفظه على لفظ المسلم عليه، في السلام على الأحياء، وعلى الأموات، فكما لا يقال في السلام على الأحياء: عليكم السلام، فكذلك لا يقال في سلام الأموات، كما دلت السنة الصحيحة على الأمرين - قلت: وغاية ما ورد في حق الأموات هنا هو فعله صلى الله عليه وسلم، وتعليمهم لتقديم لفظ السلام على المسلم عليه، ولا يستفاد من ذلك عدم جواز غيره، فتنبه.-، وكأن الذي تخيله القوم من الفرق أن المسلم على غيره لما كان يتوقع الجواب، وأن يقال له: وعليك السلام، بدءوا باسم السلام على المدعو له توقعا لقوله: وعليك السلام، وأما الميت فما لم يتوقعوا منه ذلك قدموا المدعو له على الدعاء فقالوا: عليك السلام، وهذا الفرق لو صح كان دليلا على التسوية بين الأحياء والأموات في السلام فإن المسلم على أخيه الميت يتوقع الجواب أيضا. قال ابن عبد البر ثبت عن النبي أنه قال:(ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. وبالجملة فهذا الخيال قد أبطلته السنة الصحيحة تشريع السلام على الأحياء والأموات، وهنا نكتة بديعة ينبغي التفطن لها وهي أن: السلام شرع على الأحياء، والأموات بتقديم اسمه على المسلم عليهم؛ لأنه دعاء بخير والأحسن في دعاء الخير أن يتقدم الدعاء به على المدعو له كقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}، وقوله: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)،:{سَلامٌ عَلَى نُوحٍ} ،:{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ،:{سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} .
وأما الدعاء بالشر فيقدم فيه المدعو علي المدعو به غالبا كقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} ، وقوله:{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَة} ، وقوله:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} ، وقوله:{وَعَلَيْهِمْ غَضَب}
…
].
وقد تعقب ابن حجر الأدلة التي أشار إليها ابن القيم، فرجح أن قيس بن عاصم المذكور في الشعر الذي استشهد به ابن القيم صحابي مشهور، عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأن قائل هذا الشعر مسلم معروف - قلت: وهو عبدة بن الطبيب، كما ذكر الخطابي في غريب الحديث، وكذا ابن حجر في الإصابة - قاله لما مات قيس، ويجاب بأنه قد لا يكون علم النهي، فلا معارضة بينه وبين المرفوع. وأبطل أيضاً الملازمة بين تقديم المدعو على المدعو به في الشر، بآية الملاعنة فقد تقدم فيها ذكر اللعنة، والغضب على الاسم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قلت: وأما الحديث الذي ذكره ابن القيم: (ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام فهو حديث ضعيف، لا يثبت، فقد أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 58)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 137)(3175) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والحديث ضعفه الشيخ الألباني في الضعيفة (4493).
وقد سلك العلماء في الجمع بين حديث الباب، ودعاء دخول المقابر، مسالك ومما وقفت عليه في ذلك ما نقله ابن حجر في الفتح (11/ 5) عن ابن العربي فقال:(وقال بن العربي في السلام على أهل البقيع لا يعارض النهي في حديث أبي جرى، لاحتمال أن يكون الله أحياهم لنبيه صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم سلام الأحياء، كذا قال، ويرده حديث عائشة المذكور- أي الذي علمها فيه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء دخول المقابر بلفظ: (السلام على أهل الديار من المؤمنين) - قال: ويحتمل أن يكون النهي مخصوصا بمن يرى أنها تحية الموتى، وبمن يتطير بها من الأحياء فإنها كانت عادة أهل الجاهلية، وجاء الإسلام بخلاف ذلك) ثم نقل ابن حجر عن القرطبي وجهاً آخر فقال:(وقال القرطبي: يحتمل أن يكون حديث عائشة لمن زار المقبرة فسلم على جميع من بها، وحديث أبي جرى إثباتا، ونفيا في السلام على الشخص الواحد).
