الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
89 -
رَأَى مَا رَأَى مِنْ عِظْمِ آَيَاتِ رَبِّهِ
…
وَعَادَ وَلَمْ يَخْلُ الْفِرَاشُ مِنَ الْحَرِّ (1)
90 -
وَمَا ضَلَّ فِيمَا قَالَ عَنْهُ وَمَا غَوَى
…
وَمَا زَاغَ عَنْ رُؤْيَا وَمَا مَانَ (2) فِي خَبْرِ
91 -
وَمَا مَالَ عَنْ حَقٍّ وَمَا قَالَ عَنْ هَوَى
…
وَلَكِنْ يَقُولُ الْحَقَّ عَنْهُ إِذَا سُرِّى (3)
الفصل الثالث
بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم
-
92 -
وَكَلَّمُهُ ظَبْيٌ (4) وَشَاةٌ. . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . .
(1) قال البيروتي في أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (1/ 148)(689): [حديث ذهابه ورجوعه ليلة الإسراء ولم يبرد فراشه لم يثبت ذلك
…
]. وقال الشقيري في السنن والمبتدعات (ص/143): [ومسألة ذهابه صلى الله عليه وسلم ورجوعه ليلة الإسراء، ولم يبرد فراشه لم تثبت بل هي أكذوبة من أكاذيب الناس].
(2)
أي كذب. قال الرازي في مختار الصحاح مادة (مين): [المَيْنُ: الكذب، وجمعه: مُيُونٌ، يُقال: أَكثَرُ الظُّنُون مُيُون، وقد مَانَ الرجل من باب باع، فهو مائِنٌ، ومَيُون].
(3)
قال ابن الجوزي في غريب الحديث (باب السين مع الراء): [سُرِّيَ عَنْهُ أي كًشِفَ عَنْهُ الخَوْف]، ويشير الناظم رحمه الله إلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم في إبلاغ خبر السماء، بعد انكشاف الوحي عنه. روى البخاري (4/ 1581)(4093)، ومسلم (2/ 741) (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً:(ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء).
(4)
كلام الغزالة مع النبي صلى الله عليه وسلم قد ورد من طرق لا تخلو من مقال عن أم سلمة، وأنس،
وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم إلا أن مجموع هذه الطرق يشهد أن لهذه القصة أصلاً. فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحراء، فإذا مناديا يناديه: يا رسول الله، فالتفت فلم ير أحدا، ثم التفت فإذا ظبية موثقة، فقالت: ادن مني يا رسول الله، فدنا منها فقال: (حاجتك؟) قالت: إن لي خشفين في ذلك الجبل فحلني حتى أذهب فأرضعهما ثم أرجع إليك، قال: (وتفعلين؟) قالت: عذبني الله بعذاب العشار إن لم أفعل، فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها، وانتبه الأعرابي فقال: لك حاجة يا رسول الله؟ قال: (نعم تطلق هذه) فأطلقها فخرجت تعدو وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله] رواه الطبراني (23/ 331)(763)، وغيره، وقال الهيثمي في المجمع:(رواه الطبراني، وفيه أغلب بن تميم وهو ضعيف)، وقال عنه الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (482): ضعيف جداً. وأما حديث أنس رضي الله عنه فرواه الطبراني في " الأوسط "(5/ 358)(5547)، وغيره، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 140):(رواه الطبراني في الأوسط وفيه صالح المري وهو ضعيف). وأما حديث زيد فرواه البيهقي في " دلائل النبوة "(6/ 34 - 35)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق "(4/ 380)، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (6/ 149) ثم قال: وفي بعضه نكارة. وأما حديث أبي سعيد، فرواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " وقال الشامي في " سبل الهدى والرشاد (9/ 520):[قال الحافظ في أماليه على مختصر ابن الحاجب بعد أن أورده من حديث أبي سعيد: حديث غريب، وعلي بن قادم، وشيخه، وشيخ شيوخه كوفيون فيهم مقال، وأشدهم ضعفا عطية، ولو توبع حكمت بحسنه.]، وقال أيضاً - الشامي - في نفس الموضع:[قال القطب الحضرمي في خصائصه: هذا الحديث ضعفه بعض الحفاظ لكن طرقه يتقوى بعضها ببعض، انتهى. وقال الشيخ: لهذا الحديث طرق كثيرة تشهد أن للقصة أصلا، انتهى.]. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (332): (حديث: تسليم الغزالة، اشتهر على الألسنة، وفي المدائح النبوية، وليس له كما قاله ابن كثير أصل، ومن نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب، ولكن قد ورد الكلام في الجملة في عدة أحاديث يتقوى بعضها ببعض، أوردها شيخنا في المجلس الحادي والستين من تخريج أحاديث المختصر)، وانظر الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 61).
