الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
الحيل
62 -
وَلَا يَسْقُطُ الْمَحْظُورُ نَصَّاً (1). . . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . .
(1) أي الممنوع شرعاً، والمنع يتجه للفعل، ويتجه للترك، فدخل فيه الواجب، والمحرم، وعليه فيكون معنى هذا الشطر من البيت: أننا لا نسقط التكاليف الشرعية اللازمة كفعل الواجبات، أو الامتناع عن المحرمات بالحيل المذمومة.
وقد مثَّل العلامة ابن القيم لأنواع هذه الحيل بأمثلة كثيرة حيث قال في إغاثة اللهفان (2/ 82 - 83): [والمقصود: أن أهل المكر، والحيل المحرمة يخرجون الباطل في القوالب الشرعية، ويأتون بصور العقود دون حقائقها، ومقاصدها.
فصل وهذا القسم من أقسام الحيل أنواع: أحدها: الاحتيال لحل ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية، وحيلة التحليل.
الثاني: الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه، فهو صائر إلى التحريم ولا بد، كما إذا علق طلاقها بشرط محقق تعليقا يقع به، ثم أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط فخالعها خلع الحيلة حتى بانت ثم تزوجها بعد ذلك.
الثالث: الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال، كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدين الواجب بأن يملك ماله لزوجته، أو ولده فيصير معسراً، فلا يجب عليه الإنفاق، والأداء. وكمن يدخل عليه رمضان، ولا يريد صومه فيسافر، ولا غرض له سوى الفطر، ونحو ذلك.
الرابع: الاحتيال على إسقاط ما انعقد سبب وجوبه، ولم يجب لكنه صائر إلى الوجوب، فيحتال حتى يمنع الوجوب، كالاحتيال على إسقاط الزكاة بتمليكه ماله قبل مضي الحول لبعض أهله ثم استرجاعه بعد ذلك، وهذا النوع ضربان: أحدهما إسقاط حق الله تعالى بعد وجوبه، أو انعقاد سببه. والثاني: إسقاط حق
. . . . . . . . . . . . . بِحِيلَةٍ (1)
…
وَنُبْطِلُ حُكْمَ النَّصِّ (2) بِالْكَيْدِ وَالْمَكْرِ (3)
المسلم بعد وجوبه، أو انعقاد سببه، كالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شرعت دفعا للضرر عن الشريك قبل وجوبها، أو بعده.
الخامس: الاحتيال على أخذ حقه، أو بعضه، أو بدله بخيانة كما تقدم، وله صور كثيرة.
منها: أن يجحده دينه كما جحده.
…
ومنها: أن يخونه في وديعته كما خانه.
…
ومنها: أن يغشه في بيع معيب كما غشه هو في بيع معيب.
…
ومنها: أن يسرق ماله كما سرق ماله.
…
ومنها: أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما، وعدوانا، أو غرورا، وخداعا، أو غبنا، فيقدر المستأجر له على مال، فيأخذ تمام أجرته.
وهذا النوع يستعمله كثير من أرباب الديوان، ونظار الوقوف، والعمال، وجباه الفيء، والخراج، والجزية، والصدقة، وأمثالهم
…
].
(1)
قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن مادة (حول): [حيلة والحويلة: ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية، وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما فيه حكمة
…
].
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 240 - 241) تحت عنوان الحيلة اشتقاقها ومعناها: [والحيلة مشتقة من التحول وهي النوع، والحالة كالجلسة، والقعدة، والركبة، فإنها بالكسر للحالة، وبالفتح للمرة، كما قيل: الفعلة للمرة، والفعلة للحالة، والمفعل للموضع، والمفعل للآلة. وهي من ذوات الواو فإنها من التحول من: حال يحول، وإنما انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وهو قلب مقيس مطرد في كلامهم، نحو: ميزان، وميقات، وميعاد، فإنها مفعال من الوزن، والوقت، والوعد. فالحيلة هي نوع مخصوص من التصرف، والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء، والفطنة، فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة، وسواء كان المقصود أمراً جائزاً، أو محرماً، وأخص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعاً، أو عقلاً، أو عادة، فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس، فإنهم يقولون: فلان من أرباب الحيل ولا تعاملوه فإنه متحيل، وفلان يعلم الناس الحيل. وهذا من استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة، والحيوان، وغيرهما].
