المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ذكر أخبار رويت أيضا في حرمان الجنة على من ارتكب بعض المعاصي التي لا تزيل الإيمان بأسره وجهل معناها المعتزلة، والخوارج، فأزالوا اسم المؤمن عن مرتكبها ومرتكبي بعضها أنا ذاكرها بأسانيدها ومبين معانيها، ومؤلف بين معانيها ومعاني الأخبار التي قدمنا - التوحيد لابن خزيمة - جـ ٢

[ابن خزيمة]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَنْظُرُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ الْمُنْكِرَةِ لِصِفَاتِ خَالِقِنَا جَلَّ ذِكْرُهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ جَمِيعَ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَرَّهُمْ وَفَاجِرَهُمْ، مُؤْمِنَهُمْ وَمُنَافِقَهُمْ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَرَوْنَ اللَّهَ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرَاهُ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ امْتِحَانٍ، لَا رُؤْيَةَ سُرُورٍ وَفَرَحٍ، وَتَلَذُّذٍ بِالنَّظَرِ فِي وَجْهِ رَبِّهِمْ عز وجل ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ: قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ إِنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَخْلِيًّا بِهِ عز وجل وَذِكْرُ تَشْبِيهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ، خَالِقَهُمْ، ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَا يُدْرِكُ عَلَيْهِ، فِي الدُّنْيَا عِيَانًا وَنَظَرًا وَرُؤْيَةً

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَالِقَهُ الْعَزِيزَ الْعَلِيمَ الْمُحْتَجِبَ عَنْ أَبْصَارِ بَرِيَّتِهِ، قَبْلَ الْيَوْمِ الَّذِي تُجْزَى فِيهِ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ وَذِكْرِ اخْتِصَاصِ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالرُؤْيَةِ كَمَا خَصَّ نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِالْخَلَّةِ

- ‌أَخْبَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي إِنْكَارِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا قَبْلَ نُزُولِ الْمَنِيَّةِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَهْلُ قِبْلَتِنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَاتِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى مَنْ شَاهَدَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، لَمْ يَخْتَلِفُوا وَلَمْ يَشُكُّوا وَلَمْ

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ ضَحِكِ رَبِّنَا عز وجل بِلَا صِفَةٍ تَصِفُ ضَحِكَهُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لَا وَلَا يُشَبِّهُ ضَحِكَهُ بِضَحِكِ الْمَخْلُوقِينَ، وَضَحِكُهُمْ كَذَلِكَ، بَلْ نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ يَضْحَكُ، كَمَا أَعْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَسْكُتُ عَنْ صِفَةِ ضَحِكِهِ جَلَّ وَعَلَا، إِذِ اللَّهُ عز وجل اسْتَأْثَرَ بِصِفَةِ ضَحِكِهِ، لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى ذَلِكَ، فَنَحْنُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَبْوَابِ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي قَدْ خَصَّ بِهَا دُونَ الْأَنْبِيَاءِ سِوَاهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِأُمَّتِهِ، وَشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَشَفَاعَةِ بَعْضِ أُمَّتِهِ لِبَعْضِ أُمَّتِهِ، مِمَّنْ قَدْ أَوْبَقَتْهُمْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبُهُمْ فَأُدْخِلُوا النَّارَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الَّتِي وَصَفْنَا أَنَّهَا أَوَّلُ الشَّفَاعَاتِ هِيَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَعِنْدَهَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُدْخِلَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنَ، فَهُوَ أَوَّلُ النَّاسِ دُخُولًا الْجَنَّةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الَّتِي ذَكَرْتُ أَنَّهَا أَوَّلُ الشَّفَاعَاتِ إِنَّمَا هِيَ قَبْلَ مُرُورِ النَّاسِ عَلَى الصِّرَاطِ حِينَ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَفَاعَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، أَوَّلُهَا: مَا ذُكِرَ فِي خَبَرِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهِيَ شَفَاعَتُهُ لِأُمَّتِهِ لِيُخْلِصُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، وَلْيُعَجِّلِ اللَّهُ حِسَابَهُمْ وَيَقْضِي بَيْنَهُمْ، ثُمَّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدْ يَشْفَعُ بَعْدَ نَبِيِّنَا غَيْرُهُ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ أَوَّلُ لِمَا لَا ثَانِيَ لَهُ بَعْدُ وَلَا ثَالِثٌ