. . . . . . . . . حَنِيذَةٌ (1)
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أي: مشوية، وانظر اللسان مادة (حنذ)، وقصة أكله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة وردت في الصحيحين، إلا أن زيادة تكليم الشاة أو الذراع للنبي صلى الله عليه وسلم قد وردت من طرق فيها مقال ولكنها تقوي بعضها بعضا. منها: ما رواه أبو داود (2/ 581)(4510)، والدارمي (1/ 46)(68) من طريق الزهري عن جابر، وفيه:(أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها " أسممت هذه الشاة؟ " قالت اليهودية من أخبرك؟ قال " أخبرتني هذه في يدي " للذراع قالت نعم) الحديث، وأعله الحافظ في الفتح (7/ 497): بالانقطاع بين الزهري، وجابر رضي الله عنه. وله شاهد عن أبي سلمة عن أبي هريرة عند الطبراني (2/ 34)(1202)، وقال عنه الهيثمي في " المجمع " (6/ 455):(رواه الطبراني وفيه سعيد بن محمد الوراق وهو ضعيف)، وشاهد عن أم مبشر رضي الله عنها عند أبي داود (4515)(2/ 583)، ولم يسق موضع الشاهد فيه، وإنما قال: بنحو حديث جابر. ورجاله ثقات إلا أنه قد اختلف في إسناده على الزهري: هل هو عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن أمه كما في صوبها أبو سعيد بن الأعرابي شيخ الإمام أبي داود، أم عن أم مبشر بدون ذكر أبيه كما في أصل رواية أبي داود، أم عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه به بدون ذكر أمه كما وقع عند الطبراني (19/ 70) (137) بسند قال عنه الهيثمي في المجمع (8/ 523):(رواه الطبراني وفيه أحمد بن بكر البالسي وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ، وضعفه ابن عدي، وبقية رجاله رجال الصحيح)، وقد صحح الشيخ الألباني رحمه الله رواية الإمام أبي داود.، وله شاهد مرسل عن عروة بن الزبير بسند فيه ابن لهيعة عند الطبراني (2/ 35)(1204)، وشاهد مرسل بإسناد حسن عن أبي سلمة عند أبي داود (2/ 581)(4511)، والدارمي (1/ 46)(67)، وكل هذا لا يقصر عن الحكم بثبوت أصل القصة من تكليم الذراع، أو الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم.
. . . . . .
…
. وَحَنَّ إِلَيْهِ الْجِذعُ (1). . . . . . . . . . . .
(1) قال الكتاني في نظم المتناثر (ص/ 302): [حنين الجذع: أورده في الأزهار من حديث سهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي بن كعب، وبريدة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأنس، وأم سلمة، والمطلب بن أبي وداعة السمهي عشرة أنفس. (قلت) قال عياض في الشفا: أمره مشهور منتشر، والخبر به متواتر أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر ثم ذكر منهم العشرة المذكورين. وقال الحافظ بن حجر في أماليه: طرقه كثيرة. قال البيهقي أمره ظاهر نقله الخلف عن السلف، وإيراد الأحاديث فيه كالتكلف، يعني لشدة شهرته. وهو كما قال فقد وقع لنا من حديث عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس، وجابر، وسهل بن سعد، وأبيّ، وأبي سعيد، وبريدة، وعائشة، وأم سلمة، ثم ذكر أحاديثهم كلها فانظره. وقال في فتح الباري: حديث حنين الجذع، وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك والله أعلم اهـ. وفي شرح ألفية السير للعراقي للشيخ عبد الرءوف المناوي: ورد حنين الجذع من طرق كثيرة صحيحة يفيد مجموعها التواتر المعنوي ثم ذكر أنه ورد عن جمع من الصحابة نحو العشرين، وممن نص على تواتره أيضا: التاج السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب الأصلي، وأبو عبد الله ابن النعمان في كتاب المستغيثين بخير الأنام، نقل كلامه الدميري في حياة الحيوان في مبحث العشراء فراجعه].
. . . . . . . . . . . . . . . .