(2)
المقصود هنا مدلول أو أثر أو مقتضى خطاب الشرع، من وجوب، وحرمة، ونحو ذلك. وهذا إنما يتمشى على طريقة الفقهاء، لا الأصوليين في تعريف الحكم الشرعي.
(3)
وهذا الشطر مشكل، والظاهر أن معناه أننا نبطل حكم النص الناتج عن طريق المكر والكيد المذمومين،
معاملة للمحتال بنقيض قصده، فعلى سبيل المثال من توصل إلى حل زوجته المطلقة البائنة منه عن طريق المحلل، فهنا نعامله بنقيض قصده، فنلغى هذا الحكم الذي توصل إليه عن طريق الحيلة فلا يترتب عليه آثاره، وهكذا من توصل إلى عدم وجوب الزكاة عليه بتفريق النصاب على بعض أقاربه قبل مضي الحول، ثم يستردها بعد ذلك، فهنا نبطل هذا الحكم، ونوجب عليه الزكاة.
وهذا المعنى هو الظاهر من كلام الناظم، إلا أنه حتى يستقيم، فلابد من أحد هذه الاحتمالات:
الأول: أن الباء فيه سببية، فالمعنى أننا نبطل حكم النص الناتج بسبب التحايل، والمكر المذمومين.
الثاني: وهو قريب من الأول أن الباء فيه تكون بمعنى مع، كنحو قوله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقّ} (النساء/170)، أي مع الحق.
الثالث: أن الواو في صدر هذا الشطر، خطأ وأن الصواب إبدالها، بالفاء، فيكون معنى البيت أننا لا نسقط التكاليف الشرعية بالحيل المذمومة، مما يكون مؤداه إبطال أحكام النصوص بالكيد والمكر.
63 -
كَآَكِلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِحِيلَةٍ (1)
…
وَمُسْقِطِ إيجَابَ الزَّكَاةِ لِمُعْتَرِّ (2)
64 -
فَهَلْ يُمْكِنُ التَّغْيِيرُ لِلنَّصِّ كُلَّمَا
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) قال بعضهم كما ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 234):
واحتل على مال اليتيم فإنه
…
رزق هنى من ضعيف الحال
لا سوطه تخشى ولا من سيفه
…
والقول قولك في نفاذ المال
ومن الحيل في ذلك ما كان يفعله أهل الجاهلية عند تسليم اليتيم ماله من استبدال الشاة السمينة مثلاً من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، أو الدرهم الطيب بالزيف، ويقولون: اسم باسم، ورأس برأس. والعياذ بالله.
(2)
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط، باب الراء، فصل العين:[المُعْتَرُّ: الفقيرُ والمُعْتَرِضُ للمَعْرُوفِ من غير أن يَسْألَ]، وقال الفيومي في المصباح المنير في مادة (ع ر ر):[الْمُعْتَرُّ الضَّيْفُ الزَّائِرُ وَالْمُعْتَرُّ الْمُتَعَرِّضُ لِلسُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ يُقَالُ عَرَّهُ وَاعْتَرَّهُ وَعَرَاهُ أَيْضًا وَاعْتَرَاهُ إذَا اعْتَرَضَ لِلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُعْتَرُّ الَّذِي يَعْتَرُّ بِالسَّلَامِ وَلَا يَسْأَلُ.] والمعنى أنه يحتال لعدم إعطاءء المعتر من مال الزكاة، بحجة أنه لم يسأل.