- ‌بَابُ ذِكْرِ شِدَّةِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِأُمَّتِهِ وَفَضْلِ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، عَلَى شَفَقَةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، عَلَى أُمَمِهِمْ إِذِ اللَّهُ عز وجل أَعْطَى كُلَّ نَبِيٍّ دَعْوَةً وُعِدَ إِجَابَتَهَا، فَجَعَلَ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ صلى الله عليه وسلم مَسْأَلَتَهُ فَأُعْطِيَ سُؤْلَهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَخَّرَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا أَوَّلْتُ قَوْلَهُ يَدْعُو بِهَا أَنَّ مَعْنَاهَا قَدْ دَعَا بِهَا عَلَى مَا حَكَيْتُهُ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: يَفْعَلُ فِي مَوْضِعِ: فَعَلَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا كَانَ مِنْ تَخْيِيرِ اللَّهِ عز وجل نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بَيْنَ إِدْخَالِ نِصْفِ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ الشَّفَاعَةَ إِذْ هِيَ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ وَأَنْفَعُ لِأُمَّتِهِ خَيْرِ الْأُمَمِ مِنْ إِدْخَالِ بَعْضِهِمُ الْجَنَّةَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ، قَبْلَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ إِنَّمَا دَعَا بَعْضُهُمْ فِيمَا كَانَ اللَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الدَّعْوَةِ الْمُجَابَةِ سَأَلُوهَا رَبَّهُمْ، وَدَعَا بَعْضُهُمْ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ، عَلَى قَوْمِهِ، لِيَهْلِكُوا فِي الدُّنْيَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَرْأَفَ بِأُمَّتِهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ لَفْظَةٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ حَسِبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَغَيْرِهِمْ لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا تُضَادُّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ أَنَّهَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَتْ كَمَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِالْكَبَائِرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هُوَ دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: «لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» إِنَّمَا أَرَادَ أُمَّتَهُ الَّذِينَ أَجَابُوهُ فَآمَنُوا بِهِ وَتَابُوا عَنِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي ذُكِرَتْ أَنَّهَا لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَهِيَ عَلَى مَا تَأَوَّلْتُهُ، وَأَنَّهَا لِمَنْ قَدْ أُدْخِلَ النَّارَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ النَّارِ، وَالَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا أَهْلُ الْخُلُودِ فِيهَا، بَلْ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ارْتَكَبُوا ذُنُوبًا وَخَطَايَا فَأُدْخِلُوا النَّارَ لِيُصِيبَهُمْ سَفَعًا مِنْهَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِرْضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يُقِرَّ بِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِمَا قَدْ أُعْطِيَ فِي أُمَّتِهِ مِنَ الشَّفَاعَةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ عز وجل، إِخْرَاجُهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ بِالشَّفَاعَةِ يَصِيرُونَ فِيهَا فَحْمًا يُمِيتَهُمُ اللَّهُ فِيهَا إِمَاتَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُؤْذَنُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الشَّفَاعَةِ وَصِفَةُ إِحْيَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، بَعْدَ إِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَقَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةِ بِلَفْظَةٍ عَامَّةٍ مُرَادُهَا خَاصٌّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِنَّمَا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُلَيَّةَ، أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَيَصِيرُونَ فَحْمًا، أَيْ أَبْدَانُهُمْ خَلَا صُوَرِهِمْ وَآثَارِ السُّجُودِ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَكْلَ أَثَرِ السُّجُودِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ بِاللَّهِ، فَنَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَعَذَابِهَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ مَنْ قَضَى اللَّهُ إِخْرَاجَهُمْ مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَهْلِ النَّارِ، أَهْلُ الْخُلُودِ فِيهَا، يَمُوتُونَ فِيهَا إِمَاتَةً وَاحِدَةً، تُمِيتُهُمُ النَّارُ إِمَاتَةً ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لَا أَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَحْيَاءَ يَذُوقُونَ الْعَذَابَ، وَيَأْلَمُونَ مِنْ حَرِّ النَّارِ حَتَّى يَخْرُجُوا

