المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابعفضل أهل البيت عموما وأمهات المؤمنين خصوصا وفضل الصحابة - نهج الرشاد في نظم الاعتقاد

[السرمري]

فهرس الكتاب

- ‌سبب اختيار هذا المخطوط:

- ‌عملي في المخطوط:

- ‌توثيق اسم المنظومة:

- ‌توثيق نسبتها للناظم:

- ‌ترجمة الناظم

- ‌اسمه، ونسبه، وكنيته:

- ‌مولده:

- ‌طلبه للعلم، ورحلاته، وشيوخه:

- ‌تقدير الناظم لتقي الدين ابن تيمية ووصفه بأنه شيخ الإسلام:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته:

- ‌المقدمة

- ‌دواعي تأليف المنظومة

- ‌الباب الأولمحاربة شيخه للبدع بالاعتماد على الأدلة الشرعية

- ‌الباب الثانيمنهج الفرق الضالة في الاستدلال

- ‌الباب الثالثمنزلة السنة

- ‌الباب الرابععقيدة الناظم

- ‌الفصل الأولالأسماء والصفات

- ‌الفصل الثانيالإيمان

- ‌عودة للأسماء والصفات

- ‌الفصل الثالثمنهج التلقي

- ‌الفصل الرابعالإيمان بالكتاب

- ‌عودة للأسماء والصفات

- ‌(صفة الكلام)

- ‌الفصل الخامسالإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الفصل السادسالكتاب والسنة هما مصدر الأحكام الشرعية

- ‌الباب الخامسالكلام على بعض المحرمات

- ‌الفصل الأولالمسكرات

- ‌الفصل الثانيالمعازف والغناء

- ‌الفصل الثالثربا الفضل

- ‌الفصل الرابعالحيل

- ‌الفصل الخامسعلاقة المعاصي بالإيمان

- ‌الفصل السادسموقفنا من المبتدعة

- ‌الباب السادسالبيعة وحقوق ولاة الأمر

- ‌الباب السابعالإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأولالنفخ في الصور

- ‌الفصل الثانيالإيمان بالموت والبعث والقبر

- ‌الفصل الثالثيوم القيامة

- ‌المبحث الأولالميزان والصراط

- ‌المبحث الثانيالحوض

- ‌المبحث الثالثدخول أهل المعاصي النار للتطهير وخروجهم منها بالشفاعة

- ‌المبحث الرابعذبح الموت

- ‌المبحث الخامسالرؤيا

- ‌الباب الثامنالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأولفضله وبعض صفاته

- ‌الفصل الثانيالمعراج

- ‌الفصل الثالثبعض معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الرابعخاتم النبوة

- ‌الفصل الخامسبعض صفاته الخُلقية والخْلقية

- ‌الفصل السادسالشفاعة

- ‌الفصل السابعمدح النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب التاسعالصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الأولالقرون المفضلة

- ‌الفصل الثانيذكر العشرة والخلفاء الأربعة

- ‌الفصل الثالثموقفنا من الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الرابعفضل أهل البيت عموما وأمهات المؤمنين خصوصاً وفضل الصحابة

- ‌الخاتمة

- ‌الفصل الأولمنهج المنظومة

- ‌الفصل الثانيمذهب الناظم

- ‌الفصل الثالثسبب تسمية المنظومة بنهج الرشاد

- ‌الفصل الرابعرجاء من الله

- ‌الفصل الخامسمدح الناظم لمنظومته

- ‌الفصل السادسالتماس واعتذار

- ‌خاتمة

الفصل: ‌الفصل الرابعفضل أهل البيت عموما وأمهات المؤمنين خصوصا وفضل الصحابة

133 -

وَنُمْسِكُ عَمَّا بَيْنَهُمْ مِنْ تَشَاجُرٍ

وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لِلْكُلِ ذُو غَفْرِ (1)

‌الفصل الرابع

فضل أهل البيت عموما وأمهات المؤمنين خصوصاً وفضل الصحابة

134 -

وَأَنَّ لِأَهْلِ الْبَيتِ فَضْلَاً عَلَى الْوَرَى

فَحَقِّقْهُ فِيهِمْ لِلْفَقِيرِ وَلِلْمُثْرِي (2)