…
تَحْنَانَ (1) ذِي فَرِّ (2)
93 -
وَشُقَّ لَهُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ وَلَمْ يَكُنْ
…
كَمَا زَعَمَ الْكُفَّارُ خَابُوا مِنَ السِّحْرِ (3)
(1) وفي المعجم الوجيز مادة (حَنَّ): التَّحْنَان: الحَنِينُ الشديدُ.
(2)
الفَرُّ وَالْفِرارُ: الرَّوَغانُ وَالْهَرَبُ. كما في اللسان مادة (فرر). ومقصود الناظم بيان هذه المعجزة التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم فقد حنَّ له الجماد مشتاقاً، وبكى، كأنه من ذوات الأرواح، وقد جاء في بعض الأحاديث أن حنين الجذع كان كصوت العشار، وفي بعضها: كصياح الصبي، وفي بعضها: كخوار الثور، وفي بعضها: كحنين الواله - أي المرأة التي مات لها ولد - وكل هذه الروايات لأصوات متقاربة سمعها الصحابة فشبهه كل منهم بأقرب مَثَل عنده، ولولا وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه لظل يحن إلى يوم القيامة، وقد ثبت بإسناد حسن لغيره أن الجذع أختار أن يغرسه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة بعد أن خيَّره بين أن يغرسه في البستان، فيعود كأفضل مما كان مثمراً مورقاً، وبين أن يغرسه في الجنة. وقد تكلمت على هذه المعجزة بإسهاب، وتحرير في شرحي لأحاديث الباب السادس من سنن الدارمي، يسر الله إتمامه.
(3)
قال الكتاني في نظم المتناثر (ص/ 303): [(انشقاق القمر) قال التاج ابن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب الأصلي: الصحيح عندي أن انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مروي في الصحيحين، وغيرهما من طرق من حديث شعبة عن سليمان بن مهران عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود. ثم قال: وله طرق أخرى شتى بحيث لا يمتري في تواتره. وقال في الشفا بعد ما ذكر أن كثيرا من الآيات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم معلومة بالقطع ما نصه: أما انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه، وأخبر بوجوده، ولا يعدل عن ظاهر إلا بدليل، وجاء برفع احتماله صحيح الأخبار من طرق كثيرة، فلا يوهن عزمنا خلاف أخرق منحل عرى الدين، ولا يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك في قلوب الضعفاء المؤمنين، بل نرغم بهذا أنفه وننبذ بالعراء سخفه اهـ. وفي أمالي الحافظ ابن حجر: أجمع المفسرون، وأهل السير على وقوعه. قال: ورواه من الصحابة: علي، وابن مسعود، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عمر، وابن عباس، وأنس. وقال القرطبي في المفهم: رواه العدد الكثير من الصحابة، ونقله عنهم الجم الغفير من التابعين فمن بعدهم اهـ. وفي المواهب اللدنية: جاءت أحاديث الانشقاق في روايات صحيحة عن جماعة من الصحابة منهم: أنس، وابن مسعود، وابن عباس، وعلي، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عمر، وغيرهم اهـ. وقال ابن عبد البر: روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا، وتأيد بالآية الكريمة اهـ. وقال المناوي في شرحه لألفية السير للعراقي: تواترت بانشقاق القمر الأحاديث الحسان كما حققه التاج السبكي، وغيره اهـ
…
].
94 -
وَكَانَ يُحيِّيهِ بِمَكَّةَ جَلْمَدٌ (1)
…
إِذَا مَرَّ مُجْتَازَاً عَلَيْهِ مِنَ الصَّخْرِ (2)
95 -
وَكَانَ يَسِيرُ الرُّعْبُ شَهْراً أَمَامَهُ (3)
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أي: صخر، وانظر اللسان مادة (جلمد)، وقال المطرزي في المغرب باب: الجيم مع اللام): [الجَلْمَد والجُلْمود: الحجر المستدير، وميمه للإلحاق].