قلت: ومن أقوى الأدلة في هذه المسألة ما رواه عبد الرزاق (2/ 204)(3075) عن بن جريج عن عطاء (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسلمون والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله، وبركاته، فلما مات قالوا: السلام على النبي، ورحمة الله، وبركاته) وقد صحح إسناده الشيخ الألباني في هامش صفة الصلاة (ص/98)، وأثبت تصريح ابن جريج بالسماع، وهذه المسألة محل الشاهد فيها ظاهر من أن الصحابة - يعني من نقل عنهم هذا التفريق كابن مسعود، وأم المؤمنين عائشة، وغيرهما ممن نقل عنهم نحو هذا التفريق بالأسانيد الصحيحة رضي الله عنهم أجمعين - لم يفرقوا بين حالتي موته، وحياته صلى الله عليه وسلم في تقديم لفظ السلام علة المدعو له، ويتأيد هذا ويقوى في عدم التفريق أحاديث دعاء دخول المقابر، وأولى الأقوال عندي في الجمع أصولياً بين المفهوم المستفاد من إقراره صلى الله عليه وسلم للخبر الوارد في حديث أبي جري رضي الله عنه، وما سبق، أن كلا الأمرين جائز، وأولاهما تقديم لفظ السلام على المسلم عليه، والله أعلم.،
(2)
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/ 268: 272): [أما السؤال الرابع، وهو ما معنى السلام المطلوب عند التحية؟ ففيه قولان مشهوران، أحدهما: أن المعنى اسم السلام عليكم، والسلام هنا هو الله - عز
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا عَالِيَ الْقَدْرِ
114 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا صَفْوَةَ الْوَرَى
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا مَعْدَنَ التِّبْرِ (1)
وجل -، ومعنى الكلام نزلت بركة اسمه عليكم، وحلت عليكم، ونحو هذا
…
القول الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة، وهو المطلوب المدعو به عند التحية
…
وفصل الخطاب في هذه المسألة أن يقال: الحق في مجموع القولين، فلكل منهما بعض الحق، والصواب في مجموعهما وإنما نبين ذلك بقاعدة قد أشرنا إليها مرارا، وهي: أن من دعا الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يسأل في كل مطلوب ويتوسل إليه بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله، حتى كأن الداعي مستشفع إليه متوسل إليه به
…
وإذا ثبت هذا فالمقام لما كان مقام طلب السلامة، التي هي أهم ما عند الرجل أتى في لفظها بصيغة اسم من أسماء الله، وهو: السلام الذي يطلب منه السلامة، فتضمن لفظ السلام معنيين، أحدهما: ذكر الله، والثاني: طلب السلامة، وهو مقصود المسلم، فقد تضمن سلام عليكم اسما من أسماء الله، وطلب السلامة منه فتأمل هذه الفائدة].
وقد نكر الناظم رحمه الله لفظ السلام، وهذا اختيار ابن القيم، وذهب النووي، وابن حجر إلى أن تعريف السلام أفضل، وقد جرت محاورة حول هذه المسألة بين الشيخ: محمود شاكر، والكاتب العراقي: صبحي البصام، وذلك في مجلة الرسالة المؤرخة بتاريخ 7 يناير 1946م العدد 653 فما بعده، انتصر فيها الشيخ محمود شاكر إلى جواز تعريف السلام، والمسألة فيها خلاف، وإن أردت أن تقف على حقيقته فانظره في الموضع المشار إليه، والقول الراجح - والله أعلم - كما حققه بعض الإخوة على شبكة الإنترنت في موقع ملتقى أهل الحديث، وأشار لنفسه بلقب: ابن دحيان - أن تنكير السلام وتعريفه، يكون حسب الموضع، فهناك مواضع يحسن أن يعرف فيها السلام وهناك مواضع يحسن أن ينكر فيها السلام، فمثال ذلك: إذا أرد الإنسان أن يسلم في أول كلامه وفي آخره فيحسن به في هذه الحالة، أن يبتدئ بالتنكير، وينتهي بالتعريف
…
ومثال السلام المعرف: إذا أراد المسلم أن يخرج من الصلاة، فلا يصح أن يأتي بالسلام إلا معرفاً.
(1)
قال الأزهري في تهذيب اللغة مادة (ت ب ر): [قال الليث: التِّبْر الذهبُ والفضَّة قبل أن يُصاغا. قال: وبعضهم يقول: كل جوهر قبل أن يستعمل تِبْرٌ، من النحاس والصُّفْر، وأنشد:
كلُّ قومٍ صِيغَةٌ مِن تبْرِهِمْ
…
وبَنُو عَبْدِ مَنافٍ من ذَهَبْ
ثعلب عن ابن الأعرابي: التبر الفُتات من الذهب والفضة قبل أن يُصاغا، قلت: التبر يقع على جميع جواهر الأرض قبل أن تُصاغ، منها النحاس والصُّفر والشَّبة والزجاج وغيره فإذا صيغا فهما ذهب وفضة
…
].