(1) قال الإمام أحمد بن حنبل في كتابه السّنّة: [من السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين، والكف عن الذي جرى بينهم، فمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحداً منهم فهو مبتدع رافضي، حبهم سنّة، والدعاء لهم قربة، والإقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة]. وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/ 406): [وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم، ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين، إما مصيبين لهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم، وما كان لهم من السيئات، وقد سبق لهم من الله الحسنى، فإن الله يغفر لهم إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة] وقد سئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فقال: فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا - يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً فيه -. وفي الباب آيات، وأحاديث وآثار، ونقول كثيرة، وليس هذا محل بسطها، وانظر "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي، و " تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين" لمحمد أمحزون، وبحث:" رد البهتان عن معاوية بن أبي سفيان" لأبي عبد الله الذهبي

(2)

أي للفقير، وصاحب المال الكثير. قال الشيخ عبد المحسن العباد في رسالته "فضل أهل البيت":[عقيدةُ أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد، ومِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلِّب، وكذلك زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جميعاً، فيُحبُّون الجميعَ، ويُثنون عليهم، ويُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ، لا بالهوى والتعسُّف، ويَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه، ولصُحبَتِه إيَّاه، ولقرابَتِه منه صلى الله عليه وسلم. ومَن لَم يكن منهم صحابيًّا، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه، ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَرَون أنَّ شرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن، ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً.]

وقد وردت في فضائل أهل البيت أدلة كثيرة عامة، وخاصة، فمن الأدلة العامة: قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ، أنها واردة في أهل الكساء، ويدخل فيها أيضاً زوجات النبي كما سبق بيان ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم:[إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي] وأيضاً ما ورد من الصلاة عليهم في التشهد، وغير ذلك الكثير، وأما ما ورد من أدلة في الفضائل الخاصة لبعضهم، كسيدنا على، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجات النبي أمهات المؤمنين، وفاطمة، والحسن والحسين، وعبد الله بن العباس، والمهدي رضي الله عنهم أجمعين - الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:[المهدي من عترتي من ولد فاطمة] وهذا رواه أبو داود من حديث أم سلمة، وصححه الألباني، وغير ذلك مما يخرجنا استقصاؤه إلى التطويل الممل. وقد ألف العلماء قديماً وحديثاً رسائل كثيرة في فضائل آل البيت، ومنها على سبيل المثال: رسالة "حقوق أل البيت بين السنة والبدعة" لابن تيمية، ورسالة "إحياء الميت بفضائل أهل البيت" للسيوطي، و"جواهر العقدين في فضل الشريفين" للسمهودي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، و"استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف" للسخاوي تحقيق خالد بن أحمد بابطين

ص: 113

135 -

وَأَنَّ ابْنَةَ الصِّدَّيقِ عَايِشَةَ الرِّضَي (1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) أي المرضي عنها، عند الله سبحانه وتعالى، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وعند أهل الحق، وذلك لحسن خصالها، ولما لها من فضائل يصعب على العاد إحصائها.

فلا يخفى على المسلم فضل أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن، وما تمتعن به من منزلة سامية عند الله، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن الصديقة بنت الصديق، الطاهرة العفيفة التي نزلت براءتها من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، عائشة رضي الله عنها أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة: فقد حازت قصب السبق إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر أزواجه، فهي التي لم يتزوج بكرا غيرها، ولم ينزل عليه الوحي في فراش امرأة من نسائه سواها، وهي التي نالت شرف خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وتمريضه في أخر أيام حياته، فكان موته وهو بين سحرها ونحرها، وقبض وهو راض عنها، وقبر في بيتها، فرضي الله عن عائشة وأرضاها. وقد قال صلى الله عليه وسلم في حقها:[كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام] متفق عليه من حديث أبي موسى رضي الله عنه. وفضائل أم المؤمنين عائشة كثيرة وقد عدَّ الزركشي لها أربعين خصيصة، في كتابه " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" فانظره.

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . .

مُنَزَّهَةٌ مِمَّا يَقُولُ أُولُو الأَشَرِ (1)

(1) قال الزبيدي في تاج العروس مادة (أش ر): [قالوا: الأشَرُ: البَطَرُ وقيل: أشَدُّ البَطَرِ وقيل: الأشَرُ: الفَرَحُ بَطَراً وكُفْراً بالنِّعمة وهو المَذْمُومُ المَنْهِىُّ عنه لا مُطْلَقُ الفَرَحِ. وقيل: الأشَرُ: الفَرَحُ والغُرُور.] والمقصود بهذا الذم هنا: الشيعة أخذاهم الله فهم الذين الذين تكبروا عن الحق فلم يقبلوه، واتهموا أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها بأبشع التهم، فاتهموها بالكفر، وعدم الإيمان، وزعموا أنها من أهل النار، ونسبت الشيعة الإثنا عشرية الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات إلى الفاحشة، وزعموا أن المهدي الذي ينتظرونه يقيم الحد عليها رضي الله عنها، وادعوا أنها وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما سقتا السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من المزاعم التي يُكذبون فيها صريح القرآن، وما هو معلوم من الدين بالضرورة.

وينبغي أن يعلم أن سب عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه يعتبر كفر، وتكذيب بصريح القرآن، ويستحق فاعله القتل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول (ص/568):[قال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم، فروي عن مالك: من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (النور:17)، وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: [سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل بن إسحاق: أتي المأمون [بالرقة] برجلين شتم أحدهما فاطمة، والآخر عائشة، فأمر بقتل الذي شتم فاطمة، وترك الآخر، فقال إسماعيل: ما حكمهما إلا أن يقتلا؛ لأن الذي شتم عائشة رد القرآن] وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه، والعلم من أهل البيت، وغيرهم. قال أبو السائب القاضي: كنت يوما بحضرة الحسن بن زيد الداعي [بطرستان] وكان يلبس الصوف، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويوجه في كل سنة بعشرين ألف دينار إلى المدينة السلام يفرق على سائر ولد الصحابة، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة فقال: يا غلام اضرب عنقه فقال له العلويين: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (النور:26) فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر. رواه اللالكائي. وروي عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد انه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا، ومن بني الآباء فقال: هذا سمى جدي قرنان، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل، فقتله].

وقال ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة"(1/ 101) بعد ما ذكر حديث الإفك: [علم من حديث الإفك المشار إليه أن من نسب عائشة إلى الزنا كان كافرا، وهو ما صرح به أئمتنا، وغيرهم؛ لأن في ذلك تكذيب النصوص القرآنية، ومكذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض؛ لأنهم ينسبونها إلى ذلك قاتلهم الله أنى يؤفكون].

ص: 115

136 -

وَكُلُّ نِسَاءِ الْمُصْطَفَى أُمُّهَاتِنَا (1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) أي في تحريم نكاحهن، والاحترام، والتوقير، والإكرام لا في الخلوة بهنَّ ولا في حرمة بناتهنَّ، ونحو ذلك، كما أن أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لنا أبوة دينية لا نسبية.

قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} شرف اله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم، والمبرة، والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن - - رضي الله تعالى عنهن - بخلاف الأمهات، وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات، ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني، وجاز تزويج بناتهن، ولا يجعلن أخوات للناس].

وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان"(6/ 570 - 571): [قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}. قال ابن كثير: أي في الحرمة، والاحترام، والتوقير، والإكرام، والإعظام، ولكن لا يجوز الخلوة بهنّ، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن، وأخواتهن بالإجماع. اهـ. محل الغرض منه. وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه صلى الله عليه وسلم أُمّهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم، كحرمة الأُم، واحترامهم لهن، كاحترام الأُم إلخ. واضح لا إشكال فيه. ويدلّ له قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ}؛ لأن الإنسان لا يسأل أُمّه الحقيقية من وراء حجاب. وقوله تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَاّ اللَاّئِى وَلَدْنَهُمْ}، ومعلوم أنهن رضي الله عنهن، لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم، ويفهم من قوله تعالى: {وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، أنه هو صلى الله عليه وسلم أب لهم. وقد روي عن أُبيّ بن كعب، وابن عباس، أنّهما قرءا: {وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وهو أب لهم، وهذه الأبوّة أبوّة دينية، وهو صلى الله عليه وسلم أرأف بأُمّته من الوالد الشفيق بأولاده، وقد قال جلَّ وعلا في رأفته ورحمته بهم: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ}، وليست الأبوّة أبوّة نسب؛ كما بيّنه تعالى بقوله: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ}، ويدلّ لذلك أيضًا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه» - والحديث حسنه الشيخ الألباني، وقوى إسناده الشيخ الأرناؤوط -، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد»، يبيّن معنى أبوّته المذكورة، كما لا يخفى.].

مسألة: هل نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات الرجال والنساء، أم أمهات الرجال خاصة؟

قال الإمام القرطبي عقب كلامه السابق: [واختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء، أم أمهات الرجال خاصة على قولين: فروى الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها: يا أمة فقالت لها: (لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم) قال ابن العربي: وهو الصحيح. قلت: لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء، والذي يظهر لي: أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء، يدل عليه صدر الآية: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة، وجابر- قلت: يشير إلى ما ذكره قبل عبارته هذه بسطور، وهو ما رواه مسلم عن أبي هريرة، وعن جابر رضي الله عنهما مرفوعا: [مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو بذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي] واللفظ لجابر ودلالة الحديث هنا دلالة عامة فهو يدل على شفقة النبي على عموم أمته رجالاً، ونساءاً - فيكون قوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} عائدا إلى الجميع، ثم إن في مصحف أبي بن كعب:(وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) وقرأ ابن عباس: (من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم) وهذا كله يوهن ما رواه مسروق إن صح من جهة الترجيح، وإن لم يصح فيسقط الاستدلال به في التخصيص، وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم والله أعلم].

وأثر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي ذكره أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(8/ 65، 67، 178، 200)، والبيهقي في "سننه"(7/ 70) من طرق عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة به، ورواته ثقات غير فراس، فقال عنه ابن حجر في التقريب: صدوق يهم. وهذا الأثر ليس من أوهامه، وعليه فالإسناد حسن على أقل الأحوال. وله شاهد ضعيف رواه أحمد (6/ 146) عن لميس أنها قالت: قالت امرأة لعائشة: يا أمه، فقالت عائشة:[إني لست بأمكن، ولكني أختكن]، وأعله الشيخ الأرناؤوط بجابر الجعفي، ويزيد بن مرة، وجهالة لميس. وقال ابن سعد (8/ 178، 200) عقب الحديث: قال الواقدي: فذكرت ذلك لعبد الله بن موسى المخزومي، فقال: أخبرني مصعب بن عبد الله بن أبي أمية، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت أنا أم الرجال منكم والنساء] إلا أن الواقدي هذا متروك الرواية، والراجح عندي الصيرورة إلى قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لعدم المعارض، وهو اختيار الإمام البغوي حيث قال في تفسيره:[واختلفوا في أنهن كن أمهات النساء المؤمنات؟ قيل: كن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعا، وقيل كن أمهات المؤمنين دون النساء روى الشعبي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: يا أمه! فقالت: (لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم) فبان بهذا أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن].

ص: 117

. . . . . . . . . . . . . .

وَرَادِدُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَوجِبُ الْهَجْرِ (1)

137 -

عَلَيْهِمْ (2) سَلَامِي مَا حَيِيتُ وَإِنْ أَمُتْ

تُحَيِّيهِمُ عَنِّي عِظَامِيَ مِنْ قَبْرِي (3)

(1) ليس الهجر فقط، بل يستتاب، وإلا قتل؛ لتكذيبه بصريح القرآن كما سبق بيان ذلك.

(2)

الضمير هنا يحتمل أموراً، وأرجحها عندي أنه عائد على جميع من ذكر في الأبيات السابقة من: أهل البيت، وأزواج النبي، والعشرة المبشرين بالجنة، والسابقين إلى الإسلام من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين -.