فائدة: قال الثعالبي في فقه اللغة: (في تَرْتِيبِ مَقَادِيرِ الحِجَارَةِ عَلَى القِيَاسِ والتَّقْرِيبِ): إذا كَانَتْ صَغِيرَةً فَهِيَ حَصَاة فإذا كَانَتْ مِثْلَ الجَوْزَةِ وصَلُحَتْ للاسْتِنْجَاءِ بِهَا فهِيَ نُبْلَة وفي الحديث: (اتَّقوا المَلَاعن وأعِدُّوا النُّبَلَ). يعنِي عِنْدَ إتْيانِ الغَائِطِ فإذا كَانَتْ أعْظَمَ مِنَ الجَوْزَةِ فَهِيَ قُنْزُعَة فإذا كَانَتْ أعْظَمَ مِنْهَا وصَلحَتْ للقَذْفِ فَهِيَ قِذَاف وَرُجْمَة ومِرْدَاة (وُيقَالُ إنَّ المِرْدَاةَ حَجَرُ الضَّبِّ الذِي يَنْصِبُهُ عَلامَةً لجُحْرِهِ)
فإذا كَانَتْ مِلءَ الكَفِّ فَهِيَ يَهْيَرّ، فإذا كَانَتْ أعْظَمَ مِنْهَا فَهِيَ فِهْر، ثُمَّ جَنْدَل، ثُمَّ جَلْمَدٌ، ثُمَّ صَخْرَةٌ، ثُمَّ قَلْعَة (وهي الّتي تَنْقَلِعُ مِن عُرْضِ جَبَل وبها سُمِّيَتِ القَلْعَةُ الّتي هي الحِصْنُ)].
(2)
يشير الناظم رحمه الله إلى ما رواه مسلم (4/ 1782)(2277)، وغيره عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن).
(3)
يشير إلى ما رواه البخاري (1/ 128)(328)، ومسلم (1/ 370) (521) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا، وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). وهذا الحديث عدّه الكتاني، وغيره من المتواتر، وانظر نظم المتناثر (1/ 296)(257)، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 437):[قوله: (نصرت بالرعب) زاد أبو أمامة: (يقذف في قلوب أعدائي) أخرجه أحمد، قوله: (مسيرة شهر) مفهومه: أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها، فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: (ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر) فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا، لأنه لم يكن بين بلده، وبين أحد من أعدائه أكثر منه - قلت (المحقق): وعقب على هذه العبارة الشامي في سبل الهدى (10/ 316) بقوله: [وقال تلميذه الخضري: وهذا فيه نظر، بل دعوته بلغت أطراف البلاد البعيدة مما مسيرته أكثر من شهر، وكل من لم يجبه إلى الإسلام، فهو عدوه اللهم إلا أن تحمل العداوة على من راسله، واستمر على المخالفة والمنابذة. قلت: الظاهر أن مراد الحافظ بالعداوة هنا من تصدى لقتال، والله تعالى أعلم]-، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال].
. . . . . . . . . . . . . .
…
إِذَا قَصَدَ الْأَعْدَاءَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (1)
96 -
وَكَانَتْ لَهُ مَهْمَا يَسِيرُ غَمَامَةٌ
…
تُظَلِّلُهُ (2) فَخْرَاً يَزِيدُ عَلَى فَخْرِ
(1) قال الناظم رحمه الله ذلك على سبيل ضرب المثل، وبيان الجواز العقلي، والشرعي، وأن الحديث يشمل جميع ذلك، ولم أقف على ما يدل على ركوب النبي صلى الله عليه وسلم البحر غازياً، بل إن ظاهر حديث أم حرام يدل على خلاف ذلك.
(2)
ظاهر ما قاله الناظم رحمه الله في هذا البيت فيه نظر؛ حيث أن قوله: مهما - وهي من أدوات الشرط التي تجزم فعلين - من صيغ العموم، فالظاهر أنه قصد إثبات عموم التظليل للنبي صلى الله عليه وسلم حيث سار، مع أن الثابت هو التظليل للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحيان قبل البعثة لا بعدها، فلعل الناظم رحمه الله قصد إثبات العام المخصوص، كما ذكرت، والله أعلم.