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَبَرٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي إِخْرَاجِ شَاهِدِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنَ النَّارِ أَفْرَقُ أَنْ يَسْمَعَ بِهِ بَعْضُ الْجُهَّالِ، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ قَائِلَهُ بِلِسَانِهِ، مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ قَلْبٍ، يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، جَهْلًا وَقِلَّةَ مَعْرِفَةٍ بِدِينِ اللَّهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَلِجَهْلِهِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَشْفَعُ لِلشَّاهِدِ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ الْمُوَحِّدِ لِلَّهِ بِلِسَانِهِ إِذَا كَانَ مُخْلِصًا وَمُصَدِّقًا بِذَلِكَ بِقَلْبِهِ، لَا لِمَنْ تَكُونُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ مُنْفَرِدَةً عَنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَبَرٍ دَالٍّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَأَوَّلْتُ إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ شَاهِدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِذَا كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ بِمَا شَهِدَ بِهِ لِسَانُهُ إِلَّا أَنَّهُ كَنَّى عَنِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ بِالْخَيْرِ، فَعَانَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْجِهَادِ وَالْعِنَادِ، وَادَّعَى أَنَّ ذِكْرَ الْخَيْرِ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَيْسَ بِإِيمَانِ قِلَّةِ عِلْمٍ بِدَيْنِ اللَّهِ وَجُرْأَةٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ الصِّدِّيقِينَ يَتْلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، يَتْلُونَ الصِّدِّيقِينَ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ يَتْلُونَ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ كَثْرَةِ مَنْ شَفَعَ لَهُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ قَبْلَ أَنْ يَشْفَعَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا يُعْطِي اللَّهُ عز وجل مِنْ نِعَمِ الْجَنَّةِ وَمُلْكِهَا تَفَضُّلًا مِنْهُ عز وجل، وَسَعَةَ رَحْمَتِهِ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا وَزَحْفًا لَا مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ بَعْدَمَا مَحَشَتْهُمُ النَّارُ وَأَمَاتَهُمْ فَصَارُوا فَحْمًا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ اللَّهُ بِتَفَضُّلِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرْنَا صِفَتَهُ وَخَبَّرْنَا أَنَّهُ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ زَحْفًا لَا مِمَّنْ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَأَنَّ مَنْ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ يَبْقَى بَعْدَهُمْ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّارَ إِنَّمَا تَأْخُذُ مِنْ أَجْسَادِ الْمُوَحِّدِينَ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ وَحُوبَاتِهِمُ الَّتِي كَانُوا ارْتَكَبُوهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى ضِدِّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِمَّنْ لَمْ يَتَحَرَّ الْعِلْمَ وَلَا فَهْمَ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّارَ لَا تُصِيبُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ وَلَا تَمَسُّهُمْ

- ‌إِعْلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِرْمَانَ الْجَنَّةِ لِمُرْتَكِبِ بَعْضِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا مِنَ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَلَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ بِأَسْرِهِ، وَلَا عَلَى مَا تَتَوَهَّمُهُ الْخَوَارِجُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ ثَابِتَةِ السِّنْدِ صَحِيحَةِ الْقَوَّامِ قَدْ يَحْسِبُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ أَنَّهَا خِلَافُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا، لِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا، وَلَيْسَتْ عِنْدَنَا مُخَالَفَةٌ لِسِرِّ مَعْنَاهَا وَنُؤَلِّفُ بَيْنَ الْمُرَادِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا بَعْدَ ذِكْرِنَا الْأَخْبَارَ بِأَلْفَاظِهَا، إِنَّ اللَّهَ وَفَّقَ لِذَلِكَ وَشَاءَهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ أَيْضًا فِي حِرْمَانِ الْجَنَّةِ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ بِأَسْرِهِ وَجَهِلَ مَعْنَاهَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَالْخَوَارِجُ، فَأَزَالُوا اسْمَ الْمُؤْمِنِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا وَمُرْتَكِبِي بَعْضِهَا أَنَا ذَاكِرُهَا بِأَسَانِيدِهَا وَمُبَيِّنٌ مَعَانِيَهَا، وَمُؤَلِّفٌ بَيْنَ مَعَانِيهَا وَمَعَانِي الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدَّمْنَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَوْضِعِ عَرْشِ اللَّهِ عز وجل قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ

- ‌وَيُلْحَقُ فِي الْأَبْوَابِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ

الفصل: ‌باب ذكر أخبار رويت أيضا في حرمان الجنة على من ارتكب بعض المعاصي التي لا تزيل الإيمان بأسره وجهل معناها المعتزلة، والخوارج، فأزالوا اسم المؤمن عن مرتكبها ومرتكبي بعضها أنا ذاكرها بأسانيدها ومبين معانيها، ومؤلف بين معانيها ومعاني الأخبار التي قدمنا