(3)

قصد الناظم هنا المبالغة، وجرى على طريقة الشعراء في أنهم يقولون ما لا يفعلون.

وكون عظام الميت تتكلم، أو تسلم على أحد يحتاج لدليل، ولعله يقصد لسانه، فإنه لما كان معتاداً لإلقاء السلام على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة رضي الله عنهم على حسب مقصوده من الضمير، وكلاهما محتمل، فإنه يجري عليه ما كان يعمل من ذلك بعد موته، وهذا أيضاً يحتاج لدليل مع أن ظاهر عبارته يأباه.

وما قاله الناظم هنا شبيه بما قاله توبة بن حمير:

ولو أنَّ ليلى الأخيليةَ سَلّمت

عليَّ ودوني جَنْدلٌ وصفائحُ

لسلمتُ تسليمَ البشاشةِ أوزقا

إليها صدىً من جانبِ القَبر صائحُ

قال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 198): [وقال أبو عبيد: أما الهامة فإن العرب كانت تقول إن عظام الميت تصير هامة فتطير. وقال أبو عمرو مثل ذلك، وكانوا يسمون ذلك الطائر الصدى يعني الذي يخرج من هامة البيت إذا بلي]. وقال المعلق على ديوان الحماسة موضحاً معنى قول توبة بن حمير السابق: [وكانت العرب تزعم أن عظام الموتى تصير هاما، وإصداء، ومعنى البيتين: لو أن ليلى الأخيلية سلمت علي وأنا مقبور، وفوقي تراب، وحجارة لأجبتها مسلما تسليم بشاشة، أو أجابها بدلا مني صوت عظامي من جانب القبر]. ونحو ما قاله توبة قال صفي الدين الحلي:

وَهَيفاءُ لَو أَهدَت إِلى المَيِّتِ نَشرَها

لَأُنشِرَ مَن ضُمَّت عَلَيهِ الصَفائِحُ

وَلَو أَنَّها نادَت عِظامي أَجابَها

فَمي لا صَدىً مِن جانِبِ القَبرِ صائِحُ

ص: 118

138 -

هُمُ عُدَّتِي فِي شِدَّتِي وَذَخِيرَتِي

لِآَخِرَتيِ (1) مِصْبَاحُ دِيني غِنَى. . . . . .

(1) قد يكون مقصود الناظم: أنهم عدته بمحبتهم وتوقيرهم وإجلالهم، وما يقتدي به من أفعالهم - كما سبق في توجيه البيت (123).

وننبه هنا على أن جميع من ذُكِرَ في الأبيات السابقة من: أهل البيت، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، والعشرة، وغيرهم، لا يجوز في حقهم إطلاق القول بأنهم بذواتهم عدة عند الشدة، وذخراً للآخرة؛ لعدم ورود الدليل بذلك، والتوقف على ما ورد فيه الدليل أسلم لديننا، وسداً لذرائع الشرك.

قال الشيخ محمد العثيمين في المناهي اللفظية عند جوابه على السؤال رقم (84): [وإضافة الشيء إلى سبب موهوم غير معلوم حرام، ولا يجوز، وهو نوع من الشرك، مثل: العقد، والتمائم، وما أشبهها، فإضافة الشيء إليها خطأ محض، ونوع من الشرك؛ لأن إثبات سبب من الأسباب لم يجعله الله سبباً نوع من الإشراك به، فكأنك أنت جعلت هذا الشيء سبباً، والله تعالى لم يجعله، فلذلك صار نوعاً من الشرك بهذا الاعتبار.]. وقال الشيخ ياسر برهامي في فضل الغني الحميد (ص/51): [أما أن يدعي أحداً أن شيئاً هو سبب لخير، أو لشر، دون دليل شرعي، ولا كونه سبباً ظاهراً، فهو كذب على الشرع، وكذب على القدر، وذريعة إلى الشرك الأكبر، فلهذا كان من الشرك الأصغر.].

ويوضحه قوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:188)، وقال:{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} (الجن:21)، وروى البخاري (3/ 1012)(2602)، ومسلم (1/ 192) (204) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:[قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. قال (يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا].

ص: 119