ويوضحه ما قاله العجلوني في كشف الخفاء (1/ 157) تحت عنوان: (إظلال الغمامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: [رواه القاضي عياض في الشفاء، وعزا الرواية أن خديجة ونساءها رأينه حين قدم من سفره لبصرى وملكان يظللانه، فذكرت ذلك لميسرة غلامها، فأخبرها أنه رأى ذلك منذ خرج معه في سفره. وروي أن حليمة رأت غمامة تظلها وهو عندها، وروي ذلك عن أخيه من الرضاعة. ومن ذلك أنه نزل في سفر له قبل مبعثه تحت شجرة يابسة فاعشوشب ما حولها وأينعت هي وتدلت عليه أغصانها بمحضر من رآه. وفي خبر آخر مالت إليه الشجرة حتى أظلته. انتهى. وروى ابن إسحاق معضلا أنه لما خرج مع عمه إلى الشام في جماعة نزلوا قريبا من صومعة بحيرى، وصنع لهم طعاما كثيرا؛ لأنه فيما يزعمون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل، وغمامة تظله من بين القوم، ثم أقبلوا، فنزلوا في ظل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمام حين أظلته الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استظل تحتها. ووصله البيهقي، والخرائطي، واللفظ له عن أبي موسى الأشعري قال: خرج أبو طالب إلى الشام، ومعه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب يعني بحيرى - بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة مقصورا - واسمه جرجيس بكسر الجيمين - هبطوا، فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكان قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم، ولا يلتفت قال فنزل وهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد العالمين. وزاد البيهقي: هذا رسول رب العالمين، هذا ابتعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: وما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من الثنية لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي، وأنه عرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل، فقال: أرسلوا إليه، فأقبل وغمامة تظله، فلما دنا من القوم، وجدهم قد سبقوه إلى الشجرة، فلما جلس صلى الله عليه وسلم مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، فبينا هو قائم عليهم يناشدهم أن لا تذهبوا به إلى الروم إذا رؤوه عرفوه بصفته فقتلوه، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء بكم؟ قالوا جئنا إلى هذا النبي وهو خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس، وإنا أخبرنا خبره فبعثنا إلى طريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوه، وأقاموا معه، فأتاهم: فقال أيكم وليه؟ قال أبو طالب: أنا، فلم يزل يناشده حتى رده، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت. لكن هذا الحديث ضعفه الذهبي لقوله في آخره:" وبعث معه أبو بكر بلالا " فإن أبا بكر لم يكن إذ ذاك اشترى بلالا. وقال الحافظ ابن حجر: الحديث رجاله ثقات وليس فيه منكر سوى هذه اللفظة فيحمل على أنها مدرجة مقتطعة من حديث آخر. وقال البيهقي: هذه قصة مشهورة عند أهل المغازي. وذكر الجلال السيوطي في الخصائص الكبرى لها شواهد. وقال النجم: رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن أبي شيبة، والبيهقي، وأبو نعيم الأصبهاني، والخرائطي في الهواتف، وابن عساكر عن أبي موسى ثم ذكر الحديث باللفظ المتقدم آخرا، وقال الترمذي بعد ذكره الحديث: أنه حسن غريب لا نعرفه إلا من طريق أبي نوح قراد، واسمه: عبد الرحمن بن غزوان، وهو ممن خرج له البخاري، ووثقه جماعة من الحفاظ، وقد سمعه منه أحمد، وابن معين، وأبو موسى، إما أن يكون تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أبلغ، أو من بعض كبار الصحابة، أو كان مشهورا فأخذه بطريق الاستفاضة. وقال السخاوي: وبالجملة فلم تذكر الغمامة في حديث أصح من هذا ولم يكن تظليل الغمامة له صلى الله عليه وسلم إلا قبل البعثة، فلا ينافي ما جاء أنه ظلله أبو بكر برداء حين قدم المدينة في الهجرة لما أصابته الشمس، وأنه ظلل بثوب في الجعرانة، وأنهم كانوا إذا أتوا على شجرة ظليلة تركوها له صلى الله عليه وسلم وغير ذلك].
97 -
وَقَدْ كَانَتِ الشَّاةُ الْعُجَيْفَاء (1) خَايِلَاً (2)
…
فَحَيْثُ دَعَا فِي ضَرْعِهَا جَادَ بِالدَّرِ (3)
(1) أي شديدة الهزال، التي لا لحم عليها ولا شحم، وانظر اللسان مادة (عجف).