‌بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ أَيْضًا فِي حِرْمَانِ الْجَنَّةِ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ بِأَسْرِهِ وَجَهِلَ مَعْنَاهَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَالْخَوَارِجُ، فَأَزَالُوا اسْمَ الْمُؤْمِنِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا وَمُرْتَكِبِي بَعْضِهَا أَنَا ذَاكِرُهَا بِأَسَانِيدِهَا وَمُبَيِّنٌ مَعَانِيَهَا، وَمُؤَلِّفٌ بَيْنَ مَعَانِيهَا وَمَعَانِي الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدَّمْنَا

ذِكْرَهَا الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْمُرْجِئَةُ وَتَوَهَّمَتْ أَنَّ مُرْتَكِبَ هَذِهِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَامِلُ الْإِيمَانِ لَا نَقْصَ فِي إِيمَانِهِمْ إِنْ وَفَّقَ اللَّهُ ذَلِكَ وَشَاءَ

ص: 857

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ نُبَيْطٍ، عَنْ جَابَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ»

ص: 858

حَدَّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَبَعْضَ طُرُقِ خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ

ص: 859

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: ثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ الْأَعْرَجِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجْلَةُ النِّسَاءِ "

ص: 859

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، بِإِسْقَاطِ عُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّهُ سَمِعَ سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَاقٌّ وَالِدَيْهِ، وَمُدْمِنُ خَمْرٍ، وَمَنَّانٌ بِمَا أَعْطَى»

ص: 860

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ الثَّانِي، سَوَاءٌ:«ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجْلَةُ النِّسَاءِ» قَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ يُرِيدُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

⦗ص: 862⦘

، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنَا الزُّهْرِيُّ، وَثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ

ص: 861

وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» قَالَ: يُرِيدُ الرَّحِمَ

ص: 862

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ، عَنِ الْأَشْعَثَ بْنِ ثُرْمُلَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَرْفُ الصَّحِيحُ مَا قَالَ رُوَاةُ هَذَا الْخَبَرِ «أَنْ يَشْتَمَّ رِيحَهَا» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي التَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ الْمُعَاهِدِ

ص: 863

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زِنْيَةٍ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ شَرْطِنَا، وَلَا خَبَرُ نُبَيْطٍ عَنْ جَابَانَ؛ لِأَنَّ جَابَانَ مَجْهُولٌ، وَقَدْ أَسْقَطَ عَلِيٌّ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ نَبِيطًا

ص: 864

وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ آلِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، غَيْرَ مُسَمًّى، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ» حَدَّثَنَاهُ بُنْدَارٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ آلِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ

ص: 865

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ وَلَا وَلَدُ زِنْيَةٍ»

ص: 865

حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا وَلَدُ زِنًا، وَلَا مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ» حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ نُبَيْطٍ، عَنْ جَابَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ

ص: 866

وَفِي خَبَرِ دَاوُدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي بَعْثِهِمُ الرَّسُولُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْرَبُهَا فَتُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَلَا يَمُوتُ فِي مَثَانَتِهِ شَيْءٌ إِلَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْجَنَّةُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ أَمْلَيْتُهَا بِتَمَامِهَا مَعَ التَّغْلِيظِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَامٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَثَنَا ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا، قَالَ: أَخْبَرَنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ صَالِحٍ

⦗ص: 868⦘

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ إِنْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ أَعْلَمْتُ أَصْحَابِي مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ، أَنَّ مَعْنَى الْأَخْبَارِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ: أَيْ بَعْضَ الْجِنَّانِ، إِذِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْلَمَ أَنَّهَا جِنَانٌ فِي جَنَّةٍ، وَاسْمُ الْجَنَّةِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ جَنَّةٍ مِنْهَا، فَمَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا: مَنْ فَعَلَ كَذَا، لِبَعْضِ الْمَعَاصِي، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، مَعْنَاهَا: لَا يَدْخُلُ بَعْضَ الْجِنَانِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ وَأَنْبَلُ وَأَكْثَرُ نَعِيمًا وَسُرُورًا وَبَهْجَةً وَأَوْسَعُ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ لَا يَدْخُلُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْجِنَانِ الَّتِي هِيَ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَدْ بَيَّنَ خَبَرَهُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ، وَلَا مَنَّانٌ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ» أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ حَظِيرَةَ الْقُدُسِ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَى مَا تَأَوَّلْتُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ

ص: 867

حَدَّثَنَا بِهَذَا الْخَبَرِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ

⦗ص: 869⦘

، وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ:«لَا يَدْخُلُ حَظِيرَةَ الْقُدُسِ سِكِّيرٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ» غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: «سِكِّيرٌ وَلَا مُدْمِنٌ، وَلَا مَنَّانٌ» وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ بُنْدَارٌ وَالْمَعْنَى الثَّانِي: مَا قَدْ أَعْلَمْتُ أَصْحَابِي مَا لَا أُحْصِي مِنْ مَرَّةٍ، أَنَّ كُلَّ وَعِيدٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى شَرِيطَةِ أَيْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ وَيَصْفَحَ وَيَتَكَرَّمَ وَيَتَفَضَّلَ، فَلَا يُعَذَّبُ عَلَى ارْتِكَابِ تِلْكَ الْخَطِيئَةِ، إِذِ اللَّهُ عز وجل قَدْ خَبَّرَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ أَنَّهُ قَدْ يَشَاءُ أَنْ يَغْفِرَ مَا دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

⦗ص: 870⦘

قَدْ أَمْلَيْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَاسْتَدْلَلْتُ أَيْضًا بِخَبَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لَمْ أَكُنْ ذَكَرْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ:«مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» أَيْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَلَا يُعَاقِبُهُ

ص: 868

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْقَيْسِيُّ قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، أَنَّ الْأَشْعَثَ وَهَبَ لَهُ غُلَامًا فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا وَهَبْتُ لَكَ شَيْئًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ»

⦗ص: 871⦘

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاسْمَعُوا الْخَبَرَ الْمُصَرِّحَ بِصِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ أَنَّ الْجَنَّةَ إِنَّمَا هِيَ جِنَانٌ فِي جَنَّةٍ، وَأَنَّ اسْمَ الْجَنَّةِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ جَنَّةٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ، لِتَسْتَدِلُّوا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِنَا الْأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِعْلِ كَذَا وَكَذَا لِبَعْضِ الْمَعَاصِي لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةِ، إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ الْجِنَّانِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ وَأَفْضَلُ وَأَنْبَلُ وَأَكْثَرُ نَعِيمًا وَأَوْسَعُ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، يُرِيدُ لَا يَدْخُلُ شَيْئًا مِنَ الْجِنَّانِ، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَتَكُونُ إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ دَافِعَةً لِلْأُخْرَى، وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ دَافِعًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مِمَّا لَا يَدْخُلُهُ التَّنَاسُخُ، وَلَكِنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ

ص: 870

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا شَيْبَانُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيَّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أُمَّ الرَّبِيعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ الثُكْلَ قَالَ:" يَا أُمَّ حَارِثَةَ: إِنَّهَا جِنَانٌ، وَإِنَّ ابْنَكَ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى "

⦗ص: 873⦘

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا أَبَانُ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ الْعَطَّارَ وَثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَحَادِيثَهُمْ مَرْفُوعَةً، كُلُّهَا بِهَذَا الْمَعْنَى

ص: 872

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ قَالَ: ثَنَا أُمَيَّةُ يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عَمَّتِي حَارِثَةُ يُطَارِدُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَتَتْ أُمُّهُ الرَّبِيعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ كَانَ حَارِثَةُ فِي الْجَنَّةِ فَسَأَصْبِرُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَسَتَرَى، قَالَ:«يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى»

ص: 873

حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ الرُّبَيِّعَ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْبِئْنِي عَنْ حَارِثَةَ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ فِي الْبُكَاءِ، فَقَالَ:«يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي جَنَّةٍ، وَإِنَّهُ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ أَمْلَيْتُ أَكْثَرَ طُرُقِ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَقَدْ أَمْلَيْتُ فِي كِتَابِ ذِكْرِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ ذِكْرَ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، وَبُعْدَ مَا بَيَّنَ الدَّرَجَتَيْنِ، وَأَمْلَيْتُ