115 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا صَاحِبَ الِّلوَى (1)
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا طَيِّبَ النَّشْرِ (2)
116 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا عَلَمَ الْهُدَى
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا سَامِيَ الذِّكْرِ
117 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا قَمَرَ الدُّجَى (3)
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا مُسْتَضَا الْفَجْرِ (4)
118 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ (5) أَلْقَى بِهَا. . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) يشير إلى جزء من حديث ورد عن عدة من الصحابة منهم أبي سعيد رضي الله عنه، فقد روى الترمذي (5/ 308)(3148)، وقال حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1440) (4308) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي
…
] الحديث، وابن جدعان ضعيف، إلا أن الحديث صحيح بالشواهد، وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله.
(2)
أي طيب الرائح صلى الله عليه وسلم قال الزبيدي في تاج العروس مادة (نشر): [النَّشْرُ: الرِّيح الطَّيِّبةُ، قال مُرَقِّشٌ:
النَّشْرُ مِسْكٌ والوُجوهُ دَنا
…
نِيرٌ وأَطرافُ الأَكُفِّ عَنَمْ
أَو أَعَمُّ، أَي الرِّيحُ مُطلقاً من غير أَن يقيّد بطيبٍ أَو نَتْنٍ، وهو قول أبي عُبَيد
…
].
(3)
الدحي: الظلمة، والمقصود هنا ظلمة الكفر، والشك، والريب، فقد أرسل الله لنا محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرجنا به من هذه الظلمات إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير.
(4)
أي نور الهداية الذي بدد به الله عز وجل ظلام الضلالة.
(5)
وسلام الناظم هنا على النبي صلى الله عليه وسلم من باب التوسل بالعمل الصالح، وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وبيان الأول من وجوه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 - امتثاله للأمر القرآني بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56)، وهذا عمل صالح.
2 -
أن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من باب الدعاء له بأن تحل عليه بركة اسمه تعالى، وبمعنى السلامة من العيوب، والنقائص، ونحو ذلك، وقد روى أبو داود (2/ 76)(1479)، والترمذي (5/ 211)(2969)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1258)(3828)، وأحمد (4/ 267) من طريق عن زر بن عبد الله الهمداني عن سبيع الكندي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء هو العبادة)، صححه الشيخ الألباني، والأرناؤوط، فصح بذلك أن السلام عمل صالح.
3 -
أن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يستلزم الإيمان به، ومحبته، وهذا واضح فيما عدده الناظم في الأبيات السابقة من فضائل، ومدح للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا من الأعمال صالحة.
ثانياً: روى أبود داود (2/ 218)(2041)، وأحمد (2/ 527) من طريق حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ".وحسنه الشيخ الألباني، والأرناؤوط، فهذا هو وجه توسله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في رده السلام عليه.
ولا يفوتني هنا التنبيه على أن جعل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من باب التوسل بالعمل الصالح له شبه بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم (1/ 288)(384) من حديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) فكل من الصلاة على النبي، وطلب الوسيلة له من الأعمال الصالحة التي يتوصل بها إلى مقصود معين، كالصلاة من الله تعالى على المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، أو نيل الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة لطلبه الوسيلة له.
وعليه فقد ظهر بذلك أن الصلاة، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القرب إلى الله عز وجل، وبذلك يستقيم التوسل إلى الله عز وجل بهما. وقد أطلت في بيان هذا الأمر الواضح؛ لأن ظاهر عبارة المؤلف فيها بعض الغموض.
. . . . . . . . . . . . . الْعِدَى (1)
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ اُشْدُدُ بِهَا أَزْرِي (2)
119 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَرْقَى بِهَا الْعُلَى (3)
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَمْحُو بِهَا وِزْرِي (4)
(1) بدأ الناظم هنا بيان الأمور التي يطلبها بين يدي توسله لله عز وجل بسلامه على النبي صلى الله عليه وسلم: وهو أن يلقى الأعداء فينتصر عليهم ببركة سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم، وإيضاحه أن يطلب بذلك أن يحل عليه بركة هذا الاسم، وأن يكون سالماً من النقائص، فيكون أهلاً للانتصار على الأعداء بإذن الله.