(2)
كذاب الأصل، وأقرب معانيه أنه مرض يصيب الدابة، كما في اللسان مادة (خيل): [والخالُ: كالظَّلْع والغَمْز يكون بالدابة، وقد خالَ يَخال خالاً، وهو خائل؛ قال:
نادَى الصَّريخُ فرَدُّوا الخَيْلَ عانِيَةً
…
تَشْكو الكَلال وتشكو من أَذى الخال
وفي رواية من حَفا الخال]، وهذه الكلمة تحتمل أن تكون بالحاء المهملة (حايلاً) بمعنى غير حامل؛ وبكل قد وردت الروايات كما سيأتي، مع أن المعنى الثاني هو الأنسب لهذه المعجزة من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكونها حائل أنسب لعدم وجود اللبن في ضرعها أصلاً، قال الفيومي في المصباح المنير مادة (حال):[حَالَتِ) المرأة والنخلة والناقة وكلّ أنثى (حِيَالاً) بالكسر لم تحمل فهي (حَائِلٌ)]، وقال ابن الأثير في النهاية (باب: الحاء مع الواو): [المُحِيل: الذي لا يُولَدُ له من قولهم: حالت الناقةُ وأحالت: إذا حَمَلت عاما ولم تحملْ عاماً. وأحال الرجُل إبِلَه العامَ إذا لم يُضْرِبْها الفَحْلَ. ومنه حديث أمَ مَعْبَد [والشاء عازِبٌ حِيَال] أي غير حَوَامِل. حالت تَحُول حِيَالاً، وهي شاءٌ حِيَال، وإبلٌ حِيال: والواحدة حائل، وجَمْعها حُول أيضا بالضم].
(3)
روى الطبراني (4/ 48)(3605)، والحاكم (3/ 10)(4274)، وغيرهما عن حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجرا إلى المدينة، وهو، وأبوبكر رضي الله عنه، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة رضي الله عنه، ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي، وتطعم فسألوها لحما، وتمرا، ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: خلفها الجهد عن الغنم قال: فهل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك قال: أتأذنين أن أحلبها قالت: بلى، بأبي أنت، وأمي نعم إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها فتفاحت عليه، ودرت
98 -
وَكَانَتْ لَهُ فِي الزَّادِ وَالْمَاءِ آَيَةٌ
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيها ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ثم أراضوا، ثم حلب فيها ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها، فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا ضحى مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد؟ والشاة عازب حيال، ولا حلوبة في البيت قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا، وكذا قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثحلة، ولم تزر به صعلة، وسيم في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا هذر، ولا تزر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربع لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود لا عابس، ولا مفند. قال أبو معبد: هو، والله صاحب قريش الذي ذكر لنا أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن جدت إلى ذلك سبيلا
…
] والحديث قد ورد من عدة طرق لا تخلو من مقال، وقد اختلف فيه العلماء تصحيحاً، وتضعيفاً، وقد علمت أنه قد أفرده بالتصنيف قوم منهم: أحمد محمود بن بداة الحسني في: " شرح حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم"، وعبد العزيز الرفاعي في:"الرسول كأنك تراه، حديث أم معبد"، علي وحسن عبد الحميد الحلبي في:"التعليق الأحمد على قصة أم معبد". وقد جمع طرقه الدكتور سليمان بن علي السعود في كتاب " أحاديث الهجرة. جمع وتحقيق ودراسة"(ص152 - 163)، والدكتور أكرم ضياء العمري في كتاب " السيرة النبوية الصحيحة"(1/ 212 - 215)، والحديث قد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله كما في تعليقه على فقه السيرة (ص 168) فقال: ثم وجدت الحديث موصولا أخرجه الحاكم (3/ 9 - 10) من حديث هشام بن حبيش وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي وفيما قالاه نظر، وقال الهيثمي (6/ 58): رواه الطبراني وفي إسناده جماعة لم أعرفهم. لكن للحديث طريقين آخرين أوردهما الحافظ ابن كثير في البداية (3/ 192 - 194) فالحديث بهذه الطرق لا ينزل عن رتبة الحسن. اهـ.
. . . . . . . . . . . . . .
…
يَحِيرُ ذَوُو الْأَلْبَابِ فِيهَا وَذُو الْحِجْرِ (1)
99 -
لَقَدْ أَطْعَمَ الْجَيْشَ الْكَبِيَر جَمِيعَهُ
…
وَأَفْضَلَ مِنْ زَادٍ لِبَعْضِهِمُ نَزْرُ (2)
(1) أي العقل واللب، والحلم، والستر. وأصل الحجر المنع من التصرف. والضم والكسر فيه لغتان، قال الزبيدي في تاج العروس مادة (ح ج ر):[الحجْرُ مُثَلَّثَةً: المَنْعُ مِن التَّصَرُّفِ. وحَجَرَ عليه القاضِي يَحْجُرُ حَجْراً إِذا مَنَعَه مِن التَّصَرُّفِ في مالِه وفي حديث عائشةَ وابنِ الزُّبَيْرِ: لقد هَمَمْتُ أَن أَحْجُر عليها " أَي أَمنَعَ قال ابن الأَثِير: ومنه حَجْرُ القاضِي على الصَّغِيرِ والسَّفِيهِ إِذا مَنَعَهُما من التصرُّفِ في مالهما والضَّمَّةُ والكسرةُ فيه لُغَتَانِ كالحُجْرانِ بالضمِّ والكسرِ. قال ابن سِيدَه: حَجَرَ عليه يَحْجُرُ حَجْراً وحُجْراً وحِجْراً وحُجْراناً وحِجْراناً. مَنَعَ منه. ولا حُجْرَ عنه لا مَنْعَ ولا دَفْعَ.].