⦗ص: 875⦘

أَخْبَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ، كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقٍ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ: تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: بَلَى، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ، وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ «وَأَمْلَيْتُ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِنْ دَرَجِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ " فَمَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ بَعْضِ الذُّنُوبِ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي قَالَ: إِنَّ مُرْتَكِبَهَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعَالِيَ مِنَ الْجِنَّانِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَرْتَكِبُوا تِلْكَ الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا وَالْحُوبَاتِ، وَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ وَأَنَا حَدَثٌ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» : أَيْ لَا يَدْخُلُ النَّارَ دُخُولَ الْأَبَدِ، كَدُخُولِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ» الْأَخْبَارُ الَّتِي قَدْ أَمْلَيْتُهَا بِتَمَامِهَا، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهَا أَيْ: لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ مَوْضِعَ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ النَّارِ، إِذِ اللَّهُ عز وجل قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ لِلنَّارِ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مَقْسُومًا، فَقَالَ:{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} [الحجر: 44]

⦗ص: 876⦘

، فَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ: قَدْ يَكُونُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ مَوْضِعَ الْكُفَّارِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَوْضِعًا وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَخْرُجْ، قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي لَا يَدْفَعُهَا عَالِمٌ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَإِذَا اسْتَحَالَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، ثَبَتَ وَبَانَ وَصَحَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مِمَّنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنْ إِيمَانٍ إِنَّمَا أُخْرِجَ مِنْ مَوْضِعِ النَّارِ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنَ النَّارِ فَالتَّأْلِيفُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا، وَبِيَقِينٍ يَعْلَمُ كُلُّ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ جَائِزًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا أَدْخُلُ الدَّارَ إِنَّمَا يُرِيدُ بَعْضَ الدُّورِ، كَذَلِكَ يَقُولُ أَيْضًا: لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَلِفُلَانٍ دُورٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنِّي لَا أَدْخُلُ بَعْضَ دُروِهِ، لَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ لَا أَدْخُلُ شَيْئًا مِنْ دُورِ فُلَانٍ، وَالصَّادِقُ عِنْدَ السَّامِعِ الَّذِي لَا يَهْتَمُّ بِكَذِبٍ إِذَا سَمِعَهُ يَقُولُ: لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، لَمْ يَتَوَهَّمُ مَنْ سَمِعَ مِنَ الصَّادِقِ هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنَّ إِحْدَاهُمَا خِلَافُ الْأُخْرَى، إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ عِنْدَهُمْ وَرِعًا دَيِّنًا فَاضِلًا صَادِقًا، وَيَعْلَمُ مَنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، إِذَا سَمِعَ اللَّفْظَةَ الثَّانِيَةَ: أَدخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّارِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرَ الدَّارِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا، فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا

⦗ص: 877⦘

عِنْدَ السَّامِعِينَ إِذَا سَمِعُوا الصَّادِقَ الْبَارَّ عِنْدَهُمْ يَتَكَلَّمُ بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِمُتَنَاقِضَتَيْنِ وَلَا مُتَهَاتِرَتَيْنِ، وَأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ اللَّفْظَتَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الصِّدْقِ، وَيُؤَلِّفُونَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالدَّارِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرَ الدَّارِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا، وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ أَبَرُّ الْخَلْقِ، وَأَصْدَقُهُمْ وَأَبْعَدُهُمْ مِنَ الْكَذِبِ، وَالتَّكَلُّمِ بِالتَّكَاذُبِ وَالتَّنَاقُضِ أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْتَيْقِنَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» يُرِيدُ: لَا يَدْخُلُ شَيْئًا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ:«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» لِأَنَّ اللَّفْظَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رُوِيَتَا عَنْهُ إِذَا حُمِلَتَا عَلَى هَذَا: كَانَتْ إِحْدَاهُمَا دَافِعَةً لِلْأُخْرَى، فَإِذَا تُأُوِّلَتَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَتَا مُتَّفِقَتَيِ الْمَعْنَى، وَكَانَتَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ فَافْهَمُوا هَذَا الْفَصْلَ، لَا تُخْدَعُوا فَتَضِلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَنَقُولُ أَيْضًا: مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَقُولُ: لَا أَدْخُلُ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يَدْخُلُ فُلَانٌ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا: يُرِيدُ مُدَّةً مِنَ الْمُدَدِ وَوَقْتًا مِنَ الْأَوْقَاتِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ: يُرِيدُ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ هَذِهِ الْحُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِمَّا لِلْمُحَاسَبَةِ عَلَى الذَّنْبِ، أَوْ لِإِدْخَالِ النَّارِ لِيُعَذَّبَ بِقَدْرِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ الذَّنْبُ مِمَّا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْمُرْتَكِبُ النَّارَ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ وَيَصْفَحُ وَيَتَكَرَّمُ، فَيَغْفِرُ ذَلِكَ الذَّنْبَ