وعليه فعبارته هنا، وفي فيما من مثيلاتها في الأبيات التالية تكون من باب الخبر الذي أريد به الإنشاء، وبمعنى آخر: أنها من باب إطلاق المسبب، وإرادة سببه كنحو قوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} فقد أطلق الله تعالى الرزق وأراد المطر، لأن المطر سبب الرزق.
(2)
أي أقوي به ظهري، والأزر الظهر من موضع الحقوين، ومعناه تقوى بها نفسي، والأزر: القوة، وآزره: قواه، ومنه قوله تعالى:{فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظ} (الفتح: 29) وقال أبو طالب:
أليس أبونا هاشم شد أزره
…
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
وقيل: الأزر العون، أي تكون بركة هذا الدعاء عونا يستقيم به أمري، قال الشاعر:
شددت به أزري وأيقنت أنه
…
أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهبه.
وانظر تفسير القرطبي عند قوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} (طه:31).
(3)
أي في درجات الجنة، وإنني لألمح في هذه الأبيات بعض المغالاة من الناظم، وذلك في بيان ما يرجوه من ثواب على سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه والحمد لله بعيد عن الشرك.
(4)
وهذا من باب قوله صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي (4/ 355)(1987)، وقال: حسن صحيح، والدارمي (2/ 415)(2791)، وأحمد (5/ 152) كلهم من طريق سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شيب عن أبي ذر رضي الله عنه به، والحديث حسنة الشيخ الألباني رحمه الله، وحسنه الشيخ الأرناؤوط لغيره.
120 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَسْعَى بِنُورِهَا (1)
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَقْضِي بِهَا أَمْرِي (2)
121 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَرْجُو ثَوَابَهَا
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَزْكُو بِهَا أَجْرِي (3)
122 -
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَحْيَا بِذِكْرِهَا (4)
…
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَجْعَلُهَا ذُخْرِي (5)
(1) والسعي هنا يشمل السعي الحسي، والمعنوي، فالمعنوي يقصد به أنه يسعى في طريق الإيمان، والهداية بنور هذه الطاعة في قلبه، قال سليمان بن طرخان:(الحسنة نور في القلب، وقوة في العمل، والسيئة ظلمة في القلب، وضعف في العمل) رواه أبو نعيم في الحلية (3/ 30).
والحسي يقصد به النور الذي يكتسبه الإنسان من أعماله الصالحة والذي يتَّبعه على الصراط، فقد روى مسلم (1/ 177) (191) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: [يعطي كل إنسان منهم منافق، أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب، وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوهم كالقمر ليلة البدر
…
]، وقد ورد ما هو أصرح منه عند الحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد سبق ذكره عند التعليق على البيت رقم (74).
(2)
وفي هذا البيت من الغلو ما يجعله أقرب إلى الخطأ من الصواب، وخاصة هذا الشطر، فإن ما ذكر من أنه يقضي أموره بسلامه على النبي يحتاج إلى دليل.
(3)
أي ينمو، ويزداد.
(4)
أي يحيا قلبه بنور هذه الطاعة؛ لأن الذكر عموماً فيه حياة القلوب، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع فيه ذكر اسم الله تعالى: السلام، وأيضاً الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم كما سبق بيان ذلك.
(5)
الذخر: هو ما يجمعه الإنسان، ويحفظه لوقت الحاجة إليه، والأقرب أن الناظم رحمه الله يقصد أنها ذخر له في الآخرة بما يرجوا من ثوابها عند الله - تعالى -.
وقد تكرر - كما هنا، وكما سيأتي - أن الناظم اعتبر بعض الأعمال ذخر له في آخرته أو في شدته، وكان الأولى به أن يطلب من الله قبولها، فيقول: أرجو قبولها، لا أن يجزم باستحقاق الأجر، وأنه يدخره ذخراً لنفسه عند الحاجة إليه، فإن قوله هذا فيه مدح ضمني لنفسه باستيفاء شروط العمل، وجزمه بقبوله، وأنه يدخره لوقت الحاجة، أيضاً مع ما فيه من مخالفة لهذي السلف الصالح، فإن العمل قد يكون صالحاً، ولا يقبل، لثبوت موانع، أو انتفاء شروط، قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة /27) أي أن الله عز وجل يتقبل من الأعمال ما استوفى شروط القبول.
قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف (ص/375): [كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله، وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده وهؤلاء الذين:{يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (المؤمنون/60). روي عن علي رضي الله عنه قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة /27). وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا، وما فيها؛ لأن الله يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
…
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم، أيقبل منهم أم لا
…
].
123 -
فَمَا خَابَ مَنْ يَرْجُوكَ ذُخْراً لِدِينِهِ
…
وَدُنْيَاهُ فِي إِعْلَانِ أَمْرٍ وَفِي سِرِّ (1)
(1) النبي صلى الله عليه وسلم هو مُعَلِّم الأمة، والمبلغ عن الله عز وجل وهو شفيعنا عند الله، فاستقام بذلك أن يكون ذخراً لنا في جميع الأمور: في حياته بالبلاغ، والتعليم، والدعاء لنا، أو بالتماس بركته في حياته، وبعد مماته بما ثبت أنه من آثاره.
قال العلامة السهسواني في كتابه القيم "صيانة الإنسان عن وساوس الشيخ دحلان"، وهو يتكلم عن أنواع التوسل: [و (الثالث) أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بتصديقه على الرسالة، والإيمان بماجاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه، ومولاة من ولاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها واستشارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها، وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبته ومحبة أهل بيته وأصحابه ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من عترته وصحبه ودعاء الوسيلة له، والصبر على لأواء مهجره وشدته ونحو ذلك، وكذلك التوسل بالصالحين بمحبتهم وتوقيرهم وإجلالهم، وما يحذو حذوه.
124 -
فَلَوْ أَنَّ شِعْرِي وَالْجَوَارِحَ أَلْسُنٌ
…
لِمَدْحِكَ كَلَّتْ عَنْ مُقَارَبَةِ الْعُشْرِ
وهذا التوسل هو عين دين الإسلام لا يجحده أحد من المسلمين، لكن هذا التوسل في الحقيقة هو التوسل بالأعمال الصالحة، وإن سماه أحد توسلاً بالأنبياء والصالحين فلا يتغير حكمه بهذه التسمية، فإن العبرة للمسمى والمعنون لا للاسم والعنوان.
(الرابع) التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته كفاحاً، وكذلك التوسل بدعاء الصالحين، ومنه قول عمر رضي الله عنه:(اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا). ومنه قول أعرابي حين أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا)، ومنها ما كانت الصحابة رضي الله عنهم من أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إليه، فقال: يا رسول الله فعلت كذا، وكذا فاستغفر لي، وإليه الإشارة في قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} . وهذا أيضاً مما لا نزاع فيه لأحد، وعليه يحمل حديث الضرير (اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة) على تقدير ثبوته - قلت: (المحقق)، والصحيح أنه ثابت فقد رواه الترمذي، وأحمد، وغيرهما، وصححه الألباني، والأرناوؤط -، أي بدعاء نبيك، ويدل عليه لفظ فقال "ادع الله" وقوله "اللهم شفعه فيّ".].
وأما ما في عبارة الناظم من إطلاق كون النبي صلى الله عليه وسلم ذخراً لنا في أمورنا كلها، في الدنيا، والدين، فإنه يحتاج للتقييد بكونه حياً، أو بما ورد به الدليل بعد موته: كنحو رد السلام على المُسَلِّم.
ولا يفوتني هنا التنبيه على عدم مشروعية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاهه بعد موته؛ لعدول الصحابة رضي الله عنهم عنه، مع وجود المقتضي، وانتفاء الموانع، وتوسلهم بدعاء العباس رضي الله عنه للاستسقاء، فدل هذا على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه، وبشفاعته، لا السؤال بذاته، ولا بجاهه، ومما يؤكد ذلك دعاء النبي للرجل الأعمى الذي توسل به صلى الله عليه وسلم ليرد الله له بصره. وانظر في التوسل:"قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لابن تيمية، و" التوصل إلى حقيقة التوسل" لمحمد نسيب الرفاعي، و"التوسل أنواعه، وأحكامه" للشيخ الألباني، و" صيانة الإنسان" للسهسواني، فقد أجاد في بيان أنواع التوسل المشروع، والممنوع، ولولا طول كلامه، وخشية الإطالة لنقلته برمته.