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} : [{لِذِي حِجْرٍ} أي: عقل، ولب
…
قال الحسن: {لِذِي حِجْرٍ} أي: لذي حلم، وقال أبو مالك: لذي ستر من الناس، وقال الجمهور: الحجر العقل، قال الفراء: الكل يرجع إلى معنى واحد، لذي عقل، ولذي حلم، ولذي ستر، الكل بمعنى العقل، وأصل الحجر: المنع، يقال لمن ملك نفسه، ومنعها: إنه لذو حجر، ومنه سمي الحجر، لامتناعه بصلابته، ومنه حجر الحاكم على فلان: أي منعه، قال والعرب تقول: إنه لذو حجر: إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها.].
(2)
بدأ الناظم هنا بنشر ما لفه في البيت السابق، والنزر هو الشيء القليل التافه، ولعلها صفة للطعام قبل أن يحل فيه بركة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون المعنى أنه صلى الله عليه وسلم، أطعم الجيش الكبير من الطعام القليل، وأفضل لبعضهم منه أيضاً، وقد يكون المعنى أنه فضل من هذا الطعام شيئاً قليلاً بعد أن أطعم الجيش منه، والأول أولى.
والناظم في هذا البيت يشير إلى ما رواه البخاري (4/ 1505)(3875) من حديث جابر رضي الله عنه قال: [قال إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: (أنا نازل)، ثم قام، وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية، فعاد كثيبا أهيل، أو أهيم، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير، وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج، فقلت: طعم لي، فقم أنت يا رسول، ورجل، أو رجلان. قال: (كم هو). فذكرت له قال: (كثير طيب، قال: قل لها لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التنور حتى آتي، فقال: قوموا). فقام المهاجرون، والأنصار فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين، والأنصار، ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: (ادخلوا ولا تضاغطوا). فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة، والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتى شبعوا، وبقي بقية، قال: (كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة)].
100 -
وَرَوَى مِنَ الْمَاءِ الْيَسِيرِ عِصَابَةً (1)
…
وَأَمثَالُهَا يَظْمَى (2) عَلَى غَيْرِ مَا نَهْرِ (3)
(1) وأحاديث نبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم متواترة، قال الكتاني في نظم المتناثر (ص/304):[قصة نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم:- نقل الشهاب في شرح الشفا عن النووي، ويعني في شرح مسلم أنها متواترة، وقال القرطبي: تكررت منه صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، وقال عياض في الشفا: قصة نبع الماء، وتكثير الطعام رواها الثقات، والعدد الكثير عن الجم الغفير عن العدد الكثير من الصحابة، ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصلا عمن حدث بها من جملة الصحابة، وأخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم يوم الخندق، وفي غزوة بواط، وعمرة الحديبية، وغزوة تبوك، وأمثالها من محافل المسلمين، ومجتمع العساكر، ولم يوثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه، ولا إنكاره لما ذكر عنهم أنهم رأوه كما رآه إلى أن قال: فهذا النوع كله ملحق بالقطعي من معجزاته كما بيناه اهـ وراجع المواهب، وشرحها]. وأذكر منها على سبيل التمثيل ما رواه البخاري (3/ 1310)(3383) عن جابر بن عبد اله رضي الله عنهما قال: [عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه فقال (ما لكم). قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا. قلت كم كنتم؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة].
(2)
بالأصل: يصدى، وفي الهامش تصويبها لـ:(يظمى)، وقال الخليل بن أحمد في كتاب "العين" حرف الصاد، باب الصاد مع الدال
…
: [والصَّدَى: العَطَشُ الشديد ولا يكون ذلك حتى يجفَّ الدماغُ ويَيَبْس ولذلك تنشق جِلْدَةُ جَبْهةِ من يموتُ عَطَشا
…
].
(3)
والمعنى أن هذه العصابة من الكثرة بمكان، بحيث لا يرويها إلا أن تكون على أنهر.