⦗ص: 878⦘

، فَمَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تُحْمَلْ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَتْ عَلَى التَّهَاتُرِ وَالتَّكَاذُبِ، وَعَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَتَأَوَّلُوا أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:«إِذَا حَدَّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ وَأَهْدَاهُ وَأَتْقَاهُ»

ص: 874

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ السُّلَمِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ:" إِذَا حَدَّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ وَأَهْدَاهُ وَأَتْقَاهُ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ وَقَدْ ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ: نِعْمَ سَاعَةُ الْوِتْرِ هَذِهِ "

⦗ص: 879⦘

وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ حِينَ ثَوَّبَ الْمُثَوِّبُ لِلصَّلَاةَ، فَقَالَ:«أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْوِتْرِ؟ هَذَا حِينُ وِتْرٍ حَسَنٍ»

ص: 878

بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عز وجل {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} [الحج: 66] ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ لَيْسَ يَنْفِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُحْيِي الْإِنْسَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ

ص: 879

عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى مِمَّنْ أَنْكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ، وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحْيِي أَحَدًا فِي الْقَبْرِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ:{رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْجِنْسِ الَّتِي قَدْ أُعْلِمَتْ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِنَا فِي ذِكْرِ الْعَدَدِ الَّذِي لَا يَكُونُ نَفْيًا لِمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ فَافْهَمُوهُ لَا تُغَالِطُوا قَالَ اللَّهُ عز وجل: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} فَقَدْ أَحْيَا اللَّهُ عز وجل هَذَا الْعَبْدَ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تُصَرِّحُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْيَا هَذَا الْعَبْدَ مَرَّتَيْنِ إِذْ قَدْ أَحْيَاهُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ مُكْثِهِ مَيِّتًا مِائَةَ سَنَةٍ، وَسُيُحْيِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَبْعَثُهُ وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة: 243] وَقَدْ كُنْتُ بَيَّنْتُ فِي كِتَابِي الْأَوَّلِ كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ تَكْوِينٍ، أَمَاتَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ مُوتُوا لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ دَالٌ عَلَى أَنَّهُمْ مَاتُوا وَالْإِحْيَاءُ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ؛ لَأَنَّ قَوْلَهُ عز وجل:{ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة: 243] دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مَاتُوا فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَذِهِ الْجَمَاعَةُ قَدْ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ مَرَّتَيْنِ، قَبْلَ الْبَعْثِ، وَسَيَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيَاءً، فَالْكِتَابُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي هَذِهِ الْجَمَاعَةَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

ص: 880

لَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَتْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يُحْيِي أَحَدًا فِي الْقَبْرِ قَبْلَ وَقْتِ الْبَعْثِ فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَنِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافَ دَعْوَاهُمُ الدَّاحِضَةِ، خَبَرَ اللَّهِ عز وجل أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَسِيَاقُ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ النَّارَ إِنَّمَا تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمُحَالٌ أَنْ تُعْرَضَ النَّارُ عَلَى جَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ أَيْضًا أَنَّ النَّارَ تُعْرَضُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، كَذَلِكَ أَخْبَرَ أَنَّ الْجَنَّةَ تُعْرَضُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ غُدُوًّا وَعَشِيًّا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا

ص: 881

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالُوا: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ إِلَيْهِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ أَمْلَيْتُ طُرُقَ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي أَبْوَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَهَذَا الْخَبَرُ يُبَيِّنُ وَيُوَضِّحُ أَنَّ الْمَقْبُورَ يَحْيَا فِي قَبْرِهِ، وَيُبَيِّنُ وَيُوَضِّحُ أَيْضًا: أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ، لَا كَمَا ادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُمَا لَمْ تُخْلَقَا بَعْدُ

⦗ص: 882⦘

، فَاسْمَعُوا خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآي الَّتِي تَلَوْتُهَا، وَالْبَيَانُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُحْيِي الْمَقْبُورَ قَبْلَ الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِمَّا لَمْ أَكُنْ ذَكَرْتُهُ فِي أَبْوَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ، إِذْ لَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي أَذْكُرُهَا ذِكْرُ الْعَذَابِ، إِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْإِحْيَاءِ فِي الْقَبْرِ دُونَ ذِكْرِ الْعَذَابِ

ص: 881

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ»

ص: 882