101 -
وَفَاضَ نَمِيرُ الْمَاءِ (1) مِنْ بَينِ أُصْبَعَيْهِ
…
فَالنَّاسُ ذُو وِرْدٍ وَآَخَرُ ذُو صَدْرِ
102 -
وَفِي يَوْمِ أُحْدٍ رَدَّ عَينَ قَتَادَةَ
…
فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ (2) فَسَلْ كُلَّ ذِي خُبْرِ
(1) قال الخليل بن أحمد في كتاب "العين" حرف الراء، باب: الراء، والنون، والميم
…
: [النَّمير من الماء: العَذْب الهَنِيء المَريء المُسْمِن النّاجع]، والماء الذي يخرج من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم زيادة على ذلك أنه مبارك، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الدارمي (1/ 28) (29) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:[كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا، إنا بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتي بماء فصبه في الإناء، ثم وضع كفه فيه، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله - تعالى -، فشربنا، قال عبد الله: كنا نسمع تسبيح الطعام، وهو يؤكل]، وقال حسين أسد: إسناده صحيح.
(2)
بل الموافق للحديث أنها عادت كأحسن عينيه، وأحدهما، ويشير الناظم رحمه الله إلى الحديث الوارد في ردِّ النبي صلى الله عليه وسلم لعين قتادة بن النعمان رضي الله عنه، والحديث ورد من طريقين لا تخلو أسانيدهما من مقال.
1 -
فورد من طرق عن عاصم بن عمر بن قتادة، واختلف عليه فيه، وصلاً، وإرسالاً.
أ- فرواه ابن إسحاق في سيرته (ص/308)، والبيهقي في "الدلائل"(3/ 251) مرفوعاً عنه [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. قال محمد بن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده، فكانت أحسن عينيه، وأحدهما]. وهذا سند معضل.
ب - وورد من طرق عن عاصم عن جده قتادة به، فرواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى"(3/ 452)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 400)(32364) من طريق عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عنه به. ورواه البيهقي في "الدلائل"(3/ 251) من طريق ابن الغسيل عنه به. ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 280) من طريق إبراهيم بن جعفر عن أبيه عنه به. وهذا إسناد منقطع بين عاصم، وجده قتادة.
ج - وورد من طرق موصلاً عن عاصم عن أبيه عن جده به، فرواه الطبراني (19/ 8)(12)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(49/ 280 - 281) من طريق عبدالله بن الفضل عن أبيه عن جده عن عاصم - كذا في رواية الطبراني، وأظن أن زيادة عن عاصم خطأ؛ لأن جد عبدالله بن الفضل، هو عاصم - عن أبيه عن قتادة به. وقال الهيثمي في المجمع (8/ 525):[وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم]. ورواه أبو يعلى (3/ 120)(1549)، والبيهقي في "الدلائل"(3/ 99 - 100، 252) من طريق عبدالرحمن بن سليمان بن غسيل عنه به. وقال الهيثمي في المجمع (8/ 525): [وفي إسناد أبي يعلى يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف]. ورواه الدارقطني، وابن شاهين كما عزاه ابن حجر في الإصابة لهما، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(49/ 281) من طريق عبدالرحمن بن يحيى العذري عن مالك عنه عن محمود بن لبيد عن قتادة مرفوعاً به. وعبدالرحمن العذري عن مالك، قال عنه العقيلي في الضعفاء: مجهول. وقد حكم العراقي في تخريج الإحياء (2/ 330) على الحديث من هذه الطريق بالاضطراب.
2 -
وورد من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة يحدث عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري عن قتادة به، عند البيهقي في "الدلائل"(3/ 253)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(49/ 281 - 282)، وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، قال عنه الذهبي في الكاشف: تركوه، قال عنه ابن حجر في التقريب: متروك. والطريق الأول عن عاصم بن عمر معل بالإرسال، والطريق الثاني ضعيف جداً لا يصلح لتقويته، وعليه فالحديث ضعيف الإسناد.
تنبيه: قال الشامي في سبل الهدى والرشاد (10/ 18): [في بعض طرق القصة: أن ذلك كان في بدر، وفي بعضها في أحد، وبعضها في وقعة الخندق، وفي بعضها أن عينيه أصيبتا معا، وصحح ابن الأثير القول بسقوط إحدى عينيه.]، وقد رجح ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 294) أن عين قتادة أصيبت في أحد.